على أنغام التواشيح الأندلسية، أدى الحاخام اليهودي المغربي "حاييم لوك" والفنان المغربي "عبد الرحيم الصويري" مقطوعات مأثورة من فن "المطروز" الأندلسي الذي تنظم أشعاره باللغة العربية والعبرية في آن معا، في مزيج شعري وموسيقي فريد، يجمع بين الثقافة الإسلامية ونظيرتها العبرانية، يؤرخ لقرون من التعايش السلمي بين اليهود والمسلمين في الحواضر العربية. وعلى إيقاعات هذا العرض الموسيقي المميز مساء أمس، أسدل الستار على فعاليات الدورة الحادية عشر لمهرجان الأندلسيات الأطلسية المقام بمدينة الصويرة (جنوب) الذي بدأ الخميس الماضي، ويحتفي بالتراث الأندلسي والغناء اليهودي، والموسيقى المغربية الشعبية، والموسيقى القشتالية القديمة. ويُعد فن المطروز، أحد الفنون الموسيقية العريقة التي جمعت التراث العربي المسلم، بقرينه اليهودي العبراني من خلال قصائد مغناة على ألحان الطرب الغرناطي الذي ذاع صيته في بلاد الأندلس، مؤرخا لحقبة مميزة اندمجت فيها الثقافتان اليهودية والمسلمة وامتزجت روافدها الأدبية والموسيقية، حيث يؤلف الشطر الأول لأشعار أغان "فن المطروز" باللغة العربية فيما ينظم شطرها الثاني باللغة العبرية، وتؤديها الفرق الموسيقية على ذات الإيقاعات والألحان الأندلسية الغرناطية. وأنشد المُغنيان أغان وقصائد عربية وأخرى عبرية، مرفوقين بعزف فرقة "العربي التلمساني" للطرب الأندلسية القادمة من مدينة تطوان (أقصى شمال المغرب)، كما أديا ابتهالات دينية على إيقاعات ألحان الطرب الأندلسي، في استعادة لأجواء صوفية روحانية. وتنتشر في المعابد اليهودية حلقات ما يعرف ب "البيوط"، وهي شبيهة بالأمداح وفنون السماع المعروفة في الزوايا الصوفية عند المسلمين، حيث ترتبط أناشيد "البيوط" لدى الطائفة اليهودية بالشعائر الدينية، وبإحيائها لليالي ما يُعرف ب"الباقاشوت" أو ليالي السبت المقدسة في الديانة اليهودية. وفي عرض يحيل على الأصول الأمازيغية المغربية لعدد واسع من اليهود المغاربة، أدت "نيتا الكيام" المغنية اليهودية من أصول أمازيغية مغربية، أغان شعبية مغربية، وأخرى من التراث اليهودي الأندلسي، بصوت صدوح يستعيد في ذات الآن الأهازيج الشعبية المغربية القديمة، ممزوجة بالتراث الغنائي اليهودي الذي راكمته الطائفة اليهودية بالمغرب منذ استقرارها في المغرب قبل قرون. وكانت مدينة الصويرة، التي تحتضن سنويا هذ المهرجان الموسيقي، طوال قرون مركز نشاط تجاري مهم على ضفاف الأطلسي، ما جعلها مُستقرا للتُجار اليهود، ساهم ذلك في تشكيل طائفة يهودية واسعة في هذه المدينة، واستقر بها الآلاف منهم قبل هجرة معظمهم إلى بلدان أخرى منذ أربعينيات القرن الماضي. وشارك في فعاليات هذه الدورة عدد من الفنانين المغاربة، المسلمين واليهود، لإحياء تراث غنائي وموسيقي مشترك، أسهم لمئات السنين في صياغة هوية، توحد مختلف الطوائف الدينية في المغرب، وتستعيد تفاصيل تجربة التعايش الديني في بلاد الأندلس، الموطن الأصلي لهذا الصنف من الطرب. واحتفى مهرجان "الأندلسيات الأطلسية"، خلال دورته الحالية، أيضا، بلوحة الفنان التشكيلي الفرنسي الشهير"دولاكروا"، والتي تحمل اسم "اليهود الموسيقيون لموكادور"، وهي لوحة فنية قديمة تعود إلى القرن التاسع عشر، وتشخص رسما لفرقة موسيقية من مدينة الصويرة، مبرزة التميز الذي كانت يشتهر به جوق هذه مدينة، وقد ضم في عُضويته مُوسيقيين وفنانين يهودا ومسلمين. وتعود أصول انتشار الغناء اليهودي في المغرب، وباقي بلدان الشمال الأفريقي، كالجزائر وتونس، إلى حملات التهجير التي تعرض لها اليهود والمسلمين من أرض الأندلس، بعد سقوط الحكم الإسلامي بها، حيث أقامت جالية من اليهود الأندلسيين في المغرب، حاملة معها تألقا يهوديا متميزا في التأليف والغناء الموسيقي، ظهر بداية في فنون ذات أصول أندلسية، لتسهم بعدها نخبة من الفنانين اليهود أيضا في تقديم إضافة نوعية للسجل الموسيقي المغربي. ويبلغ عدد اليهود في المغرب ثلاثة آلاف (من أصل حوالي 34 مليون نسمة)، بعد أن كان عددهم يقدّر ب 300 ألف في أربعينيات القرن الماضي. ويفسّر تراجع أعدادهم بسبب الهجرة إلى إسرائيل وباقي دول العالم خاصة أوروبا وأمريكا الشمالية. وينص الدستور المغربي على أن "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية".