توطئة: عرفت منطقة الريف مند سنوات التسعين من القرن العشرين صدور مجموعة من الروايات الأمازيغية، والتي كانت تتناول عدة مواضيع اجتماعية وسياسية وثقافية وتاريخية وإنسانية، تؤرق الإنسان المغربي بصفة عامة، والإنسان الريفي بصفة خاصة. وقد اتخذت هذه الرواية الأمازيغية عدة طرائق فنية وبنى جمالية، فتباينت هذه النصوص الروائية في الموضوع والصياغة والوظيفة والمقصدية والبناء التخييلي.إذا، ماهو المشهد الروائي الأمازيغي بمنطقة الريف؟ وماهي خصائص الرواية الأمازيغية الريفية صياغة ودلالة ورهانا ووظيفة؟ الرواية الأمازيغية السوسية: من المعلوم، أنه لا يمكن الحديث عن الرواية الأمازيغية الريفية، وفهم بنياتها تأويلا وتفسيرا، إلا إذا تحدثنا عن الرواية الأمازيغية السوسية. فالرواية السوسية كما هو معروف قد سبقت نظيرتها الريفية منذ سنة 1994م، وذلك مع المبدع علي إيگن الذي نشر روايته الأمازيغية بلهجة سوس بعنوان:” Assekkif n Inzaden / حساء الشعرية” . وقد أعاد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية طبع هذه الرواية سنة 2004م، وذلك في أربع وسبعين صفحة من الحجم المتوسط. وقد حصلت هذه الرواية على الجائزة الأولى في الإبداع الأدبي لمولود معمري في تيزي وزو سنة 1995م. وبعد ذلك، يصدر أبو القاسم الخطير (أفولاي) روايته:” ئمولا ن- تمكتيت” سنة 2002م. ويصدر الحسين أزرگي سنة 2004م روايته ” أغروم ن ءيحاگاران/ خبز الصقور” Aghrum n Ihaqqaren . وفازت هذه الرواية السوسية أيضا بالجائزة العالمية للإبداع الأدبي الأمازيغي لسنة 2004م بجامعة غرناطة بإسپانيا. وبعد ذلك، سينشر محمد أكوناض سنة 2004م روايته ” توارجيت ي إيميك / نزر يسير من الحلم” (Tawargit d Imik) ، وروايته” إيجيگن ن تيدي/ Ijjjigen n tidi التي صدرت سنة 2007م عن مطبعة أقلام بأگادير. هذا، وقد أصدر إبراهيم العسري روايته:” ئجاوان ن- تايري” سنة 2008م. في حين، نشر عبد الله صبري روايته:” أزرف أكوشام” سنة 2009م. وصدرت للحسين بويعقوبي أنير روايته:” ءيجضاض ن- ويحران Igdad n wihran ” سنة 2010م. ويعني هذا أن الرواية السوسية أكثر تراكما من الرواية الريفية إنتاجا ونشرا، وذلك لعدة عوامل ذاتية وموضوعية لاداعي لذكرها في هذا الحيز الضيق. تطور الرواية الريفية: لم تظهر الرواية الأمازيغية في منطقة الريف إلا في وقت متأخر جدا، وذلك بالمقارنة مع باقي الأجناس الأدبية الأخرى كالشعر.أي: ظهرت الرواية في سنة 1997م ، وذلك مع محمد شاشا في روايته:”غازطابو ءادتفاغ ثفوشت”، لتعقبها رواية ثانية لمحمد بوزكو سنة 2001م بعنوان”ثيشري خ ثامان تسارافت”. بيد أن الرواية السوسية سبقت نظيرتها الريفية كما قلنا سابقا منذ سنة 1994م، وذلك مع المبدع علي إيگن الذي نشر روايته الأمازيغية بلهجة سوس بعنوان:” Assekkif n Inzaden / حساء الشعرية” . وإذا كانت منطقة سوس تتوفر اليوم على أكثر من تسع روايات أمازيغية، فإن منطقة الريف لم تعرف سوى ستة نصوص روائية. وبذلك تكون الرواية الأمازيغية بالريف متأخرة كثيرا على مستوى الكم والتراكم عن نظيرتها العربية في نفس المنطقة ، والتي تحظى بأكثر من ثمانية عشر نصا روائيا، وذلك لكل من محمد شكري، وعمرو والقاضي، وميمون الحسني، ومصطفى الحسني، وحسين الطاهري، وعبد الحكيم أمعيوة، وبشير القمري، وعبد الله عاصم، وميمون جمال كبداني، ومحمد الأشعري، وغيرهم… وإليكم مجمل الروايات الأمازيغية المكتوبة بمنطقة الريف: 1/ “غّاز طابو ءادتفاغ ثفوشت” لمحمد شاشا: ظهر أول نص روائي أمازيغي ريفي بعنوان” غّاز طّابو ءاد تافاغ تفوشت/امضغ الطابو ستخرج الشمس” للمبدع المغترب محمد شاشا، والذي يعيش في هولندا إلى جانب مجموعة من المبدعين، كأمنوس، وميمون الوليد،ومحمد والشيخ … ومن المعلوم أن هذه الرواية من منشورات مطبعة الجذور (إيزوران) بهولندا سنة 1997م، والعمل نص روائي طويل مكتوب بالخط اللاتيني، وذلك في 295 صفحة من الحجم المتوسط. 2/ ” ثيشري خ ثمان تسارافت” لمحمد بوزكو: أصدر محمد بوزكو روايته الأولى سنة 2001م بعنوان:” ثيشري خ ثما ن تاسارّيفت/ TICRI X TAMA N TASARRAWT” في 123 صفحة من الحجم القصير عن مطبعة طريفة ببركان (المغرب)، وقد كتبت الرواية بالخط اللاتيني. هذا، ويسرد الكاتب في هذه الرواية تاريخ أحد المناضلين الوطنيين الذين هاجروا إلى فرنسا ، وهو عمر الرداد الذي اتهمته فرنسا بقتل مشغلته جزلين مارشال سنة 1994م ، بيد أنه في الحقيقة لم يقتلها، بل كان إنسانا مظلوما بريئا ؛ مما جعلت فرنسا في الأخير تفرج عنه سنة 1998م . 3/ تاسريت ن ءوزرو” لسميرة يادجيس ن- ءيذورار ناريف: أصدرت سميرة يادجيس ن- ءيذورار ناريف (سميرة بنت الريف) سنة 2001م روايتها الأولى تحت عنوان:” تاسريت ن ءوزرو/عروسة الحجر”، وذلك عن مطبعة مؤسسة النخلة بوجدة في 307 صفحة من الحجم الطويل. وبهذا، يكون هذا العمل أكبر نص روائي أمازيغي ريفي من حيث الحجم. وقد تذيلت الرواية بمعجم أموال فرنسي عربي، علاوة على كونها مكتوبة بالخط اللاتيني. 4/ ” جار ءو جار” لمحمد بوزكو: ظهرت رواية ” جار ءوجار/ بين …بين” لمحمد بوزكو في سنة 2004م في 80 صفحة عن مطبعة تريفة ببركان، وقد كتبت الرواية بالخط اللاتيني.و تعد هذه الرواية مرآة للحياة الريفية اليومية، لأنها جسدت البطالة والفقر والجوع ، وصورت ضياع الشباب الريفي بين إلدورادو الأوروپي، والمغرب المنهوك بأزماته الاقتصادية والاجتماعية. وبعد ذلك، ينتقل الكاتب إلى المقابلة بين الأجيال الماضية التي مازالت تحترم التقاليد والعادات الموروثة، والأجيال المعاصرة التي انفتحت على حداثة الغرب ومواضعاته الحضارية. ويسلط الكاتب أيضا الضوء على مشكل يؤرق الريفيين عموما، وهو مشكل الهوية والمثاقفة. 5-” نونجا، تانشروفت ن-إزرفان” لسعيد بلغربي: أصدر سعيد بلغربي روايته الأمازيغية الأولى سنة 2009م عن مطبعة الأنوار بوجدة تحت عنوان” نونجا، تانشروفت ن- إزرفان/ نونجا حبيسة الأعراف”، وقد تولى سعيد بوتقيوعت تشكيل الغلاف الخارجي، بينما تكلف عبد المطلب الزيزاوي بتقديم العمل، وتنقيحه لغويا. وتضم الرواية ستا وخمسين صفحة من الحجم المتوسط. وقد استعمل في هذه المحاولة السردية الروائية الأولى الخط اللاتيني لتسهيل النطق الأمازيغي على قراء العمل. هذا، ويشتغل الكاتب على أسطورة نونجا للتعبير عن الذاكرة الأمازيغية، وتجسيد معاناة الإنسان الريفي عبر الصيرورة التاريخية، والعمل على تفكيك الأسطورة في كل مقوماتها وملامحها التاريخية والاجتماعية والرمزية ، بغية تجسيد الهوية المفقودة، وتصوير الكينونة المهمشة، والتعبير عن الذاكرة المقصية في جبال الريف من الشمال الشرقي. وتعبر الرواية كذلك عن فتاة ريفية قيدها أمغار كبير القبيلة إلى جانب بقرة، ليقدمها قربانا للأعراف والتقاليد، لكي تعيش كائنات القرية حياتها كالدواب مستسلمة صامتة، يمنع عنها الصراخ والاحتجاج والتمرد والرفض. بيد أن الشاب إيدير قرر الثورة على الأوضاع والأعراف القبلية الموروثة ، ليجد نفسه كالطاحونة تدور حول نفسها بدون جدوى ولاهدف؛ لأن القبيلة كان يسودها الجهل والأمية والتفكير الخرافي والأسطوري؛ مما جعل إيدير يفشل في تغيير الواقع، والعجز عن مواجهة المخزن المستبد، وتحدي السلطة الطائشة. ومن ثم، تتشابك في الرواية الأسطورة والحقيقة، ويتداخل فيها الماضي والحاضر بشكل جدلي مفارق. 6- رواية ” حدو” بين الضياع والاغتراب: ظهرت رواية ” حدو” للمبدع الأمازيغي الريفي الحسن المساوي في طبعتها الأولى سنة 2011م، وهي رواية واقعية اجتماعية مأساوية، تصور أثر الهجرة والاغتراب على الإنسان الأمازيغي بمنطقة الريف. ومن ثم، فالشخصية المحورية في الرواية هي ” حدو”، ولكن لا ننسى أن أمه :” نونجا” ، تظهر بمثابة شخصية ديناميكية أساسية في هذا العمل الروائي، فهي تمثل الأرض والهوية والأصالة، والتشبث بالحياة والوطن والكينونة . أما ابنها حدو الذي اختار سبيل الهجرة، فهو رمز للفقدان والضياع والاغتراب، والسبب في ذلك تخليه عن أرض الآباء والأجداد. وعليه، فحدو من أبناء الريف المهمشين ، والذي كان يعاني من الفقر والازدراء والإقصاء ، وذلك بعد أن استشهد أبوه في معارك الصمود والنضال والتحدي ضد الاستعمار الإسباني الغاشم . ولم تكن أسرة حدو تملك أي شيء سوى بعض أشبار قليلة من الأرض. ومن ثم، فقد اشتغل حدو عند الآخرين حمالا وفلاحا وحطابا وسواقا. وقد لاقى الذل والهوان في عمله الشاق، وازدادت أسرته فقرا على فقر. ومن ثم، قرر حمو أن يهاجر إلى الضفة الأخرى، بعد أن حصل على جوار السفر بشق الأنفس احتسابا وارتشاء.، حيث باعت أمه نونجا قطعة أرض لقريبها الطاهر ، والذي كان يعرف بالطمع والجشع وعدم القناعة. وقد رافق حدو في سفره صديقه مسعود، والذي كان ميسور الحال إلى حد ما. وقد لقيا كلاهما عوائق كثيرة أثناء سفرهما بطنجة، كمطاردتهما من قبل اللصوص الذين كانوا يريدون سرقة أموالهما، كما سجنا في مراكز الشرطة حيفا وظلما وبهتانا. ولما وصل حدو إلى إسبانيا، تخلى عنه صديقه مسعود، بعد أن تعرفا على شخص أمازيغي أواهما ليلة واحدة في غرفته الوضيعة. وفي الغد، طلبا من حدو أن يبحث بعيدا عن مسكن يحضنه. فلم يجد حدو سوى حياة البؤس والفقر والمعاناة ، ينام في الغابة مع الحيوانات حرا وقرا، فيأكل فضلات القمامات، وينتقل من مكان إلى آخر بحثا عن العمل ، ولكن بدون جدوى. أما أمه نونجا، فقد عانت الكثير بسبب الفقر، وطمع الطاهر في ما تملكه من أشبار، فقد باعت كل شيء، ولم تقو على التكيف مع متطلبات الحياة الصعبة، فكانت تفلح الأرض وتزرعها، وكانت تنزل إلى السوق للبيع والشراء، فازدادت ألما على ألم، وحسرة بعد حسرة. ولكنها، بعد ذلك، لم تقو على العمل والحركة؛ وذلك بسبب كبرها وترهلها. أما ابنها الشاب حدو، فقد تعرض للضرب من قبل بعض المتطرفين الإسبان، فسقط طريح الأرض ، فاقدا للوعي، حيث تم نقله توا إلى المستشفى، فعامله رجال الشرطة معاملة حسنة، فتفهموا وضعيته الاجتماعية، وتبينوا أسباب اغترابه، فأسكنوه دارا خاصة به، ثم علموه إلى أن أتقن حدو اللغة والمهنة أيما إتقان. وبعد ذلك، بدأ حدو ممارسة شغله كناقل للأدوية بنشاط زائد، وقد أعجبت ديبورا بوسامته وشجاعته وتسامحه وعفته، فعشقته كثيرا، ثم قررت الزواج به . وذلك، على الرغم من رفض أبيها لهذا القرار؛ لأنه كان يكره الريفيين أيما كراهية؛ وذلك بسبب مشاركتهم في الحرب الأهلية الإسبانية، والتي أودت بالكثير من الجمهوريين اليسار. هذا، ولقد نسي حدو أمه سنوات عدة، شارفت على أربع عشرة سنة، ولاسيما أنه قد وعد أمه نونجا بأن يرسل لها النقود، وذلك ريثما يحل بأرض الغربة. وكل ذلك من أجل مساعدتها على مواجهة مصائب الحياة، وتحمل أعبائها الشاقة. بيد أن بلاد الغربة قد أنست حدو أمه، فبدأ خيالها يتراقص أمام عينيه في اليقظة والمنام، يحلم بها في كل حال من الأحوال، وهي تطارده سبا وشتما، وتحاول قتله بغضا وحنقا وكراهية. فأخبر حدو ديبورا بهذا الحلم، فشجعته على السفر إلى بلاده من أجل رؤية والدته ، وعقد الزواج لاستكمال الفرحة ، وتحصيل السعادة . ولما وصل حدو إلى قريته البعيدة، وذلك بعد أن قطع مسافة كبيرة، وجد أن بلاده لم تتغير قيد أنملة، بل ظلت كما هي مهمشة مترهلة، غارقة في سبات عميق من الخمول و التخلف والإهمال والفساد. وحينما أشرف على قريته، وجد أن طرقها مازالت كما هي مغبرة وغير معبدة. ولكن الفاجعة المأساوية كانت تنتظره ، وذلك حينما وجد أنه أمه قد غادرت الحياة، غاضبة عليه، فلم يقو حدو على الصبر والتجلد، فسقط على الأرض هاويا من شدة الحسرة واللوم. وظل حدو بجوار قبر والدته نونجا يذرف دموع الندم والخيبة. ويلاحظ أن هذه الرواية أشبه بسيناريو سينمائي ، وذلك لكثرة المشاهد الحوارية، واستعمال لغة درامية مشحونة بالتوتر والفجائعية والتراجيديا. كما استعمل الكاتب الرؤية من الخلف، بتشغيل ضمير الغائب، مع الاستعانة بالمعرفة المطلقة، وحياد الراوي واستقلاله. كما اتخذ زمن السرد طابعا كرونولوجيا صاعدا؛ مما جعل الرواية ذا بناء تقليدي كلاسيكي. زد على ذلك، أن الكاتب كان يزاوج بين السرد والحوار، مع استخدام المنولوج أو الحوار الداخلي. وعليه، فقد تفوق الحسن المساوي في روايته أيما توفيق، كما أحسن وأجاد أيضا في دواوينه الشعرية السابقة. ومن هنا، يمكن القول بأن الحسن المساوي له مستقبل كبير في عالم الإبداع الروائي والقصصي والسينمائي، وخاصة إذا توجه إلى كتابة السيناريوهات لأفلام أمازيغية ريفية. تركيب واستنتاج: تلكم، إذاً، نظرة مقتضبة حول تطور الرواية الأمازيغية بالمغرب بصفة عامة، والرواية الأمازيغية الريفية بصفة خاصة. وقد تبين لنا أن هذه الرواية قد تناولت تيمات متنوعة، وذلك من خلال تشغيل طرائق وبنى فنية جمالية متعددة ومتميزة داخل السياق الروائي الإبداعي المغربي ، وذلك إن شكلا، وإن مضمونا، وإن وظيفة.