مدخل: عرض على أنظار المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ: 14/01/2016 مشروع قانون تنظيميرقم :15- 86 يتعلق بتحديد شروط وإجراءات تطبيق الفصل :133 من الدستورالمتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين تقدمت به وزارة العدل والحريات وينص هذا الفصل على انه * تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية وذلك إذا دفع احد الأطراف بان القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل * ويعتبر هذا الأسلوب المستجد من الرقابة الدستورية على القوانين الذي جاءت به المراجعة الدستورية لسنة :2011 من إحدى الدعائم الأساسية لقيام دولة الحق والقانون ورغبة أكيدة نحو إعادة الاعتبار إلى الشرعية الدستورية كأساس لقيام الدولة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها . كما أن العمل بمبدأ الرقابة القضائية اللاحقة على دستورية القوانين لم يكن ممكنا في ظل الدساتير السابقة للنظام السياسي المغربي إلا بعد العمل بدستور 2011 وذلك سواء عن طريق الدعوى الأصلية كطعن مباشر أو عن طريق الدفع الفرعي كطعن غير مباشر حيث أجمعت جميع الدساتير السابقة من سنة :1962 إلى سنة :1996 على أن الأفراد لا يسوغ لهم التقاضي أمام الغرفة الدستورية أو المجلس الدستوري ولا أمام المحاكم القضائية كما أنها لم تخص أي جهة قضائية البت في دستورية قانون بمناسبة نظرها في النزاع المعروض عليها . وهذا المقتضى الدستوري سيفتح الباب أمام مراقبة مدى مطابقة القوانين السارية المفعول قبل صدور الدستور وبعده خاصة في الشق المتعلق بالمساس بالحقوق والحريات التي يضمنها هذا الأخير مما سيساهم لا محالة في حماية وتعزيز الأمن القانوني بعد تنزيل هذا المقتضى الذي يسمح للمتقاضين باللجوء إلى المحكمة الدستورية وفق مسطرة سريعة غير معقدة ومجانية وذات آثار مباشرة على الدعوى وعلى المقتضيات غير الدستورية على حد سواء . المبحث الأول : نموذج الرقابة القضائية على دستورية القوانين بالولاياتالمتحدةالأمريكية والرقابة الدستورية البعدية وفق الدستور المغربي الجديد : المطلب الأول :نشأة الرقابة الدستورية في الولاياتالمتحدةالأمريكية : لعبت المحكمة العليا بالولاياتالمتحدةالأمريكية دورا رئيسيا ومنشئا للرقابة القضائية على دستورية القوانين اعتبارا لكون الدستور الأمريكي لم ينص على هذه الرقابة فان اغلب الفقهاء الدستوريين يرجحون نشأة الرقابة الدستورية في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى حكم المحكمة العليا سنة :1803 في قضية *مار بوري* ضد *مادي سون * إذ أقرت المحكمة حق القضاء في بحث دستورية القوانين وعدم تطبيق القانون المخالف للدستور إذا اتضح له ذلك أثناء عرض النزاع عليه . ورغم الجهود الحثيثة التي بذلتها المحكمة العليا لإقرار الرقابة الدستورية ولتوسيعها لتشمل مطابقة القوانين مع المبادئ المستوحاة من روح الدستور ومع التعديلات الدستورية فإنها لم تسلم من الانتقادات سواء داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو خارجها ومن جملة الانتقادات نشير إلى ما يلي : – تأثر القضاة بالتوجه السياسي والفلسفة السياسية لرئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي ينتمي إلى احد الحزبين فالممارسة السياسية تؤكد تعيين الرئيس لأنصاره بالمحكمة العليا مما يمكن من استمرار التوجه الحزبي للقضاة باعتبارهم قضاة لمدى الحياة رغم ذهاب الرئيس . – صراع القضاة المتكرر مع بعض رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن ابرز معارضة القضاة للعديد من قوانين التفويض التي أصدرها الكونغرس الأمريكي لتمكين الرئيس روزفلت من تنفيذ خطته الإصلاحية في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي بعد الأزمة الاقتصادية لسنة :1929 وتراجعت المحكمة العليا عن معارضتها اثر فوز الرئيس روزفلت في الانتخابات الرئاسية لسنة :1937 واثر تعيين ثلاثة قضاة جدد بالمحكمة العليا وقد اتهم الرئيس روزفلت هذه الأخيرة اثر هذا الخلاف بتحولها إلى هيئة سياسية حيث قال : *إنها الحرس القديم للاتحاديين وإنها لا تتصرف كهيئة قضائية بل تتصرف باعتبارها هيئة تضع السياسة *. – تناقض أحكام المحكمة العليا واختلافها من فترة إلى أخرى حسب توجهات قضاتها ورئيسها .....الخ .*1* تعرف الولاياتالمتحدةالأمريكية ثلاثة أساليب للرقابة الدستورية على القوانين: أسلوب الدفع – أسلوب الأمر القضائي – أسلوب الأحكام التقريرية . أولا : أسلوب الدفع : تتمثل الرقابة الدستورية عن طريق الدفع*2* في الرقابة التي يمارسها القاضي عند عرض دعوى أمامه يثيرها احد المتقاضين ذي مصلحة عدم دستورية القانون المراد تطبيقه ويطالب باستبعاده وعدم تطبيقه في النازلة المعروضة عليه سواء كانت هذه الدعوى مدنية أو تجارية أو إدارية أو جنائية وان هذه الرقابة لا يثيرها القاضي من تلقاء نفسه ولا ينتج عنها إلغاء القانون اللادستوري بل يتوقف إثارتها على احد أطراف النزاع والقاضي عندها ملزم أولا بالنظر في مدى دستورية القانون المطعون فيه ثم ثانيا الامتناع عن تطبيقه في النازلة إذا أقرت المحكمة بلا دستوريته وهو ما يعني ان حكم المحكمة لا يؤدي إلى إلغاء القانون بل فقط إهماله وعدم تطبيقه في النازلة المعروضة أمامه ولا يستفيد متقاضون آخرون من هذا الحكم ويمكن لمحكمة أخرى تطبيقه في حالة رأت ذلك انه غير مخالف للدستور . وتعد الولاياتالمتحدةالأمريكية نموذجا للرقابة عن طريق الدفع إذ يحق للأمريكيين الدفع بعدم دستورية القوانين في قضية معينة معروضة أمام المحاكم العادية للولايات بشان مطابقة القانون المطعون فيه لدستور الولاية أو للدستور الاتحادي أو أمام المحكمة العليا بشان أحكام هذه المحاكم وبشان مطابقة القانون الفيدرالي المطعون فيه للدستور الاتحادي وفي حالة صدور حكم بعدم دستورية القانون عن المحكمة العليا فانه يلزم كافة محاكم الولايات وتمتنع عن تطبيقه نظرا لأخذ الولاياتالمتحدةالأمريكية *بنظام السوابق القضائية * كما يلزم كذلك المحكمة الاتحادية لكن في الممارسة القضائية الأمريكية تبين أن المحكمة الاتحادية يمكن أن تتنكر إلى السوابق القضائية فعلى سبيل المثال لا الحصر أقرت المحكمة العليا سنة :1905 في قضية *لوت شتر* ضد نيويورك بعدم دستورية قانون صادر في ولاية نيويورك يضع أقصى لساعات العمل في المخابز لكن أصدرت المحكمة العليا سنة :1917 حكما يناقض الحكم السابق وأقرت بدستورية قانون صادر في ولاية *أوري جون * يحدد الحد الأقصى لساعات العمل في المصانع . ثانيا : أسلوب الأمر القضائي : هذا الأسلوب من الرقابة هو أسلوب وقائي يمكن الأشخاص من مهاجمة القانون قبل تطبيقه عليهم بدعوى عدم دستوريته وتجنب الأضرار التي قد تلحقهم في حالة تطبيق قانون غير دستوري . وتمارس الرقابة على دستورية القوانين وفق هذا الأسلوب من طرف المحاكم الأمريكية سواء الاتحادية أو المحلية وذلك بناء على دعوى مقدمة من احد الأشخاص يطعن بموجبها في قانون قبل تطبيقه تأسيسا على انه غير دستوري وان من شان تطبيقه أن يلحق به ضررا وتقوم المحكمة بالنظر في هذه الدعوى وإذا تبين لها صحة ادعاء المدعي تقوم بإصدار أمر قضائي إلى الموظف أو الموظفين المختصين بالامتناع عن تطبيق القانون المطعون فيه وفي حالة إذا كان قد شرع في تطبيقه تأمر المحكمة برد الوضع إلى أصله مثلا إذا دفع الطاعن في دستورية القانون ضرائب بموجب هذا النص يسترد أمواله . إن المشرع الدستوري الأمريكي أحاط هذا الأسلوب في الرقابة على دستورية القوانين بمجموعة من الشروط نظرا لأهميته ومن بينها : – لا يجوز استعمال الأمر القضائي لعدم تنفيذ العقوبات الجنائية . – أصبح الأمر القضائي منذ سنة :1937 من اختصاص محكمة اتحادية خاصة تتألف من ثلاثة قضاة . – إمكانية الطعن في قرارات هذه المحكمة أمام المحكمة العليا مباشرة . – عدم جواز إصدار الأمر القضائي إلا بعد سماع أطراف النزاع . وقد حدت هذه الشروط من فعالية هذا الأسلوب . ثالثا : أسلوب الأحكام التقريرية : إن هذا الأسلوب – الأحكام التقريرية – يعد من الأساليب الحديثة للرقابة على دستورية القوانين في الولاياتالمتحدةالأمريكية ويقوم على تقديم شخص معين طلب إلى المحكمة للنظر في ما إذا كان القانون المراد تطبيقه عليه دستوري أم لا ويترتب على ذلك توقف الموظف المكلف بتنفيذ القانون المطعون فيه إلى غاية إصدار المحكمة حكمها فإذا أقرت المحكمة دستوريته يستمر الموظف في تنفيذه أما إذا حكمت بعدم دستوريته يمتنع الموظف عن تنفيذه وان هذا الأسلوب مقرون بتوفر شرطين هما توفر الخصومة الحقيقية والمصلحة الشخصية حسب موقف المحكمة العليا . المطلب الثاني : الرقابة الدستورية البعدية وفق الدستور المغربي الجديد : الفرع الأول : تطور القضاء الدستوري في التجربة المغربية : إن المغرب لم يحد عن هذا المسلسل التطوري الطويل في التأسيس التدريجي لمؤسسة القضاء الدستوري ففي ظل أول مشروع للدستور المغربي :1908*3* تم الإشارة إلى ضرورة وجود رقابة على القوانين التي تنفذ من طرف مجلس الشرفاء والأعيان لينتقل إلى دستور :1962 ويظهر إلى الوجود في بدايته الأولى على شكل الغرفة الدستورية التابعة للمجلس الأعلى المحدث سنة :1957 والتي انحصر اختصاصاتها في الرقابة الدستورية للقوانين التنظيمية والنظام الداخلي للغرف وخصوصا النظر في النزاعات الانتخابية وعمليات الاستفتاء وأخذت الغرفة الدستورية في ظهورها الأول شكل*اللجنة الدستورية المؤقتة يونيو :1963* والتي اعتمدت في مرحلتين من 11 إلى :20 يونيو 1963 ومن :09 أكتوبر 1970 إلى :20 أكتوبر 1977. ونظرا لضعف المكانة والآليات القانونية المتاحة لفعل الغرفة الدستورية ومحدودية اختصاصاتها وبالتالي غياب القرارات الحاسمة والمؤثرة والمشاكل التي صاحبت عملها كعدم اختصاصها بمراقبة دستورية القوانين العادية سيدفع بدستور :1992 بإلغائها وتعويضها بالمجلس الدستوري هذا الأخير جاء في خضم التطورات الايجابية التي عرفها المغرب منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين الماضي فبعد إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومشروع إحداث المحاكم الإدارية وعلى أساس ذلك تم التأسيس القانوني في :20 فبراير 1994 للمجلس الدستوري كتتويج لهذه الميكانيزمات التي تم توظيفها لإرساء وفتح عهد جديد بالمغرب . وبعد التأكيد على المجلس الدستوري في ظل التجربة الدستورية لسنة :1996 *4*أصبحت هذه المؤسسة تحتل المكانة الرابعة في سلم المؤسسات الدستورية باعتبارها هيئة مستقلة عن القضاء العادي تتمتع بالإضافة إلى الاختصاصات السابقة للغرفة ولأول مرة في المسلسل الدستوري المغربي بسلطة الرقابة الدستورية على القوانين العادية وهذا الاختصاص الجديد ترجم من جهة احد أهم التوجهات الدستورية في هذه المرحلة والمتمثلة بالأساس في عقلنة العمل البرلماني ومن جهة أخرى حاول الإجابة عن أشكال حماية وضمان الحقوق والحريات المنصوص عليها منذ دستور : 1962 حيث خصص للقضاء الدستوري – في شكل المجلس الدستوري – بابا خاصا مختلف عن الباب المخصص للقضاء العادي ومن جهة أخرى بالقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري ومما زاد من استقلالية مؤسسة المجلس الدستوري كون سلطة قراراته أصبحت معبر عنها بشكل واضح وصريح بحيث لها صفة القطعية والنهائية وبالتالي أصبح لها حجية في مواجهة الكل وذلك بمقتضى الفصل :81 من الدستور وبالتالي فان قرارات المجلس الدستوري لا تقبل أي طريق من طرق الطعن وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية . وتجدر الإشارة إلى أن جميع الدساتير المغربية من دستور :1962 إلى دستور :1996 أجمعت على أن الأفراد لا يمكنهم التقاضي أمام الغرفة الدستورية أو المجلس الدستوري ولا أمام المحاكم القضائية وبالتالي فان العمل بمبدأ الرقابة القضائية البعدية على دستورية القوانين لم يكن ممكنا في ظل الدساتير السابقة قبل العمل بدستور :2011 سواء عن طريق الدعوى الأصلية كطعن مباشر أو عن طريق الدفع كطعن غير مباشر . الفرع الثاني : التأسيس للرقابة الدستورية البعدية على القوانين في ظل دستور :2011: إن ما يميز الرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الامتناع كونها تمارس من طرف المحاكم العادية ولا يحتاج الأمر التوجه إلى محكمة مختصة قد تحدث لهذه الغاية لكن الدستور المغربي ذهب عكس ذلك وأسندها للمحكمة الدستورية بمقتضى دستور :2011 فهذه الرقابة الدستورية تعتبر أهم وسيلة لضمان حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من أي تجاوز للسلطة ويمارس هذا الأسلوب من الرقابة بمناسبة نظر المحكمة في دعوى معروضة عليها قد تكون مدنية أو تجارية أو إدارية أو جنائية بحيث يتقدم المتهم أو المدعي بدفع يتمثل في المطالبة بان تصرح المحكمة بعدم دستورية قانون معين على القضية موضوع الطعن لان القانون المسند إليه في النزاع غير دستوري وهو نظام رقابي ابتدعه القضاء الأمريكي كما اشرنا إلى ذلك أعلاه وان أسلوب الدفع بعدم دستورية القانون أثناء سريان الدعوى يلزم القاضي وجوبا فحص دستوريته وذلك بالتصريح إما برفض الدفع عندما يتحقق له أن القانون المطعون فيه مطابق للدستور ويستمر النظر في الدعوى الأصلية وعند معاينة تعارض القانون المنعي عليه بمخالفته للدستور فان القاضي في هذه الحالة يصرح بإبعاده وعدم تطبيقه في النازلة ويفصل في النزاع . كما أن الرقابة عن طريق الدفع بعدم دستورية قانون معين تفترض وجود نزاع معروض على المحاكم * مدنية –تجارية – إدارية – جنائية * بواسطة دعوى تستهدف المطالبة بحق استنادا إلى القانون لكن قد يحصل أن يثير صاحب المصلحة دفعا يتمثل في مطالبة المحكمة عدم تطبيق القانون على الدعوى لكونه مخالف للدستور وفي هذه الحالة يكون صاحب المصلحة قد مارس الدفع بعدم دستورية القانون وبناء على ذلك فالمحكمة ستتولى فحص الأمر فإذا ثبت لديها عدم مطابقة القانون للدستور فإنها تهمله وتمتنع عن تطبيقه على الدعوى ولا تلغي القانون لأنها لا تملك سلطة الإلغاء بل تملك سلطة رقابة الامتناع وفقا لما ذكر تتحدد رقابة الامتناع على دستورية القوانين بأنها رقابة لاحقة تمارس بواسطة الدفع يثيره صاحب المصلحة بمناسبة وجود دعوى معروضة على القضاء فهي حق للمتضرر من القانون المنعي عليه والمحاكم لا يجوز لها أن تثيره تلقائيا لكن هذا الرأي منتقد لأنه من حق المحاكم الأخذ بالقاعدة الدستورية واستبعاد القاعدة العادية لان الأولى أسمى والثانية أدنى ولذلك فلا شئ يحول دون أن يبحث القضاء تلقائيا في دستورية قانون معين لكونها مسالة نظامية كما أن الأمر يحتاج إلى نص دستوري حتى يتقرر للمحاكم إعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع فالقضاء اخذ بهذا الاختصاص في العديد من الأنظمة القضائية ولو لم يخوله الدستور وذلك بنص صريح كما فعل مجلس الدولة المصري حين شدد بان للمحاكم الحق في الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور *حكم 10 فبراير 1948*5* وفي ذات الاتجاه قضت محكمة التمييز الأردنية في حكمها الصادر في القضية عدد:100/75 على حق المحاكم في ممارسة صلاحية مراقبة دستورية القوانين علما أن الدستور الأردني لا ينظم الرقابة على دستورية القوانين ولم يقرر إحداث هيئة دستورية يناط بها هذا الاختصاص ومع ذلك فالقضاء الأردني اخذ يتبنى موقفا ايجابيا من إعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين من طرف المحاكم والامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور . وبالتالي فان إعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين من قبل الأفراد يكون عن طريق الدفع بمناسبة وجود نزاع معروض على القضاء بمقتضى دعوى أصلية وهو ما يجعل من الرقابة عن طريق الدفع مقيدة بوجود دعوى رائجة إمام إحدى المحاكم سواء كانت عادية أو إدارية أو تجارية ولذلك فانه يفهم من الرقابة عن طريق الدفع بأنه لا يحق للأفراد رفع دعوى أصلية مباشرة إلى المحكمة الدستورية للنظر في دستورية قانون معين فهي رقابة لاحقة لإصدار القانون تكونه عن طريق الدفع وبالتالي فان هذا الأسلوب من الرقابة يتحدد بأنه رقابة امتناع يلجا إليه المتضرر للمطالبة باستبعاد قانون معين وهي طريقة دفاعية وليست هجومية *6*لأنها لا تتوخى إبطال القانون فالنظر في دعوى رائجة أمام المحاكم عادية أو إدارية أو تجارية لا يسمح لها القانون بان تتولى إلغاء القانون المتعارض مع مقتضيات الدستور فدورها ينحصر في الامتناع عن تطبيقه على النزاع . إن الدستور المغربي لسنة :2011 تعرض لموضوع الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الفصل :133 من الدستور بعد أن خلت الدساتير السابقة من تنظيم موضوع الرقابة القضائية على دستورية القوانين لكن التنصيص على هذا المبدأ هل هو رقابة إلغاء أم رقابة امتناع للإجابة على هذا السؤال لابد من فحص منطوق مضمون الفصل :133 من الدستور لبيان ما إذا كان الأمر يتعلق بالرقابة عن طريق الدفع حصريا أم أن هناك إمكانية ممارسة الرقابة عن طريق الدعوى أي رقابة الإلغاء . إن دستور 2011 نص في فصله 133 * بان المحكمة الدستورية تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية وذلك إذا دفع احد الأطراف بان القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور * يلاحظ من مضمون الفصل المذكور تطور موقف المشرع الدستوري في موضوع الرقابة القضائية على دستورية القوانين لأنه أجاز لأول مرة للأفراد الطعن في دستورية قانون معين عن طريق الدفع وبالتالي فهو يمنع عليهم إمكانية إعمال مبدأ الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية * رقابة الإلغاء* . كما أن تقرير مبدأ جواز حق الأفراد في مباشرة الطعن في دستورية قانون معين عن طريق الدفع معناه أن هذا الحق حتى ولئن كان مكانه الطبيعي أمام المحاكم العادية والمختصة فان أمر البت فيه يعود للمحكمة الدستورية دون سواها وفقا لقراءة مضمونالفصل :133 من الدستور أي انه اخذ *بنظام مركزية الرقابة القضائية * وهذا الاتجاه يكرس إنكار حق الرقابة على دستورية القوانين على القضاء وفي هذه الحالة فالمحكمة الدستورية هي من تتولى فحص دستورية القانون المطعون فيه عن طريق الدفع بإحالة من المحكمة العادية بعد أن توقف البت في الدعوى فالقاضي في هذا الإطار تنحصر وظيفته في إحالة الأمر على المحكمة الدستورية ويوقف النظر في الدعوى إلى حين البت في الدفع المثار من طرف المحكمة الدستورية ولن يواصل مناقشة القضية إلا بعد أن تصدر المحكمة الدستورية قرارها بشان القانون المطعون في دستوريته عن طريق الدفع وبذلك فأمر مطابقة القانون للدستور يبقى من اختصاص المحكمة الدستورية دون غيرها . نقول بان حصر الاختصاص على المحكمة الدستورية للبت في دستورية قانون معين عن طريق ما يعرف بإعمال مبدأ الرقابة عن طريق الدفع أو رقابة الامتناع هو تقييد غير مبرر يتعارض مع المبدأ القائل بأنه من حق المحاكم الامتناع عن تطبيق القانون الأدنى وإهمال حكمه المخالف لمقتضيات الدستور كقانون أسمى ومن وجهة نظرنا كدفاع نعتقد بان المحاكم من واجبها الامتناع عن تطبيق القانون الذي يتعارض مع الدستور لان البت في دستورية القانون من النظام العام وعلى المحاكم إثارته من تلقاء نفسها حتى ولئن لم يكن محل طعن من جانب احد أطراف الدعوى المعروضة عليها لأنه من المعلوم أن إصدار تشريع عن جهة غير مختصة او بشكل يخالف مقتضيات الدستور فالقاضي ملزم وجوبا أن لا يطبقه فيما قد يعرض عليه من قضايا . ومجمل القول فان القانون المغربي أنكر صراحة على القضاء الحق في ممارسة الرقابة على دستورية القوانين بمقتضى الفصل :25 من قانون المسطرة المدنية والمادة :50 من القانون :90-41 المحدث للمحاكم الإدارية فالمحاكم وفقا لهذا المقتضى ملزمة وجوبا بتطبيق القانون النافذ ولا يحق لها مناقشة دستوريته وذلك خلافا لمختلف الأنظمة القضائية التي قررت اختصاص المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها الحق في ممارسة الرقابة على دستورية القوانين حتى ولئن كان غير منصوص عليه صراحة في صلب الوثيقة الدستورية لما في الأمر من علاقة اتصال بالنظام العام الذي لا يجوز مخالفته فالحكم القاضي بعدم دستورية قانون معين يترتب عنه عدم الأخذ به والامتناع عن تطبيقه على النزاع لمخالفته أحكام الدستور وهذا ما يفسر بان حجيته نسبية . المبحث الثاني : القيود التي وضعها الدستورالجديد على الدفع بعدم دستورية القوانين وآثارها : المطلب الأول :القيود التي وضعها الدستورالجديد على الدفع بعدم دستورية القوانين : من أهم القيود التي وضعها الدستور الجديد على الدفع بعدم دستورية القوانين نذكر منها ما يلي : –ان هذا الدفع لا يتم تلقائيا من قبل الأفراد إلا إذا تعلق الأمر بوجود دعوى قضائية رائجة أمام إحدى محاكم المملكة علما أن وجود قضية لا يقتصر بالضرورة على النزاعات القضائية خاصة وان هنالك من الطرق غير القضائية التي يوجد فيها أطراف في حالة نزاع لذلك نجد الدستور الفرنسي قد حسم هذا النقاش بتنصيصه بوضوح على وجود دعوى أمام جهة قضائية حسبما يستفاد ذلك من المادة :61-1 من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة . – إن ارتباط الدفع بعدم دستورية القوانين بوجود دعوى قضائية يجعل من قبوله يخضع بشكل مباشر لشروط قبول الدعوى القضائية بالنسبة للمدعي شكلا وموضوعا فعلى سبيل المثال تنص المادة الأولى من قانون المسطرة المدنية *على انه لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه *غير أن الحق في الطعن في دستورية قانون يبقى متاحا لأطراف النزاع الأخرى خاصة المدعى عليه وهو ما يوسع نسبيا من الإمكانية المتاحة لممارسته إذ يتعين على مشروع القانون التنظيمي أن يمدد إمكانية الطعن إلى كل مدخل في الدعوى أو متدخلا فيها بالإضافة إلى إتاحة هذه الإمكانية للمجتمع كافة ممثلا في النيابة العامة في المحاكم الزجرية والعادية وكذا المتخصصة علاوة على المفوض الملكي للدفاع عن القانون فيما يخص المحاكم الإدارية. إن حدود اختصاص المحكمة الدستورية في فحص القانون موضع الدفع تقتصر على مدى مساسه بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور ولا يمكن أن يتعداها إلى غير ذلك من الطلبات إلا إذا كانت تنعكس على إحدى الحقوق كالحق في الدفاع أو المحاكمة العادلة مثلا ومع ذلك فان مفهوم الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور لا يمكن ان تقتصر فقط وبشكل حصري على ديباجة الدستور وبابه الثاني ولكن يمكن للمحكمة الدستورية أن تتوسع في تطبيقه بما يحقق حماية كبيرة لمبدأ الشرعية الدستورية في تطبيق القوانين . – بالرغم من الحدود التي وضعها الدستور المغربي على اللجوء إلى الطعن في دستورية القوانين فانه لم يشترط في الدفع المقدم من طرف الأفراد شروطا محددة بل ترك الأمر على إطلاقه مما ينبغي على مشروع القانون التنظيمي ان يقيد هذا الدفع إلا في الحدود الضيقة التي تضمن جديته بحيث يبقى للمحكمة المثار النزاع أمامها سلطة التقدير تجنبا للطلبات الكيدية التي قد يكون الهدف منها إطالة أمد النزاع بشكل يسيء استعمال هذا الأسلوب من الرقابة لذلك نجد المشرع الدستوري الفرنسي قد منح سلطة تقدير هذه الجدية حسب الأحوال لمجلس الدولة أو لمحكمة النقض كأعلى هيئتين قضائيتين . المطلب الثاني : الآثار المترتبة عن الدفع بعدم دستورية القوانين : بالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الثانية من المادة :134 من الدستور الجديد نجد أن المشرع الدستوري المغربي لخص الآثار المترتبة على اللجوء إلى أسلوب الدفع بعدم دستورية القوانين * .....* وينسخ كل مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته على أساس الفصل :133 من الدستور ابتداء من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قرراها . فإذا قبلت المحكمة الدستورية الدفع في إطار المادة :133 السالفة الذكر فان ذلك يترتب عنه إبطال المقتضى القانوني المطعون فيه سواء بشكل كلي أو جزئي حيث يحدد قرار المحكمة الدستورية سريان مفعوله على القانون من حيث الموضوع ومن حيث الزمن أيضا . وبالمقابل نجد أن المشرع الدستوري الفرنسي قد حاول ضبط مجال تدخل المجلس الدستوري حيث جعل من المقتضى التشريعي الذي يصرح المجلس الدستوري بمخالفته للقانون الأساسي لاغيا إذ منح المجلس الدستوري سلطة تحديد الشروط والحدود التي يجوز فيها إعادة النظر في الآثار التي رتبها هذا النص في حين جعل المبدأ العام من حيث سريان مفعول القرار زمنيا هو تاريخ النشر أو تاريخ لاحق يحدده هذا القرار لمراعاة الحالات التي يتطلب فيها إلغاء واستبدال مقتضيات قانونية وقتا مهما في حين نجد الدستور المغربي اكتفى بالاختيار الثاني أي مكن المحكمة الدستورية من اختيار وقت سريان مفعول قرارها بغض النظر عن تاريخ نشره علما أن قرارات المحكمة الدستورية لا تقبل أي طريق من طرق الطعن وتلزم السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية . لاشك أن تنزيل المقتضيات الدستورية المنصوص عليها في الفصل :133 من الدستورسيكثف لا محالة من الرقابة الممارسة على دستورية مجموعة من النصوص القانونية السارية المفعول والتي ما فتئت مسالة دستوريتها تطرح أكثر من علامة استفهام خاصة بعد دخول دستور 2011 حيز التنفيذ ومن هذه القوانين نموذجا يمنع الطعن القضائي في بعض القرارات رغم استكمالها لمقومات القرارات الإدارية القابلة للطعن بموجب دعوى الإلغاء . ولقد نصت مقتضيات الفصل 118 من الدستور على انه حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون وكل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة لذلك فان مبدأ عدم تحصين القرارات الإدارية ارتقى إلى مصاف القواعد الدستورية التي تستوجب إلغاء أي مقتضى قانوني مخالف لهذه القاعدة ومن بين المقتضيات التي ينطبق عليها ما أشير إليه أعلاه ماتنص عليه المادة :62 من ظهير التحفيظ العقاري التي أسالت الكثير من المداد بخصوص مشروعيتها قبل دستور 2011 حيث تنص على أن : * الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة *وهو ما يتناقض مع مقتضيات الفصل :118 من الدستور حيث سيمكن تفعيلالمادة 133 من هذا الأخير كل ذي مصلحة في إطار دعوى أمام المحاكم إثارة عدم دستورية الفصل :62 من ظهير التحفيظ العقاري استنادا إلى خرقه لإحدى الحقوق المضمونة دستوريا وهو حق الطعن القضائي في القرارات الصادرة في المجال الإداري . المراجع المعتمدة : *1* ديتا نسي ستيفن : علم السياسة . الشبكة العربية للأبحاث والنشر بيروت الطبعة الأولى سنة :2012 ص : 301. *2* عبد العظيم عبد السلام عبد الحميد : الرقابة على دستورية القوانين دراسة مقارنة ص:49. *3* ألان كليسن * البرلمان وصورته * مجلة أبحاث عدد:06 سنة :1984 ص :45. *4* النويضي عبد العزيز : *المجلس الدستوري بالمغرب* منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية دار النشر المغربية / الدارالبيضاء 2001 ص: 68. *5* سليمان الطماوي *النظم السياسية والقانون الدستوري القاهرة 1988 ص :391. *6* الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب: الرقابة السياسية والرقابة القضائية دستور :2011 النص والسياق / الدكتور مصطفى بن شريف المجلة المغربية للسياسات العمومية العدد:08 سنة :2012 ص :151- 153.