يتضايق سكان حي البرنوصي، الذين توجد مساكنهم بالقرب من القيسارية المتاخمة للمسجد الكبير، المقابل لشارع أبي در الغفاري، إذ جعلوا من الساحات الفارغة الموجودة بالقرب منه، كما الدروب والأزقة المتفرعة عنه، سوقا كبيرا لبيع الملابس والأحذية، والأدوات المنزلية، وأدوات المطبخإلى جانب عربات بيع الخضر والفواكه، التي وجد فيها هؤلاء الباعة وسيلة للاسترزاق. أصحاب المحلات التجارية، الموجودة بالمكان نفسه، والذين يؤدون كل مستحقاتهم الضريبية، مستاؤون من الانتشار الواسع لهؤلاء "الفرّاشة". "المغربية" زارت البرنوصي واستقت آراء التجار والمتبضعين والقاطنين بالحي. سيدي البرنوصي منطقة شعبية بامتياز، وآهلة بالسكان، أغلب قاطنيها من العمال، الذين يشتغلون بالحي الصناعي القريب، ما يجعلها تشهد رواجا تجاريا مهما، حول بعض شوارعها إلى فضاء يعج بالباعة المتجولين، سيما قرب قيسارية الحي، القريبة من مسجد "طارق" الكبير، المحاذي لشارع أبي ذر الغفاري،الذي يعرف حركة ورواجا كبيرين، وتمتد على طوله محلات تجارية، ودكاكين لبيع المواد الغذائية، ومقاهي ومطاعم تتربع موائدها على مساحات شاسعة على جنبات الطريق، حيث يقضي الزبناء أطول وقت ممكن، للتمعن بمنظر المارة، الذين يجوبون الشارع ذهابا إيابا، غير مبالين بضوضاء السيارات، ولا بالأدخنة التي تنفثها هياكل وسائل النقل المختلفة، التي تعبر الطريق نفسه. حدائق عمومية مملوءة عن آخرها بالنساء والأطفال، والمتقاعدون الذين اختاروا المكان نفسه للترفيه عن أنفسهم، والمتسكعين الذين يتربصون فرصة الانقضاض على محفظة، أو الاستراحة والنوم تحت شمس ربيع دافئ. على امتداد الشارع نفسه، يوجد مسجد "طارق"، المشهور في المنطقة بانتشار أسواقه العشوائية،كما أنه يعتبر نقطة يتقاطع فيها التجار، والمتبضعون، الذين يجدون فيه كل ما يحتاجونه حسب قدرتهم الشرائية، من ملابس وأحذية، ومناديل ومناشف، وأغطية، وأدوات منزلية، أغلبها تحمل علامات صينية، إذ يخال لمن يزور المكان، أنه يوجد بمركز درب عمر أو درب السلطان، أكبر المراكز التجارية بالعاصمة الاقتصادية. للبائعين رأي حسب حسن (36 سنة) بائع للأحذية النسائية بسوق البرنوصي، المحاذي "لمسجد طارق"، قال ل"المغربية"، وهو يعرض بضاعته، نحن من أبناء الطبقة الكادحة، وكل منا لديه أسرة لا تقل عن أربعة أفراد، منذ مدة ونحن نبيع بهذا السوق الصغير، الذي يؤمه سكان المناطق المجاورة، ونعتبره مصدر دخلنا الوحيد، نقتات منه ونعيل منه أسرنا وذوينا"، مضيفا أن "مثل هذه الأسواق احتوت الكثير من العاطلين، ووفرت لعدد من خريجي المدارس وأصحاب المؤهلات، الذين لم يستطيعوا الالتحاق بركب الوظيفة، فرص عمل أغنتهم عن التفكير في إيجاد عمل يناسب مؤهلاتهم، وملاحقة التوظيف من مصلحة إلى أخرى". مشددا على أنه وقع اختيارهم في البداية على هذه المنطقة، التي كانت بالقرب من ساحة المسجد، الذي يوجد بشارع (أبي در الغفاري)، والذي ألفوا وجود المتبضعين به، كما أن أغلب الباعة الموجودين بالسوق ينتمون للحي نفسه، أو للأحياء القريبة منه أو من الأحياء القصديرية، التي توجد خارج المنطقة، مؤكدا على أن "الباعة يتمنون أن تخصص لهم أسواق مجهزة لعرض بضائعهم، حتى لا يزعجوا أحدا، وحتى يحافظ الحي على نظافته ورونقه، ولو أن العديد من أبناء الحي، اتخذوا من المساحات الفارغة أمام بيوتهم، مكانا لعرض بضاعتهم، نظرا للرواج التجاري الذي أصبح يعرفه هذا الشارع والدروب والأزقة المتفرعة عنه، إذ لا يكاد يوجد شبرا فارغا، بل الأكثر من ذلك أن الباعة مجهزون بخيام كبيرة متنقلة. أما بوشعيب ( 56 سنة)، من سكان الحي العريق، فقال ل "المغربية" إن "المنطقة تعرف كثافة سكانية مهمة جدا، نظرا لأنها تعتبر أهم تجمع لأغلب العمال، كونها منطقة صناعية بامتياز، نظرا لقربها من العديد من المصانع والمعامل، التي توفر الشغل لأكبر نسبة من اليد العاملة، مما يجعلها قبلة للمهاجرين الوافدين من القرى والمداشر القريبة من الدارالبيضاء"، مضيفا أنه "يسكن بالبرنوصي منذ ثلاثين سنة، حينما كان يشتغل في معمل تصبير الأسماك، وزوجته في معمل لتصدير البرتقال، ونظرا لارتفاع الأسعار، وأمام معاشه الهزيل، ارتأى أن يساعد ابنه في بيع الأحذية، بالسوق القريب من ساحة المسجد، بعد أن انسدت في وجهه أبواب الحصول عن عمل". ضوضاء وأوساخ الازدحام وضجيج السيارات والحافلات، وضوضاء المارة، تمد على طول شارع ابي ذر الغفاري، وبداية شارع أحمد بن محمد العبدي، الذي تغص أرصفته بالتجار المتنقلين، الذين يطلق عليهم الناس اسم "الفرّاشة"، وعربات الأكل الخفيفة، التي تجذب روائحها اللذيذة شهية المارة، وتمتزج أدخنتها المتطايرة في السماء بأدخنة بنزين السيارات والحافلات، التي توجد أغلب محطاتها، بشارع الغداوي عباس، المتفرع عنه، بالقرب من محطة الطاكسيات الكبيرة، التي تتوجه إلى مختلف المناطق، سواء خارج المدار الحضاري، أو داخله، والتي تعتبر وجهة مفضلة لأغلب العمال والموظفين، وكل من لا يتوفرون على وسيلة نقل خاصة، ويشتغلون بالمنطقة، أو بعيدا عنها، والذين أصبحوا من زوار المنطقة الأوفياء، ووجوههم باتت مألوفة، نظرا لوجودهم المستمر، من أجل ركوب الحافلات المتوجهة لمقرات سكناهم. ليست الحافلات وحدها من يتسبب في رفع درجة ضوضاء والضجيج، بل حتى باعة الخضر والفواكه، الذين يؤثثون أرصفة شارع الغداوي عباس، بعرباتهم المجرورة بواسطة دواب، مستغلين الأزقة والدروب المتفرعة عنه، وأصواتهم المتعالية من أجل جلب أكبر عدد ممكن من الزبناء، تزعج السكان الذين أجبروا على العيش وسط الضوضاء العارمة. وحسب العربي ( 48 سنة)، من سكان شارع الغداوي عباس، فإن "الأسواق العشوائية أضحت تشكل جزءا من هذه الأحياء التي أصبحت تعج بباعة الخضر والفواكه، مما جعل المكان عبارة عن سوق مصغر، رغم احتجاج سكان الحي، الذين أصبحوا مجبرين على تحمل الضوضاء الناجمة عن الباعة والمتبضعين"، مضيفا أن "المشكل يتضاعف عندما يترك الباعة وراءهم أكواما من الأزبال والنفايات متناثرة فوق الأرض، دون مراعاة لصحة السكان، تنبعث منها روائح كريهة، ما يجعل المكان يعج بالمكروبات وبجحافل الذباب".