سوق النسا، ليس عنوان فيلم أو شريط سينمائي، لكنه سوق قائم بذاته، غير أن تجاره من الجنس اللطيف، ولا يوجد فيه إلا نزر قليل من المتبضعين الرجال، هذا النوع من الأسواق أصبح له شبيه في مناطق عدة، سيما بين دروب الأحياء الشعبيةبيع البالي تجارة قديمة وهي أسواق تفند المثل الشعبي القائل، "سوق النسا عمرو ما يعمر"، لكن هذا النوع من الأسواق امتلأ عن آخره، بنساء رغم أن تجارتهن ليست من العيار الثقيل، ولا من النوع الممتاز، لكن فرضن وجودهن، وأتقن أسلوب البيع والشراء، رغم ضعف تجارتهن البسيطة، التي تعتمد على إعادة بيع "الملابس البالية"، وإن صح التعبير التي سبق استعمالها، وأكدت مصادر مطلعة ل"لمغربية"، أن "السوق من الأسواق العشوائية التي تعرف مشاكل عديدة، يقصده النساء من مختلف أنحاء الدارالبيضاء، يقام وسط محلات تجارية، عبارة عن "براريك"، يمارس أصحابها منذ القدم أنشطة مختلفة، على أن زوار السوق يشتكون من تاجرات ومتبضعات وحتى زوار"، مشددة على أن السوق لا يخلو من المشاكل التي يتسبب فيها الازدحام كالسرقة ". سوق نسوى بامتياز تاجرات هذا السوق الشعبي لسن خريجات معاهد، ولا يتوفرن على دبلومات عليا في التجارة ولا المعاملات الاقتصادية، لكن الظروف الاجتماعية القاسية، وضيق ذات اليد، وحرصهن على تدبير بيوتهن ومساعدة أزواجهن في مصاريف البيت وتربية الأطفال، قذف بهن للمتاجرة في أبسط الأشياء، سيما الملابس والأدوات المنزلية المستعملة، كما يوجد به تاجرات لجأن إلى هذا النوع من التجارة، نظرا لكونهن يحققن من ورائه أرباحا مهمة. هؤلاء جميعا يقصدن السوق من أجل الظفر بربح وفير، أو بكل ما يجود به السوق، هذا ما أكدته ل"المغربية" أمي فاطنة (56 سنة)، التي قالت إن " تاجرات السوق ليس لهن سن محدد، بل هن من أعمار مختلفة، مسنات، وشابات، ومطلقات، وأرامل وحتى عازبات، استهوين المتاجرة في الملابس "البالية" المستعملة من التصميم المغربي، كالجلالب، والقفاطن، والتكاشط، وحتى ملابس الأطفال"، ولا وجود للملابس من نوع "البال" أي القادمة من أوروبا"، وعن تجربتها في هذا السوق، تضيف هذه التاجرة المسنة، أن الحاجة وضيق ذات اليد دفعتها في البداية للمتاجرة في أبسط الأشياء، وما لبثت أن تحولت تجربتها إلى هوس، وتطورت لمهنة مدرة للدخل ساعدتها على حل مشاكلها المادية، والآن وبعد أن كبر الأبناء، لم تعد قادرة على التخلي عنها". مشددة على أن " أغلب التاجرات الوفيات للسوق، دخلن عالم التجارة عن طريق الصدفة، إذ لم يخطر ببالهن يوما أنهن سيصبحن تاجرات يتقن لعبة البيع والشراء، ويضبطن قواعد السوق، الذي ليس من السهل أن يدخله كل من أراد الالتحاق بركبهن، إذ يجب أن تتوفر فيه الشجاعة والجرأة، وحتى القدرة على المجابهة أو المشاجرة إن اقتضى الأمر". سوق نسوي عشوائي يوجد السوق النسوي الأسبوعي، بشارع الجولان بمنطقة اسباتة بالدارالبيضاء، وبالضبط بسوق "القريعة" القديم والمعروف في المنطقة، وسط محلات تجارية عبارة عن "براريك". مرة في الأسبوع، بخاصة يوم الأربعاء، تتوجه نساء المنطقة والمناطق المجاورة، لهذا السوق العشوائي، قصد المتاجرة في الملابس المستعملة، وحسب مصادر مطلعة فإن " السوق العشوائي النسوي، تقصد منذ الصباح الباكر تاجرات البيع بالجملة، اللواتي يجلبن بضاعتهن من درب عمر أو درب السلطان، أو مقتناة من مصانع تتخلص من بضائع بها بعض " العيوب" ، وأخريات يأتين في وقت متأخر من أجل حجز مكان، والباقي يأتين في منتصف النهار، بعد أن ينتهين من المتاجرة في سوق "الأربعاء" الأسبوعي، الذي يقام بالقرب من منطقة السالمية، إلى جانب ربات البيوت اللواتي يأتين بالملابس التي استغنى عنها أبناؤهن، والتي يعتبر بيعها بأي ثمن مكسب وربح". أما تجربة نساء السوق اللواتي أصبحن تاجرات عن طريق الصدفة، أكدت فاطنة خدوش (46 سنة)، أرملة وأم لثلاثة أطفال، التي قالت ل"المغربية"، إن الأقدار دفعت بها إلى المتاجرة في الملابس المستعملة، فمنذ أن توفي زوجها، هرعت للمتاجرة في الملابس المستعملة من أجل تدبير مصاريف بيتها، مشددة على أنها تأتي كل يوم أربعاء لهذا السوق، بعد أن تنتهي من سوق الأسبوع، الذي يوجد بالقرب من منطقة السالمية، وفي الأيام العادية، تتوجه للسوق الذي يوجد بالقرب من قيسارية اسباته، بالقرب من شارع إدريس الحارثي". وعن الازدحام الكبير، الذي يعرفه السوق، تؤكد عائشة العوني (52 سنة)، من التاجرات الوفيات للسوق، قائلة إن "السوق يعرف رواجا كبيرا، ما يتسبب في الاكتظاظ الذي يساهم فيه "البياعات والشريات، وحتى اللي ما عندهم ما يدار"، خصوصا أن موقع السوق ضيق جدا، ويوجد بين محلات (براريك)، ذات مهام متنوعة وخاصة بإصلاح الأواني المنزلية، والحدادة، وإصلاح صفائح الخيول، وبعض المحلات الخاصة بالسحر والشعوذة، ومحلات بيع الخضر،وبيع الأحذية البلاستيكية، وهؤلاء يعتبرون من تجار السوق القدامى، الذين يؤثثون الفضاء منذ سنوات عدة". سوق الذهيبيات غير بعيد عن السوق المشار إليه أعلاه، ووسط قيسارية بيع الذهب، التي توجد في المكان نفسه، والمتكونة من محلات عبارة عن "براريك"، استغلت تاجرات بيع الذهب فناء هذه القيسارية، وفرضن تجارتهن بقوة رغم الحملات التي تقوم بها السلطات من حين لآخر لإخلاء المكان، لأنهن يضيقن الخناق على أصحاب محلات بيع الذهب الأصليين، كن في البداية يتاجرن في الحلي الذهبية القديمة، وحتى المكسرة، ويعدن بيعها لتجار الذهب، الذين يعيدون تذويبها وصناعتها من جديد، لكن هؤلاء الذهيبيات استطعن أن يفرضن وجودهن داخل قيسارية بيع الذهب، التي كانت في السابق حكرا على الرجال، وأصبحن عوض الوقوف ببضاعتهن على قارعة الطريق، والمجازفة بحياتهن ، يجلسن أرضا في فناء القيسارية ويضعن أمامهن صناديق مربعة، ذات واجهات زجاجية تكشف ما بداخلها من حلي. تاجرات الذهب نساء بسيطات يرتدين جلابيب وعلى رؤوسهن مناديل توحي بالوقار، لكن لهجاتهن قوية، ويتقن إقناع المشتريات، إلا أن باعة الذهب الأصليين يشككون في بضاعتهن، كونها مغشوشة، ولا تتوفر على معايير الجودة، أو أنها ممزوجة بمعدن النحاس، أو أنها من المحتمل أن تكون من الحلي المسروقة، أو عند بيع الحلي لا يرفقنها بوثيقة تحمل اسم تاجر وعنوان محله، وهاتفه، كي يضمن أن الحلي غير مغشوشة". ومن تاجرات الذهب من مارسن أنواعا عدة من التجارة قبل الإستقرارعلى تجارة بيع الذهب، هذا ما صرحت به "الحاجة العالية" امرأة في عقدها السادس، تحمل تجاعيد وجهها حكايات طويلة لمقاومتها لتقلبات الزمن. وصرحت ل"المغربية" أنها " كانت مولعة بالمتاجرة في الصوف، في الوقت الذي كان الطلب والإقبال عليها كبير، لأن النساء كن ينجزن بها الأغطية، وجلاليب الرجال الصوفية التي كانوا يتباهون بارتدائها، لكن تجارة الصوف تراجعت كثيرا، بتراجع صاحبات الحرفة، إذ أن أغلبهن فارقن الحياة، ولم تبق إلا في أسواق البوادي". مضيفة أنها " أصبحت اليوم تتاجر في الحلي الذهبية القديمة، التي تقتنيها من سيدات يأتين للسوق نفسه، بثمن مناسب، وتعيد بيعها من جديد، مشيرة إلى أنها تحقق من خلال هذه العملية هامشا مهما من الربح، مشددة على أنها تحرص على علاقتها الجيدة مع الزبونات، اللواتي كسبت ثقتهن، كما أنها أصبحت في الأيام الأخيرة تستعين بابنتها التي تتقن القراءة والكتابة، لمساعدتها على كتابة "وصل" بيع الحلي. مشاكل بالجملة مشاكل السوق النسوي الأسبوعي عديدة، كونه سوق عشوائي، يوجد بين محلات "براريك"، يستغلها أصحابها في مهن مختلفة، وهو مكان ضيق، يكتظ عن آخره بتاجرات يأتين من مناطق مختلفة وحتى بعيدة عن السوق، محملات ببضائعهن، وكلهن أمل في الظفر بالربح الوفير، وأحيانا يخيب ظنهن حين يتعرضن للسرقة، من طرف لصات محترفات يوجدن بالسوق ويستعصي كشفهن، هذا ما أكدته لطيفة ( 34 سنة) ، متبضعة، التي قالت ل"المغربية"، إن حقيبة نقودها سرقت في الأسابيع السابقة، حينما كانت تتجول في السوق، وأنها لم تنتبه لذلك إلا عند مغادرتها السوق، الذي لم يكن يوجد به إلا النساء، مشددة على أنه " يجب على المتبضعات أن يأخذن حذرهن داخل السوق، كما يجب أن ينتبهن للبضائع التي تباع، خصوصا البضائع الكيماوية، التي أصبحت تطرح في السوق، لأن مدة صلاحيتها تكون في الغالب متجاوزة، ما يتسبب في مشاكل صحية لكل من استعملها، كما يجب على مقتنيات الحلي الذهبية أن يتأكدن من جودة ما يشترين حتى يتجنبن كل المشاكل التي من الممكن أن يقعن ضحية لها".