حوار جريدة "ازطا" مع الإعلامي والباحث مصطفى عنترة استغرقت تلاوة التصريح الحكومي أكثر من تسعين دقيقة، فلم يكن حظ الأمازيغية من هذا التصريح إلا ثانية أو ما يزيد عنها بقليل، باعتبارك مهتما وباحثا في الشأن الأمازيغي، ما الدلالة السياسية لهذا الإقصاء؟ "" تفيد العديد من المؤشرات أن الأمازيغية لازالت لم تجد مكانتها في دائرة الأولويات السياسية لحزب الاستقلال. لقد كان الفاعل الأمازيغي ينتظر أن يحمل التصريح الحكومي الذي قدمه الفاسي إلى أعضاء مجلس النواب التزاما واضحا ومسؤولا بخصوص موضوع تأهيل الأمازيغية والنهوض بها وإحلالها مكانتها داخل المجتمع والدولة كخطوة من شأنها أن تؤكد حسن نية وإرادة هذا الحزب وبالتالي تزيل الصورة التي عرف بها. لكن تأكد بالملموس أن حزب الاستقلال ظل مخلصا لأفكاره وطروحاته ووفيا للإرث السلبي الذي ورثه عن "الحركة الوطنية" والذي ميزه، كما هو معلوم، عن باقي مكونات الحقل السياسي. وأعتقد أن الخطاب السياسي لحزب الاستقلال حول الأمازيغية لا زال لم يتحرر بعد من تأثيرات أفكار علال الفاسي وعبد الكريم غلاب على اعتبار أن هذين الاسمين طبعا بشكل كبير مجمل الطروحات الفكرية التي يستند عليه الخطاب السياسي لحزب الاستقلال. فالوضع الحالي لن يتغير في الاتجاه الايجابي في انتظار بروز نخبة سياسية جديدة داخل حزب الاستقلال تملك رؤية ديمقراطية وحداثية عقلانية في تعاملها مع هذا الموروث الثقافي. صحيح، لقد سبق لعباس الفاسي أن أشار إلى أهمية الأمازيغية وطالب بدسترتها كلغة وطنية.. وهي خطوة متقدمة نسبيا مقارنة مع ما كنا نقرؤه في كتابات عبد الكريم غلاب، منظر الحزب، ومانسمعه في خطب قادة هذا الحزب. لكن لا يجب أن ننسى أن هذا التطور فرضه موقف المؤسسة الملكية من الأمازيغية بعد خطابي العرش وأجدير بخنيفرة وإحداث المعد الملكي للثقافة الأمازيغية.. فالفاعل السياسي اضطر إلى مواكبة هذا التحول، مما جعله يبدي مواقف إيجابية تتعارض مع قناعاته الفكرية والسياسية في غالب الأحيان. وقد تتبعنا كيف اجتهدت غالبية الأحزاب السياسية من أجل "المصالحة" مع المكون الأمازيغي. فالفاعل السياسي اضطر، كما أشرت، إلى مباركة الفلسفة والأفكار التي تضمنها الخطاب التاريخي لأجدير لكون مضامينه تشكل أحد المحاور التي تأسس عليه "التعاقد السياسي" المبرم بين المؤسسة الملكية والنخبة السياسية. يرى بعض الباحثين أن الأمازيغية ستعرف أياما عصيبة في ظل حكومة عباس الفاسي، إلى أي حد يبقى هذا الطرح صحيحا؟ الظاهر أن الحكومة الحالية عاجزة عن الاستجابة لدفتر مطالب الفاعل الأمازيغي التي لم تعد تقتصر، كما هو معلوم، على قضايا اللغة والثقافة بقدر ما أصبحت تركز على قضايا حساسة تهم ملكية الأرض، الاستفادة من المعادن التي تحتوي عليها بعض المناطق التي يتحدث أهلها باللسان الأمازيغي، توفير البنيات التحتية..، بل أكثر من ذلك أصبح سقف هذه المطالب يتحدث عن الحكم الذاتي كشكل من أشكال التدبير المحلي الذي يرعى الخصوصيات السوسيو ثقافية للمناطق المعروفة بطابعها الأمازيغي خاصة بعد العجز الذي أظهرته السياسات التنموية التي اتبعتها البلاد منذ الاستقلال في النهوض بهذه المناطق. وللإشارة في هذا الباب فقد بادرت مجموعة من الفعاليات الفردية والجماعية إلى تأسيس حركتين مدنيتين للمطالبة بالحكم الذاتي بسوس والريف الكبيرين. والغريب في الأمرين أن هذه المبادرةقوبلت بتجاهل تام من قبل الفاعل السياسي. فمطالب الفاعل الأمازيغي تبقى بعيدة كل البعد عن اهتمامات الحكومة، هذه الأخيرة التي تتحدد وظيفتها في تدبير الأزمة البنيوية التي تعيشها البلاد من أجل تفادي "سكتة قلبية" جديدة قد تأتي على الأخضر واليابس، خاصة وأن الأحداث الشهيرة لمدينة صفرو أكدت أن الوضع الاجتماعي أصبح شبيها ببرميل من بارود قابل للانفجار في أية لحظة وكلما توفرت له الذاتية والموضوعية. ومن هنا فالأمازيغية ستعرف، دون شك، أياما عصيبة في ظل الحكومة الحالية التي يقودها أهل فاس. فقد تتبعنا الوقفة الاحتجاجية الأخيرة لعائلات معتقلي الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة أمام مبنى البرلمان بعد الأحكام القاسية التي ضربت أبنائها، وهي الوقفة التي نقلتها وسائل الإعلام الدولية والتي رفع خلالها المتظاهرون شعارات ذات دلالات سياسية عميقة وواضحة. كما تتبعنا ردود الفعل الساخطة ضد قرار وزارة الداخلية بشأن حل الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي لأسباب غير مقنعة.. والأكثر من ذلك طالعنا أحد المنابر الإعلامية بخبر مفاده أن المناضل أحمد الدغرني، الأمين العام للحزب المذكور، تعرض لتهديدات من طرف مجهول عبر هاتفه النقال.. هذه التهديدات جاءت بعد تحركات قام بها الدغرني( لقائه مع قناة إسبانية ووفد عن السفارة البريطانية..). وتتبعنا أيضا، سلسلة البيانات والرسائل المفتوحة والكتابات الصحفية.. الصادرة بعد تعيين الفاسي على رأس الحكومة التي لم يقنع مضمون برنامجها الفاعل الأمازيغي، فضلا عن "البلوكاج" الذي لازال يعرفه مسلسل إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية والفضاء الإعلامي، وهو الأمر الذي ما فتئ يشير إليه في كل مناسبة أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. ومن هذا المنطلق فالأمازيغية كقضية اجتماعية وسياسية مرشحة لتعيش هي الأخرى ظروفا عصيبة، اللهم إلا إذا ظهرت أمورا من شأنها أن تعجل من تدخل المؤسسة الملكية لانقاد ما يمكن إنقاذه. سبق لعباس الفاسي أن صرح بمحاربة كل من يقول بد سترة الأمازيغية كلغة ر سمية، الآن وهو على رأس الحكومة وبالنظر إلى المستجدات الحاصلة في المشهد السياسي، في نظرك هل سيتشبث بموقفه الأول أم سيعمل على تليينه وفق ما يستوجبه الواقع السياسي؟ لازال تصريح الأمين العام لحزب الاستقلال في الدورة التاسعة للجامعة الصيفية المنظمة من قبل شبيبة حزبه("إن حزب الاستقلال سيكافح لكي لا تكون الأمازيغية لغة رسمية") يثير غضب و استنكار الفاعل الأمازيغي كل تم ذكر اسم عباس الفاسي. وبالرغم من إقدام لسان حال حزبه(أي جريدة العلم) على تصحيح ما ورد على لسان الفاسي آنذاك مع التأكيد على أن الأمازيغية لغة وطنية، فإن الغموض ظل سيد الموقف. إن ملف الإصلاح الدستوري يحتكره الملك، وليس للفاسي أو اليازغي أو غيرهما من الفاعلين السياسيين سلطة تذكر في هذا الباب. فالإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تميز بإثارته لورقة الإصلاح الدستوري بهدف المزايدة على الحكم كلما كان هناك نوعا من التوتر في علاقته بالحكم، وفي نفس الوقت يوظف هذه الورقة للمزايدة على قواعده الحزبية للتأكيد على استمرار الحزب في الدفاع عن هذا المطلب الديمقراطي. فالاتحاد الاشتراكي أصبح يلج إلى تحريك ملفات معينة كالإصلاح الدستوري، قضية المهدي بنبركة.. بعد أن فقد قاعدته الشعبية التي كان يحركها ويزايد بها ضد الحكم. يعتقد البعض أن سياسة الحكومة المعادية للأمازيغية بدأت بالمطالبة بحل الحزب الديموقراطي الأمازيغي، هل هي خطوة أولى للتضييق على الأمازيغية مستقبلا في مجالات أخرى كالإعلام والتعليم ؟ أظهر التصريح الحكومي أن الدولة عاجزة كل العجز عن الاستجابة لمطالب الفاعل الأمازيغي. فالدولة تختزل الامازيغية في الثقافة واللغة، عكس الفاعل الأمازيغي الذي ينظر إليها في شموليتها، أي الإنسان، اللغة، الثقافة، الهوية، الأرض... وقد عكس فؤاد عالي الهمة هذه النظرة في لقائه المنظم من طرف أحد المنابر الإعلامية بأحد الفضاءات بالرباط، حيث أكد أن الدولة اعترفت بالأمازيغية وأنشأت لها مؤسسة وهي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تتولى عملية إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام... شخصيا أعتقد أن العداء للأمازيغية لا يتحدد في حزب الاستقلال، بل غالبية الأحزاب السياسية وبعض منظمات المجتمع المدني والعديد من مؤسسات الدولة. والأكثر من هذا وذاك أن الدائرة الملكية تضم عقليات تكن العداء لهذا الموروث الثقافي، وقد تتبعنا في السنوات الأخيرة الخرجة الإعلامية لعبد الحق المريني (مدير القصور والتشريفات والأوسمة)، كما تتبعنا فصول الحرب التي استهدفت حسن أوريد (الذي كان يشغل آنذاك مهمة الناطق الرسمي باسم القصر الملكي)، واستهدفت مركز طارق بن زياد الذي يوجد مقره المركزي بالرباط.. والأمثلة في هذا الباب كثيرة. فهذه العقليات التي تظهر هنا وهناك، هي نتاج بنيات ثقافية وسياسية متجذرة في مجتمعنا. ما هي في نظرك الطرق الكفيلة بالحفاظ على ما تحقق من مكتسبات وانتزاع المزيد من المطالب وفي مقدمتها دسترة الأمازيغية في ظل حكومة لم تعر ملف الأمازيغية أي اهتمام؟ أعتقد أن الوضع الحالي يستوجب من الفاعل الأمازيغي العودة إلى مراجعة جذرية لذاته، من حيث تطوير الخطاب السياسي وكذا تجديد وعصرنة آليات الاشتغال والبحث عن التحالفات الممكنة وتطوير العلاقة مع باقي مكونات الصف الديمقرطي سواء داخل المغرب أو خارجه والبحث عن أشكال متقدمة للإحتجاج.. وهي أمور من شأنها أن تقوي الفاعل الأمازيغي في صراعه ضد كل الأطراف التي لازالت لم تعترف بعد بمطالبه المشروعة والعادلة. حاوره: عزيز جابهلي جريدة "ازطا"