[email protected] هذه أول محطة قرآنية أحس فيها صادق بالفخر والاعتزاز. أستظهر سورة الإخلاص، التي جرت العادة على تكريم الأطفال بعد حفظها لأول مرة. هذا يوم مهم وفريد في مسيرة صادق في الكتاب، لقد انتظر هذه اللحظة طويلا وكلفته عناء كثيرا. اليوم يحصل على “ثزويقت” ويأخذ لوحه إلى المنزل ليريه والديه وجدته. الفقيه يزين لوح صادق بأشكال هندسية جميلة، تشكل إطارا مزخرفا يأوي في وسطه سورة الإخلاص. يكتبها بخط جميل يدل على براعته في الكتابة والتزيين. هذا أول يوم يشعر فيه صادق أن الفقيه يعترف بذكائه وبذاكرته القوية ومجهوداته الجبارة. أحضر قطعة قماش كما نصحه الفقيه، لأنه يجب أن يأخذ اللوح مستورا إلى منزله. “يمكنك أن تُري لوحك أباك وأمك وكل أفراد عائلتك لكن إياك أن يرمقه الدجاج” يقول الفقيه مخاطبا صادق. تساءل صادق عن العلاقة بين الدجاج والقرآن، لكن الفقيه اكتفى بتحذيره بجدية “إذا رمقت عين الدجاج “زويقتك” فإنك لن تحفظ القرآن بعدها أبدا” ود صادق لو استطاع أن يسأل “وماذا عن أعين كلبنا غزال؟” لكنه احتفظ بالسؤال في نفسه الصغيرة، لأنه كان يعلم مدى احتقار أهل الدوار للكلاب وأنهم يعيدون الوضوء إذا ما لمسوا كلبا. فكيف له أن يقربه من لوحه الحامل لآيات قرآنية. لو كانت ملامسة ومداعبة الكلاب تدخل النار، لجهز صادق حقيبته وسافر في اتجاه جهنم وهو ما زال طفلاً صغيراً. غزال كان الصديق الوفي والوحيد لصادق، يجده بجانبه كلما ضاق صدره بمعاشرة الناس الذين كانوا كلهم يكبرونه سناً. عليّ كان يتكلف بالنار التي يشعلونها أيام الغمام قصد تجفيف الألواح. يكلف الصغار بجمع الأخشاب اليابسة والحشائش. ويحضر عود الثقاب من منزله، يخبؤها تحت قبعته ليحميها دفء رأسه من البرودة والرطوبة. كل الأطفال يفرحون لإشعال النار في أيام الشتاء الباردة. نسيم بارد قاسي يهب من الجهة الشرقية، غيوم بئيسة تحجب أشعة الشمس الفاترة، ما يزيد من شدة الجوع الذي يحس به الأطفال بعد قضاء ساعات في الكتاب. يفترشون حصيرة قديمة تترك أجسامهم الصغيرة عرضة للبرودة المتصاعدة من التراب الرطب الذي يكسو أرضية الكتاب. الفقيه وحده من يجلس على”ثهضورث” جلد الخروف ذو الصوف الكثيف الدافئ. في بعض الأيام الباردة تزور البركة الكتاب، نساء كريمات فاضلات من الدوار يرسلن شيئاً من الخبز أو التين للأطفال. الإستراحة التي يتمتعون بها عند تقسيم الأكل والتمتع به، كانت أثمن من الأكل نفسه. تساءل صادق عن سر الحلاوة واللذة في طعم هذا الخبز الذي يفرقونه في الكتاب. شاءت الأقدار أن يصب غضب الفقيه اليوم، في اتجاه عليّ الذي يخفي الوقيد تعت قبعته. انهال الفقيه بعصاه على رأسه ليشعل عود الثقاب المختفي تحت القبعة. شب حريق فوق رأس عليّ، الذي سارع لإطفائه قصد التخلص من الألم الشديد الذي أصابه من جراء النار الحارقة. انفجر الأطفال في ضحكة ساخرة. محجوب الذي كرر حفظ القرآن مرتين استهزأ من عليّ مستعملا آية من سورة البقرة. بسم الله الرحمن الرحيم “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” صدق الله العظيم. غضب الفقيه من هذا التوظيف الخاطئ لآية قرآنية، ثم انهال على محجوب بعصاه وهو يصيح: “خذ لك من حسنات الدنيا الفانية”. الساعة الشمسية تتوقف أيام الشتاء الغائمة. يحل محلها اجتهاد الفقيه في هذه الأيام القصير نهارها. عندما تطول الساعات على صادق، يفتعل آلاما حادة في بطنه، يضطر معها الفقيه أن يرسله إلى البيت وهو يقول له: “اطلب من أمك خبزا دافئا ليزيل عنك الألم”. رغم صغر سن صادق كان ذكيا ويدرك أن هذه الوسيلة للنجاة من الكتاب لا يمكن أن تثمر كل يوم، فكان يقتصد في استعمالها ويحتفظ بها للأيام التي يزورهم فيها الضيوف. شارك هذا الموضوع مع أصدقائك Tweet