قضت طفولتها في غرف العلاج، وأصبحت محاطة بالمعدات الطبية عوض الألعاب. لكنها وقفت صامدة وتشبثت بكل قوة بالحياة، دون إظهار أي ضعف أو جبن. غير أن كل هذا الصمود تلاشى حين وقفت أمام "حلمها الأكبر"، فانهارت بالبكاء وارتمت في حضن والدها. الأمر يتعلق بالطفلة خديجة، التي لا يتجاوز عمرها 8 سنوات، والتي تواجه بصبر وصمود مرض السرطان لشهور، وتتحمل مشقة رحلات العلاج الطويلة بين تاونات، حيث تقطن رفقة والديها والعاصمة الرباط، حيث تتابع علاجها بمركز الانكولوجيا. كأي طفلة صغيرة تأتي من بلدة صغيرة وتزور مدينة كبيرة كالرباط، دُهشت خديجة بالتجهيزات الحديثة التي تؤثث فضاءات المدينة، لكنها اُعجبت أكثر بوسيلة المواصلات الطرامواي، التي أقلتها بضع مرات خلال تواجدها رفقة والدها بالرباط. قبل بضعة أشهر، كانت خديجة أحد الأطفال الذين يقابلهم أعضاء جمعية "أحلام العصافير" التي تعمل على تحقيق أحلام الأطفال مرضى السرطان، بمركز الأنكولوجيا بالرباط. يقول عز العرب النجاري، والد الطفلة خديجة إنه لم يستغرق الكثير من الوقت لإبنته كي ترد على سؤال أعضاء الجمعية، حين سألوها عن حلمها الأكبر. بل بكل عفوية وثقة قالت إن حلمها هو قيادة الطرامواي. "وعد أعضاء الجمعية طفلتي بأن يبذلو قصارى جهدهم من أجل تحقيق حلمها،" يقول عز العرب في تصريحه لموقع القناة الثانية، مضيفا: "لكن طوال تلك المدة التي كنا ننتظر فيها رد الجمعية، كانت تسأل خديجة باستمرار عن الموعد الذي ستتمكن فيه من قيادة الطرامواي. لم تنس ولو للحظة ذلك الوعد الذي قطعه لها أعضاء الجمعية. في الأول، كان يخالجني تخوف من أن يخيب ظنها، لكن بعد بضعة شهور جاء الرد إيجابيا، فأدخلت الفرحة على قلبها وارتحت أنا أيضا.'' وبالرغم من الحماس الكبير الذي أبانت عنه طيلة مدة انتظار موعد تحقيق حلمها، فإن خديجة انهارت بالبكاء لحظة استقبالها من طرف إدارة شركة طرامواي الرباطسلا، بمقر الشركة بسلا. وكأن كل ذلك الألم الذي تحملته دون أن تُظهره خلال رحلة العلاج المستمرة، خرج في لحظة فرح قصوى. تطلب الأمر أكثر من 40 دقيقة وبعض قطع الشكولاتة، التي قدمتها إليها سيدة تشتغل في إدارة الشركة، كي تسترجع خديجة ابتسامتها، وتتمكن أخيرا من الصعود إلى قمرة قيادة الطرامواي. جلست خديجة بثقة على الكرسي الخاص بالسائق في قمرة القيادة، وتابعت توجيهات طاقم الطرامواي، فشغلت المحرك، ثم حررت المكابح، ومسكت المقود، فسار الطرامواي ذهابا إلى نقطة الوصول، ثم قادته إيابا إلى نقطة الإنطلاق. الإبتسامة لم تفارق خديجة طيلة المدة التي قضتها وراء المقود. وكأنها تقول للسرطان، "إنني مازلت مسيطرة، وأنا التي أتحكم في المقود. سأقود حياتي بطريقتي ، دون أن تمنعني من ذلك أورامك الخبيثة."