تعتبر الدارالبيضاء، العاصمة الاقتصادية، منطقة جلب يأتي إليها أبناء مختلف الأقاليم والجهات بحثا عن فرصة عمل في فضاءاتها الواسعة، وأمام استحالة الحصول على ما ينقذهم من تبعات البطالة، يضطر الوافدون الجدد على المدينة الغول، إلى الاستقرار في الأحياء القصديرية واستنبات الدور العشوائية، إما في وسط الدار البيضاء أو في جنباتها كالهراويين ومديونة والتقلية والحلايبية والبقاقشة وبوسكورة وكازبيس ولمكانسة... لتصبح هذه الأماكن بؤرا لمختلف أنواع الجرائم والمشاكل الاجتماعية وموطنا لآلاف العاطلين عن العمل، الذين اصطدموا بالواقع المرير داخل المدينة، مما يدفع غالبيتهم إلى اقتناء أو شراء عربة مجرورة لاستعمالها في بيع الخضر والفواكه أو ما شابه! وتعتبر هذه الظاهرة، التي تنتشر كنبات الفطر في مختلف المدن المغربية، ظاهرة وطنية في ظل ندرة فرص الشغل وكساد الفلاحة بالبوادي المغربية، حيث تشكل ممارسة أنشطة تجارية غير منظمة، في منظور هؤلاء، «الملجأ الوحيد لكسب القوت اليومي و تلبية حاجيات الأسرة على مستوى المأكل والملبس و الدراسة وغيرها». وعلى الرغم من أن ظاهرة الباعة المتجولين، ليست جديدة على نسيج المجتمع البيضاوي، إلا دائرتها ازدادت اتساعا وأصبح لها زبناؤها الخاصون، من ذوي الدخل المحدود وغيرهم، لتتحول ، في الآونة الأخيرة، إلى فوضى عارمة أخلت بجمالية العديد من أهم شوارع و مناطق العاصمة الاقتصادية! فبعد جنبات الأسواق والجوطيات، «استوطن» ممتهنو البيع بالتجوال مداخل المحلات التجارية و وسط الأحياء وغيرها لممارسة تجارتهم العشوائية... تزايدت أعدادهم بشكل غير مسبوق وانتشروا في كافة أرجاء المدينة، بمجاليها الحضري والقروي، وفرضوا أنفسهم على اقتصاد المدينة خارج أية ضوابط قانونية، فأصيبت الدار البيضاء باختناق شديد بسبب الازدحام الذي تسبب فيه هؤلاء الباعة، الأمر الذي نتجت عنه عرقلة كبيرة لحركة السير لدرجة أضحى المرور محظورا على مختلف وسائل النقل (جزء من شارع محمد السادس نموذجا «كراج علال سابقا»)، بما في ذلك سيارات النقل المدرسي وسيارات الإسعاف (بعض أزقة درب السلطان مثلا)... ظاهرة البيع بالتجوال، ترافقها، كذلك، العديد من السلوكات والممارسات السلبية كاللصوصية، حيث يستغلها البعض لسرقة المتبضعين، خصوصا النساء اللائي ينشغلن مع البائع في الحديث حول أثمنة البضائع، إلى جانب الإزعاج والضوضاء ومظاهر البدونة التي أضحت مفروضة على سكان العديد من الأحياء، بما في ذلك المستحدثة منها. إن البيع بالتجوال، يقول متتبعون للشأن المحلى البيضاوي، أضحى يشكل أحد الملفات الشائكة التي تستلزم حلولا واقعية تأخذ بعين الاعتبارالمصلحة العامة بالأساس، مع الحفاظ، طبعا، على حقوق مختلف الأطراف، من خلال إعمال القانون بشكل عادل ، بعيدا عن أية تأويلات ظرفية أو ترقيعات غالبا ما تكون تداعياتها السلبية أكثر وطأة على المحيط البيئي وعلى المجال الحضري الذي أضحى عرضة للبدونة والترييف في كل وقت وحين!!