ظل عدد من الريفيين، منذ سنوات، يرفعون مطلب «الحكم الذاتي» كشكل من أشكال تحقيق المصالحة بينهم وبين الدولة. ودأبوا، منذ ذلك الوقت، على الدخول في «رداء الضحية» ورفع قميص «القومية الأمازيغية» والرهان عليه لحشد عطف الأمازيغيين، سلالة ماسينسا ويوغرتن ويوبا وتيهيا ودوناتوس..إلخ، وانتزاع أقصى ما يمكن من المكاسب. غير أن بعض الأصوات الريفية ذهبت، تلميحا أو تصريحا، أبعد من ذلك حينما اعتبرت هذا المطلب امتدادا ل «الجمهورية الريفية»، وإحياء لدستورها الذي يطمح إلى تأسيس دولة مستقلة عن حكم العلويين. وبين هذا الفريق أو ذاك، تنتصب مجموعة من التساؤلات التي لا بد من طرحها: - إذا كان المغرب، ونظرا لأسباب سياسية أملاها نزاع الصحراء، قد تقدم بخطة للتسوية تقوم على منح الصحراويين الحكم الذاتي، فهل يعتبر هذا مسوغا ليتبنى الريفيون هذا المطلب؟ - هل التلويح بالرغبة في الانفصال (النظام الجمهوري) يفضي دائما إلى الدخول في مفاوضات من أجل إخماد النزاع؟ - هل كان نظام الحسن الثاني، أثناء مرحلة الرصاص، رحيما بالمناطق الأخرى، حتى يظل بعض الريفيين رهائن أكثر من غيرهم لشهداء سقطوا وسجناء عذبوا أو اختطفوا أو أعدموا؟ - ألا يفتح مثل هذا المطلب الباب على مصراعيه لمطالبة أهل دكالة أو عبدة أو السراغنة أو الرحامنة أو ساكنة حوض درعة ودادس، بالحكم الذاتي، وتحويل البلاد إلى رقع ممزقة ومتناحرة؟ ————————————— محمد الشامي، رئيس كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بشمال المغرب: الحكم الذاتي سيعيد للريف توهجه لا يتردد محمد الشامي، رئيس كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بشمال المغرب، في القول إن الكونفدرالية كانت هي السباقة بمطالبة الحكم الذاتي بالريف. إلا أنه يوضح أن «الأوطونوميا» لا تفيد الانسلاخ عن المركز بقدر ما تسمح باستغلال أمثل للطاقات وللإمكانيات * تتحرك منذ سنوات الفعاليات الأمازيغية المغربية نحو المطالبة بالجهوية الموسعة، ومنح جهات نظام الحكم الذاتي. ما هي في رأيك دواعي هذا المطالب؟ ** أولا، لابد من التوضيح أن مطلب الحكم الذاتي الذي أفضل تسميته ب «الأوطونوميا» لا يعني مطلقا مطلب الاستقلال عن المركز، بقدر ما يعني منح جهات صلاحيات أوسع لتدبير شؤونها وتسيير أمورها، وهذا ما عبرنا عنه في البيان السياسي الذي أصدره المؤتمر الأول لكونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بشمال المغرب، المؤرخ في الأحد 26 غشت من سنة 2006، حيث اعتبرنا أن ممارسة الحكم الذاتي اختيار ديمقراطي لتحقيق التكامل والتكافؤ بين أقاليم المغرب. * هل يعني هذا أن الكونفدرالية كانت السباقة إلى طرح خيار الحكم الذاتي في المغرب؟ ** نعم، كنا من السباقين إلى طرح خيار الحكم الذاتي «الأوطونوميا» في المغرب، باعتباره شكلا من أشكال الديمقراطية التي تمنح صلاحيات واسعة للجهات من أجل تدبير شؤونها، لكن تم فهم ذلك بشكل مقلوب، حيث اتهمنا بأننا نطالب بالاستقلال، والحال أن الحكم الذاتي هو أسلوب و شكل ديمقراطي لا يتوخى الانسلاخ والانزياح عن السلطة المركزية، بقدر ما يروم تحقيق التكامل بين الجهات والأقاليم. * لكن هناك تخوفات من أن يتحول مطلب الحكم الذاتي إلى مطلب الاستقلال الذاتي؟ ** ما يجب التأكيد عليه أن تاريخ المغربي القديم، عرف «الأوطونوميا». فالدور الذي ظل يلعبه شيخ القبيلة في حفظ النظام القبلي وفي تسيير الحياة اليومية للقبيلة، وفي تنظيم دورتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كان يرتكز على مبدأ التعاون في جميع مناحي الحياة والقبلية التي كانت خاضعة للسلطة المركزية التي كانت تمثل السلطة الدينية والسياسية التي يحتكم إليها في القرارات المصيرية... لهذا، أعتقد أن هذه التخوفات يمكن أن تزول بزوال العقلية الانفصالية. نحن نطمح إلى حكم ذاتي من أجل بناء مغرب الغد مغرب الحداثة والديمقراطية، مغرب الرهانات الكبرى، مغرب تلعب فيه الجهوية الموسعة دورا رياديا في البناء الديمقراطي والتنموي. * أنتم لا تتوخون الانفصال إذن؟ ** طرح الحكم الذاتي في الشمال هو طرح لبناء الدولة الفيدرالية الديمقراطية وليس طرحا انفصاليا. ونحن الآن نسعى إلى بناء تصور للحكم الذاتي في الشمال، وذلك بالاطلاع على تجارب الدول الديمقراطية التي تمارس الحكم الذاتي. * ألا تعتقد بأن الأمر يتطلب إشراك الجميع لبناء تصور الحكم الذاتي؟ ** طبعا، الأمر يتطلب ذلك، لهذا فنحن في إطار الكونفدرالية قمنا بالعديد من اللقاءات من بينها قافلة تيفيناغ الأوربية التي زارت خلال شهر أربع بلديات أوربية، وعلى رأسها الإتحاد الأوربي ببروكسيل، وذلك للتعريف بالثقافة الأمازيغية، وتخللتها 22 محاضرة، والندوة العالمية التي انعقدت في الناظور في وقت سابق حول الدول الفيدرالية و الحكم الذاتي.. لكن هذا الجهد يحتاج إلى جهود أخرى على مستوى هياكل وإطارات ومؤسسات الدولة. * إذن تعتبر «الأوطونوميا» الحل الأمثل لربح رهان التنمية؟ ** نعم، نعتبر ذلك حلا أمثل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعاني الشمال المغربي من التهريب بكل أنواعه ومن المخدرات والهجرة السرية، ويعاني كذلك من مخططات إسبانيا الاستعمارية في الشمال بإعلانها الحكم الذاتي في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين داخل المجال الريفي، والعدوان على جزره... فالإذلال الذي شعر به الريفيون أثناء قضية جزيرة «ليلى» لا ينسى أبدا، وهم الذين لقنوا دروسا للسياسة الإسبانية المتعجرفة، في أنوال وغيرها، لذلك كله فالحكم الذاتي لا يمكن إلا أن يكون إيجابيا. ——————————————– كريم مصلوح، المنسق العام للحركة من أجل الحكم الذاتي للريف: الحكم الذاتي مطلب كل الريفيين * لماذا تطالبون بحكم ذاتي في الريف ؟ ** المطالبة بتمتيع الريف بحكم ذاتي موسع يرجع بالأساس إلى عدة عوامل، منها أن الريف تعرض لما يمكن تسميته بالتهميش التاريخي، وقمع ممنهج منذ سنة 1958 إلى سنة 1984، مما ساهم في غزل الريف عن المركز وبالتالي لم يستفد الريف نتيجة هذه السياسة في شيء و على جميع المستويات والأصعدة، بالرغم من أن الريف الذي يقع في موقع استراتيجي، يتوفر على كل الإمكانيات والموارد المالية التي تجعل منه قطب جذب اقتصادي ومالي مهم. * لكن هل تعتقدون أن الحكم الذاتي قادر على نفض الغبار عن الريف؟ ** بالطبع نعم، فالحكم الذاتي في منطقة الريف بإمكانه أن يكون بوابة سياسية لبناء ريف بمواصفات حداثية، لكننا نعتقد بأن النهوض بالريف يستدعي توفر ديمقراطية حقيقية على كافة المستويات... فنظام الحكم الذاتي أثبت جدارته في مجموعة من البلدان، وباعتباره حقا من حقوق الإنسان الجماعية كما نصت عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كانت مطالبتنا بتمتيعه بنظام الحكم الذاتي حتى يتمكن الريفيون من تسيير شؤونهم بأنفسهم عن طريق سياسة ديمقراطية يضمنها لهم نظام الحكم الذاتي الموسع. * ألا ترى أن الريف غير مؤهل لمطلب الحكم الذاتي؟ ** نحن نؤمن بأن الريف له خصوصياته وله ثرواته البشرية الهامة وثرواته الطبيعية ويتوفر على جالية مهمة بأوربا، ويشكل ثاني أكبر مركز مالي بالمغرب من حيث الودائع البنكية، ناهيك عن ثرواته الطبيعية المهمة كالسمك مثلا وثروات معدنية كامنة بجبال الريف. وله فوق هذا وذاك موقع جيوسياسي، يؤهل أبناء عبد الكريم الخطابي الانخراط في نمط الحكم الذاتي بالريف. * لكن الريف لا يتوفر في الوقت الراهن على كل المؤهلات؟ ** صحيح أن الريف لا يتوفر في الوقت الراهن على كل المؤهلات، وخصوصا المؤسسات القادرة على استيعاب نمط الحكم الذاتي، نتيجة لسياسة التهميش التي مورست عليه، لكن لا يشكل ذلك سببا ذاتيا لإسقاطه ضد مطلب الحكم الذاتي للريف، وهنا أعطي مثالا بمجموعة من التجارب الناجحة في نظام الحكم الذاتي مثل إقليم كاتالونيا الذي كان في عهد الديكتاتور فرانكو منطقة مهمشة جدا، بل وإلى عهد قريب كان نموذجا للتخلف الاقتصادي والاجتماعي، لكن بعد تمتيعه بنظام الحكم الذاتي أصبح هذا الإقليم من بين الأقاليم الرائدة اقتصاديا في اسبانيا. * ما هي ردود أفعال المجتمع المدني حول مطلب الحكم الذاتي للريف؟ ** مطلب الحكم الذاتي لم يعد مطلب الحركة الأمازيغية بالناظور التي صاغت وثيقة سياسية في هذا المقام يوم 6 فبراير 2008، وعبرت على ضرورة تمتيع الريف بنظام الحكم الذاتي في فاتح مايو الماضي، ولكنه كذلك، مطلب مجموعة من الهيئات الثقافية والسياسية التي بادرت إلى تنظيم لقاءات وندوات حول نفس المطلب كحزب التجديد والإنصاف والحزب الديمقراطي الأمازيغي وكونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بشمال المغرب، بالإضافة إلى شخصيات حكومية.