سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الكتاتيب القرآنية لعبت دورا هاما في تلقين اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم وترسيخ الدين الإسلامي «حضار»أو»مسيد» الحارات القديمة مدرسة دينية تربوية شعبية متجذرة في التاريخ المغربي
لحضار، المسيد، الجامع، تعددت الأسماء والمعنى واحد أي الكتاب القرآني، مؤسسة تربوية شعبية ضاربة في التاريخ المغربي ، حيث ظلت عبر عقود معينا للمعرفة وخطاً للسلوك الإسلامي الأخلاقي والاجتماعي انطلاقا من العناية بكتاب الله العزيز، حفظا وتعلما وتعليما عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وعلى هذا الأساس ظل الكتاب القرآني يشكل الحصانة الروحية والدعامة الأساسية للحفاظ على الهوية المغربية وثوابتها الدينية رحم الله زمان، أيام الكتاتيب القرآنية، ورحم الله فقيه زمان «الطالب»، كان لهما وقارا واحتراما عندنا، نلتمس منهما الخيرات والبركات، ونطلب منهم الدعاء الصالح ونقبل أيديهم احتراما وتمجيدا، «الطالب» الذي كان مفتي الحومة وحكيمها ومستشارها، وهو الحكم في نزاعات الناس، أي أن دوره لم يكن محصورا داخل الكتاب القرآني، بل امتد إلى بيوت تلاميذه، فكان التلميذ إذا زاغ عن السلوك المستقيم، يهدده الوالدين بإخبار الفقيه بسلوكه، وبذلك تركبه الخشية ما بعدها خشية من أن تصل تلك الأخبار الفقيه، فخشيته وتوقيره واحترامه والاستحياء منه تلازمنا مدى الحياة، خلاصة القول وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في حيه، والذي كان يعيش فقط بما يجود به عليه ناس الحي، وقتها لعبت الكتاتيب القرآنية دورا هاما في تعليمنا اللغة العربية وتحفيظنا القرآن الكريم وترسيخ الدين الإسلامي ليس فقط للصغار وإنما للكبار أيضا، فالجيل المتعلم في فترة الخمسينات والستينات من هذا القرن هم من خريجي الكتاتيب القرآنية أي «لحضار» هكذا كنا نسميه باللهجة المراكشية فيما يسميه أهالي المدن الأخرى اْما»المسيد» أو «الجامع» كان للمولى محمد بن عبد الله اهتمام خاص بالطلبة حفظة القرآن الكريم في ضريحي أبي العباس السبتي، أو طلبة مكفوفين عاجزين عن التكسب أو طلبة علم في المدارس أو طلبة يعلمون أبناء المسلمين في الكتاتيب القرآنية، وقد وقف على طلبة مراكش أوقافا كثيرة منها ما يتعلق بالشؤون الدينية ومنها ما يتعلق بالشؤون المجتمعية ومنها ما يتعلق بالشؤون الثقافية، أيام «حضار» سويقة لمراح بحومة الزاوية العباسية بمدينة مراكش كانت دائما راسخة في ذهني ولازالت ترافقني الى اليوم، ألالواح في «المحضرة» في كل الزوايا متناثرة هنا وهناك، والفقيه أو الطالب يقتعد دكانة عالية يشرف منها علينا، يحمل بيده عصا طويلة يبث بها الرعب فينا ويهوي بها على كل مشاغب او من ركب حمقه الطفولي، أوحين كان يتركنا نحفظ القران جماعة لينشغل هو في خياطة الجلباب بالبرشمان، لازلت اتذكرأحد أقراننا الأكبر سنا منا قبالته يشد بيديه على خيوط البرشمان الحريرية إما واقفا على رجليه أو يزحف تارة على مؤخرته أو ركبتيه طورا، بحسب طول الخيوط التي يشدها أو قصرها مشدودة من رؤوسها بخيط من سعف النخيل، متى قبض الفقيه على أحد أطرافها للخياطة قصرت بين أنامل صديقنا الذي يعمل على إدخال الخيوط بعضها في البعض وهكذا دواليك إلى أن يكتمل الجلباب، ظلت صورة الفقيه و «لحضار» من أجمل الأيام في طفولتي، حيث كان جيل بكامله يتعلم الأبجديات الأولى للكتابة والقراءة وحفظ القران الكريم وأيضا الجد والاحترام على حصيرة، وفي اليوم الذي كانت لا تمحي فيه لوحة أو عندما كان ينام تلميذ ينال نصيبه من «الفلقة»من الطالب ويا لها من «فلقة» بالعصا، أذكر كيف كان طالب لحضار يحمل أرجل زملائي في الفلقة ويضرب باطن القدم ، كلها أصبحت أشياء من ماضينا، وأصبح اليوم عوض لحضار، الروض و»السيبير»حواسيب وانترنيت والعاب الكترونية ووو...لم يعد هناك لا لوح ولا «محاي» ولا صلصال ولا» دواية السمق»ولا «مكراك.. « ماضينا نحن الكبار وحاضرهم هم الأطفال الان..ولكل جيل خصوصياته، وتبقى الذكرى ذكرى والحنين إليها نوع من الارتباط بالماضي عرفت «لحضار» في سن مبكر قبل أن ألتحق بالمدرسة في سن السادسة لينقرض بعد ذلك «لحضار» من مدينتنا بشكل شبه كامل، كنت صغيرا لم يتجاوز عمري بعد الرابعة سنوات، قادني أبي الى الكتاب حي لمراح المجاور لدربنا درب المرسان بحي الزاوية العباسية نسبة لضريح أبي العباس السبتي، وأدخلني على فقيه الكتاب الذي منحني للتو لوحة مكتوب عليها أو الحروف الهجائية ، وككل أطفال الحي كان ذلك الحدث هاما بالنسبة لكوني أصبحت اخرج من الدار إلى «لحضار» لوحدي دون خوف ولا وجل، لم يكن الخوف على الأطفال معروفا لدى الاسر وقت ذاك، كانت السكينة والأمان هما السائدين، و حين بلغت ست سنوات أي بعد ولوجي المدرسة الابتدائية بحي قبور شو كنت ملزما بأخذ «سطول» الماء لملئهم من سقاية الحومة وأيضا آخذ الخبز للفران، بالحضار كان هناك من هم اكبر مني سنا بل وبكثير يحفظون القران ثم يستظهرونه على الفقيه «ويكركون» كما يقال بلغة لحضار على الفقيه وكانوا كلما حفظوا اية قرئانية يمسحونها ب «الصمخ» ويضعونها في زاوية من زوايا لخضار اتجاه اشعة لشمس لتيبس ويكتب لهم الفقيه اية جديدة الى ان حفظوا ستون حزبا وحين انتهاءهم من الحفظ وتمكنهم من الاحزاب كلها يأذن لهم الفقيه بالإحتفال كما جرت العادة ، فاقامت لهم عائلتهم حفلا ضم كل الجيران وطلبة المسيد ، أطعمتهم الكسكس والشاي وقضوا الليلة كلها في الذكر والأناشيد الدينية وترتيل القرآن ... على مدى تاريخ طويل في المغرب اكتسب الكتاتيب القرانية المنتشر في والبوادي والمدن أهمية كبرى في نفوس المغاربة ويرجع اهتمامهم الناس بدراسة القرآن ارتباطهم بالدين الإسلامي، وقد أطلق المغاربة على الكتاتيب القرآنية أسماء خاصة ذات دلالة عندهم مثل: المسيد، الجامع، لحضار أو المحضرة، دار الفقيهة، كان لحضار يتميز بنظام تسجيل خاص ميزها عن التسجيل في المدارس الحكومية، فنظامها يقبل فيه كل الأعمار، تجد فيها الغلام ابن الخمس والصبي ابن العاشرة والشاب ابن العشرين، ولكل تلميذ لوح يكتب فيه ما يحفظه بمداد الصمخ، ويجلسون جماعة يتصدرها الفقيه الطالب وفي يده عصا طويلة، يحتاجها لمعاقبة الكسالى أو المخالفين لنظام لحضار، ويحظى الفقيه او الطالب بالاحترام وكل التقدير في القرية أو المدينة، إذ يترك التلاميذ عنده يعلمهم بجانب القرآن مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ، وجري العرف أن يمنح اولياء التلاميد الفقيه بعض من النقود كل يوم أربعاء من كل أسبوع وكانت هده المنحة تدعى» لربعية»، ومند اليوم الاول من دخول لحضار يتعلم الصبي كتابة الحروف الهجائية على اللوح ويظل يكررها في كل يوم إلى أن يستقر رسمها في ذهنه، وهنا يستحق الغلام حمل (لوح) مكتوب عليها اول صورة قرانية الفاتحة، وتجري عادة الحفظ، بأن يقوم التلميذ بالكتابة اللوحة على جهها وظهرها، بعد أن يقوم التلميذ بوضع الصلصال عليها، وتكون الكتابة بالسمق (أو السمخ أو الصمغ) البلدي وهو نوع من المداد الخاص بالكتابة على الألواح حسب تسمية كل منطقة، بواسطة قلم مصنوع من القصب. كان يجري استعمال وسائل وأدوات معينة وهذه الأدوات هي اللوح الذي يكتب عليه الطلبة وهو من الخشب، كما أن القلم المستخدم في الكتابة يجري صنعه من القصب، كذلك على التلميذ في لحضار أن يؤمن لنفسه حبر الكتابة ويسمى ( الصمخ )، و(المكراك ) وهوعود صغير صلب يضغط به على اللوح للتركيزوالحفظ، ويستمر التلميذ في استعماله إلى أن يختم القرآن حفظاً، الذي غالباً ما يتم في ثلاث سنوات، وتسمى الختمة الأولى للقرآن (الشقة) ثم يبدأ بعدها الطالب قراءة القرآن من الأول (شكل مراجعة) وتسمى (العودة). في مقتطف من احدى حلقاته عن قُدسية التعليم الديني وبركاتهما يقول الدكتور عبد الهادي بوطالب رحمه الله ان التعليم الحضاني التقليدي كان تعليما شائعا بالمغرب من أدناه إلى أقصاه، كان يعيش من ريْعه مجموعة من فقهاء الكتاتيب القرآنية الذين كانت ثقافتهم لا تتجاوز حفظ القرآن بأحزابه الستين، كان للكتاتيب القرآنية ومعلميها (أو فقهائها) قدسية عند العامة ما كان يجعل منهم طبقة يُقتدى بها وتُلتَمس منها الخيرات والبركات، وتطلب العامة منهم الدعاء الصالح ويُقبِّل الناس أيديهم تمجيدا وتعظيما، وكان فقهاء المسيد يتقاضون في يوم الأربعاء من كل أسبوع مبلغا ماليا يترك لولي التلميذ تحديده. ومن هذا المدخول كان يعيش فقيه الكُتّاب الذي يغلق إثر ذلك الكُتاب طيلة يوم الأربعاء وهو يوم العطلة الأسبوعية. ويطلق على المبلغ الذي يؤديه تلاميذ الكُتّاب للفقيه حق الأربعاء. ومن لا يؤدي هذا المبلغ يطرده الفقيه بعد الإعذار. تلاميذ المسيد وجميعهم دون البلوغ كانوا هم أيضا مقدسين من لدن العامة إذ هم شرعا لا يؤاخذون بذنب ما لم يبلغوا. وكانت دعواتهم وما يقرأونه من آيات القرآن تُعتبر من لدن العامة مقبولة عند الله ويرجى منها الخير لعامة الناس. وإذا دخلت امرأة حاملة في طور المخاض وعسُر مخاضها يحضر زوجها عند فقيه المسيد ليأمر هذا التلاميذ بالطواف بالأزقة والشوارع وهم يدعون الله للحاملة أن يسعدها بفرجه ويعجل لها بوضع مولودها. وكان التلاميذ يرددون ما علَّمَهم الفقيه أن يقولوه في هذه المناسبة: «أنفيسة طالْ بها لَنْفاس(النفاس) ياربي أعطها لَخْلاص» بْحُرْمة طه وياسينا (سورة طه وسورة ياسين) وقرآن حكيما (والقرآن الحكيم)، وكان التلاميذ يحملون إزارا أبيض فيه بيض دجاج يمسك به التلاميذ ويرفعونه قليلا فيمر الناس ويرمون بقروش نقدية إذا أصاب بعضها البيضة وتكسّرت وسال بيضها على الإزار علم الفقيه أن الحامل قد أفرج الله عنها وجاءها الخلاص بوضع الحمل أو الوفاة. فيعود الموكب إلى البيت إما للتهنئة بالمولود أو للتعزية في النفساء. «ولا يفعل ربك إلا خيرا على كل حال». كان اختيار أطفال دون البلوغ لهذه المهمة مقتبسا مما أثر عن الترغيب في مشاركة الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم في صلاة الاستسقاء وتضرعهم إلى الله أن يسقي عباده وبهيمته والأرض والحرث فهم في هذه السن موطن البركة يسمع الله دعواتهم ويرحم بهم من يشاء لأنهم لا يرتكبون من الذنوب ما قد يرتكبه البالغون وهم لا يُسألون عما قد يرتكبونه من ذنوب لأنهم لم يبلغوا سن التكليف.