كان من حق الراحل الكبير سي عبد الرحيم بوعبيد، أن يفتخر في حياته بما قدمه من خدمات جليلة لوطنه لكنه لم يفعل. الرجل آمن بالمغرب فدافع عنه وأدى الضريبة غاليا. خسر كل شيء على المستوى الشخصي والعائلي وربح وطنه ودخل التاريخ من بابه الواسع. وعشنا حتى ابتلينا بمن يريد أن يدخل التاريخ من باب بول الأعرابي في بئر زمزم. ولن نجد أحسن من رفاق عبد الرحيم بوعبيد للحديث عنه وخصوصا زوجته نجاة بوزيد. نجاة كانت تسير روضا نصف تلاميذه لا يؤدون الواجبات الشهرية ولم تكن تملك مجموعة مدارس كبرى تدر الملايين سنويا. لكنها تحكي عن رجل شعبي لم يستغل ذلك في كسب أصوات انتخابية. يوم خطبها كان نائبا لرئيس الحكومة ووزير الاقتصاد الوطني والمالية. غير أنه لم يكن منتفخ البطن. تحكي أنه يوم أراد أن يحدث والدها وزوج شقيقتها بخصوص الزواج استدعاهم للعشاء. وبعد أن تحدثوا عن قضايا الوطن، التي شغلت باله منذ صغره، وتحدثوا بعجالة عن الزواج فوجئ الجميع بأن السي عبد الرحيم نسي قصة العشاء. ولكم أن تقارنوا بين عفاف الرجل ونهم بعض الشعبويين حتى لم يعد يسعهم كساء. يوم كان السي عبد الرحيم وزيرا، كان المتر المربع في أرقى حي بالرباط يساوي ستة دراهم لكنه تعفف عن ذلك وعاش في منزل بسلا في ملك العائلة، ولم يمتلك منزلا إلا بعد تدخل أصدقائه وبعد الاقتراض من البنك. عندما تقرأ حديث نجاة عن رفيق عمرها السي عبد الرحيم، وهي الحكايات التي أكدها العديد من رفاقه، تشم رائحة مناضل قح لو استغل شعبيته لحقق المعجزات، لكن الرجل لم يكن يريد عوضا من الوطن. ورغم ذلك كان عبد الرحيم بوعبيد رجل دولة، كان شرسا في الدفاع عن وطنه وعن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو الذي فرض احترام الملك الراحل محمد الخامس وكان مستشاره السري في عهد الحماية، وهو الذي عارض الحسن الثاني وكان الملك الراحل يحترمه لأنه لم تكن له مطامع شخصية. والملوك يحترمون معارضيهم إذا كانوا مبدئيين ويستخفون بهم إذا كانوا مصلحيين. هذا الرجل الذي كان يعيش غير مهموم بالمال والجاه والمنزل والسيارة، وكان يأكل أي شيء حتى لو تعلق الأمر بالبيض والطماطم أو القرعة المقلية ويخالط الناس، كان رجل دولة كبير، يقف خلف تاريخ ليس بالهين، فهو من حرر الاقتصاد الوطني من التبعية للاقتصاد الفرنسي واستبدل الفرنك الفرنسي بالدرهم المغربي وأصبحت للمغرب عملته الخاصة، وهو الذي حول البنك المخزني التابع للبنك الفرنسي إلى بنك المغرب. لكنه لم يقل شيئا من ذلك ولم يفتخر به. في الضفة الأخرى، لم يؤد بنكيران ضريبة نضال، بل يعتبر حزبه من الأحزاب التي اغتنمت دون أن تدفع ثمنا لذلك. غير أن بنكيران لم يكف هو ورهطه من وزراء العدالة والتنمية عن الحركات المسرحية البهلوانية ذات المسحة الشعبوية، وسنوضح لاحقا كم عدد الوزراء والزعماء الذين عاشوا حياة عادية ومروا دون أن يحدثوا حولهم الضجيج. في ذكرى رحيل بوعبيد، كان لزاما أن نقارن بين رجل دولة شعبي ومتواضع وبين رئيس حكومة شعبوي.