" الكريساج بالعلاّلي " قطع الطرق علانية ، " الشفرة عايْنْ بايْن " السرقة أمام مرأى ومسمع الكل ، " ماكاين مخزن في البلاد " لا يوجد أمن في البلاد ، عبارات وأخرى من مثيلاتها لا يكاد يخلو مجلس من المجالس الرباطية بالمغرب دون ترديدها ومناقشة أسبابها وخلفياتها وأبعادها ونتائجها ، فرجال الساعة بالعاصمة المغربية شبان ملثمون ومجهزون بأفتك أنواع الأسلحة البيضاء يخرجون آناء الليل وأطراف النهار لاعتراض سبيل المارة وترك تواقيعهم الخاصة على أنحاء مختلفة من أجساد الساكنة مما ولد لدى هذه الأخيرة خوفا مزمنا ورعبا بينا تتجلى علامات وضوحه في آلاف الشكايات المرفوعة إلى مختلف الدوائر الأمنية العاجزة لحدود الساعة عن كبح جماح النمو السريع والمتزايد للجريمة المتنوعة الأشكال والوسائل بالعاصمة الإدارية للمغرب . "" نقط سوداء " دوار الحاجة " ، " بيزنطة " ، " التقدم ، " المعاضيد ، " " دوار الدوم " ، " حي الصناعي " ، " حي الإنبعاث " ، حي المودة " ، أحياء تابعة لبلدية اليوسفيةبالرباط سطع نجمها مؤخرا في سماء الرباطيين بعد انتقال أكثر من ضحية إلى عالم الموتى نتيجة ضربات غادرة لقطاع الطرق وعجز الأمن عن تقديم الجناة للمحاكم المختصة ، فالداخل إلى هذه الأحياء مسلوب ومنهوب والخارج منها مضروب ومعطوب ، إذ لا يكتفي المجرمون في هذه النقط السوداء باعتراض سبيل المارة وسلب ما بحوزتهم بل يعمدون إلى تشويه الوجوه وتوجيه ضربات تكون في أغلبها قاتلة أو مسببة لعاهات دائمة . وتعتبربلدية اليوسفية واحدة من أكبر التجمعات السكنية بالمغرب على الإطلاق ، وإحدى الوجهات المفضلة للباحثين عن سكن رخيص سواء من المغاربة الذين هجروا البوادي والقرى بحثا عن عمل ما ، أو من الأفارقة السود الين هاجروا بلدانهم الأصلية بغية العبور إلى أوروبا . وهذه البلدية عنوان صريح لكل معاني البناء العشوائي ، أزقتها لا تكفي في أحسن الأحوال لمرور شخصين ، ومنازلها ودورها عمارات تفتقر إلى هندسة معمارية ، وليس من الغرابة أن تجد أزيد من خمسة أو ستة أسر يقطنون بمنزل واحد ، ولكن الغرابة أن تجد بهذه الجماعة سكنا مبنيا على أساس قويم وقائما على شروط قانونية . ونفس الأمر يقال على بلدية " يعقوب المنصور " فهذه البلدية بدورها تحوي نقطا سوداء لا تقل سوداوية عن سابقتها بفعل تنامي ظاهرة الإجرام في أوساط شبابها وفي مناطقها الترابية . " حي الملاح " ، " السويقة " ، " باب شالة " ، " نزهة حسان " ، " نزهة ابن سينا " ، أسماء ومسميات لنقط سوداء تضاف إلى خريطة المناطق الخطرة بمدينة الرباط فلا يخلو يوم في هذه المناطق دون وقوع جريمة قتل أو اعتراض سبيل مواطنين ساقتهم الإقدار إلى التجول بين أركانها أو العمل في بعض مرافقها التجارية والإدارية . قطاع الطرق ومبدأ السواسية موظفون وموظفات ، مستخدموا شركات النظافة ، تلاميذ وأساتذة ، متسولون ومتسولات ، صغار وكبار ، الكل سواسية عند جماعة القطاطعية " بالرباط ، فلا فارق العمر ولا جنس الضحية ولا مكانتها ولا حتى توسلاتها تكفي لردع الجماعة عن تنفيذ أعمالها ومخططاتها ، الأمر الذي ولد عند البعض مرضا نفسيا صار ملزما معه للحضور إلى حصص علاجية يشرف عليها أطباء من ذوي الإختصاص ." " سعيدة " ، " بلعيد " ، " خالد " ، " المهدي " ، نماذج لحالات إلتقينا بها فكان البوح منهم تحت الإحساس بوطأة الضعف والظلم و " الحكرة " أهم ما ميز لقاءنا معهم . " سعيدة " معلمة للصف الإبتدائي بمدرسة الحسن اليوسي وأم لأربعة أطفال ، عادت بعد عطلة عيد الفطر السعيد لتدرس تلاميذها ، وما إن اقتربت من باب المؤسسة حتى اعترض سبيلها خمسة شبان كل واحد منهم يحمل سيفا حادا ، وبعد تفتيش دقيق لحقيبتها اليدوية وسلبها هاتفها المحمول لم يتورع هؤلاء الشبان من توجيه ضربة إلى وجهها وكتفها الأيمن مما جعلها تفكر في الإنقطاع عن مهنة التدريس بشكل نهائي وتحسب لخروجها من بيتها ألف حساب خاصة بعد تسجيل شكايتها لدى المصالح الأمنية ضد مجهول . " بلعيد الوافي " رجل بلغ من الكبر عتيا ، دأب منذ سنين على الإستيقاظ باكرا والتوجه إلى الحقول المجاورة لمنطقة " شالة الأثرية " بغية جمع نباتات البقول وبعض الأعشاب الطبية لبيعها بثمن يعينه على متطلبات الحياة الصعبة ، يقول : << في ذلك اليوم خرجت كعادتي بحثا عن رزق يومي وما ان ابتعدت بقليل عن منزلي حتى استفردت بي ثلة من الشبان المدججين بسواطير مختلفة الشكل والحجم ، أشاروا علي بعدم المقاومة حفظا لسلامتي فاستجبت لمطالبهم وحين لم يجدوا معي ما يريدون انهالوا علي جميعهم بالضرب في عدة مناطق من الجسم ولم أستعد وعيي إلا بعد نقلي على جناح السرعة إلى جناح العناية المركزة بمستشفى ابن سينا بالرباط >> . " بلعيد " الآن يحمل عدة ندوب على مستوى الرأس والوجه والظهر وشكواه التي أودعها عند مصالح الأمن سجلت بدورها ضد مجهول. " المهدي " رجل " دياني " ملتزم بلغة المغاربة ، يكثر من الخطوات إلى المساجد البعيدة عن منزله بغية الحصول على أجر كبير ، وبعد أدائه لصلاة الفجر بالمسجد الوحيد في حي " الوحدة " في العشر الأواخر من رمضان المبارك سيفاجأ وهو الرجل الطيب بقطع الطريق عليه من طرف شبان ملثمين شجوا رأسه بسواطيرهم الحادة بعد تفتيشه من أخمص قدميه إلى أعلى أذنيه ليتركوه مغمى عليه وسط بركة من الدماء ، وليقرر بعد نجاته من موت محتم أداء الفرائض والنوافل ببيته المتواضع في حي الفرح . أما " خالد بلواد " فهو شاب في مقتبل العمر ، يفرض عليه عمله كمراقب في شركة الراحة للنقل الحضري أن يغادر بيته في الساعات الأولى من صباح كل يوم ولأنه اصطدم غير ما مرة بقطاع الطرق وبجماعة الملثمين أصيب بمرض نفسي نتيجة خوفه المتكرر كل يوم الأمر الذي اضطره إلى الخضوع لجلسات علاجية لم تنفع لحد الساعة في طرد الخوف من نفسيته المتعبة . << أصبحت أخاف من ظلي ، يخيل إلي أن أحدهم يحمل سكينا ويتبعني من خلف ، أقطع المسافة الفاصلة بين مقر سكناي وبين محطة سياراة الأجرة والخوف يأكلني من تحت إلى فوق ، " ماكاين لا مخزن لاستة حمص " ، " الماندة كلها ولات كاتمشي للطبيب وللدواء " >> ، بهذه الكلمات عبر خالد عن محنته وهي محنة يتعرض لها ويتجرع مرارتها كل يوم ساكنوا النقط السوداء بمدينة الرباط ، حتى إنه ليخل للمرء من شدة هول ما يرى ويروى أنه يعيش في غابة مليئة بالوحوش الكاسرة ، والنتيجة سقوط أكثر من قتيل بحي التقدم لوحده في ظرف أسبوع واحد . شكايات لا تعد وأسباب لا تحصى كل الضحايا الذين استمعنا لهم أكدوا لنا أنهم أودعوا شكاياتهم لدى الدوائر الأمنية المختصة في مثل هكذا أمور وقضايا ، وعن مصير هذه الشكايات جاء الإجماع حول تسجيلها ضد مجاهيل مادام أن أغلب قطاع الطرق بمدينة الرباط اهتدوا إلى طريقة يستحيل معها التعرف عليهم ألا وهي وضع أقنعة على وجوههم الأمر الذي يصعب مهام رجال الأمن في هذه المدينة . وفي زيارة خاطفة لبعض دوائر الأمن ببلدية اليوسفيةبالرباط وقفنا على مدى العجز الي تعانيه هذه الدوائر ، فالدائرة التاسعة على سبيل المثال لا يتعدى رجال الأمن العاملين بها ستة عشر فردا يتناوبون على حماية منطقة يفوق عدد السكان بها 85 ألف نسمة بوسائل أقل ما يقال عنها أنها لا توفر إلا غطاءا أمنيا لأصحابها فقط . فدوريات الأمن لا تتعدى الستة ، والدراجات لا تزيد عن نفس العدد رقما واحدا ، وهذه الوسائل تقف عاجزة كل العجز أمام الخريطة الجغرافية لبلدية كبلدية اليوسفية . وعن أسباب تنامي وتيرة الإجرام بمدينة الرباط ككل استقينا آراء بعض المواطنين فكانت الأجوبة متعددة وكانت الأسباب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال ما يلي : * الفقر : أرجع العديد من المواطنين أسباب الإرتفاع الصاروخي لمعدل الإجرام بالرباط إلى الفقر بالدرجة الاولى ، فمعظم ساكنة الرباط وبالضبط في النقط السوداء منها تعيش تحت عتبة الفقر المدقع الناتج بالأساس عن بطالة دائمة تدفع بالعديد من أصحابها إلى امتهان الإجرام والإرتماء في أحضان العصابات الإجرامية . * المخدرات : انتشار بيع المخدرات بالمناطق الهامشية لمدينة الرباط يساعد بشكل كبير في تنامي هذه الظاهرة الخطيرة ويدفع بالمدمنين الفقراء إلى البحث عن ضحايا لتوفير ثمن مخدرات باتت أنواعها تروج أمام مرأى ومسمع الكل . * تجاهل السلطة : فئة من المواطنين ترى أن تجاهل السلطة وغضها الطرف عما يحدث في المدينة من قطع للطرقات واعتداء على المواطنين أمر مقصود وتعزز رؤيتها بدليل توفر " الكبراء " وأحياء الأغنياء على أمن رسمي يحميهم وافتقار أبناء الشعب لأبسط حقوق الحياة الكريمة ، وترى هذه الفئة أنه لو تم نقل رجال الأمن المرابطين أمام قبة البرلمان والموكول إليهم منع الدكاترة المعطلين من التظاهر أو الإحتجاج إلى المناطق السوداء لتقلص معدل الجريمة ولارتاح المواطنون من نبإ الإجرام والمجرمين . * العفو الملكي : فئة أخرى من المواطنين ترى أن العفو الذي يصدره العاهل المغربي في المناسبات الوطنية والدينية يزيد الطين بلة خاصة حينما يتم العفو عن أشخاص لهم سوابق متعددة في فن الإجرام ، وترى هذه الفئة أنه من الضروري بمكان سن قانون جديد يحجب العفو عن كل من لم تردعه السجون حتى لا يصبح العفو الملكي شبحا مخيفا يرهب المواطنين في كل مناسبة جليلة . أمن بديل أمام كل ماذكرنا كان لا بد للمواطنين بمدينة الرباط من الإلتجاء إلى أمن آخر غير الأمن الرسمي يخفف عنهم وطأة الخوف والذعر والرعب من قطاع الطرق ويرجع لأحيائهم ودروبهم هيبتها السابقة ووقارها المنزوع عنها فكانت العصي الغليظة والكلاب الشرسة والحراس المأجورون أهم أشكال وعناصر هذا الأمن البديل . * العصي الغليظة : حرفة جديدة ظهرت مع تنامي وتيرة الإجرام بالرباط وهي حرفة صناعة " الزراويط " أو " الهراوات " وبيعها للمواطنين الراغبين في حماية أنفسهم بأنفسهم من لصوص الليل والنهار ، وهي حرفة صار يمتهنها عدد لا بأس به من الشباب العاطل عن العمل . * الكلاب الشرسة : أنواع عديدة من الكلاب الغريبة الشكل والحجم والملامح صارت تباع في الأسواق الشعبية لمدينة الرباط بعيدا عن أي مراقبة أمنية أو طبية والسبب انعدام الأمن ورغبة الناس في امتلاك رفيق يطيعهم ويحميهم من غدر الليالي والأزقة والدروب ، وهذا النوع من التجارة صار يدر على بعض العاطلين عن العمل دخلا طيبا لكنه في نفس الوقت يستنزف جيوب المواطنين الراغبين في امتلاك هذا النوع من الأمن البديل ، ويعرض حياة مواطنين آخرين للخطر . * الحراس المأجورون : هم شباب في مقتبل العمر ، عاطلون عن العمل تطوعوا وبطلب من الساكنة إلى حماية أحيائهم من تربصات المجرمين مقابل أجر متفق عليه ، فريق بالليل وفريق بالنهار ، يقومون بأدوار رجال الشرطة على وجه التمام والكمال ويقبلون بحياة المخاطر مقابل أن تبقى أحياؤهم ودروبهم آمنة مطمئنة . والحالة تعم مدينة الرباط تئن تحت رحمة قطاع الطرق ، وحوارات ولقاءات في الكواليس تدور بين جمعيات حقوقية ومدنية لتنظيم مسيرات إحتجاجية نحو الجهات المسؤولة عن الأمن على غرار ما وقع في بعض المدن المغربية التي سبقت العاصمة المغربية في السقوط تحت رحمة اللصوص والمجرمين والتي خرج سكانها في تظاهرات حاشدة للتنديد بارتفاع معدل الجريمة وتزايد حالات الإعتداء عليهم وللمطالبة بالعودة الفورية للأمن إلى الأحياء والدروب . من طنجة إلى الكويرة ومن شمال المغرب إلى جنوبه لا حديث إلا عن الوجوه الملثمة والسواطير الممدودة والسيوف الحادة في ظل صمت للمسؤولين في وزارة الداخلية وعجز بين لرجالاتها يدفع ثمنه الواطن المغلوب على أمره . انعدام الأمن وارتفاع معدل الجريمة بشكل خطير والخوف المولد للإحتجاج والصمت الرسمي أمور يبدو أنها ستثير زوابع لا مرد لها والخوف كل الخوف من أن يتحول المغرب إلى حلبات صراع يتصارع فيه القوي والضعيف واللص والشريف أو أن يتحول إلى أرض تحبل بتظاهرات تأتي على الأخضر واليابس ما دام كل واحد يؤكد أنه قد يصبر على أي شيئ إلا على المساس بحريته وسلامة روحه وعرضه .