قبل يوم واحد فقط على القمة الأوروبية التي ستنعقد يومي الخميس والجمعة القادمين، والتي سيكون موضوع انضمام تركيا إلى نادي الاتحاد إحدى القضايا الساخنة التي ستوضع على طاولة المباحثات بين الرؤساء الأوروبيين، بدأت حالة القلق تنتاب الحكومة التركية بشأن النتائج التي يمكن أن تخرج من القمة. انقسام أوروبي حول تركيا وعشية انعقاد القمة الأوروبية التي ترى فيها حكومة رجب طيب أردوغان قمة فاصلة فيما يتعلق بالملف التركي الشائك، لا تزال المواقف داخل بلدان الاتحاد الأوروبي متباينة فيما يخص تأييد انضمام تركيا للاتحاد من عدمه. ومن المقرر أن ينظر البرلمان الأوروبي في تقرير أعده أحد النواب المحافظين الإيرلنديين حول تركيا، يتضمن بعض الشروط التي يجب على أنقرة الإيفاء بها قبل الشروع في التفاوض معها بشأن الانضمام، وعلى رأسها الاعتراف بقبرص وانتهاج سياسة متسامحة إزاء التعذيب، أو ما سماه التقرير المشار إليه بالتسامح في درجة الصفر. لكن التباينات ما تزال مستمرة في صفوف الرأي العام الأوروبي الرافض في غالبيته لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي باعتبارها بلدا إسلاميا لا يتوافق مع مسيحية الاتحاد، وبالنظر إلى الأجواء المحتقنة التي ظهرت في أوروبا إزاء الإسلام والمسلمين بعد تفجيرات 11 شتنبر .2001 ففي استطلاع للرأي أجرته هذا الأسبوع يوميةلابانغوارديا الإسبانية التي تصدر في كاتالونيا قال 58,8 بالمائة من المستجوبين الإسبان وعددهم 15553 أنه ليست هناك ضرورة لانضمام تركيا إلى النادي الأوروبي، وفي فرنساوألمانيا قال 67 في المائة من الفرنسيين و55 في المائة من الألمان أنهم يعارضون انضمام تركيا، وتنوعت دوافع الرفض إلى سببين، الأول يتعلق بوضعية حقوق الإنسان في تركيا والثاني يخص الاختلافات الدينية والثقافية بين الأتراك والأوروبيين. عقبة فرنسية قبل موعد القمة الأوروبية بدأت فرنسا في وضع عقبة صعبة أمام أنقرة، ربما قد تقود إلى دفع تركيا نحو البداية من نقطة الصفر مجددا في علاقتها الشائكة مع أوروبا منذ عدة عقود من الزمن. إذ صرح وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنييه يوم أول أمس في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد قبيل القمة أن على تركيا أن تعترف بمذابح الأرمن التي حدثت في بداية القرن العشرين، قائلا بأن هذا الاعتراف يسهل المفاوضات حول انضمام تركيا إلى النادي الأوروبي. لكن عنصر المفاجأة بالنسبة للحكومة التركية التي ترفض الاعتراف بمسؤوليتها في مذبحة الأرمن وتعتبر ذلك خطا أحمر، يتمثل في أن فرنسا لم تكن تربط في الماضي بين انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وبين الموضوع الأرمني، لأن هذه القضية لم ترد في قائمة المعايير والشروط التي وضعتها القمة الأوروبية التي انعقدت قبل عامين في كوبنهاغن وأطلق عليهاشروط كوبنهاغن، وتتكرز حول قضايا حقوق الإنسان وحرية الأديان والقضية القبرصية. وقد أعلن بارنييه أن الاعتراف بمذبحة الأرمنشرط لا يمكن تخطيه وأنهلا يمكن بناء السلام والمصالحة على حساب ذاكرة شعب عريق ممتد في التاريخ بثلاثة آلاف سنة، في إشارة إلى الأرمن. ويقود نواب فرنسيون ونمساويون منذ فترة حملة ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ويضغطون على اللجنة الأوروبية من أجل طريق ثالث يكون بديلاً عن منح تركيا العضوية الكاملة، وهو ما ترفضه تركيا وتطالب بعضوية كاملة. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد صرح أول أمس الإثنين أن رفض انضمام تركيا سيؤكد كون الاتحاد الأوروبي ناديًا مسيحيًا، مضيفا بأن اتحادًا أوروبيًا لا مكان فيه لتركيا، التي يشكل المسلمون 90 في المائة من مواطنيها، سيكون مجرد تجسيد لكون الاتحاد الأوروبي ناديًا مسيحيًا، برغم تكرارهم أننا لسنا ناديًا مسيحيًا. ويذكر أن الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان الذي كان رئيس اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور الأوروبي الموحد كان قد صرح عام 2001 بأن تركيا ليست دولة أوروبية وأن جزءا كبيرا من أراضيها يقع في آسيا لا أوروبا، مشيرا إلى أن الحجم السكاني لمسلمي تركيا من شأنه أن يجعلها مستقبلا أكبر دولة عضو في الاتحاد بعد ألمانيا من حيث عدد السكان، ما يشكل بالنسبة إليه خطرا على الهوية المسيحية للاتحاد الأوروبي. وبحسب المراقبين فإن القمة الأوروبية التي ستعقد يومي الخميس والجمعة القادمين سوف تكون تاريخية فيما يخص الملف التركي، سواء لجهة القبول أو الرفض أو وضع المزيد من الشروط والتأجيل، كما حدث عشرات المرات في الماضي، وتعول أنقرة على دعم الاشتراكيين وأحزاب الخضر والمحافظين والليبراليين الذين يشكلون الأغلبية، بينما تظل المعارضة مركزة في اليمين الأوروبي المتطرف والمحافظين المسيحيين. إدريس الكنبوري