طوال شهر رمضان الكريم تلتقون يوميا من حكايا سينمائية بقلم المخرج المغربي عز العرب العلوي، والتي ينقلنا من خلالها الى كواليس افلامه الوثائقية والسينمائية. الحكاية الثالثة : حكاية اليوم تستمد نكهتها من اختلافها.. شاءت الاقدار في احدى المرات ان تمت دعوتي لعرض فيلم اندرومان في مهرجان ليس كالمهرجانات ..هو تجمع انساني من المحبة والطيبة ..مهرجان بفيلم واحد ..مدته 48 ساعة وفي قرية نائية تبعد عن تولوز الفرنسية ب300 كلم . لايتعدى ىسكانها 280 قاطنا... اغلبهم من الشيوخ والعجائز ...سكان هاته القرية لايخرجون الى المدن الا نادرا ..وحين يخرج احدهم يعود ليحكي مارأى للاخرين .. تماما كما الامر ايام الرحلات في زمن القبائل ...رييجين فلامون امراة فرنسية قاربت 70 سنة.. سافرت بفعل مدخراتها الشخصية الى مهرجان البوركنافاسو.. فشاهدت فيلم أندرومان ، فعشقته حتى النخاع، لانها على ما يبدو وجدت فيه ما يشبه قريتها الصغيرة جدا التي تقع على الحدود الأسبانية او ربما رقت الى حال المرأة في مجتمع ذكوري ..علي كل حال عملت ريجين كل مافي وسعها للحصول على نسخة الفيلم من فريق المهرجان فلم تستطع. ..شعرت بالخيبة فعادت الى قريتها فجمعت سكانها في فضاء الكنيسة وروت لهم اطوار رحلتها الي واكادوكو ..وفي نفس الوقت حكت لهم أطوار الفيلم تماما كما كان يحكي ابن الرومية في مسلسل الكواسر .. عشقوا ما سمعوه فقرروا القيام باكتتاب فيما بينهم لجمع المال لاستضافة الفيلم والمخرج ..وفعلا اتصلوا بالمهرجان وتمكنوا من الحصول على الايمايل فراسلوني..لم افتح الرسالة في الاسبوع الاول لعدم معرفتي بالمرسل ..غير انه في الاسبوع الثاني تلقيت نفس الرسالة مع اشارة الي فيلم اندرومان في الموضوع ..فعلا فتحت الرسالة فوجدت دعوة للحضور وسرد بسيط لما حكيته لكم في مطلع هذه السطور .. فلم استطع الرفض رغم انشغالاتي الكثيرة آنذاك خاصة ان الفيلم منذ مروره بمهرجان البوركينافاصو انهالت عليه العروض من الكثير من المهرجانات الدولية ..فقبلت الحضور لمدة لا تتجاوز 48 ساعة ... توصلت بتذكرة الطائرة فسافرت.. عند الوصول وفي المطار وجدت عائلة باكملها في انتظاري وأعضاؤها يحملون ملصق الفيلم ..دهشت لهذا الأمر ولما استفسرت سر تواجدهم هناك علمت انهم هم العائلة المكلفة لاصطحابي للقرية...
بعد اربع ساعات من الطريق بين الجبال والنقاشات المستفيضة حول المغرب والسينما والحياة الاجتماعية .. وصلنا إلى القرية في حدود الساعة السابعة مساء وفي مكان مخصص لاجتماعات آهل القرية وجدت اكثر من 60 شخصا في انتظاري اما باقي سكان القرية حسب ماقيل لي - فهم من العجائز لا يستطعون الخروج ...وجدتهم في حيوية ونشاط قل نظيرها في المدن .. قمة الفرح لانهم نجحوا فيما أرادوا وتمكنوا بمجهوداتهم الشخصية احضار الفيلم والمخرج معا ... في خلفية الغرفة اثار انتباهي مجموعة من السلل والاكياس ..وبعد الترحيب اقترحوا عليا العشاء اولا ثم عرض الفيلم بعد ذلك ..قبلت طبعا لانني كنت أتضور جوعا ..بدآ كل واحد منهم يفرغ محتوى ما استقدمه في سلله من اكل على الطاولة ..فامتلأت الطاولة اكلا من كل الأصناف.. .كل واحد منهم كان يدعوني لتذوق ما سبق ان اعده لهذه المناسبة ...كنا في جو تعلوه مسحة من البساطة ..لم يخطر ببالي يوما ان اعثر على قرية في اوربا تعيش هذا الوئام والحب منفصلة تماما عن بهرجة اوربا ... اكلت ما استطعت .. وانصرفنا لمشاهدة الشريط جميعا وبعد ذلك دخلنا في نقاش سينمائي مستفيض لم ننته منه حتى الثالثة صباحا ..كنت اقرآ السعادة في عيونهم واتمعن في روابطهم الاجتماعية الفريدة من نوعها كانك في المدينة الفاضلة .. ... في اخر الليل جاء دور العائلة الثانية المكلفة بالمبيت كما هو متفق عليه بينهم مسبقا. ..في المنزل خيروني بين غرفتين ..فاخترت غرفة مطلة علي الحديقة ..في الصباح على مائدة الفطور اجتمعت العائلة وطلب اب الاسرة من ابنائه طرح الاسئلة لمعرفة كيف يعيشون الأطفال في المغرب..لاأخفي عليكم انني كنت آجيب على أسئلتهم تماما كالقناة الثانية ..الجو جميل والسماء صافية ..
الحادية صباحا جاءت العائلة الثالثة المكلفة بوجبة الغذاء لاصطحابي..فعلا ذهبنا للمنزل الثاني ..ولغرفة اخرى ..تناولنا وجبة الغذاء ..تناقشنا أيضا في أمور كثيرة .. وفي المساء تمت دعوتي لمطعم خارجي للعشاء ..هناك التقيت بعدد تجاوز عشرين قاطنا ساهموا جميع في دفع نفقات تلك الليلة ..ضحكنا كثيرا وحكينا ما يوحد الشعوب في عالم الابتسامة ..في الصباح تكلف ثلاثة افراد من عائلات مختلفة لايصالي الى المطار ... لم استطع الخروج من هذا الحلم الجميل الا وأنا على مشارف النزول إلى مطار الدارالبيضاء حيث وقعت يدي علي مجلة الخطوط الملكية الجوية ..تصفحت بسرعة فبالصدفة وجدت مقالة بالصور عن فيلمي ازوران .. ابتسمت ، واغلقت عيني وعدت الى اجواء القرية التولوزية حيث الصفاء والنقاء وعشق الإبداع كدافع نحو للاستمرارية والحياة ... عشق السينما بطعم البسطاء............ محبتي إليكم والى حكاية جديدة ...