رغم البعد الجغرافي والمسافات الطويلة الفاصلة بين المغرب وإيران، إلا أن الخلاف بين الطرفين ظل يميز علاقات البلدين، وكأن بين الفرس والمغاربة صراع الجيرة والحجارة. تعايشت المملكة الشريفة مع الفرس عن بعد، قبل أن يفتح المغرب وإيران جسر المودة في زمن التقارب بين شاه إيران محمد رضا بهلوي والعاهل المغربي الحسن الثاني. لكن هذا التقارب طبعه مد وجزر، فالوئام بين الشاه والملك الراحل الحسن الثاني كان يتحول بين الفينة والأخرى إلى احتقان غير معلن. لكن الثورة الإسلامية التي قادها آية الله الخميني سنة 1979 باعدت بين المغاربة والإيرانيين بعد المغرب عن المشرق، ليبدأ العد العكسي للقطيعة. حين استضاف الحسن الثاني الإمبراطور المخلوع محمد رضا بهلوي وأسرته، تحول المغرب إلى عدو معلن للسلطة الدينية الحاكمة في إيران، قبل أن يزيد الشقاق بين الطرفين أثناء الحرب العراقية الإيرانية، إذ أبدى الملك الحسن الثاني في مؤتمر القمة العربية الثاني عشر المنعقد بفاس سنة 1982 استعداده، إلى جانب باقي الدول العربية، لتنفيذ التزاماته نحو العراق بموجب معاهدة الدفاع العربي المشترك في حالة عدم استجابة إيران واستمرارها في الحرب، فضلا عن فتوى العلماء المغاربة بتكفِير الإمام آية الله الخميني. رد الفعل الإيراني كان منتظرا، حيث عبر عن دعمه للبوليساريو وزكى أطروحة الانفصال. وبالرغم من ربط علاقات دبلوماسية سنة 1991، فإن الحيطة والحذر كانا عنوان التحركات والسكنات بين الرباطوطهران، خاصة في ظل توجس مستمر من نشر إيران لمذهبها الشيعي في أوساط المغاربة، لاسيما في ظل الحديث عن مضاعفات الانفتاح المغربي على إيران، من خلال إعادة التمثيل الديبلوماسي بين البلدين، في عهد الرئيسين الإيرانيين محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد، وما ترتب عنه من حضور للفكر الإيراني تجاوز معارض الكتاب إلى مشاركة عدد من علماء الدين الإيرانيين في الدروس الحسنية التي كانت تعقد منذ أيام الملك الحسن الثاني في شهر رمضان، ناهيك عن اختراق الحرم الجامعي المغربي. مرت مياه كثيرة تحت جسر علاقات البلدين، ودب الدفء في الطريق الديبلوماسي السيار الرابط بين طهرانوالرباط، جسدته زيارات لوزراء الخارجية كعلي أكبر ولايتي عام 1997 وبعده وزير الخارجية الإيراني السابق كمال خرازي عام 2004، ووزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي للمغرب، حيث وقعت الدولتان في الخامس من فبراير 2007 على «مذكرة تفاهم تشمل إقامة آليات للمشاورة السياسية بين الدولتين»، سرعان ما أصبح فيها التفاهم مجرد حبر على ورق. يبدو أن الهاجس الأمني ظل حاضرا في علاقة البلدين، فالسفارة الإيرانية كانت تفتح بوابة ثقافية لاستقطاب الموالين للمذهب الشيعي، والمعرض الدولي كان يستقطب شخصيات فكرية إيرانية ذات مرجعية شيعية، كما فتحت السفارة الإيرانية منفذا للطلبة المغاربة قصد الاستفادة من منح التعليم العالي في مدينة قم الروحية بإيران. فكان من الطبيعي أن تختنق شرايين العلاقات بين البلدين في عهد نجاد، لاسيما وأن المغرب كان ينتظر نصف فرصة لإغلاق هذا الملف المزعج. وحين أعلن الملك محمد السادس تضامنه اللامشروط مع البحرين في نزاعه مع إيران، غضبت طهران واستدعت القائم بأعمال المغرب في العاصمة الإيرانية لتبلغه انزعاج الحاكمين من التأييد المغربي للبحرين، بل وكلفت الخارجية أصغر موظفيها لاستفسار المسؤول المغربي، فرد المغاربة بنفس التعامل حين استدعت الخارجية القائم بالأعمال للتشاور وطلب توضيح من الإيرانيين حول سر استفزاز ممثل المغرب دون سواه من البعثات الديبلوماسية التي ساندت البحرين في خلافه مع إيران. ليتجدد سيناريو نهاية الثمانينيات وتدخل علاقات البلدين مغارة المجهول. انتقلت عدوى الأزمة الإيرانية البحرينية من الخليج إلى المغرب، وأعلنت وزارة الخارجية المغربية قطع حبل العلاقات الديبلوماسية مع إيران نجاد، ليس بسبب جزيرة في البحرين اعتبرتها إيران المقاطعة رقم 14، بل بسبب «نشاطات ثابتة للسلطات الإيرانية، وخاصة من طرف البِعثة الدبلوماسية بالرباط، تستهدِف الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووِحدة عقيدته ومذهبِه السني المالكي، الذي يحميه جلالة الملك محمد السادس»، حسب ما أوردته وكالة المغرب العربي للأنباء، وتناقلته الصحف المغربية وزكته بالكشف عن أزيد من 3000 مغربي ارتمى في حضن التشيع. هذا القرار لقي ارتياحا كبيرا من الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي صنفته في خانة إجراءات «محاصرة إيران والضغط عليها في مفاوضات المفاعل النووي الإيراني»، رغم أن الرباط أعلنت في وقت سابق دعمها لحق إيران بامتلاك الصناعة النووية لأغراض سلمية. العارفون ببواطن السياسة الخارجية يؤكدون أن الديبلوماسية المغربية لجأت إلى القطيعة سنة 2009 لأنه «ليس لديها ما تربحه من استمرار علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وليس لدى الرباط ما تخسره من قطع هذه العلاقات، فأقصى ما يمكن أن تذهب إليه طهران، إعادة علنية لدعمها لجبهة البوليساريو، لكن الرباط في المقابل، ستحظى بدعم من أطراف ودول أكثر تأثيرا في المنطقة العربية». لاحت في الأفق بوادر الانفراج في العلاقات المغربية الإيرانية منذ وصول حكومة برئاسة حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، حيث لم يترك وزير الخارجية سعد الدين العثماني الفرصة تمر دون أن يعبر عن رغبته في تطبيع العلاقات بين البلدين، بل إن مشاركة يوسف العمراني، الوزير المنتدب لدى وزير الخارجية المغربي، في مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران، ومبادرة البرلمان الإيراني لتشكيل لجنة مشتركة قصد تطوير العلاقات المغربية الإيرانية، هما مؤشران أساسيان في التطبيع. الآن، وقد ولى عهد محمودي نجاد، وانتخب الشعب الإيراني حسن روحاني بديلا له ، قيل إنه غير متشدد، فإن المغرب يعيش حالة من الحيرة بين الترحيب بالرئيس الجديد وإعادة فتح جسر التواصل مع الفرس، أو استمرار غلق الشرفات المطلة على إيران «اتقاء شر» الاختراق الشيعي، لاسيما وأن الرئيس الجديد رجل متشبع بالفكر الاستخباراتي، فهو رئيس المخابرات الإيرانية السابق، ورجل يعرف أن السياسة في هذا البلد لن تنفصل عن السلطة الدينية، فيما يبقى دور الرئيس مقتصرا على السياسة الخارجية بدرجة أولى، في ما يشبه «الوزير العام للخارجية». ربما لهذه الاعتبارات، فضل المغرب التأني في كل ما يتعلق بالملف الإيراني، حتى في تحرير برقية تهنئة للروحاني. مكالمة هاتفية حولت شاه إيران إلى المغرب حين طردت ثورة الخميني شاه إيران رضا بهلوي من طهران خائبا، واختار التوجه إلى المغرب عبر مصر، بدأت شظايا الانفجار الشعبي في إيران تصيب المغرب بسبب وجود الشاه فيه، حيث هوجمت السفارة المغربية في طهران، لأن الثوار الإيرانيين غضبوا لهذا الاختيار الذي وضع المغرب في موقف حرج، قبل أن يصرح الملك الحسن الثاني لمحطة تلفزيونية أمريكية بأن وجود الشاه ضيفا عليه لا يمنع من وجود علاقات سياسية مع إيران. بل إن اجتماعا لعلماء المغرب في مدينة وجدة في ماي 1979، بحضور مستشار الملك أحمد بن سودة، أرسل برقية تنويه وإشادة للإمام الخميني، كما حيت رابطة علماء المغرب أية الله الخميني واعتبرت الثورة «حركة مباركة»، لكن بعد مرور عام على الثورة الإيرانية، أصدر هؤلاء العلماء فتوى شرعية ضد الإمام الخميني بسبب «أقواله وتصريحاته التي يعتبرونها مناقضة لعقيدة التوحيد». يروي الحسن الثاني في كتاب «ذاكرة ملك» كيف اتصل بشاه إيران لدى وصوله إلى القاهرة، حيث رحب به في المغرب إذا أراد قبول استضافته فيقول: «اتصلت بالشاه تلفونيا لما وصل إلى القاهرة وقلت له إنني يا رضا حزين لما أصابك، ومهما يكن فاعلم أنك إذا أردت المجيء إلى المغرب، فستجد أبوابه مشرعة لك، وسوف يسرنا غاية السرور أن نستقبلك، ويمكنك أن تمكث في المغرب ما شئت من الوقت». بعد أسبوع فقط على الدعوة الهاتفية، اختزل شاه إيران، المطاح به، إقامته في مصر وانتقل إلى المغرب، وهو ما أشار إليه في كتابه «جوابي للتاريخ»، حين أكد أنه كان ينوي التوجه إلى الولاياتالمتحدة بعد توقف قصير في المغرب، لكن الولاياتالمتحدة خذلته حين تماطلت في السماح له بالدخول إليها حتى استفحل داء السرطان الذي كان ينخر جسده. ظل الملك يلتقي يوميا بشاه إيران في الأيام الأولى لوجوده بالرباط، وكانا يتحدثان عن مشاكل العالم الغربي، قبل أن يتسبب في الإحراج للحسن الثاني بسبب طول مقام الشاه في المغرب، لاسيما بعد التحاق أبناء رضا بوالدهم في المغرب، في فترة كان فيها المغرب يتأهب لتنظيم اجتماع مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في مدينة فاس، وكان الحسن الثاني يتخوف من أن ترفض الدول الإسلامية إرسال وزراء خارجياتها إلى المغرب لحضور المؤتمر كما جاء في كتاب «ذاكرة ملك» إذا استمرت ضيافة الشاه، بل إن منظمة التحرير الفلسطينية دخلت على الخط وهددت باختطاف الشاه من المغرب، كما ورد في كتاب «الشاه: منفى وموت شخصية مزعجة»، للصحافي البريطاني وليام شاوكروز. مات رضا، لكن زوجته فرح ديبا ظلت تتردد على المغرب خاصة على مدينتي طنجة وآسفي، إذ ظلت الزوجة المكلومة تستقر بعد الثورة الإيرانية بين فرنسا والمغرب ومصر والولاياتالمتحدةالأمريكية ثم بريطانيا، حيث عاشت آخر مآسي حياتها عقب انتحار ابنتها ليلى في أحد فنادق العاصمة البريطانية لندن سنة 2001، بل إن فرح تملك مزرعة في مدينة تارودانت، كما تمتلك رياضا فاخرا تستقر فيه أغلب أوقات السنة، إذ تلتقي هناك مع عدة شخصيات أجنبية من بينها الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك وزوجته بيرناديت.