كنا نعتبر أن سعد الدين العثماني، وزير الشؤون الخارجية السابق والقيادي في العدالة والتنمية، وحده من ارتكب الكبائر السياسية، وأنه تميز عن غيره بإدخال الديبلوماسية المغربية في متاهات هي في غنى عنها، وسجلنا عليه مخالفاته للأعراف الديبلوماسية وخدمته لأجندة الإخوان المسلمين، لكن اعتقادنا تبين أنه خاطئ، ليس لأن العثماني لم يرتكب تلك الكبائر السياسية ولكن صلاح الدين مزوار وزير الخارجية والتعاون ونائبته مباركة بوعيدة جسدا الخلف الذي يسير بخطوات السلف. لقد تبين أن مزوار هو وزير التدبير غير الواضح للديبلوماسية المغربية وارتكب زلات خطيرة لا يقع فيها حتى المبتدئ في السياسة والديبلوماسية والذي يتعلم أبجدياتها فما بالك برئيس حزب سياسي. ولا ندري ما إن كان مزوار قد وقع في قبضة الوهابية السرورية التي تسير الحكومة من خلال حزب العدالة والتنمية؟ هل تخلى عن مرجعيته الحداثية؟ فتصريحات المسؤول الديبلوماسي تكون محسوبة بدقة وأحيانا تكون بلغة حمالة أوجه كثيرة، ولغة قابلة للتأويل بما يعني التخلي أو المراوغة، لذلك فإن الديبلوماسي في الأزمات يقول كل شيء ولا يقول شيئا. والحقيقة أن تصريحات صلاح الدين مزوار وزير الخارجية ونائبته مباركة بوعيدة على هامش لجنة القدس الشريف، التي ترأسها جلالة الملك محمد السادس رئيس اللجنة، كانت خارج السياق وخارج التاريخ ومخالفة لأعراف الاحتضان للمنظمات الدولية والإقليمية وضاربة عرض الحائط جذور الضيافة المغربية. فما يجهله مزوار، وما ينبغي له ذلك، هو أن رئيس لجنة القدس هو جلالة الملك، وأن منظمة التعاون الإسلامي منذ 1979 اختارت المغرب لرئاسة هذه اللجنة دون منازع، وبالتالي فإن ضيوف اجتماع اللجنة بمراكش هم ضيوف جلالة الملك بما هو معروف عنه من حسن الضيافة، ولذلك كل كلام زائد عن هذا يبقى خارج السياق وخارج الموضوع ولم تكن لجنة القدس في حاجة إليه. مزوار قال لحظة حضوره مقر انعقاد المؤتمر إنه لم يلتق برئيس الوفد الإيراني وقال كلاما كثيرا بهذا الخصوص يستحقر حضور هذه الدولة العضو في منظمة التعاون الإسلامي. طبعا لا تربط المغرب بإيران علاقات ديبلوماسية. غير أن القصة تبدو الآن من التاريخ. ولا تفيد فيها "مناطحات" مباركة بوعيدة التي قالت إن العلاقات مع إيران لن تتغير حتى تتخلى طهران عن تصدير التشيع. هل تعرف مباركة ما تقول؟ هل تعرف أن إيران الشيعية متحالفة مع أرمينيا المسيحية ومتخاصمة مع أدربيجان الشيعية؟ هل تعرف مباركة أنها جاهلة بكل هذا؟ في مقابل هذا التنطع الذي يذكرنا بعنتريات أولاد العدالة والتنمية كان الإيرانيون بالدهاء السياسي المحرج جدا. فمع خروج الوفد الإيراني قال الناطق باسم الخارجية إن المغرب بلد صديق. وكان الوفد موافقا على كل قرارات لجنة القدس وقال رئيس الوفد لا يهم الأسباب التي من أجلها تم قطع العلاقات ولكن يهمنا المستقبل. لكن ونحن نتحدث عن زلات مزوار ونائبته لا بد من الإشارة إلى أمر مهم. ما علاقة مزوار فبالأحرى مباركة بقضية قطع العلاقات وعودتها؟ هل نسي مزوار أنه رئيس الديبلوماسية وليس رئيسا للدولة؟ هل نسي أن مجال العلاقات هو مسألة سيادية ومن اختصاص رئيس الدولة. ففي العلاقات الدولية ليست هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة. وهذه نصيحة لمزوار: اليبلوماسية فن إطفاء الحرائق وليس إشعالها والديبلوماسية بحث عن ربط العلاقات لا قطعها وكل علاقة تربطها فإنك تخصمها من خصمك.