لا يخفى أن الريف في هذه المرحلة حافل بأفكار ورؤى سياسية تنتمي إلى حقول مختلفة، بعضها متقاربة و أخرى نقيضة، لكن الواقع السياسي الملموس في الريف يعيش أزمة نوعية إن لم نقل عالق في مأزق ، ومرشح للإنزلاق نحو أسوأ المسارات ونحو الخيارات التي من الممكن أن تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير. أمانة للتاريخ، هناك العديد من الأصوات الحرة التي تنادي سرا وعلانية إلى ضرورة التحرك، وتعبر في أكثر من موقع عن تخوفها من مآلات الوضع السياسي في الريف، بل لا تتردد في الإعلان و بوضوح عن سيطرة الفئة المهادنة للمخزن وقدرتها على التحكم في مجريات الأحداث صغيرة كانت أم كبيرة، وبسط نفوذها الشبه النهائي على الريف. إن هذا الوضع الكارثي و الممزق سياسيا سيقود المنطقة نحو مجهول غامض، أما خدمة المعبد والزمرة المخزنية ستحاول جاهدة إستئصال أي مشروع سياسي نقيض لمشروعها، من باب الوضوح أكثر نقيض للسياسات المخزن و توجهاته. فالمشروع السياسي الذي نطمح في تفعيله على أرض الواقع مشروعا يؤسس لعلاقات متوازنة بين كل الأطراف الرافضة للعبة المخزن، كما يؤسس لعلاقات مضادة مع كل من يحمل مشروعا مخزنيا، نطمح إلى مشروع مساهم فاعل و فعال في بناء الريف على جل الأصعدة و المستويات، لا ريف المتسولين و مسلوبي الإرادة أمام هذا الزحف المخزني، قد يعرف الطرح المؤطر لهذا المشروع السياسي فترات متعثرة أو حتى أخطاء معينة في استيعات مرحلة ما، لأن الذي يطلب الحق ويحاول الوصول إليه، ليس كمن يطلب الباطل و يصيبه، وباعتبار هذا الطرح ليس خارجا عن مجال النسبية، إلا أنه لا يقارن مع من أخطؤوا في كل شيء لطرحهم مشاريع و أوراق تكرس في آخر المطاف للسياسات الإحتواء و إخضاع الريف للمركز بطريقة أو بأخرى، ولو أنهم نجحوا نسبيا بالدعم المباشر و الغير مباشر من طرف المخزن ومن دار في فلكه. إن هذا المشروع السياسي و نقولها بكل قناعة سينال حظه من المحن و العراقيل بشتى تلاوينها، من حصار و تحقير والتقليل من أهميته و محاولات إجهاضه، سواءا من داخل الريف أو على مستوى المركز، ما دامت تطلعاته لخدمة الريف وتوجيه الصراع في إتجاهه الصحيح، طبعا، لأن هذا المشروع السياسي خطر منتظر يهدد سياسات المخزن بالمنطقة، وفي المقابل هو مشروع يحمل رؤية تنموية شاملة خارج النسق المخزني المشؤوم، وهذا ما لا تود أن تسمع به أو تراه أذيال المخزن المهيمنة مرحليا، لأن هذه الأخيرة واثقة كل الثقة أنه إذا ما تمت بلورة المشروع على أرضية واضحة المعالم و الأهداف و بدون أية ضبابية، فإن الريف سينفلت من بين يديها رويدا رويدا، ولن يبقى مستقبل الريف عندئذ رهين العبث و الفوضى خلاقة كانت أم هدامة. ويبقى هذا المشروع السياسي في الريف وتجسيده على عاتق كل من إتضحت له الصورة وفهم طبيعة الصراع في كل أبعاده وتجلياته وإن كانت متشعبة، وكما سميناها سابقا "النخبة المناضلة" التي وضعت يدها على الجرح، لأنها خرجت من رحم الجماهير، تعيش آلامها و أمالها، تتسم بسمات الشعب، على خلاف الزمرة المهادنة و المغازلة للمخزن "النخبة الإنتهازية"، فهي تعايش المجتمع الكبير لكنها تعيش في مجتمعها الصغير، لأنها بكل بساطة نخبة فوقية صنعت لأهداف معينة و لخدمة سياسات أسيادها بالمنطقة. وحري بالذكر، ففي الآونة الأخيرة كثيرا ما نسمع أصواتا تحاول أن تكون طرفا ثالثا، تتبنى خطابا مزدوجا "مهادنة ممانعة"، وهذه محاولة تبقى بئيسة كذلك، لأنه خطاب يحمل نقيضين أو متضادين، وهو خطاب يفقد مصداقية علمية وسياسية كذلك، لأن الشيئين المتضادين من الزاوية العلمية هما الشيئين اللذين لا يشتركان في أي جزء من أجزاء ماهيتهما، أما من الزاوية السياسية فالفجوة تزداد إتساعا وعمقا من إنعدام الثقة بين الخطاب المهادن و الخطاب الممانع، وما نود قوله، لمن له هكذا خطاب، إما الدخول في المعادلة المخزنية و إما التواجد في صف الممانعة، فليس لدينا قاعة إنتظار. أما المرحلة فإنها تستدعي بالضرورة إيجاد مخرج سياسي توافقي بين كل الأطراف المتواجدة في صف الممانعة، والتي توحدها المبادئ وتفرقها آليات العمل، بدل الإنسياق في صراعات أفقية بينية لا تستفيد منها سوى قلاع مقاومة المشروع السياسي المنشود. تعليق