رفض عبد الإله بنكيران معالجة ملف الباعة المتجولين "الفراشة " بشكل جدي رغم أن المدن المغربية تحولت في شوارعها وأزقتها إلى أسواق قروية بسبب الغزو المتزايد لمحترفي البيع بالتجوال الموزعين ما بين فرّاشة ومتجولين (ليزابي وما شابهها)، وهي مهن تدر أرباحا مهمة على محترفيها من دون أن تستفيد منها خزينة الدولة. ويظهر أن حزب العدالة والتنمية من خلال وزرائه في الحكومة اهتدوا إلى أن هاته الفئة الاجتماعية تشكل كتلة ناخبة قوية ومركزة، لذلك سارعوا إلى محاولة تقنين هذه المهنة (البيع بالتجوال) للركوب عليها بمحاولة تنضيمها لكسب رهانات جديدة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة سواء الجماعية أو الرلمانية. قالت مصادر متطابقة إن حكومة بنكيران خسرت معركتها في مواجهة التجار المتجولين أو ما يعرف اصطلاحا دارجا ب"الفرَّاشة"، الذين عرفت أعدادهم في السنتين الأخيرتين ارتفاعا كبيرا تزامنا مع ضعف سوق الشغل وارتفاع عدد العاطلين من أصحاب الشهادات وتزامنا كذلك مع التأثيرات المباشرة لتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المصحوبة بالاحتقان الاجتماعي وموجة الربيع العربي. وشددت المصادر على أن الحكومة الحالية فشلت أكثر من سابقاتها وبشكل كبير في إيجاد حل واقعي لظاهرة التجارة بالتجوال التي يصاحبها احتلال الملك العمومي واستغلاله من طرف فئة معينة من الذين يمتهنون هذه التجارة على حساب المواطنين، وذلك في الوقت الذي استعصى فيه على ذات الحكومة إيجاد حلول لظاهرة البطالة التي تضرب الشباب المغربي وحاملي الشهادات بالخصوص. واستنادا إلى مصادر موثوقة ولمواجهة ظاهرة التجارة بالتجوال فإن حكومة بنكيران تسير إلى تقنين هذه الظاهرة وتنظيمها حسب مقاسات من وحيها، وهي مقاسات لن تزيد من الحالة الاجتماعية للمغرب إلا تعقيدا كما لن تلحق بصورته القاتمة أصلا إلا خدوشا، بل تسير بالمغرب سنين وعقودا إلى الوراء حيث كان يعيش البلد على نسبة كبيرة من البداوة أكثر من التمدن. وأكدت المصادر المذكورة على أن الحكومة مصممة العزم على تحويل أزقة المدن المغربية وفضاءاتها - وعلى قلتها - إلى أسواق شوارع يومية وأخرى أسبوعية على شكل الأسواق اليومية والأسبوعية المتجدرة في البوادي المغربية التي تتسع لتسويق كل ما يحتاجه المستهلك المغربي في عيشه ليجده لدى العارضين بداية من "السَّفناجة"، مرورا ب"الخضّارة" والحرفيين اليدويين والحلاقين وأصحاب "طَايْب وهَاري" وانتهاء عند القصابة في" الكُرْنة". وهو ما سيجعل 276 ألف ممتهن للتجارة بالتجوال بشكل مباشر أو غير مباشر "يتهيكلون" في أسواق يومية وأسبوعية بشوارع وأزقة المدن المغربية في محاولة لتقنين ظاهرة "الفراشة" القطاع غير المهيكل الذي يحقق رقم معاملات يبلغ إلى أكثر من 45 مليار درهم سنويا، حسب إحصائيات رسمية ويفوت على الدولة الكثير من المداخيل الضريبية والجبائية. ووفق المصادر ذاتها، فإن الحكومة مَنكبّة في الوقت الراهن على وضع القوانين المنظمة التي ستُخرج هذه الأسواق إلى حيز الوجود ترابطا مع قوانين أخرى تعيد النظر في استغلال الملك العمومي على الرغم من أن هذا الورش الكبير يحسب لحكومة عباس الفاسي التي بادرت إليه في 2008، ليس بالقضاء على ظاهرة الفراشة وحسب وإنما بإعادة النظر في منظومة التجارة والتوزيع وهو القطاع الذي كان فيه العديد من المبادرات؛ أولها سن قانون منظم للتجارة والتوزيع مكمل لمدونة التجارة للتحكم في أكبر قطاع يدر على الاقتصاد الوطني الشيء الكثير بعد القطاع الفلاحي، ويساهم بنسبة 10.4 في المائة من الناتج الداخلي الخام.