تعيش معظم أحياء مقاطعة «بني مكادة»، خصوصا منها تلك التي التحقت حديثا بالمدار الحضري، على إيقاع سخط مستمر ينتشر وسط السكان، بسبب الأوضاع المتردية التي يعانون منها، فلا وجود لشبكات الماء والكهرباء ولا لطرق رئيسية معبَّدة، والأخطر من ذلك أن سكان هذه الأحياء يعيشون تحت رحمة المجرمين واللصوص وقُطّاع الطرق. ولا تلقى شكايات السكان الكثيرة أي تجاوب من لدن الجهات المسؤولة، فهم دائما يشتكون من عدم وجود قنوات للصرف الصحي ومن قلة الماء الصالح للشرب، إلى غير ذلك من المشاكل التي تسبب فيها البناء العشوائي، الذي اغتنت من ورائه أطراف متعددة مسؤولة في هذه المنطقة. وقد أصبح سكان هذه الأحياء، خصوصا في «العوامة الشرقية» و«الكنبورية» و«حي المجد» وأحياء أخرى قريبة منها، يهددون بتنظيم مسيرات احتجاجية نحو مقر الولاية، للمطالبة بتوفير أبسط شروط الحياة لهم، بعد أن سئموا من الوعود الزائفة التي يتلقونها من المسؤولين. «مطالبنا بسيطة.. وفِّروا لنا الأمن».. يقول أحد سكان هذه الأحياء، ويضيف آخر: «لم نعد نعيش في آمان، بيوتنا ومحلاتنا تتعرض للسرقة وقُطّاع الطرق ينتشرون ليلا وسط الأزقة والدروب». ورغم الحملات التمشيطية التي يقوم بها الأمن في هذه الأحياء، بين الفينة والأخرى، فإنها تثير الاستغراب أكثر مما تبعث على الاطمئنان، ويقول السكان إنه كلما ألقي القبض على مجموعة من المنحرفين إلا وظهرت مجموعة أخرى أسوأ منها. في هذه الأحياء، بُنيت أغلبية المنازل بطريقة عشوائية وخارج القانون وأمام أعين السلطات المحلية، وهي ما زالت، إلى اليوم، تعاني من ظروف صعبة، فلا وجود للماء والكهرباء ولا لطرق معبَّدة، وحتى الشركة المكلفة بالأزبال لا تصل إلى هذه الأحياء، بل أكثر من ذلك، أصبحت حياة الناس داخل هذه الأحياء مهدَّدة، بعدما هيمن عليها المجرمون وقُطّاع الطرق وباتوا يعيثون فيها فسادا. «الكنبورية».. الحي المنكوب أُلحق هذا الحي بالنفوذ الترابي لمقاطعة «بني مكادة»، بعدما كان تابعا لإقليم فحص أنجرة، وظل سكانه يطالبون بزيارة أي مسؤول لمنطقتهم، حتى يعاين حجم معاناتهم: «إننا نعاني من عزلة تامة»، يقول أحد سكان هذا الحي ل«المساء»، ويتابع: «مطلبنا هو أن يقوم المسؤولون بزيارة تفقُّدية، للاطلاع على أحوالنا ويعرفوا حجم التهميش الذي نعيشه». وقد سبق لسكان هذا الحي أن بعثوا رسالة إلى الوالي محمد حصاد، لم يطالبوه فيها بإيجاد حل لفقرهم وبطالتهم، بل طالبوه برفع الظلم عنهم، ظلم «العزلة» الذي تعاني منه منطقتهم، التي تحولت إلى مرتع للمفسدين والمجرمين. ويستغرب السكان كيف أن عددا من الأحياء في مقاطعة «بني مكادة» استفادت من مشروع التأهيل الحضري، بينما تم إقصاء حيهم «الكنبورية»، المُهمَّش، رغم أنه أُلحِق حديثا بالمجال الحضري. ويعيش هذا الحي على وقع اختلالات بنيوية وهيكلية كبيرة، كانعدام قطاع النظافة والإنارة العمومية والمنشآت الرياضية والمسالك الطرقية والربط بشبكة الماء الصالح للشرب والتطهير والواد الحار، إلى غير ذلك من ضرورات الحياة. ويتسبب انعدام الأمن في المنطقة في معاناة حقيقية للسكان، خصوصا عندما يحل الظلام، إذ يصبح السكان العائدون إلى بيوتهم عرضة للسرقة والاعتداء من قِبَل لصوص وقطاع طرق ينتشرون، بكثرة، في المنطقة. كما أصبح أطفال الحي، بدورهم، عرضة للتأثيرات الصحية السلبية، بسبب عدم وجود قنوات لصرف المياه العادمة، أما برامج التنمية البشرية فيبدو أنها لم تعرف طريقها إلى هذا الحي المنكوب. وقد حاولت الجمعيات التي تنشط داخل هذا الحي، من جانبها، إيجاد مخرج للعزلة التي يعيشها السكان، فقامت بتقديم طلبات إلى شركة «أمانديس»، التي تدبر قطاع الماء والكهرباء في المدينة، من أجل ربط الحي بشبكة التطهير السائل وتزويده بالكهرباء والماء الصالح للشرب، الذي يتم جلبه من السقاية العمومية الوحيدة بمقابل مادي وفي ظروف مهينة وغير صحية، غير أن هذه الطلبات قوبلت بتجاهل تام من طرف مسؤولي هذه الشركة الفرنسية حسب بعض الفاعلين الجمعويين. أما المنتخَبون المحسوبون على هذه الحي فإنهم تنكروا لوعودهم الانتخابية، فلا أحوال الناس تحسنت ولا مشاريع تنموية واجتماعية أُنجِزت في هذا الحي، فالفقر والتهميش والبطالة عناوين كبرى لهذا الحي الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه «حي منكوب». معاناة أخرى يعيشها السكان في كل مرة مع الطريق الرئيسية المؤدية إلى الحي، وبالضبط عند مدخل مدشر «العوامة»، حيث تملأ الأوحال جنبات الطريق وتجعل سكان حي «الكنبورية» في عزلة تامة عن العالم الخارجي، كما أن أبناء الحي المتمدرسين يعيشون معاناة مضاعفة، عندما يريدون الانتقال إلى مؤسساتهم التعليمية، فالطرقات «تعزل» بسبب المياه والأوحال. ورغم الظروف القاسية التي يعاني منها سكان هذا الحي، فإن السلطات لم تعره أي اهتمام ولم تبرمجه ضمن الأحياء ناقصة التجهيز، التي تتطلب تأهيلا بنيويا وشاملا، وفي جميع المجالات. «العوامة».. حي التناقضات تلعب هذه المنطقة دورا حاسما في نتائج الانتخابات المتعلقة بمقاطعة «بني مكادة»، سواء الجماعية أو البرلمانية، بفضل توفرها على كثافة سكانية عالية، ومع ذلك فإنها تبدو في صورة قرية مهمشة، علما أن معظم أحيائها تصلها شبكات الماء والكهرباء. وكانت هذه المنطقة تعتبر من المناطق التي استفادت من برنامج التأهيل الحضري، برعاية ملكية، والذي تقرر بموجبه أن تمنح لمقاطعة «بني مكادة»، الذي يقع حي «العوامة» ضمن أحيائها، حصة الأسد من هذا البرنامج. غير أن جولة صغيرة وسط هذه الأحياء التابعة لهذه المقاطعة تعطي صورة شاملة عن «وهم» استفادة هذه الأحياء من برنامج التأهيل الحضري، وهو ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول هذا البرنامج والجهة التي استفادت منه. ويقول السكان إن الوالي حصاد والمسؤولين الجماعيين عليهم أن يقدموا حصيلة استفادة الأحياء العشوائية من برنامج التأهيل الحضري والأحياء غير المستفيدة، لاسيما أن هذا البرنامج كان مقررا أن تنتهي أشغاله سنة 2009. في هذا الحي تتجمع أيضا التناقضات، بشتى ألوانها، فهنا يعيش الغني وإلى جانبه الفقير البائس، وهناك مظاهر كثيرة للتقدم، تقابلها مظاهر أخرى تشير إلى التخلف في أبلغ صوره... وفي هذه المنطقة، أيضا، وقعت جرائم قتل مروعة وألقي القبض فيها على كبار مروجي المخدرات في المدينة. وتعتبر المصالح الأمنية، من جهتها، أن هذه المنطقة من بين النقط السوداء التي تكثر فيها جرائم القتل والسرقة الموصوفة وتؤكد أن أغلب الموقوفين يتحدرون من هذه المنطقة أو من أحياء أخرى في مقاطعة «بني مكادة». ومؤخرا، تمكنت مصالح الشرطة القضائية من تفكيك عصابة إجرامية متخصصة في السرقة الموصوفة تحت التهديد بالسلاح الأبيض، وهي تنشط في أحياء عديدة في مقاطعة «بني مكادة». وأحالت الشرطة القضائية الجناة على النيابة العامة في محكمة الاستئناف، من أجل استكمال التحقيق معهم، فيما كان البحث ما يزال جاريا عن عناصر أخرى ضمن الشبكة، البالغ عددها ستة أفراد. وقد اعترف الجناة خلال التحقيق معهم بأنه سبق لهم أن ارتكبوا سرقات أخرى داخل أحياء عديدة في مقاطعة «بني مكادة»، بواسطة التهديد بالسلاح الأبيض، وهو ما تسبب في رعب كبير لسكان هذه الأحياء. كارثة بيئية تهدد سكان حي «المجد» في هذا الحي، يمكن أن تجد بنايات شُيِّدت بعد حصولها على رخصة بناء إلى جوار أخرى عشوائية، كما قد تعثر على طرقات معبَّدة وأخرى في طريق الإصلاح والترميم، غير أن الهاجس الأمني يبقى حاضرا لدى سكان هذا الحي، خصوصا عندما يحل الظلام. لا يشتكي سكان هذه المنطقة فقط من السرقات اليومية ومن الاعتداءات التي تطالهم، وإنْ بشكل محدود، كما لا يشتكون فقط من غياب الماء والكهرباء والطرق غير المعبَّدة، كما هو الأمر بالنسبة إلى سكان حي «الكنبورية»، فمعاناة سكان «المجد» الأساسية تتلخص في وجود كارثة بيئية تهدد صحتهم وصحة أبنائهم، بسبب وجود بقع أرضية خالية تجاور مساكنهم، تحولت في ظرف وجيز إلى مطرح للنفايات وإلى فضاء يختبئ فيه اللصوص وقطاع الطرق. وقد وصلت النفايات في هذا الحي إلى مناطق حساسة قريبة من تجزئتهم، خاصة في المنطقة الموجودة بالقرب من المركز السوسيو رياضي، الذي تم تدشينه من طرف وزير الشبيبة والرياضة وأيضا إلى ملعب كرة القدم، الموجود في نفس المنطقة. وتعيش المنطقة تلوثا بيئيا خطيرا بسبب تراكم كميات هائلة من الأزبال، تختلط مع النفايات المنزلية والكيماوية السامة، نظرا إلى وجود معامل تختص في الطباعة على الأقمشة، والتي تفرز أيضا مواد كربونية سامة، بالإضافة إلى وجود مخازن مختصة في الحليب ومشتقاته، والتي تقوم برمي المواد المنتهية صلاحيتها لتصل أغلبها إلى أيدي الأطفال والمتشردين الذين يعيشون من هذه النفايات... وشكلت هذه الأصناف من النفايات، والتي تنضاف إليها النفايات الخاصة بالسكان وبعض المعامل الأخرى في مناطق متفرقة من المجموعة السكنية «المجد»، كتلا هائلة من الأزبال موزعة فوق هذه البقع الأرضية الشاغرة، والتي تضرر منها السكان بشكل كبير. وقد ساعد على تجمع هذه الأزبال غيابُ الحاويات الخاصة بها، بعد أن تمت إزالتها من طرف شركة «تيك ميد»، المسؤولة عن قطاع النظافة في المدينة، والتي ترفض أن تتحمل مسؤوليتَها بذريعة أن هذه الأزبال ليست منزلية صرفة. ويقول سكان المنطقة إن الأزبال يتم حرقها باستعمال البنزين، دون مراعاة ما تنتجه هذه العملية من دخان سام بات يشتكي بسببه مجموعة من أطفال الحي، الذين يعانون من مرض الربو، وقد ظلت نيران آخر عملية حرق للنفايات مشتعلة لأزيد من 4 أيام... «حي المرس».. معقل المخدرات قبل سنوات، كان حي «المرس»، التابع لمقاطعة «بني مكادة»، عبارة عن قرية صغيرة وسكانه يعدّون على رؤوس الأصابع. ورغم أن معظمهم كانوا يعيشون تحت عتبة الفقر، فإنهم لم يشتكوا منه يوما، لأنهم تعودوا على وضعهم وظلوا على هذه الحالة إلى أن «اجتاحها» العمران وملأتها البنايات العشوائية. يتذكر أحد سكان حي «المرس» جيدا كيف كانت هذه البقع الأرضية خالية وكان ثمنها «يساوي ثمن علبة الحليب»... ويضيف: «كنا نرعى الأبقار والأغنام في هذه البقع الأرضية، قبل أن تظهر مؤسسة «العمران» وتستحوذ عليها». لا تتوفر معظم البنايات السكنية في حي «المرس» على رخصة، إذ تم بناؤها في غفلة من أعوان السلطة، وأحيانا أخرى، بتواطؤ معهم، وهو الأمر الذي سجله مفتشون من وزارة الداخلية، حلوا بهذا الحي خلال زيارتهم الأخيرة لطنجة. وأصبح هذا الحي العشوائي، اليوم، مقرا رئيسيا لمروجي المخدرات وشبكات السرقة الموصوفة، بعدما كان سكانه ينعمون بالأمن والاستقرار، وهناك شكايات عديدة وجهها سكان حي «المرس» للدوائر الأمنية التابعة لهم، غير أن التحركات الأمنية في المنطقة لم تنجح في إيقاف «مسلسل» السرقات التي يتعرض لها سكان هذا الحي. وعند تساقط الأمطار، تتحول الشوارع «المهترئة» لهذا الحي إلى «حلبة للتزحلق»، بسبب كثرة الأوحال. ورغم أن السكان وجهوا مراسلات لرئيس مقاطعة «بني مكادة» من أجل إصلاح الطرق الفرعية المؤدية إلى المنازل، فإن مصير هذه المراسلات ظل مجهولا والطريق ما يزال على حاله منذ موسم الشتاء الماضي. وضع أمني غير مستقر غيرَ بعيد عن منطقة «بني مكادة»، هناك حي سكني كبير اسمه «مغوغة»، الذي تنتشر فيه مظاهر البناء العشوائي بشكل كبير، وجعل الانفلات الأمني أحياء هذه المنطقة «تنافس» أحياء منطقة «بني مكادة» في نِسب ارتكاب الجرائم، بجميع أنواعها. والنقطة السوداء الأكثر «شهرة» في منطقة «مغوغة» هي «طريق الشرْف»، على مقربة من المجزرة البلدية. ففي هذه المنطقة، يتعرض السكان المتجهون نحو حي «الشرف» لعمليات السرقة تحت التهديد بالسلاح الأبيض على أيدي عصابات «تنشط» بشكل كبير في هذه المنطقة. ويتعرض الطلبة والتلاميذ لمحاولات السرقة بشكل متكرر. ورغم الشكايات التي تقدموا بها إلى مخفر الأمن، فإن هذه العصابات ما تزال موجودة في هذه المنطقة الخلاء، التي تعطلت فيها الأعمدة الكهربائية، وهو ما شجع هذه العصابات على الاستمرار في ممارسة نشاطاتها الإجرامية. وحتى رجال الأمن لم يسلموا من قبضة المجرمين في هذه المنطقة، فقبل بضعة شهور، هاجمت عصابة تنشط في المنطقة رجل أمن ينتمي إلى القوات المساعدة وسرقت منه وثائقه الشخصية وهاتفين محمولين، بعد أن هددته عناصرها بواسطة السلاح الأبيض. ولم يستطع رجل الأمن أن «يتحرك» في مواجهة هذه العصابة التي تتكون من أزيد من خمسة أفراد، حيث استطاع الجناة الاستيلاء على جميع ما يملكه، قبل أن يتم «إخلاء سبيله»... وفي نفس المنطقة، نجت طالبة -بأعجوبة- من هذه العصابة، عندما كانت عائدة إلى منزلها، حيث نجحت في الهروب عندما أحست أن أحد أفراد هذه العصابة يراقبها. وقال أحد أقرباء هذه الطالبة، والذي وجه شكاية لولاية الأمن إن هذه المنطقة «احتلها» قطاع الطرق ولم يعد السكان يشعرون بالاطمئنان على سلامتهم في كل مرة يحاولون المرور منها. ويعتبر المكان الذي وقع فيه الحادث ممرا رئيسيا للطلبة، الذين تعرضوا أكثر من مرة للسرقة، خصوصا في ساعات المساء، بسبب مشكلة الإنارة العمومية في المنطقة، والتي تعطلت لأزيد من ثلاثة أشهر. فهذه الطريق تعتبر الوحيدة لمئات العاملات اللواتي يتوجهن إلى عملهن كل يوم، وكثيرات منهن يتوجهن إلى المعامل في الساعات الأولى للصباح، أي حتى قبل شروق الشمس، خصوصا من اللواتي يشتغلن في مصانع لا تتوفر على سيارات لنقل العمال، فيتحولن إلى «فرائس» سهلة لهذه الشبكات، التي تضم في صفوفها الكثير من الذين كانوا يحلُمون بالهجرة السرية، غير أنهم لم يوفقوا في ذلك، فتحولوا إلى قُطّاع طرق... وقد شهد طريق المجزرة البلدية، قبل سنوات، مقتل أحد الأشخاص ولم تتعرف المصالح الأمنية حينها على القاتل، إلا بعد مرور ثمان سنوات، عندما نفذ نفس المجرم جريمة أخرى، راحت ضحيتَها ثلاث نسوة من عائلة واحدة. وقد انتهى التحقيق مع الجاني، الذي اعتُبِرت جريمته من أشهر الجرائم التي هزت مدينة طنجة، إلى اعترافه بأنه هو من قتل، قبل ذلك، صديقه في طريق المجزرة عندما كان عائدا إلى منزله. وفي «مغوغة»، أيضا، ألقت مصالح الأمن القبض على عناصر شبكات كثيرة «تعمل» في مجال السرقة الموصوفة، وعلى عناصر شبكات أخرى تنشط في مجال المخدرات الصلبة، وتمت إحالة عناصرها على العدالة. ويبدو الوضع الأمني غيرَ مستقر في عدد من الأحياء، التابعة لمقاطعة «مغوغة». فجرائم القتل تكاد تُسمَع عنها في كل أسبوع، أما عمليات السرقة والنهب واعتراض سبيل المارة فهي حوادث يومية تشهدها المنطقة، والتي حوّلت حياة المواطنين إلى «جحيم لا يطاق»... ويقول سكان المنطقة إن إلقاء القبض على المجرمين والمنحرفين وقطاع الطرق لا تتلوه عملية مراقبة أمنية مستمرة ومتواصلة، مما يُعجّل بظهور عصابات أخرى تنشط في المنطقة. ومؤخرا، عادت الأوضاع الأمنية المتردية إلى منطقة «مغوغة» مجددا، خصوصا في «حي بنكيران»، حيث ينشط عدد من المنحرفين وقطاع الطرق، والذين يستغلون ضعف التغطية الأمنية لكي يتحركوا في كثير من الأحيان في واضحة النهار. النقط السوداء تقتحم التعمير لا تتوقف النقط السوداء عند المجال الأمني فحسب، بل تمتد إلى مجال التعمير. وتحوّلت الخروقات في مجال البناء في طنجة إلى ما يشبه ممارسات «عادية» يقوم بها أصحاب المجمعات السكنية، في ظل غياب مراقبة صارمة من قِبَل الجهات المسؤولة عن التعمير في المدينة. كثيرة هي النقط السوداء في مجال التعمير في طنجة، ويكفي أن إحصاءات رسمية قامت بها وزارة الإسكان والتعمير، قبل سنوات، في طنجة أشارت إلى أن أزيد من 45 في المائة من البنايات السكنية في المدينة أقيمت بطريقة مخالفة للقانون. ولم تنفع التهديدات التي أطلقتها من قبلُ سلطات طنجة في وقف البناء العشوائي الذي بدأ يغزو معظم الأحياء الهامشية في المدينة، بل حتى تلك الأحياء المحسوبة على المدار الحضري تخضع لمنطق «السيبة» في التعمير، ويتم كل هذا أمام أعين القياد والمقدمين، الذين، عادة، ما توجه لهم اتهامات بتورطهم في البناء العشوائي. غير أن أخطر ما تواجهه المدينة هو وجود مشاريع سكنية فوق الأودية، بعدما أخفى أصحابها معالم الأودية، بشكل نهائي، وشرعوا في إقامة أساسات العمارات السكنية، رغم أن ذلك قد يشكل خطرا على السكان. وفي منطقة «بوبانة»، حيث ترتكب أبشع «الجرائم» في حق الوديان من قِبَل منعشين عقاريين، يعيش سكان هذه المنطقة والأحياء المجاورة لها جحيما لا يطاق أثناء تساقط الأمطار، حيث تتحول المنطقة إلى برك مائية تصعب معها حركة المرور بالنسبة إلى الراجلين. «حومة الجزائري» نموذج من الأحياء التي تقتحمها مياه الأمطار من كل صوب، متجهة نحو المنازل، بسبب عدم وجود مجارٍ ووديان تسري فيها هذه المياه بشكل طبيعي، بعدما تم إغلاقها من قبل صاحب مشروع سكني يقام بالقرب من هذه المنطقة. ورغم الشكايات التي وجهها السكان لمسؤولي المدينة، فإن وضعهم لم يتغير وما زالت معاناتهم مستمرة، وربما تنذر بكارثة، إذا استمر هذا الوضع لشهور أخرى. وتظهر عمليات «السطو»، التي تمارس على الأودية، بشكل جلي عند المدخل الرئيسي لمدينة طنجة، حيث تنتصب مجموعة من البنايات السكنية التي أقيمت فوق الأودية، وهو ما جعل سكان هذه العمارات يعيشون في عزلة تامة خلال فصل الشتاء، إذ تقتحم المياه الشقق الأرضية، بسبب إغلاق الوديان وعدم توفر المسالك الخاصة بمياه الأمطار. وفي منطقة «الرهراه»، هناك مركب سكني في ملكية منعش عقاري أقيم أيضا فوق الوادي دون مراعاة قوانين التعمير. ورغم أن دعوات من داخل المجلس كانت تطالب بقيام المسؤولين بزيارة ميدانية لهذا المركب السكني، للوقوف على المخاطر التي يمكن أن يتسبب فيها البناء فوق الوادي، فإن هذه الدعوات لم تصل إلى آذان المسؤولين. وتطرح عملية البناء فوق الأودية علامات استفهام كبيرة حول «كيفية» حصول أصحاب المشاريع السكنية على رخص في منطقة يمنع فوقها البناء، حسب قوانين التعمير، كما تطرح تساؤلا عريضا حول عملية مراقبة هذه المشاريع من لدن الجماعة الحضرية، للنظر في مدى التزامها بدفتر التحملات. وتشهد مقاطعة «بني مكادة» عمليات سطو مريبة على الأودية، إذ تم الترخيص بالبناء فوق عدد منها، دون أن موافقة الوكالة الحضرية. وقد تسبب هذا في معاناة حقيقية لسكان هذه المنطقة، وفق ما أكدته تقارير «رابطة حماية المستهلكين» في طنجة. كما تعرضت المنشآت الرياضية في المدينة، هي أيضا، ل«السطو»، فلمعب «الفروسية»، بعدما تم تفويته في ظروف «مشبوهة»، تجري الآن محاولات لإقامة مشاريع سكنية وسطه، وهو الذي كان المتنفس الوحيد في مدينة طنجة. وأصبح ملعب «التحرير»، الذي تمارس فيه فرق القسم الوطني الثالث، اليوم، موضوع أطماع بعض المنعشين العقاريين، خصوصا بعدما أقيمت على أطرافه بنايات سكنية أثارت جدلا كبيرا حول مدى احترامها تصميم التهيئة الخاص بتلك المنطقة. «بني مكادة».. «عاصمة» البناء العشوائي قبل سنوات، كانت أجزاء كبيرة من مقاطعة «بني مكادة» عبارة عن مساحات خضراء، لكنْ، بفعل الزحف العمراني وتدفق الآلاف من المواطنين الباحثين عن العمل إلى طنجة، صارت هذه المنطقة مكتظة بالسكن العشوائي. ويقول سكان المنطقة إن أعوان السلطة والقياد المتعاقبين، بالإضافة إلى المسؤولين عن المقاطعة، الذين لا يقومون بواجب مراقبة البناء العشوائي داخل نفوذهم الترابي، مسؤولون عن تنامي السكن العشوائي في منطقتهم. في هذه المنطقة، الجميع يبني بدون رخصة، خصوصا في ظل غياب المراقبة، وهذا ما يؤكده سكان المنطقة. ويتسبب هذا البناء الخارج عن القانون في تشويه كبير لجمالية المنطقة، التي كان من المفترض أن تُشيَّد فيها مساكن تليق بطبيعة الفضاء الذي توجد فيه. يدعو المشهد العام في أحياء مقاطعة «بني مكادة»، اليوم، إلى الشفقة، فهذه المقاطعة، التي تتوفر على نسبة عالية من الكثافة السكانية، حطمت «الأرقام القياسية» في معدلات الإجرام والسرقة والفساد، بشتى أنواعه. وتشير التقارير الأمنية إلى أن أكثر من 10 جرائم تقع في المنطقة يوميا، تتوزع بين الضرب والجرح والسرقة والنصب والاحتيال، إلى درجة أصبح الناس معها يتساءلون عن أسباب هذا التحول المدهش الذي أصاب هذه المنطقة. أما المتنزهات القليلة الموجودة في المنطقة فقد غادرتها الأسر بعدما ملأها اللصوص والنشّالون وقطاع الطرق ومدمنو المخدرات، فضلا على العاهرات. لقد تحولت هذه الأماكن إلى فضاءات لتناول جرعات الهيروين والكوكايين وممارسة الدعارة، أما خلال الليل، فإن المكان «يخلو» لقطاع الطرق، الذين يختبئون داخلها، في انتظار مرور «الفرائس» للانقضاض عليها. إنه مشهد درامي يصنعه شباب في مقتبل العمر، منهم من خرج من قاعة الدرس مبكرا ولم يجد عملا، فارتمى في أحضان المخدرات ومختلف ألوان الموبقات، ومنهم من فتح عينيه فوجد نفسه يعيش في ظروف اجتماعية قاسية دفعته إلى «ممارسة» السرقة، للحصول على المال. «أمانديس» و«أوطاسا» نقطتان سوداوان.. لا تقتصر النقط السوداء في مدينة طنجة على العقار وعلى الأحياء العشوائية التي يكثر فيها الإجرام، بمختلف أنواعه، بل هناك شركات أجنبية أوكل إليها المجلس الجماعي تدبير مرافق حساسة داخل المدينة، فتحولت -هي الأخرى- إلى نقط سوداء بالنسبة إلى سكان طنجة، بسبب تردي خدماتها. تعيش شركة «أمانديس»، التي تدبر قطاع الماء والكهرباء في المدينة، اليوم، على وقع احتجاجات شعبية متواصلة تطالب برحيلها، بسبب فواتيرها الباهظة التي تثقل بها كاهل السكان. ومؤخرا، نظم المئات من سكان مدينة طنجة وقفة احتجاجية ضد شركة «أمانديس»، أمام مقر الجماعة الحضرية، وطالبوا عمدة طنجة بمحاسبتها و«طردها» خارج المدينة. غير أن العمدة لم يأبه بالمظاهرة. إنه يعرف أن قوة «أمانديس» صارت «مخيفة» له ولغيره من مسؤولي ومنتخَبي المدينة وللذين يجعلون من العمدة المستقيل، سمير عبد المولى، عبرة لهم، خصوصا أن العمدة السابق خاض «حربا» ضد «أمانديس»، انتهت «الحرب» بفوز الشركة. ويرفع المتظاهرون، باستمرار، شعارات تندد بمعاملة هذه الشركة للمواطنين الذين يؤدون كل شهر فواتير للماء والكهرباء تفوق قدراتهم المعيشية، كما يطالبون، دوما، بضرورة طرد الشركة التي وصفوها بأنها «تنهب أموال الشعب». وكانت الاستثمارات التي وعدت بها «أمانديس» سكان طنجة من بين النقط الخلافية بين عمدة طنجة السابق، سمير عبد المولى، وبين مسؤولي الشركة، إذ كان عبد المولى يعتبر أن استثمارات الشركة في المدينة ضعيفة، بالمقارنة مع مداخليها السنوية، وهو ما جعله يطالبها بالرحيل، قبل أن «يرحل» هو وتبقى «أمانديس»... ويستغرب سكان المدينة كيف أن عمدة المدينة الجديد، فؤاد العماري، لم يتخذ أي مبادرة لتخفيف حدة احتجاجات السكان المطالبين بطرد «أمانديس»، ويقول المحتجون إنه على عمدة المدينة أن يتخذ موقفا واضحا تجاه هذه الشركة وأن ينحاز إلى السكان. ولا تُتّهَم شركة «أمانديس» بالزيادات غير المبرَّرة في فواتيرها الشهرية فقط، بل إن هناك اتهامات أخرى لا تقل خطورة، تتعلق ب«السطو» على بقع أرضية، كما وقع في منطقة «الرهراه»، عندما قامت الشركة ببناء خزان مائي فوق بقعة أرضية هي عبارة عن ملعب لكرة القدم يستفيد منه شباب المنطقة. ورغم أن لجنة التعمير في المجلس رفضت تسليم البقعة الأرضية ل«أمانديس»، فإنها تراجعت عن قرارها، بعدما تبيَّن لها أن نسبة الأشغال داخل هذه البقعة الأرضية تجاوزت 50 في المائة، إذ تم تقسيم الملعب إلى نصفين، أحدهما ستستغله «أمانديس» والنصف الثاني سيخصص لإقامة ملعب صغير. وقد تمت الأشغال التي قامت بها «أمانديس» داخل هذه البقعة الأرضية بدون رخصة وبدون مقرر تابع للمجلس، وهو ما أجج غضب مجموعة من الأعضاء داخل المجلس، والذين طالبوا بفتح تحقيق للكشف عن «الجهة» التي سمحت للشركة الفرنسية ببدء أشغالها بشكل خارج عن القانون. وليست شركة «أوطاسا»، الإسبانية، التي تدبر قطاع النقل في المدينة بمنأى عن احتجاجات السكان، إذ تعتبر، بدورها، نقطة سوداء داخل هذه المدينة. وقد كانت هناك دعوات ومطالب برفض تجديد الاتفاقية مع هذه الشركة، في الوقت الذي لم تتبق سوى أسابيع قليلة على انتهاء العقد الذي يربطها مع المجلس الجماعي. وقد تسبب الأسطول «المهترئ» لهذه الشركة في حوادث سير مفجعة داخل المدينة، كما أن عددا من حافلاتها احترقت بالكامل، بسبب مشاكل تقنية تعاني منها أغلب هذه الحافلات. وقد وعدت هذه الشركة الإسبانية سكان المدينة بحافلات جديدة مختلفة عن تلك التي ألفوها، فانتظر السكان -لأزيد من سنة- ظهور هذه الحافلات، لكن دون جدوى.
المنحرفون «يعبثون» بمقابر طنجة لم تعد لمقابر طنجة حرمتها ولا قدسيتها المطلوبة. وقد تسبب انعدام المراقبة داخل هذه المقابر في ظهور ممارسات غريبة، سواء تعلق الأمر بإقامة بنايات عشوائية داخلها أو بوجود عناصر منحرفة تعبث بقبور الموتى. داخل مقبرة «المْنار»، على بعد كيلومترات قليلة من طنجة، يوجد محل بني بطريقة عشوائية، في سابقة خطيرة في مجال البناء. وعلى الشارع الرئيسي، الذي يعبره يوميا الكثير من المسؤولين والمنتخَبين في ولاية طنجة وعمالة فحص أنجرة. وقالت مصادر مطلعة في منطقة «المْنار» إن هذا المحل تم بناؤه دون ترخيص وبموافقة من قائد الجماعة القروية، أحمد الملوكي. وتشهد نفسَ الوضع تقريبا مقاطعة «بني مكادة»، حيث تعرضت هكتارات كبيرة كانت مخصصة للمقابر لعملية «سطو» غريبة، إذ سرعان ما تحولت هذه الهكتارات إلى مساحات تقاس بالأمتار، يُدفَن فيها الموتى، بينما استُبيحت باقي المساحات من قِبَل «وحوش العقار»، الذين حوّلوها إلى بنايات سكنية، في ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها «مشبوهة». وقد صار سكان هذه المنطقة، اليوم، يتساءلون عن هذه الأراضي والمساحات الكبيرة التي كانت إلى جانب المقابر، بعدما أصبحوا يجدون صعوبة كبيرة في دفن موتاهم، بسبب امتلاء المقابر المتوفرة وعدم وجود بقع أرضية خالية في المنطقة يمكن تحويلها إلى مقابر. وليست البقعة الأرضية المخصصة للمقابر وحدَها التي تتعرض للسطو في مقاطعة «بني مكادة»، بل إن السطو امتد إلى العقارات، سواء تلك التي كانت مخصَّصة للمساجد أو تلك التي كانت مخصَّصة لبناء مؤسسات تعليمية، كما وقع في بقعة أرضية كانت مخصَّصة لبناء مدرسة «يعقوب المنصور»، قبل أن تتحول إلى بنايات سكنية. وفي الوقت الذي كان على والي المدينة أن يفتح تحقيقا لكشف حقيقة ما تعرضت له هذه البقعة الأرضية، فإنه اتجه نحو «حل» هذه المشكلة عن طريق «تعويض» هذه البقعة الأرضية، التي كان من المرتقَب أن تقام فوقها المؤسسة التعليمة، ببقعة أرضية أخرى. وهناك قضية أخرى على قدر كبير من الخطورة أصبحت تشهدها مختلف مقابر المدينة، ويتعلق الأمر بوجود شبكة من المنحرفين يختبئون وراء أسوار المقابر ويعمدون إلى زرع الرعب في صفوف السكان المجاورين لهذه المقابر، كما هو الشأن بالنسبة إلى السكان المجاورين ل«مقبرة مرشان». ورغم أن المجلس البلدي أصدر قرارا بوقف الدفن في هذه المقبرة، بسبب عدم وجود أماكن شاغرة صالحة لدفن الموتى، فإن عمليات الدفن ما تزال مستمرة، بشكل يدعو إلى الاستغراب. ويقول سكان المنطقة إن أشخاصا يأتون في الليل ويقومون ب«ممارسات» غريبة داخل هذه المقبرة، حيث يشرعون في الحفر فوق القبور القديمة من أجل دفن موتى جدد فوقها، دون أن تتمكن السلطات الأمنية من إلقاء القبض عليهم... وكان أعضاء لجنة، تتكون من سلطات محلية ومسؤولين من المجلس الجماعي، قد وقفوا -خلال زيارتهم لهذه المقبرة- على وجود عدة موتى مدفونين في قبر واحد!... وهو ما جعل السلطات تقرر ضرب حراسة أمنية مشدَّدة على هذه المقبرة، لمنع تكرار هذا الأمر الغريب...
طنجة.. ماض حالم وحاضر مقلق ومستقبل غامض ليس «ماضي» طنجة ك«حاضرها»، فالمدينة، التي كانت في الماضي صغيرة وجميلة وحالمة، وبسكان لا يزيدون على المائة ألف نسمة، تحولت اليوم إلى مدينة «مليونية»، يكاد مجموع سكانها يفوق المليونين، بفعل «زحف» عدد كبير من السكان نحوها، بحثا عن فرص العمل، وأحيانا، بحثا عن «السراب»... في الماضي، كانت مظاهر المدينة مختلفة وتكشف عن أناقة وجمالية فريدتين تتسم بهما «عروس الشمال»، وهو لقب كانت تحمله عن جدارة واستحقاق، إلى درجة أن زوارها الأوربيين كانوا يعتقدون أنها المدينة الأنظف في العالم، بفضل نقاء أحيائها وجمالية مناطقها الخضراء. وكثيرون جاؤوا إليها من مدن الغرب فاستاؤوا للفكرة التي كانت لديهم عنها، لأنهم كانوا يتوقعونها مدينة متخلفة ورديئة، كانوا يبحثون فيها عن تفوقهم الأوربي، فوجدوها «تتفوق» عليهم. في الماضي، كانت طنجة تحتل المراتب الأولى في المؤشرات العالمية للنظافة، قبل أن تنحدر في تصنيفها لتصبح المدينة الأولى المصدرة للتلوث، وفق آخر التقارير. وعلى مر التاريخ، كانت طنجة الأولى في كل شيء، في الطرق المعبَّدة والكهرباء والماء الشروب والسكة الحديدية والسيارات والهاتف والبريد والمواصلات والرحلات الجوية والبنيان الأنيق والنوادي الثقافية والفنادق الفخمة والشواطئ النظيفة... لكنْ يبدو أن كل شيء قد انقلب، اليوم، رأسا على عقب. لقد كانت مدينة طنجة معروفة، إلى حدود ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بجمالية بناياتها التي كانت تتميز بأشكالها الرومانية والأندلسية والأوربية. لقد كانت شاهدة على تاريخ الأجناس البشرية المتتالية التي استوطنت هذه المدينة. يختلف حاضر «مدينة البوغاز»، تماما، عن ماضيها: فالبنايات التاريخية الموجودة في المدينة لم تبق على حالها وأخرى تصارع من أجل «البقاء» والمناطق الخضراء لم تعد كما كانت، إلى درجة أن الجميع اليوم أصبحوا يبحثون عن «هوية» هذه المدينة، التي صارت «مفقودة» في ظل التحولات الخطيرة التي تشهدها. كان زوار طنجة في الماضي يأتون إليها على اعتبار أنها مدينة سياحية وتزخر بعدد كبير من المناطق السياحية التي تستحق أن تُشَدّ إليها الرحال، لكن الجميع أصبحوا، اليوم، تائهين، فسكانها، من جهة، وسياحها، من جهة ثانية، كلهم يتساءلون عن سر تحول هذه المدينة وتغيرها بشكل سريع. وهناك مغاربة كثيرون كانت طنجة «حلمَهم» الجميل في كل عطلة صيفية، لكنهم اليوم يُصدَمون حين يأتون إليها. وحتى المناطق القروية، كفحص أنجرة، مثلا، التي لم يكن أحد يعيرها أي اهتمام قبل سنوات قليلة وكان سكانها ينعمون بهدوء واطمئنان قل نظيرهما، تحولت اليوم إلى ما يشبه «قلاعا للإسمنت»، وأغلبية السكان القرويين غادروا مساكنهم، بعدما اجتاحتها المشاريع العقارية، التي دمّرت كل شيء جميل كانت تفتخر به هذه المنطقة. كل شيء أصبح اليوم في طنجة يبعث على الاشمئزاز والضجر، انطلاقا من أحيائها المتسخة وانتهاء بمشاريعها الكبرى «المشبوهة»، التي أقيمت فوق أنقاض أراض إما أنها «مغتصَبة» أو أنه تم نزعها بقوة القانون، تحت «غطاء» المصلحة العامة، ومرورا بعماراتها الكثيرة التي «نبتت» فوق مجاري الصرف الصحي ودفع أصحابها رشاوى للمسؤولين والمنتخَبين من أجل «إغماض العين»... موجز الكلام أن طنجة تعيش حاليا «أزهى» عهود «السّيبة»...