النقط السوداء في طنجة التي تكثر فيها الجرائم والسرقات وينشط فيها مروجو المخدرات، كثيرة ومتعددة، فالأحياء التابعة لمنطقة بني مكادة، تكاد تكون جميعها عبارة عن نقاط سوداء تكثر فيها السرقات بشكل رهيب، حيث خلقت أجواء من الخوف والرعب في صفوف ساكنة هذه الأحياء، حتى وصل الأمر إلى تحول بعض المناطق السكنية إلى أشباح بعد حلول الظلام، بسبب العصابات التي تحوم حول هذه الأحياء، والتي تنتظر داخل المقاهي المجاورة لها، غروب الشمس، لتنطلق عملية نشر الرعب وسط هذه الأحياء. قصص كثيرة يرويها سكان منطقة «حومة الشوك» عن حالات السرقة التي تتعرض لها الفتيات العاملات بالمنطقة الصناعية من طرف شبكات يستيقظ أفرادها في وقت مبكر ليتزامن استيقاظهم مع خروج العاملات من بيوتهن، حيث يترصدونهن وهن يتوجهن نحو سيارات نقل العمال. ورغم أن هذه المسافة تكون قصيرة، فإنها مع ذلك تظل محفوفة بالمخاطر. ويروي أحد الأشخاص، أن فتاة تبلغ من العمر 30 سنة، غير متزوجة، تمت سرقتها لأكثر من مرة، حيث سلبت منها النقود التي تحملها معها من أجل تناول وجبة الغداء، فضلا عن سرقة الهاتف النقال وبعض الأغراض الأخرى التي تحملها معها. هذا السيناريو يتكرر بشكل يومي وفي أكثر من نقطة من النقاط التي تعتبر مناطق صناعية. منفذو عمليات السرقة هم شباب مازالوا في مراحل العشرينيات، إنهم ينتمون إلى أحياء عشوائية يغلب عليها الفقر، لقد يئسوا من المحاولات الفاشلة في الهجرة.. لكنهم نجحوا في تشكيل عصابات سرقة تقتات من جيوب الضحايا. وجهان لعملة واحدة انتشار المخدرات في أكثر من منطقة بمدينة طنجة بات أمرا معروفا ولا يختلف عليه اثنان، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمخدر الحشيش، غير أن التعاطي للمخدرات الصلبة الذي كان محتشما في مرحلة سابقة، أصبح اليوم يتم بشكل مكشوف ودون أي حرج، وما يؤكد ذلك كثرة الاعتقالات خلال الفترة الأخيرة في صفوف أصحاب المخدرات الصلبة. المتعاطون لهذا النوع من المخدرات يبحثون بكل الطرق عن وسيلة للحصول على 20 أو 30 درهما ثمن الجرعة الواحدة، لدرجة أنهم أصبحوا يعترضون سبيل المارة في الأزقة ويطلبون منهم درهما أو درهمين، من أجل الحصول على ثمن الجرعة. إنهم يوجدون في حالة هستيرية، ويستطيعون ارتكاب أية حماقة مقابل الحصول على ما يريدون، إنها ظاهرة أصبحت ملفتة للنظر في عدد من الأحياء التابعة لمقاطعة بني مكادة. الذي يزور، مثلا، أحياء البولينة، برواقة، لمرس، تجزئة بن خلدون، وحومة حاج قدور وغيرها، سيطلع على مشاهد غريبة، وسيستمع لقصص محزنة، أبطالها شباب مدمنون على مختلف أنواع المخدرات. حومة «برواقة» تعد من بين النقط السوادء الخطيرة بمقاطعة بني مكادة. الساعة تشير إلى الثانية عشرة زوالا. يقف شابان عند مدخل «الحومة»، أحدهما يعد الدراهم التي بحوزته، فيما الآخر ينتظر أحد المارة لكي يتوسل منه منحه درهما أو اثنين. منهم من يلبي طلبه، ومنهم من اعتاد على هذا المشهد وبالتالي لا يكلف نفسه حتى الحديث إليهم. فجأة تلتحق بهما فتاة عشرينية وهي تحمل في يدها سيجارة، يطلب منها أحدهما منحه «جْبيدة» من السيجارة، ترفض الفتاة لأنها السيجارة الوحيدة التي بحوزتها. ينشب صراع بين الفتاة والشاب، غير أنه سرعان ما سينتهي بعد تدخل صديقهما الثالث. ثمن جرعة مخدر «الهيروين» لم يكتمل بعد، وصاحب الجرعة اقترب موعد مجيئه، يفكر الشابان في طريقة لجمع الدراهم المتبقية لدفع ثمن الجرعة، لا حل يبدو لهم سوى السرقة، ويبقى الحل الوحيد هو اعتراض طريق الناس وانتزاع النقود منهم بأية وسيلة. هذا المشهد يتكرر في كل مرة في هذا الحي المليء بتجار ومروجي المخدرات، أما الزبائن فيأتون من كل مناطق المدينة بحثا عن الجرعات. الوجود الأمني في هذا الحي هو شبه منعدم، «إنهم لا يتحركون إلا بعدما يستفحل الأمر أو تحدث جريمة قتل»، يقول أحد سكان هذا الحي، ويضيف آخر: «لقد أصبحنا نخاف على أبنائنا وأسرنا من انتشار مروجي المخدرات وما يترتب عن ذلك من وقوع صراعات بينهم تفضي في بعض الأحيان إلى إزهاق الأرواح». ضحايا طريق المجزرة !.. طريق المجزرة أو «الكورنة»، حيث تذبح الثيران والأبقار، أصبح أيضا مكانا تنهش فيه اللحوم البشرية، فالمكان له قصة تاريخية مع الجرائم، أبرزها المذبحة التي ارتكبت قبل ثماني سنوات، والتي لم يتم الكشف عن مرتكبها إلا قبل أقل من شهرين، بعدما تم إلقاء القبض على مرتكب الجريمة الثلاثية التي هزت مدينة طنجة مؤخرا، والتي راح ضحيتها ثلاث نسوة، بعدما أجهز عليهن القاتل بذبحهن من الوريد إلى الوريد. نفس المجرم الذي بات يعرف «بسفاح طنجة» سيعترف فيما بعد بارتكابه لجريمة سابقة سنة 2002 في «طريق المجزرة»، والتي ذهب ضحيتها، صديق القاتل، الذي كان يشتغل معه في أحد مطاعم المدينة. عملية الذبح التي ارتكبها القاتل في ذلك الوقت كانت مشابهة لعملية ذبح الثيران والأبقار، وهي نفس الطريقة التي استعملها في الجريمة الثلاثية. «طريق المجزرة» أصبح، إذن، اسما على مسمى بعد هذه المجزرة وما تلاها من حوادث سرقة واعتداءات بواسطة السلاح الأبيض. لقد أصبحت هذه المنطقة نقطة سوداء، كلما مر منها شخص يتذكر الحوادث والجرائم التي ارتكبت فوق الأرض التي يمشي عليها، فينتابه الرعب ويخشى أن يتحول أيضا إلى ضحية جديدة تنضاف إلى ضحايا «طريق المجزرة». أخطر ما في هذه المنطقة هو أنها تعد ممرا رئيسيا للطلبة، الذين يتعرضون أكثر من مرة للسرقة، خصوصا في المساء، بسبب مشكل الإنارة العمومية بالمنطقة التي تعطلت لأزيد من ثلاثة أشهر. السكان المجاورون لطريق المجزرة يؤكدون أن منطقتهم أصبحت نقطة سوداء، حيث تجتمع فيها العصابات المدججة بالأسلحة، والتي توقع لأكثر من مرة بضحايها الأبرياء، دون أن تحرك مصالح الأمن ساكنا. البناء العشوائي ينتج الجريمة أحياء كثيرة بمنطقة بني مكادة شيدت بطريقة عشوائية، لذلك تجد السكان دائما يشتكون من عدم وجود قنوات للصرف الصحي، يقابله عدم وجود الماء الصالح للشرب، إلى غير ذلك من المشاكل التي تسبب فيها البناء العشوائي الذي اغتنت من ورائه أطراف متعددة مسؤولة عن هذه المنطقة. هذه المنطقة كانت في السابق عبارة عن مساحات خضراء، لكن بفعل الزحف العمراني وتدفق الآلاف من المواطنين الباحثين عن العمل إلى مدينة طنجة، أصبحت هذه المنطقة مكتظة بالسكن العشوائي، في وقت كانت رخص البناء ولا زالت إلى اليوم تسلم بسخاء، حيث كان الجميع يبني دون اكتراث لجمالية المنطقة، والتي كان من المفروض أن تشيد بها مساكن تليق بطبيعة الفضاء الذي توجد فيه. المشهد العام بمنطقة «بني مكادة» اليوم يدعو إلى الشفقة، فهذه المقاطعة التي تتوفر على نسبة عالية من الكثافة السكانية، حطمت الأرقام القياسية في معدلات الإجرام والسرقة والفساد بشتى أنواعه. وحتى التقارير الأمنية تشير إلى أن أكثر من 10 جرائم تقع بشكل يومي بالمنطقة تتوزع بين الضرب والجرح والسرقة والنصب والاحتيال، لدرجة أصبح الناس يتساءلون عن أسباب هذا التحول المدهش الذي أصاب هذه المنطقة. المنتزهات القليلة الموجودة بالمنطقة غادرتها الأسر، بعدما ملأها النشالون وقطاع الطرق ومدمنو المخدرات، فضلا عن العاهرات. لقد تحولت هذه الأماكن إلى فضاءات لتناول جرعات الهروين والكوكايين وممارسة الدعارة السريعة، أما خلال الليل، فإن المكان يخلو لقطاع الطرق الذين يختبئون داخلها في انتظار مرور الفرائس للانقضاض عليها. إنه مشهد درامي يصنعه شباب في مقتبل العمر، منهم من خرج من قاعة الدرس مبكرا ولم يجد عملا فارتمى في أحضان المخدرات وفي مختلف ألوان الموبقات، ومنهم من فتح عينيه فوجد نفسه يعيش في ظروف اجتماعية قاسية دفعته إلى ممارسة السرقة للحصول على المال
3228 قضية سرقة وقتل واغتصاب في 2009 تشير الإحصائيات المتوفرة لدى المصالح الأمنية بطنجة، بخصوص عدد القضايا المنجزة، خلال سنة 2009، حول الإجرام بمختلف أنواعه من السرقة، إلى الضرب والجرح والاعتداءات، وجرائم القتل العمد والخطأ، والاغتصاب وهتك العرض، إلى ما يقارب 3228 قضية، أحيل خلالها على العدالة ما يناهز 3297 متهما. وتشير نفس الإحصائيات إلى أن ما يزيد عن 1476 قضية أنجزت بخصوص السرقة بمختلف أنواعها أحيل على إثرها على العدالة 1317 شخصا. أما بخصوص قضايا الضرب والجرح بنوعيه بالسلاح وبدونه، فقد بلغ عدد القضايا المسجلة 1175، أحيل خلالها على العدالة 1486 شخصا بينهم قاصران. وأفادت إحصائيات سنة 2009 الخاصة بولاية أمن طنجة، إلى تسجيل ما يزيد عن 418 قضية متعلقة بالاعتداءات بمختلف أنواعها، أحيل على إثرها 329 شخصا على العدالة. أما جرائم الدم، كالقتل العمد أو القتل عن طريق الخطأ، أو الضرب والجرح المؤدي للقتل، فقد بلغ عدد قضاياها، خلال السنة الماضية، ما يناهز 36 قضية، وتمت إحالة 59 شخصا على العدالة. أما الجرائم المتعلقة بالاغتصاب وهتك العرض، فوصل عددها، في سنة 2009، إلى 123 قضية، تقدم على إثرها للعدالة 106 أشخاص متهمين.