ما تزال أوروبا تواصل لعبة القط والفأر مع تركيا من خلف المكاتب المكيفة وقاعات الاجتماعات المغلقة، وفي آخر فصول هذه المسيرة للألف ميل، أكد وزير الخارجية الإسباني، ميغل أنخل موراتينوس، اليوم أن الاتحاد الأوروبي سيحافظ على وتيرة مفاوضات انضمام تركيا إلى التكتل، عقب فتح فصل جديد في عملية التفاوض. وقال موراتينوس في مؤتمر صحفي عقب انعقاد مؤتمر وزاري بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إن الدول ال27 "لا تزال ملتزمة" بالاستمرار في عملية التفاوض وانضمام تركيا، مشيرا إلى أن كلا الجانبين فتحا اليوم فصلا جديدا من المفاوضات لانضمام تركيا للتكتل، وهو الخاص بالأمن الغذائي والصحة الحيوانية. وكانت المفاوضات قد بدأت رسميا في أكتوبر 2005 لكنها شهدت منذ ذلك الحين تقلبات كثيرة، شكل أبرز ملامحها معارضة الحكومات الحالية لفرنسا وألمانيا لانضمام تركيا إلى الاتحاد. هذا وقد أقر موراتينوس بان الانتهاء بشكل تام من أربعة مراحل من المفاوضات مع بدء تولي إسبانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي كان مطروحا، لكنه أوضح أن سياسته يجب أن تتحلى بالطموح لتحقيق الأهداف بدلا من الاكتفاء بأهداف محدودة قد تفضي في النهاية إلى لا شيء. وإلى ذلك، أعرب وزير الخارجية الاسباني عن ثقته في إمكانية فتح بعض الفصول من المفاوضات مع تولي بلجيكا الخميس الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي. وفي ذات السياق، أشار وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى أن هذه الفصول من المفاوضات يمكن أن تشمل قبل نهاية العام مجالات الطاقة والتعليم والثقافة، كما أضاف أن بلاده لن تتراجع في مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي، فيما أشاد بالإصلاح الدستوري، الذي سيجري الاستفتاء عليه في تركيا قبل نهاية العام الجاري. ومن بين ال35 فصلا التي تدور حولها المفاوضات، لم يتم الانتهاء سوى من فصل واحد، وتدور المفاوضات حول 13 في الوقت الراهن، فيما قرر الاتحاد الأوروبي عدم الاستمرار في ثماني مواد أخرى بسبب الحصار التجاري المفروض على قبرص لعدم تجاوزها مشكلة انقسامها إلى جزئين يوناني وتركي. وعرقلت فرنسا الاستمرار في ست فصول بصورة ثنائية (بينها واحدة مدرجة في الثماني التي قرر الاتحاد الأوروبي عدم الاستمرار فيها) كما عرقلت قبرص اليونانية التي انضمت للاتحاد خمسة فصول. غير أن مالا يريد أحد قوله من السياسيين هو أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يلقى معارضة من قبل الاتجاهات اليمينية القومية في أوروبا، والتي تعتبر القارة "ناديا مسيحيا"، بينما غالبية السكان الأتراك مسلمو الديانة. وهذا الانغلاق الذهني لدى الأوروبيين كأننا في العصور الوسطى، يسير عكس اتجاه هذا الزمن، المطبوع بالبراغماتية الاقتصادية والسياسية. وإلا فما معنى دخول بلدان غاية في الهشاشة الاقتصادية مثل رومانيا وهنغاريا وسلوفينيا، واستبعاد قوة اقتصادية مهمة واستراتيجية مثل تركيا لأسباب "ثقافية"؟ أوروبا تحمل من عقد التاريخ ما لا يتصور تحت عباءة الحداثة والحس العملي التي تتباهى بها يوميا، ونخشى أن تكون بصدد حفر قبرها بيديها.