تحول المغلف في إسبانيا الذي رفعه متظاهرون في الشوارع أو تم رسمه على مواقع الأنترنت, إلى رمز الاستنكار الذي أثارته فضيحة فساد شوهت سمعة السلطة في قضية قد تكون القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لمجتمع غارق في الأزمة. ورفع متظاهرون تجمعوا أمام مقر الحزب الشعبي (يمين) في مدريد لافتات كتب عليها "استقالة" و"كفى" و"عار على إسبانيا". ومنذ الخميس, يتداول مئات الأشخاص على التظاهر رافعين مغلفات ترمز إلى الرشاوى, ثم يسيرون في مسيرات صغيرة في شوارع وسط العاصمة. وقال المدرس ماكسي سانتشيث بيثارو (54 سنة) الذي أتى يعبر عن غضبه أمام مقر الحزب الشعبي قبل إدلاء راخوي رئيس الحزب منذ 2004 برأيه حول فضيحة تهز أعلى مراتب الحكم, إن "الاستنكار بلغ ذروته". وذكرت صحيفة ال باييس الخميس الماضي اسم رئيس الوزراء ماريانو راخوي من بين المستفيدين المفترضين من رواتب دفعت سرا لسنوات عدة لعدد من قادة حزبه. ويعتبر العديد من الإسبان أن الكيل طفح مع هذه الفضيحة لا سيما أنهم يعانون من أزمة تقشف غير مسبوقة ونسبة بطالة قياسية تجاوزت 26% وهم غاضبون من توالي الفضائح التي يكشفها القضاء والصحافة وتطال أكبر الأحزاب. ويؤجج ذلك موجة الاستياء تجاه المسؤولين السياسيين التي رافقت انبثاق حركة "الغاضبين" في إسبانيا في مايو ,2011 لكن دون إثارة تظاهرات حاشدة وتلقائية كالتي نظمت حينها. وقالت ايفا استياراغا (43 سنة) التي تعمل مسؤولة تسويق وجاءت السبت الماضي مع ابنتها (16 شهرا) إلى مقر الحزب الشعبي المحاط بتعزيزات أمنية مشددة "على راخوي أن يستقيل لمجرد الاشتباه فيه : هكذا يحصل في أي بلد عادي, من باب الكرامة". من جانبها, قالت السيدة الأنيقة المتقاعدة ساندرا مورينو (66 سنة) "انظروا كيف أنهم طوقوا كل شيء, إنهم يحمون اللصوص", في إشارة إلى الحواجز التي تفصل المتظاهرين رغم أنهم ليسوا كثيرين, عن مقر الحزب بعشرات الأمتار. وتابعت "إنهم جميعا لصوص, يمين ويسار : هنا لا يوجد سياسي غير متورط في الفساد". وتظاهر المئات مساء السبت الماضي أيضا وراء الحواجز الزرقاء. واستذكرت إحدى اللافتات التقشف التاريخي الذي تخضع له إسبانيا بالقول إن "هذا المغلف يحتوي على ما اقتطعوه من ميزانيتنا". كذلك تتردد عبارة الاستقالة على مواقع الأنترنت في إسبانيا. وتضمنتها عريضة أطلقت الخميس الماضي على موقع إلكتروني تطالب بتنحي كل قادة الحزب الشعبي الكبار بمن فيهم ماريانو راخوي, وجمعت أكثر من 710 آلاف توقيع مع انتهاء النهار. وكتب على العريضة "حان الوقت ليرحل كل الذين تلقوا أموالا خلسة وأن يكفوا عن تلطيخ اسم بلادنا" و"سنحصل على مليون توقيع لاستحداث موجة استنكار عامة لدى المواطنين تحول هذا الطلب إلى حقيقة". كذلك ظهرت صورة المغلف في المبادلات بين مستخدمي الأنترنت التي باتت ترمز بسخرية وغضب إلى الفضيحة الحالية. لكن توضيحات ماريانو راخوي المرتقبة جدا السبت الماضي لم تهدئ من غضب المحتجين. وعلى تغريدات تويتر لمواقع التواصل الاجتماعي, كتبوا "راخوي لا يجيب". ومما ساهم في الاستياء كون راخوي فضل إعادة بث كلمة ألقاها أمام قيادة حزبه بدلا من عقد مؤتمر صحافي يرد فيه على الأسئلة. وحاول راخوي الذي يبدو أنه يدرك الهوة المتعاظمة في إسبانيا بين المواطنين والمسؤولين السياسيين, في كلمته تبرئة ذمة النواب بالقول "أنا فخور بما أفعله, أنا فخور بكم, كما أنني فخور بالسياسيين في أحزاب أخرى الذين يبذلون وما زالوا أقصى جهدهم في خدمة بلادهم".