يقول ماوتسي تونغ : " إن البيضة لا تتحول إلى كتكوت لمجرد أن هناك درجة حرارة خارجية ملائمة، بل لأن التركيب الداخلي يسمح لها بذلك". يمكن القول أن الريف في مرحلة الأزمة و الجزر نتيجة الوضع الداخلي و ما يعرف من تناقضات بين القوى، وما أدى بالريف إلى منزلق يفرض علينا أن نقول كلمتنا في هذا الأمر. قد نتفق جميعا بكون الريف وما يحتويه من طاقات بشرية تؤهله إلى تأسيس نخبة سياسية قادرة على طرح مشروع سياسي حقيقي يخدم مصالح الريف اقتصاديا، اجتماعيا، وثقافيا…، لكن الواقع يثبت لنا بالملموس أن أطرافا عديدة من بين ما يمكن أن نصطلح عليها بالنخبة اختارت الدخول في متاهات تحمل أكثر من تأويل، فلا ذنب لنا إن أولنا الكثير من تلك الممارسات التي تمارس من داخل الريف من قبل تلك الأطراف والتي من المفروض أن تكون في صف المصالح العليا للريف، إلا أنها انحازت بشكل علني تارة و العمل من داخل الكواليس تارة أخرى، إلى تبني سياسات خبزية والوصول إلى أهداف شخصية ضيقة و ما رافق ذلك من مهادنة و مغازلة للسياسات المخزنية بالمنطقة. الريف حقيقة يعيش صراع النخب، " نخبة مناضلة " اختارت أن تبقى شريفة في اختياراتها و التي تؤسس تصورها العام انطلاقا من تجارب (مولاي محند، جيش التحرير) و تراكمات نضالية تاريخية (انتفاضة 58-59 ، 84…) عاشها الريف في مراحل مختلفة من التاريخ، و " نخبة انتهازية " تحاول جاهدة تجاوز كل أو بعض من تلك التراكمات لزعمها أن الريف يحتاج إلى مرحلة جديدة، لكن أية مرحلة؟؟ّ طبعا، مرحلة المهادنة و الدخول في اللعبة التي سطرها المخزن سلفا ، و هذه المسألة ليست قضية جدال و عناد، بل هي واقع يجب تحليله من كل الجوانب لاكتشاف كل العوامل التي أدت إلى ظهور هذا الصراع وهيمنة التيار الانتهازي الذي أصبح يهدد مستقبل الريف فعلا. حينما تطرح " النخبة الانتهازية " من داخل الريف مسألة تجاوز تلك التراكمات التاريخية بذريعة خلق مرحلة تعايش بين الريف و المخزن هكذا بدون تحليل، و بكيفية عامة مجردة، تضع " النخبة المناضلة " بين اختيارين: إما أن تقبل دعوة " النخبة الانتهازية " و المشاركة في اللعبة لتجاوز تلك التراكمات تجاوزا ميكانيكيا مجردا، و إما أن ترفض تلك اللعبة، فتجعل نفسها في موقع المدافع عن تلك التراكمات التاريخية بدون أي حذف. إن هذا المنطق الذي تضعه " النخبة الانتهازية "، و الذي يضع كل أحرار الريف أمام اختيار مصطنع و مفروض فهو منطق مرفوض، إذ نرفض التعامل في ميدان المجردات، كما نرفض النظرة الوحيدة، وذلك لاعتبارات معينة و من أبرزها أن المرتكزات التي ترتكز عليها "النخبة المناضلة " ليست وليدة اللحظة بقدر ما هي استمرار موضوعي لكل التراكمات النضالية التاريخية، بل هي مرتكزات عميقة الأصول و متشعبة الجذور، والرفض الميكانيكي لتلك التجارب و التراكمات يعتبر موقفا لا علميا، لا تقدميا، فهو رفض لكل مصالح الريف العليا و استفزاز لتاريخ الريف أيضا. إن الصراع الفعلي القائم من داخل الريف ليس وهميا بل هو صراع ملموس حول قضايا ملموسة ، هو صراع دائر بين قوى تحاول جاهدة استغلال الجماهير باستغلال سذاجتها و جهلها و طاقاتها الفعلية، و بين قوى تريد تحرير الجماهير من كل أنواع الاستغلال، و فضح أنواع الزيف و التضليل المستعملة لتخديرها و صرفها عن ميدان الصراع الحقيقي. و بطرحنا المسألة على هذا النحو، فإن الخط الفاصل سيكون خطا واضحا حقيقيا، يتعلق بكل ما هو مناضل و ما هو انتهازي، إنه ذلك الخط الذي يفصل من يكرس و يخدم أجندة المخزن بالريف، و بين من يفضح و يحارب تلك الأجندة، وهذا ما يستدعي بالضرورة توحيد الصف المناضل، وإنه من الخطأ الاعتقاد بأن " النخبة الانتهازية " تتخبط في العفوية و العشوائية بقدر ما هي نخبة قائمة على العقل و التخطيط و اللعب على وتر الوقت لكسب كل الرهان، و هي أشد خطرا في المرحلة الراهنة. و هنا سنجد أنفسنا أمام سؤال جريء، كيف الخروج من هذا المأزق؟؟، فنحن نرى أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالتحرر من سماء المجردات و الفرضيات، و بطرح مشاكلنا طرحا مشخصا، و لذا فما على " النخبة المناضلة " إلا أن تخوض المعركة ضد المد الانتهازي بنفس السلاح، سلاح العقل و التخطيط لإفشال ما يمكن إفشاله من تلك الأجندة الخبيثة، وهذا طبعا لا يكون إلا بتأسيس اللبنات الأولى للنضال الواعي و الجاد و تحمل المسؤولية التاريخية، و في إطار تنظيم سياسي قوي توحد فيه كل الطاقات الحرة لضمان استمرارية الخط الراديكالي و العقلاني و لوضع النقاط على كل الحروف. .