بين عبد الرحيم بوعبيد و محمد بوستة مسار طويل و غني تشابك فيه الإنساني بالسياسي و انعقدت فيه روابط متينة تطورت و تعمقت عبر منعرجات طبعت التاريخ المعاصر للمغرب الذي أثرا فيه معا بقوة و بشكل مباشر ابتداء من معركة الاستقلال و مرورا ببنائه و انشقاق الاتحاد عن حزب علال الفاسي و اشتداد الصراع مع المخزن على طول عقود مشتعلة . كانت لحمة هذا المسار هي الممارسة النبيلة للفكرة السياسية و الاشتغال الصادق من أجل مستقبل البلاد ، أي مستقبل الحرية والديمقراطية . و من الصعب تقدير ما قام به الرجلان إلا من خلال استحضار وجه ثالث انتصب أمامهما عبر هذا التاريخ هو الراحل الحسن الثاني الذي وسمت العلاقة به صراعا و توافقا التطور الهام الذي عرفه المغرب في النصف الثاني من القرن العشرين بل و حتى ما أنجز في بداية القرن الواحد و العشرين . برياضه الجميل و الهادئ قرب مسجد بن يوسف التاريخي و مقبرة المرابطين و قبالة وراق القبة للفن في قلب مراكش العتيقة استقبلنا الأستاذ محمد بوستة في كامل نشاطه و حيويته و ودّه المعهود لاستحضار بعض فصول تلك العلاقة الفريدة التي جمعته بسي عبد الرحيم سواء كرفيق في النضال أو كسياسي صادق أو كرجل دولة كبير.. كيف كانت بداية تعرفكم على سي عبد الرحيم بوعبيد ؟ سي عبد الرحيم رحمه الله شخص يفتخر به المغرب لأنه رجل نضال و رجل قيادة و رجل زعامة ورجل دولة بامتياز لأنه يفهم جيدا التوقيت المناسب لاتخاذ الموقف المناسب . هذا ما لاحظته فيه منذ زمان طويل . معرفتي به أوليا كانت قبل الاستقلال بمدة كبيرة و لكن بصفة أدق عندما وصلنا إلى باريس سنة 1946 . كان سي عبد الرحيم مكلفا بالطلبة بصفة عامة و طلبة حزب الاستقلال بصفة خاصة و كنت مساعده في ذلك الوقت لأنه كان هو المكلف بتسيير كل الأمور بشكل عام وكنت مكلفا بنادي حزب الاستقلال الذي كان متواجدا بزنقة سيربانتر رقم 20 . و لكن بجانب تدبير شؤون الطلبة كان هناك أيضا العمل السياسي، وكان عبد الرحيم منذ ذلك الحين في أوج عطائه بحكم اتصالاته المهمة في مختلف الأوساط و منها الوسط الإعلامي . وما لاحظته فيه حينها هو أن اتصالاته سواء بالسياسيين أو الصحافة يحكمها مبدأ أساسي هو العمل من أجل تحرير المغرب واسترجاع استقلاله. وفي هذا الباب أذكر تمثيله لحزب الاستقلال والمغرب وكنت بجانبه في مؤتمر الشعوب المناهضة للأمبريالية والذي كان يرأسه فينير بروكوي و خلاله قام سي عبد الرحيم بعمل جد هام من الاتصالات بالوفود المشاركة في هذا المؤتمر الذي حضرته مجموعة من القادة المهمين منهم كوامين كروما و جومو كينياطا أو اسماء من هذا القبيل .وكان سي عبد الرحيم دائما في الوقت المناسب . طبعا العمل الذي قام به في فرنسا كان مثمرا و مكنه من خلال اتصالاته من التعريف بالقضية المغربية و بالمسألة الأساسية التي هي الحصول على الاستقلال . ولما عدنا إلى المغرب كان سي عبد الرحيم مديرا جريدة الاستقلال التي كانت تصدر بالفرنسية و كنت مساعده كذلك . و تطورت الأمور إلى درجة أنه في سنة 1952 لما وقعت كارثة تداعيات اغتيال فرحات حشاذ و بعد إلقاء القبض عليهم ، تعرفت مرة أخرى على سي عبد الرحيم كمناضل اعتقل فكنت أدافع عنه كمحامي أمام المحكمة العسكرية الفرنسية. وكانت مواقفه مضبوطة لا هوادة فيها أمام قاضي التحقيق رغم تهديداته له ، فكان عبد الرحيم لا يتردد في رد الأمور إلى نصابها بجرأة و بوضوح . و كان من المعتقلين إلى جانبه في هذا الملف الإخوة سي محمد اليزيدي والحاج عمر بن عبد الجليل أما المهدي فكان في المنفى. وكان عبد الرحيم من القادة الأساسيين المعتقلين الذي لا يناقشون أمام قاضي التحقيق مبدأ الاستقلال ولا العمل السياسي المندرج في هذا الباب لأنه كان بالنسبة إليه قناعة ثابتة . وزاد تعرفي أكثر على عبد الرحيم في أوقات صعبة وظروف دقيقة جدا. فقبل الحصول على الاستقلال، وفي إطار التهييء لأيكس ليبان كان وفد حزب الاستقلال يتكون من أربعة اشخاص هم محمد اليزيدي و الحاج عمر بن عبد الجليل و عبد الرحيم و المهدي . و كان عبد الرحيم ألمع الشخصيات التي تعرف عليها الفرنسيون. بالطبع كانوا يعرفونه جيدا لكن مواقفه لفتت أكثر الانتباه إليه . وهنا لابد من تثبيت نقطة أساسية هي أن عبد الرحيم لا يتهاود فيما يتعلق بمبدأ الاستقلال و تحرير المغرب . و زيادة على هذا التبات في المبدأ كان يعرف كيف يستغل الوقت و الظرف و الموقف المناسب .فكان ألمع الناس الذين شاركوا في إيكس ليبان و عمل على توضيح موقف المغرب . و في هذا الصدد تحضرني ذكرى ينبغي استحضارها اليوم تتعلق بكيفية التهييء لأيكس ليبان . ذلك أنه يوم اغتيال لوميغر دوبري الذي وقع في 19 يوينو 1955 ، كنت إلى جانبه نمثل المغرب . و كانت الاتصالات بخصوص قضية المغرب مفتوحة مع إدغار فور رئيس الحكومة الفرنسية , و حينها كانت المسألة شائكة مع بعض الفرنسيين الذين لهم نفوذ . فطلب إدغار فور من سي عبد الرحيم بصفة خاصة بإجراء لقاء مع إيمل روش الذي كان حينها مدير المجلس الاقتصادي و كان هو الشخصية الثالثة في الجمهورية الفرنسية و مترددا بخصوص القضية المغربية و أساسا فيما يتعلق برجوع السلطان . و كان اقتراح إدغار فور يرمي إلى إقناعه بموقفنا . طبعا عبد الرحيم كان يعرف جيدا ما يفعل . و كنا في طريقنا إلى العشاء مع إيميل روش عندما تلقينا مكالمة هاتفية من سي محمد اليزيدي يخبرنا فيها ببلاغ التهامي لكلاوي ، وفي الحين اتخذ عبد الرحيم موقفا واضحا و قال الآن لا داعي لنقول بعودة محمد الخامس إلى فرنسا بل لابد أن نطالب بعودته إلى المغرب. وبعد الحصول على الاستقلال الذي لعب فيه عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله دورا مهما ، ساهم كذلك في بنائه بفضل امتلاكه لنظرة عملية حول كيفية تسيير الأمور وأساليب تدبيرها فوقعت خلافات وانشقاقات في صفوف الحزب. وكان عبد الرحيم يتألم لتشتت حزب الاستقلال و تفتيت الحركة الوطنية في ذلك الوقت رغم ما قيل عنه . وسي بوبكر القادري رحمه الله الذي كان على اتصال به حينها كان يعرف أن عبدالرحيم يرى في تشتيت القوى الوطنية مسألة مأساوية . تطورت الأمور و في سنة 1963 و 1964 كان لعبد الرحيم موقفا أساسيا هو أن بناء المغرب يجب أن يكون على أساس سليم وأن الديمقراطية مسألة أساسية في هذا البناء دون أن يمس الثوابت . و لنتكلم بوضوح في هذا الباب فعبد الرحيم لم يكن يرفض النظام الملكي لأنه مترسخ في المغرب لكن كان يرغب في نظام ملكي على أساس ديمقراطي سليم يضمن مشاركة الشعب في تسيير و تدبير شؤونه ، ودائما بدون تطرف لأن عبد الرحيم كان في ما يتعلق بالمبدأ واضحا و فيما يتعلق بالأساليب الموصلة لتحقق هذا المبدأ مرنا في مواقفه. و كانت هذه هي ميزته . لذلك قلت بأنه لا يمكننا إلا نفتخر به كسياسي و كمناضل و كرجل دولة و كرجل مبدأ . جاءت مرحلة اساسية في تطور القضية الوطنية وفي مسار سي عبد الرحيم بوعبيد والمتعلقة بموقفه التاريخي من الاستفتاء حول الأراضي الصحراوية و الذي نشره في الصفحة الأولى من جريدة المحرر كيف تلقيتم رده هذا؟ استقبلناه باشمئزاز أولا . هذا الموقف حدث سنة 1981 و كنت حينها أمينا عاما لحزب الاستقلال و كنت خارج أرض الوطن لأنه بعد تقرير الاستفتاء الذي اقترحه الراحل الحسن الثاني بنيروبي تقرر تشكيل لجنة للحكماء تضم خمس شخصيات و كنت شخصيا قد تكلفت مع مجموعة من الشخصيات بمرافقة ولي العهد في جولة طويلة بإفريقيا ، و لذلك عندما أصدر عبد الرحيم رده الشهير على مقترح الاستفتاء كنت خارج المغرب و أقول هذا ليس تنصلا من المسؤولية بخصوص موقف الحزب الذي اعتبره الإخوان سلبيا من رد عبد الرحيم حيث أن حزب الاستقلال اتخذ موقفه في ذلك الوقت معتبرا ما أقدم عليه سي عبد الرحيم خطوة ليست في محلها . و لو كنت في المغرب حينها لما تركت الأمور تجري كما جرت لأنها وقعت في حالة انفعال سواء فيما يتعلق بالملك أو بعبد الرحيم الذي كان منفعلا في ذلك الوقت . لأن رد الفعل الذي أبداه عبد الرحيم كان في عمقه رد فعل رجل وطني غيور لا يرغب في حل بطيء للقضية الوطنية يتم عبر مراحل طويلة. و ذلك خلافا لموقفه سنة 1963 بخصوص موريتانيا والحدود الشرقية للمغرب. و لابد أن أذكر بقضية وقعت قبل هذه كان فيها موقف عبد الرحيم موقف رجل دولة حقيقي . لما تمت المحاولات الانقلابية في 71 و72 و 73 بدأ الحسن الثاني في التهييء للمسيرة و استدعاني أنا و عبد الرحيم بواسطة العراقي الذي كان حينها وزير الخارجية لإطلاعنا على الهدف من المسيرة و طبيعتها . ذهبنا سوية عند الملك و دخلنا مكتبا كان يضع فيه عددا من الخرائط و قال لنا سأطلعكم على سر بخصوص عملية سأقوم بها يوجد بالمغرب ثمانية أشخاص أو عشرة يعرفون طبيعتها لكن أنتما بالضبط يهمني رأيكما فيها و أريد منكما مساعدتي على إنجازها . فأدينا اليمين بين يدي الحسن الثاني . و كان موقف عبد الرحيم هو أن تحرير الصحراء أصبح مسألة ضرورية و أنه مستعد للتعاون في هذا الباب . لماذا ذكرت هذه القصة ؟ لأن عبد الرحيم كان مقتنعا بتحرير الصحراء كمبدأ و قبل من ذلك الوقت بالطريقة التي سيعمل بها الملك فيما يتعلق بالمسيرة التي كانت طريقة من الطرق التي ستعتمد . و لما بدأ تنفيذ استرجاع الصحراء و الكيفية التي ستتم بها و كذا معاكسة الجزائر للمغرب في هذا الموضوع و التي مازالت متواصلة إلى اليوم ، بدا عبد الرحيم جد قلق فقال كفى من إضاعة الوقت و يجب المرور مباشرة إلى الهدف وهو تحرير الصحراء و انتهى . هكذا أعتقد يجب أن نفسر موقفه من الاستفتاء . وفيما بعد التقى عبد الرحيم و الملك الحسن الثاني وتشارحوا بخصوص هذه النقطة و تفاهموا . ويجب أن نشير إلى أن موقف عبد الرحيم بخصوص الاستفتاء كان له أثر جد مهم لأن منه انبثقت مواقف أخرى لا فيما يهم الصحراء بصفة خاصة ولا فيما يتعلق بالتطور الذي وقع بالمغرب، و هذه مسألة أساسية كان لي الحظ و الشرف أن شاركت فيها. بالفعل وقعت أغلاط و فشلت عدة محاولات ولكن وقع تطور في التفكير حتى عند الملك الحسن الثاني بفعل المواقف التي اتخذتها الحركة الوطنية. وهنا سأذكر مسألة أساسية بالنسبة لي . نعلم أن سي علال الفاسي رحمه الله توفي برومانيا بمكتب تشاوسيسكو ببوخاريست يوم 13 ماي 1974. قبل وفاته بساعتين كنا ببيت الضيافة الذي وضعه تشاوسيسكو رهن إشارة سي علال وكنت إلى جانبه أنا وسي حفيظ القادري. استقبل شخصيات فلسطينية من ضمنهم هاني الحسن الذي مازال على قيد الحياة . وطلبوا منه أن يتوسط لدى تشاوسيسكو قصد السماح بفتح أول مكتب للفلسطينيين بأروبا وعدهم بذلك. و أثناء انتظارنا للسيارة التي ستقلنا قال لنا سي علال أوصيكم بشيئين اساسيين. الأول هو ألا تتركوا الملك لوحده مع الجماعة التي تحيط به لأنهم كوارث حقيقية فقد جعلوه يسلم في ثلاث أرباع المغرب في معاهدة إفران ومعاهدة تلمسان ، و كانوا سيقومون بكارثة أسوأ بمحاولة اغتياله ، لأنه لوتم ذلك لدخلنا في متاهات مماثلة لتلك التي وقعت في الشرق، فذلك لم يكن ثورة وإنما إجهاضا للثورة لأن الثورة الحقيقية هي الحرية والديمقراطية. وثانيا وهذا ما يهمني هنا ويهم إخواننا في الاتحاد الاشتراكي بصفة عامة هو أن العمل الوطني لن يتم بجدوى وبنتيجة إيجابية إلا باتفاقنا مع الإخوان الذين انفصلوا عن الحزب فهم الوطنيون الحقيقيون . وبمجرد تحملي للمسؤولية في الأمانة العامة لحزب الاستقلال عملت على تنفيذ هذين الوصيتين. فكان أول عمل أقوم به كما أوصى سي علال هو إنجاز مذكرة مساندة للملك في قضية الصحراء وثانيا اتصلت بعبد الرحيم و قلت له هذه وصية سي علال الفاسي . وعقدنا ندوة صحفية مشهورة في ذلك الوقت أعلنا فيها عزمنا على العمل المشترك . وكان عبد الرحيم و هذه شهادة لابد أن أدلي بها كلما أقدم على خطوة مثل هذه سواء مع الملك أو مع حزب الاستقلال الذي تربطه به روابط متينة لأنه من مؤسسيه ، كان يفكردائما في رد فعل إخوانه بالخارج . وكان من حسن حظي أن يشركني معه في اسراره المتعلقة بهذا الباب . وهذا ماجعلني فيما بعد أقوم بالاتصال بهم بالخارج و عقد اجتماع معهم ببيت امبارك بودرقة و القيام بالعمل الذي تم إنجازه . لأن اعتبار آراء الإخوان بالخارج كان مسألة أساسية لدى عبد الرحيم مهما بلغت حدة اختلافهم معه . وكانت هذه إحدى مزاياه الكبرى . كان للمذكرة المشتركة حول الإصلاحات التي تقدمت بها مع سي عبد الرحيم دورا مهما في مسلسل البناء الديمقراطي ببلادنا . ماهي التفاصيل المحيطة بهذا العمل المشترك؟ و كيف كان ترتيبه ؟ و دور عبد الرحيم فيه ؟ البداية كما قلت هي تنفيذ وصية سي علال . ثانيا عندما تحدثنا عن توحيد الصف كان لدينا سوابق في هذا الموضوع مع الأسف فشلت أو أعطت نتائج جزئية . الأولى كانت في 1963 وهو ما يجهله الكثير من الناس . ففي انتخابات هذه السنة و باقتراح مزدوج من سي علال و سي المهدي رحمهما الله شكلنا لجنة لإفراز مرشح مشترك. وكانت اللجنة تضم من جهة حزب الاستقلال وباقتراح من علال الفاسي الطاهر غلاب و عبد ربه ومن جهة الاتحاد المهدي و سي منصور . اتفقنا على أنه حتى إذا لم نتمكن من إفراز مرشح مشترك على الأقل أن نتفادى منافسة بعضنا. أعطى ذلك نتيجة لم تكن تامة و لكن تمكن الحزبان معا من حصد ما يقارب نصف مقاعد النواب رغم التزوير الفظيع الذي هيمن على عملية الانتخاب. و المهم في الأمر هو أن هذا الاتفاق و المواقف التي اتخذها الحزبان بشكل مشترك بالبرلمان و تقديمهما لملتمس الرقابة و الخطابين الشهيرين لعبد اللطيف بن جلون و الطريس كل ذلك أثمر نتيجة عظيمة بالنسبة للرأي العام . و المحاولة الثانية كانت في 1970 عند إنشاء الكتلة الوطنية التي مثلت إنجازا كبيرا حينها لأن قلق المخزن في ذلك الوقت كان متأتيا من اتفاق حزب الاستقلال مع الاتحاد الاشتراكي وهو ماكان يحارب بقوة سرا و علنا . فشلت هذه الخطوة مع الأسف لأسباب داخلية . بعدها كان عبد الرحيم دائما مستعدا للعمل المشترك بين الحزبين الذي اتفقنا على الإعلان عنه. كان ذلك في مناسبة انعقاد مؤتمر حزب الاستقلال سنة 1989 و كذا مؤتمر الاتحاد حيث اتفقنا على توحيد مواقف الحزبين و قبلها مسألة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي كان لي أنا أيضا دور في تكوينها . و كان ذلك من بين الأمور التي أثرت في التطورات اللاحقة . حضرنا مهرجانات مشتركة و انخرطنا في معارك مشتركة توجت بالمذكرة التي قدمتها أنا و عبد الرحيم، وكان دوره ودوري وكل رفاقنا أن نطلب نظاما أساسيا، وهو أن تتغير الكيفية التي يسير عليها المغرب، وكانت لدينا اتصالات مع المرحوم الحسن الثاني، ولكن عبد الرحيم دائما واضح، فهو ليس ضد النظام لكنه يريد نظاما قائما على أسس سليمة، وكانت لديه رؤية بالخصوص فيما يتعلق بالإصلاح الدستوري، بحيث يتم توضيح الدور الرئيسي لرئاسة الحكومة، وعملية تكوين الحكومة، والكيفية التي يجب أن تتشكل عليها، وأن يُعطى دور أساسي لمجلس النواب عندها كنا نتحدث عن غرفة واحدة فقط ، بأنه لا يجب أن تخضع الحكومة لإرادة الملك فقط، ولكن كذلك أن تخضع للناس الذين يمثلون الشعب، أي البرلمان، وإذا رفضوا، فطبعا للملك الحق أن يغير ويسمي وزيرا آخر، وهذا حق معطي لكل رؤساء الدول، ولكن أن تكون المراقبة و حق الفيتو رفض المجلس قضية أساسية، كان عبد الرحيم يوضح هذه الأشياء، وهذا هو ما كتب في المذكرة، أنا لم أحفظ المذكرة بالحرف ولكن ما أعرفه أن في روحها كان عبد الرحيم يسعى أن تتغير الكيفية التي يمشي عليها المخزن بالمغرب، ليس هو ضد النظام لقلبه أو شيء من هذا القبيل، لكنه يريد أن يكون نظاما سليما وقويا، معتمدا على الديمقراطية الحقيقية، كان الكثير من إخوانه يخالفونه لكنه كان يعرف طريقا واحدا يرى أنها هي الأساس، أعطت بالفعل نتائجها، كان رحمه الله يراها بشكل صوفي، لم يكن ليراها بشكل ذاتي أو لقضاء مآرب خاصة ولكن يراها لمستقبل المغرب.. أستاذ بوستة بعد انشقاق الاتحاد عن حزب الاستقلال كيف كانت علاقتك الإنسانية بينك وبين عبد الرحيم؟ أولا عبد الرحيم ليس بيني وبينه فرق كبير في السن، قد يكبرني بخمس أو ست سنوات، ولكنني كنت دائما إلى جانب عبد الرحيم في القيادة وكنت أشتغل معه، فكما قلت سلفا مع الطلبة في باريس، ثم في جريدة الاستقلال، حين كان مديرا لها، ولما تأزمت الأمور كنت أواصل الاشتغال معه في بعض القضايا. العلاقات الشخصية الذاتية دائما كانت من جانبي أن أكن له كامل الاحترام وهو يبادلني نفس الشيء، وبوضوح تام دائما. وعبد الرحيم يتميز بهذه الخصلة، حين أقول له يجب أن نعمل كذا أو أن الملك يطلب كذا، يقول رحمه الله فقط يجب أن توضح الأمور، بحيث ليست لديه أية خلفية . أنا أعتبر أن عبد الرحيم كان من القلائل في المغرب الذين لهم صوفية في عملهم، وعلاقتي الشخصية به والتي لا أخفيكم أني أفتخر بها، فقد تعرفت على الكثيرين، تعرفت على السي علال رحمه الله، على بلافريج، على السي محمد اليزيدي، السي عمر بن عبد الجليل و عبد الرحيم و المهدي لأنهم جميعهم أناس كونونا وربونا ولكن عبد الرحيم كانت لي معه علاقة أخرى ، لأنه في باريس عندما يريد أن يتصل أو يرتبط بالصحافة كنت دائما إلى جانبه كانت . انتما معا امتهنتما مهنة الدفاع أي المحاماة، كيف كان تعاونكما وكيف كنتما تسخرانها لفائدة العمل السياسي؟ كان عبد الرحيم في هذا الباب كذلك واضح تماما، كنت محاميا بجانبه في عدد من الأمور، فقد طلب مني أن أكون محاميا لسعيد بونعيلات أطال الله عمره، بل ذهبت وعبد الرحيم إلى زنزانة سعيد لمعرفة الكثير من الأمور . و كنت أيضا محاميا شخصيا لعبد الرحيم أمام المحكمة العسكرية لما ألقي عليه القبض سنة 1952 هو والسي محمد اليزيدي والحاج عمر والسي بوبكر، وقاسم وغيرهم...، تعاملنا أيضا في المحاماة فيما يتعلق بحرية الصحافة، وفيما يتعلق بالحرية النقابية، كانت معاملة عبد الرحيم رحمه الله، ليس فقط كصديق ولكن كزميل كان دائما عنصرا فاعلا في تكوين المحامين وإعطاء هذه المهنة المكانة التي تستحقها كواجهة لنصرة الحق والعدالة.. هذه العلاقة الحميمية في الكثير من المجالات مع عبد الرحيم، تنقلنا لمعرفة رد فعلكم سنة 1981 وعبد الرحيم يعتقل ويوضع تحت الإقامة الإجبارية في ميسور، كيف كان إحساسك؟ كنت عندها خارج الوطن، وعندما عدت كان للأخ عبد الحفيظ القاديري موقف في هذه القضية وحبذته اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال وهو أن نعيد العلاقة مع عبد الرحيم بوعبيد، وننهي هذه القضية، لأن من مصلحتنا جميعا ومن مصلحة المغرب أن لا تكون صراعات بين نظام هو أصلا موجود أخطأ وانفعل، وعبد الرحيم بدوره انفعل، لكن المسألة كانت تتطلب أن نعيد ربط العلاقات فيما بيننا أولا، وفيما يتعلق بالحكم بنفسه أن يكون لصالح المغرب، هذا هو رد الفعل الذي كان لدينا. عبد الرحيم بوعبيد والحسن الثاني كيف كانت علاقتهما؟ (ضحك) يمكنني أن أقول: أنه فيما يتعلق بالحسن الثاني وهذا شاهدته فيه عدة مرات كان يقدر عبد الرحيم تقديرا كبيرا، ويرى فيه إنسانا نافعا جدا بالنسبة للمغرب، وهذا ما لاحظته منذ اليوم الأول من رجوع الملك من المنفى في « سانجرمان اونلي» وعندما سيصدر بلاغ 6 نوفمبر يمكنني القول أن عبد الرحيم بوعبيد من الأوائل الذين اطلعوا عليه.. من جهة أخرى فيما يتعلق بموقف عبد الرحيم بالنسبة للملكية وبالنسبة للملك، أذكر هذه القصة التي وقعت لنا مع «إيدكارفور» الذي سألنا ماهي المؤسسات التي ستعملون على تأسيسها في بلادكم والعلاقات التي ستربطونها مع فرنسا ؟ فكان عبد الرحيم يرد عليه ويقول له: رجوع الملك، المرة الأولى هكذا، المرة الثانية هكذا، الثالثة نفس الشيء فقلق «إيدكارفور» وقال لم أكن أعتقد أنكم «فيتشتيين» أي أنكم تصنمون الأشخاص، فرد عليه عبد الرحيم بأن الأمر ليس «فيشيتزم» ولكنه قضية مبدأ ومسألة أساسية، الحماية عقدت مع ملك المغرب، وملك المغرب هو الشرعي ونحن لا نتفاوض في هذا الأمر، «الشرعية أولا» .. هذا هو موقف عبد الرحيم ألمبدئي.. فيما يتعلق بمولاي الحسن كان يقدره وفي نفس الوقت يعرف محنته في أن يتجاوب معه إخوانه في الخارج في بعض الأمور كذا وكذا.. وفي بعض الأوقات حين يفيض الأمر بعبد الرحيم يقول أشياء لا تروق للحسن الثاني، ولكن دائما يكنُّ له تقديرا خاصا.. وعبد الرحيم يقول لي وهذه شهادة لله سنكون سعداء حين تتغير الكيفية التي يسير عليها المخزن وتتحول إلى أسلوب عصري وحداثي.. نحن الآن في سنة 2011 هناك جيل جديد يؤمن بالمعلوميات، وبثقافة التكنولوجيا الحديثة، هل مازال هناك موقع للاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال من خلال مرجعية: نحن من ناضل، نحن من أدى ضريبة الاستقلال لإقناع مجتمع اليوم؟ لنتعدى فكرة المرجعية التاريخية، نحن نريد من يبني المغرب بناء قويا، ومتينا، ليس فقط اعتمادا على التاريخ ولكن على الرؤية المستقبلية هذا سؤال عميق لأن التجربة بقطع النظر على الوسائل كيفما كانت، والاتصال والروابط بين الأشخاص كانت مؤسسة على مبادئ أساسية منها الديني والسياسي ولكن في نفس الوقت كانت روابط متينة ومتينة جدا.. جاءت أزمة، ووقع الشتات الذي وقع، ورغم المحاولات التي تمت، والتجربة أعطت أنه كلما واجه حزب الاستقلال الاتحاد الاشتراكي أو واجه الاتحاد الاشتراكي حزب الاستقلال إلا ويأتي ما يسميه الفرنسيون السلاح الثالث، أي من يغتنم هذه الفرصة بمن فيهم المخزن، لما يكون هذان الحزبان في حالة خصام تكون الأمور سهلة للسلاح الثالث، ولما يتفقان تسير الأمور في الاتجاه الإيجابي بالنسبة للبلاد.. صحيح هناك صعوبات لما وقع الانفصال تم اغتيال السي عبد العزيز بن إدريس ووقعت العديد من الأمور أنا شخصيا كنت سأصبح ضحية وكذا السي محمد الدويري والسي محمد الطاهري نظرا لذلك العنف الذي كان فيما بيننا، لكن كل هذا يُنسى لما يرى الإنسان أن عملا مشتركا سيحصل، لذلك فهذا الجيل الجديد إذا لم يتواصل بالكيفية التي كانت قد ربطت البعض بالبعض آنذاك فلا يمكن أن يخطو إلى الأمام، تم لا يجب أن نسقط في الطموحات الشخصية من مثيل هذا سيصبح وزيرا والآخر نائبا والثالث لست أدري ماذا، بل يجب أن ينبني عمله على مبادئ الإصلاح، وهذه هي رؤية عبد الرحيم حيث كان له بعد نظر في هذا الاتجاه، ومازال هناك لا في الاتحاد الاشتراكي ولا في حزب الاستقلال أناس يحملون هذه الفكرة، والذين أرادوا تطبيقها، وهناك أعداؤها في داخل الحزبين معا، ولذلك أرى شخصيا أنه بالوحدة والوحدة وحدها سنحقق الإصلاحات الدستورية، وسنحرر الصحراء وغيرها وسنضع المغرب في المكانة اللائقة التي يستحقها.. الجميع يلاحظ بأن القيادات والزعامات الوطنية التي تكونت في مدرسة الحركة الوطنية كالسي امحمد بوستة، السي عبد الرحيم بوعبيد، السي علال الفاسي، السي عبد الرحمان اليوسفي، تختلف عن طينة أخرى من القيادات الجديدة التي تقود الأحزاب السياسية، السؤال م الذي ميز القيادات السابقة؟ الذين تحدثتم عنهم بنوا عملهم على أسس وقواعد خالية من الأغراض الشخصية، وخالية من التطرف، و من الدسائس، جميل أن يكون لدى الشباب تطلعا، لكن يجب أن يكون التطلع مبنيا على أسس متينة وأسس فيها الصفاء والوفاء وهذا هو الطريق السليم..