نجح مفترشو الشوارع في فرض تجارة الرصيف أو ما يطلق عليه ب»الباعة المتجولين« بقوة في واقع الحال بالعديد من مدننا و بخاصة الكبيرة منها، لتتحول هذه الظاهرة إلى إشكالية اقتصادية و »سوق موازية« بالرغم من عدم شرعيتها من قبل الجهات الرسمية.ذلك أن شوارع وأزقة و أحياء مدينة فاس لم تعد تخلو من الباعة المتجولين بل نكاد نجزم انه لم يعد هناك رصيف في أي منطقة من العاصمة العلمية إلا و افترشه تجار الأرصفة لعرض بضاعتهم من ملابس جاهزة و أحذية و لعب أطفال و صناديق خضروات و مواد غذائية و غيرها من أنواع السلع و كل ما يحض المستهلك على شرائه،أما عند الإشارات المرورية فينتشر الباعة من صغار السن و هم يحملون ما خف وزنه و سهل اقتناؤه من منتوجات تمكنهم من كسب رزقهم و تسديد نفقات معيشة أهلهم من خلال»كسر خاطر« من يصادفونهم من زبنائهم بالشوارع و هم يُعرضون حياتهم للخطر بين السيارات و الطرقات. إلى ذلك علق خبير اقتصادي مهتم بالظاهرة على مستوى مدينة فاس بقوله إن تزايد نسبة البطالة في ظل غياب فرص العمل و نشاط عمليات نزوح أهالي الضواحي و مناطق مختلفة بالأقاليم المجاورة للاستقرار بمدينة فاس، قد دفع إلى بروز و تزايد الباعة المتجولين بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة،حيث وجد كل من لا عمل له فرصته السانحة في ولوج عالم مفترشي الشوارع،وهي تجارة لا تحتاج إلى تراخيص و لا تأجير محلات،كما أن قليلا من المال يكفي لشراء البضاعة المراد ترويجها.ذلك أن ممتهني تجارة الرصيف يصرون على المضي في عملهم بالرغم من المضايقات التي يتعرضون إليها بحجة انه لا بديل آخر أمامهم للحصول على الرزق و الإنفاق على أسرهم.و قد اعتبر حسن بودرقة ،نائب رئيس غرفة التجارة و الصناعة و الخدمات بجهة فاس بولمان و عضو مكتب النقابة الوطنية للتجار و المهنيين بالمغرب ،ظاهرة الباعة المتجولين بأنها القشة التي قسمت ظهر تجار مدينة فاس،حيث أن تجار الرصيف- كما يقول- يمارسون نشاطهم المخالف للقانون عبر ترويج سلع مجهولة المصدر و غير مطابقة للمواصفات القياسية و بيعها بأسعار زهيدة،مما يضر بنشاط المحلات التي تبيع منتجاتها بأسعار مرتفعة،نظرا لتحملها أعباء ضريبية و رسوم خدماتية.و هو ما يشكوه أصحاب المحلات التجارية الذين يطالبون الأجهزة المختصة بالرقابة بمحاربة الباعة المتجولين الذين يصفونهم بممارسي التجارة العشوائية.حيث يرى جل التجار ممن تمكنت جريدة "الاتحاد الاشتراكي" من محاورتهم و التحدث إليهم بان تجار الرصيف يشكلون خطرا يهددهم كتجار، لذلك فهم يطالبون بتخصيص أسواق لهم و تمكينهم من تصاريح لمزاولة نشاطهم التجاري المقنن وتحصيل الرسوم اللازمة منهم،وذلك بغية إيجاد منافسة سعرية عادلة معهم. أما الباعة المتجولون فإنهم يردون على مهاجمة التجار أصحاب المحلات لهم بقولهم إنهم مواطنون يعانون الفقر.يقول حسن وهو بائع جائل اخذ من الرصيف محلا له معارضا مبدأ "الحرفة بلا مُولاها ْحرَام":» كما ترى نحن نبحث عن العيش بكرامة و بالحلال،سعيا وراء النجاة بالنفس عن مواطن السقوط و الانحراف،نمارس حقنا الذي منحنا إياه الله في طرق أبواب الرزق في ارض الله الواسعة،لم نغتصب شبرا من احد و لم نقف في مكان محرم بل على حافة الرصيف حيث يقتصر المشوار على المشترين المارين على القرب من الأرصفة خاصة منهم من لم يستطع الوصول إلى السوق لظروفه الخاصة و بالتالي فنحن لا نبيع مخدرات و لا ممنوعات حتى تتم محاربتنا ومطاردتنا على الدوام من قبل رجال البلدية و الأمن..لا لشيء سوى أننا نقف على رجلينا ساعات طوال في العراء لا نحتمي من برد و لا نتقي حر الشمس صيفا طلبا للقمة العيش الكريم من قبل العديد من أمثالي و الذين لم يجدوا وظيفة أو عملا أو انه متقاعد و لا يكفيه راتبه الهزيل لتلبية ضروريات الحياة لأسرته« و على رصيف آخر يقف عبد العالي(خريج كلية الاقتصاد) يعرض على بسطيته أنواعا من أدوات الحلاقة و بعض المواد الغذائية مثل المعلبات المحفوظة والقهوة و على الرغم من تفاوت تاريخ صنعها فما يزال الطلب على هذه البضاعة كبيرا جدا لانخفاض أسعارها قياسيا بأسعار المحلات التجارية.و يقول عبد العالي:»يمكن أن أتخلى عن هذه الحرفة بمجرد حصولي على وظيفة،لكنني و الحمد لله وجدت في تجارتي الجائلة سترة لبطالتي المقنعة «. أما موقف الجهات المعنية بمراقبة هذا القطاع غير المهيكل و غير المنظم، فقد ساقه للجريدة احد رجال السلطة _ فضل عدم ذكر اسمه- و الذي يرى في ظاهرة مفترشي الأرصفة و جائلي الطرقات المحملين بالسلع على أنهم يشكلون صُداعا مزمنا للأجهزة الأمنية المختصة بالرقابة و التي تضطر إلى زرع أفرادها بالعديد من النقط الحساسة و هم يرابطون بها لمنع احتلالها من قبل الباعة المتجولين.حيث باتت أجهزة رقابة هذه الظاهرة يدفعون-بحسب قوله- ضريبة غياب قانون واضح ممأسس ينظم العلاقة ما بين الجهات الحكومية المختصة و جيوش الباعة المتجولين بدلا من إبقائها علاقة يغلب عليها الارتجال و تحكمها المزاجية و العشوائية. فيما يرى العديد من الملاحظين و المهتمين بقضايا تجارة الأرصفة بفاس،ردا على تصريحات رجالات الأجهزة المختصة برقابة هذا القطاع غير المنظم و الذي كما يقولون أريد له بان يكون كذلك لشيء في نفس رجال السلطة الذين حولوا تجارة الأرصفة إلى صناديق سوداء تذر عليهم و على مسؤولي المقاطعات و الجماعة الحضرية مبالغ مالية مهمة،مستدلين في ذلك بالعديد من الأمثلة الحية القائمة بمواقع ترابية تابعة للمجال الحضري بمدينة فاس ،و اخصوا بالذكر الساحات العمومية و الأرصفة و الأماكن القريبة من الادرارات العمومية و التي حولها عدد من الباعة المتجولين ممن هم محسوبين "فوق العادة"،إلى شبه محلات تجارية دائمة يمارسون بها نشاطهم التجاري و لا احد من المسؤولين يحرك ساكنا.الشيء الذي اضطر معه بعض التجار إلى تسليم سلعتهم الراكدة بالرفوف إلى الباعة المتجولين بقصد ترويجها بسوقهم الموازية مقابل عمولة و فوائد مالية،و كل يأكل نصيبه. و تقدر إحصائيات غير رسمية عدد من يرتزقون من وراء تجارة الأرصفة و الطرقات و التي لا تخلو في الغالب من المغامرة و المخاطرة،وتعرض أصحابها لشتى أنواع العقوبات و الإهانات من قبل رجال الأمن و البلدية،بنحو أكثر من 7000 بائعا و بائعة كمعدل يومي والذين يزيد عددهم عن ذلك خلال أيام الآحاد. فبالرغم من النشاط الاقتصادي المتنامي والواضح لتجارة الأرصفة في مدينة فاس و بقية المدن و القرى المغربية،بغض النظر عما تعرضه من منتجات و سلع،إلا أن هذه الظاهرة لم تحظى باهتمام المراكز البحثية عبر إقامة ندوات ومؤتمرات لدراسة مشاكل الباعة المتجولين الاقتصادية و الاجتماعية و الشعبية و الأمنية،على اعتبار أن الباعة المتجولين مطاردين ومضطهدين من قبل الجهات الأمنية و الرقابية،بدلا عن التفكير في تقنين هذا القطاع و تنظيمه بالشكل الذي يسمح للباعة المتجولين بممارسة نشاطهم التجاري و "الرواجي" وفق شروط عدة حددها عدد من محاورينا في أن يكون البائع لائقا صحيا بحسب شهادة صحية من الوزارة المعنية، أن لا يكون من أصحاب السوابق ،أن يحصل على موافقة الجهات المسؤولة عن نوع النشاط ووقت مزاولته ومكان التجوال و ألا يقل سن البائع عن الثامنة عشر ..الخ، ذلك أن قانون كهذا - يرى الكثيرون _ ربما يقلل من هذه الظاهرة التي يصفها البعض بأنها غير حضارية في ظل توقيع المغرب على العديد من المواثيق الدولية و الإقليمية للحد من استغلال الأطفال و حماية الملكية الفكرية و مصالح التجار الذين يزاولون أعمالهم داخل محلات تكلفهم الكثير. و الجدير بالذكر أن محاربة ظاهرة تجارة الأرصفة و الطرقات،لا يمكن بان تتم بإيقاف و مخالفة الباعة المتجولين و مصادرة بضائعهم التي لا احد يعرف أين تذهب بعد حجزها،بقدر ما تتطلب أساليب المواجهة معرفة أسباب لجوء هؤلاء إلى الشارع لممارسة نشاطهم التجاري و التحقيق في انعكاسات تلك المزاولة غير الشرعية على امن المجتمع اجتماعيا و اقتصاديا و صحيا،ومن ثمة وضع حلول "واقعية" لهذه المشكلة قبل أن تتفاقم و يتحول معها الباعة المتجولون إلى قنبلة موقوتة يخشى العديد من مسؤولينا الاقتراب منها و انتزاع فتيلها.