المساجد لله أمر أن تُرفع ويُعبد فيها وحده لا شريك له، وهي عنوان وحدة المسلمين، ودليل على المساواة بين المسلمين وحتى بين غيرهم من الديانات الأخرى، وكلما تم استعمالها لغير أغراضها العبادية والتعليمية، فقدت وظيفتها الحقيقية. المساجد في المغرب لها تاريخ طويل، من حيث الخدمات التي قدمتها ومن حيث الاهتمام بها، ومنذ تواضع المغاربة على إمارة المؤمنين كمرجعية جامعة وهي الساهرة عليها وعلى حمايتها من كل تطاول، ومن كل الأيادي التي تسيء إليها. فالمساجد ليست لقضاء الأغراض الاجتماعية البسيطة ناهيك عن استغلالها سياسيا، ففي الحديث الشريف "من طلب حاجته في المسجد فقولوا له لا ردها الله عليك"، فهذا فيمن جاء يسأل عن ناقته التي تاهت أو حذائه الذي ضيعه، فما بالك من جاءها يبحث عن أصوات انتخابية؟ في هذا السياق جاء الأمر الملكي بتكوين لجنة خاصة بالمساجد المغلقة، قصد إحصائها ومعرفة حاجياتها. فالمسجد خدمة عبادية ولا بد من العناية به، وهذا هو دور إمارة المؤمنين للإشراف على المساجد. فإمارة المؤمنين مرجعية جامعة ومانعة من غلواء التطرف، وهي وظيفة دستورية حيث ينص الدستور في فصله 41 على أن "الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. ويرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة. ويمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر". والترتيب في الدستور ليس عبثيا ولكنه قصدي. وليس من باب الصدف أن يتم تقديم إمارة المؤمنين على رئاسة الدولة. فالاعتناء بالمساجد المغلقة سيحميها من معضلتين: الأولى تتعلق بالاستغلال السياسي من قبل الأحزاب السياسية، التي لم تعد تؤمن بأية قيمة، حيث تستغل الجنائز لجلب الأصوات الانتخابية رغم روعة الموت ولوعة الفقد، فهناك من يتربص بالمدعوين من أجل استقطابهم، كما يتم استغلال المساجد سواء المفتوحة أو المغلقة، استغلالا بشعا للمشترك الروحي بين المغاربة. المشترك بين المغاربة مستعصٍ على الاستغلال الانتخابي، خصوصا وأن هذا المشترك له مؤسسة حامية متعالية على الصراعات الانتخابية، ألا وهي إمارة المؤمنين. لهذا من غير المستحسن والمقبول أن تكون مؤسسة المسجد تحت رعاية الحكومة الخاضعة للتقلبات السياسية، بل إنها مشكلة من أحزاب تشرئب أعناقها للمسجد، في محاولة لاستغلال الخطاب الديني القريب من قلب المواطن قصد التصويت عليها. والمعضلة الثانية تتجلى في محاولات تيارات متطرفة استغلال المساجد، وخصوصا بعض التيارات التي تنشر عقائد مخالفة لتدين المغاربة، ومخالفة لمدرسة الأشعري الكلامية ومالك الفقهية وتعادي التصوف كواحد من مكونات التدين المغربي. المساجد لله وهي بيوت الله، ولا يمكن تحويلها إلى بيوت أحزاب أو جماعات قلوبها شتى.