فن المطروز وأشعاره المنسوجة جزء من الذاكرة الثقافية المغاربية بحفل متميز أطفأ مهرجان الأندلسيات الأطلسية بالصويرة شمعته السابعة بعد أن عرف مشاركة فرق موسيقية مرموقة وعازفين منفردين أثبتوا كفاءتهم في صنائع فنون الآلة والمطروز وتألقوا على خشبة منصة باب المنزه وبهو دار الصويري. ويتعلق الأمر على الخصوص بجوق المرحوم عبد الكريم الرايس من فاس برئاسة الفنان محمد بريول وضيوفه من كورال دافيد هفرات هاميليك من ستراسبورغ, إلى جانب قائد المرتلين-المطرب حاييم لوك. وفي وقت سابق, احتفت حاضرة موكادور بالمتوجين خلال حفل توزيع جوائز عن «المحافظة على فن المطروز وأشعاره المنسوجة المهداة واستمراريته», لكل المبدعين الذين يتمتعون بالموهبة والكفاءة والشجاعة للحفاظ على استمرارية هذا الإرث الثقافي المشترك. ومن بين الأسماء التي احتفت بها الصويرة, في إطار مهرجان أندلسياتها الأطلسية, الفنان محمد بريول وعبد الرحيم الصويري وقائد المرتلين-المطرب حاييم لوك وفرانسواز أطلان وريموند البيضاوية وجوزيف شطريت وموريس مديوني ومحمد المدلاوي. وقد احتفى مهرجان أندلسيات الصويرة الأطلسية, الذي نظمته جمعية الصويرة موكادور بتعاون مع مؤسسة الثقافات الثلاث بإشبيلية هذه السنة بالموسيقى الأندلسية والمطروز اليهودي العربي والمغربي الإسباني والفلامنكو والملحون. هكذا عاشت ردهات دار الصويري بحاضرة موكادور , مساء السبت الماضي , على إيقاع حفل فني متميز أحيته الفنانة ريموند البيضاوية, لتختتم الدورة السابعة من مهرجان الأندلسيات الأطلسية بمقاطع من ريبرتواري الشعبي والملحون المغربي. فقد تجاوب جمهور المهرجان بعفوية مع أغان مغربية شعبية راسخة في الذاكرة, أدتها ببراعة الفنانة المغربية ريموند, مرفوقة بالفرقة الموسيقية لمصطفى الركراكي, التي غنت فأطربت الأسماع, وتفاعلت مع الجمهور فأمتعت الحضور. وتعد الفنانة ريموند البيضاوية, إحدى أبرز الأسماء الفنية المغربية التي برعت في ألوان موسيقية متعددة, سواء من الريبرتوار الشعبي أو فن الملحون, إضافة إلى الموسيقى اليهودية المغربية إجمالا. وشارك الفنان عبد الرحيم الصويري في هذا الحفل الموسيقي, الذي تميز بقوة الحضور في أدائه لمختارات من التراث الشعبي المغربي وأيضا من طرب الملحون, فضلا عن أغان خالدة لذكرى المسيرة الخضراء, ألهبت حماس الجمهور الحاضر الذي تجاوب معها بحرارة. ومن جهة أخرى اعتبر المشاركون في الدورة السابعة لمنتدى الصويرة والأندلسيات الأطلسية, بالصويرة, أن التراث اليهودي المغربي يشكل جزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية والذاكرة الجماعية بحوض البحر الأبيض المتوسط. من بينهم المفكر والباحث الفرنسي إدغار موران الذي اعتبر، أن المهرجان يشكل فضاء من أجل الالتقاء والتواصل بفضل الموسيقى التي تعد وسيلة لتفسير التراجيديا التاريخية. كما أشار إلى أن المهرجان, الذي يعد أرضية محورية لتبادل الأفكار والإبداع الثقافي تحظى بمكانة متميزة على المستويين الوطني والدولي, يتميز بكونه أيضا مكانا لاكتشاف ثقافات أخرى. وأضاف المفكر الفرنسي أن التلاقح الثقافي يشجع الانفتاح, مما يحتم تشجيع التنوع الثقافي عبر التواصل, مسجلا أن التراث الأندلسي الذي يمتح منه مهرجان الأندلسيات الأطلسية روحه, يعد بوتقة حافلة بغنى ثقافي وإبداعي كبير. ويعد السوسيولوجي الفرنسي إدغار موران أحد أبرز وأهم المفكرين الذين اهتموا بالتواصل ودوره في إثراء التنوع الثقافي للشعوب أما إدريس اليزمي, رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج, فقد أبرز خلال هذا اللقاء الذي قام بتسييره أندري أزولاي, الرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور وحضره على الخصوص أحمد اخشيشن وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي, إسهام الموسيقى الأندلسية واليهودية في تشكيل الثقافة الوطنية, مضيفا أنها تساهم في انفتاح الساحة الثقافية المغربية. كما تم خلال هذا المنتدى عرض شريط وثائقي حول «صدى أصوات الملاح بتنغير» للباحث كمال هشكار, الذي أبرز أن الشريط يروي التاريخ المشترك والتعايش الذي كان قائما بين اليهود والأمازيغ بمنطقة الأطلس, ويشهد على إسهام الثقافة العبرية في الهوية المغربية. وأضاف هشكار أن «الشريط الوثائقي الذي أنجزه يحتفي بتاريخ قرية تنغير ويحاول أن يجمع أجزاء من الذاكرة المشتركة بين اليهود والأمازيغ», مسجلا الحاجة إلى الحفاظ على التراث اليهودي المغربي باعتباره ضرورة سياسية وتربوية وثقافية ملحة بالنسبة للأجيال المقبلة. البرنامج الفني في جلسة حميمية ببهو دار الصويري, تذكر بأيام (النزاهة) التي اعتاد عليها المغاربة قديما, قدم الفنان والموسيقي المغربي جوزيف شطريت, أجمل أغاني فن المطروز الصويري, مرفوقة بتوضيحات أكد من خلالها ترسخ هذا الفن في التراث المغربي. فخلال لقاء فني فريد حول فن المطروز, أدى الفنان جوزيف شطريت ومجموعة من عازفي ومغني هذا اللون الطربي ريبرتوارا من الأغاني التي تحكي التاريخ وتسرد أجمل قصص الحياة البسيطة بالصويرة في القديم, وذلك في إطار مهرجان الأندلسيات الأطلسية التي تحتضنه موكادور. يتموقع فن المطروز, أو التطريز المشبك للغات, في مفترق الطرق بين ما هو ديني وما هو دنيوي, مما جعل هذا اللون الغنائي يستوحي أشعاره وأنغامه من تقاليد الشعر اليهودي العربي وينهل من نبع الحضارة الأندلسية المتعددة المشارب بروافدها العبرية والإسلامية والمسيحية. داخل فن المطروز, تمتزج الأنغام العربية والعبرية بالموسيقى اليهودية الإسبانية والموسيقى اليهودية العربية والمغاربية الأندلسية, إلى جانب الموسيقى الشرقية وموسيقى العصر الوسيط, لتشكل معزوفة موسيقية تجمع بين أبعاد مسرحية وشعرية وأدبية تمتد جذورها وتترسخ بشكل واضح في أعماق التراث المغاربي. هذا اللقاء الفني المتميز, الذي جمع بين أجمل (القصايد) وتوضيحات قدمها الفنان شطريت, شكل فرصة نادرة لتقديم المطروز بصورة مختلفة, جمعت في سهولة ممتنعة بين الإمتاع والتثقيف. ينحدر الفنان جوزيف شطريت, وهو أستاذ مادة اللسانيات, من تارودانت, وتتطرق أبحاثه على الخصوص إلى الثقافة الشعبية اليهودية بشمال إفريقيا, ويتشكل ريبرتوار مجموعة (تسفون ماراف), التي يرأسها شطريت, انطلاقا من اكتشاف ودراسة مقطوعات موسيقية أندلسية في صيغتها المغربية وفقا لتقاليد طرب الآلة. و بعذوبة صوت ساحرة, شدَت الفنانة فرانسواز أطلان بصنائع من نوبات مطروز, مزجت ببراعة بين العربية والعبرية والإسبانية, برفقة الفرقة الموسيقية «المرحوم عبد الكريم الرايس», وأمتعت بجمالية الحضور وروعة الأداء. فقد تألقت فرانسواز, الفنانة الفرنسية ذات الأصول المغاربية اليهودية, مساء أمس الجمعة على خشبة باب المنزه, وشدَّت بجمالية إنشادها جمهور مهرجان الأندلسيات الأطلسية الذي صفق بحرارة للإبداع المتميز الذي نضحت به مقاطع المطروز, ذلك الفن القائم على براعة الكلمات المحبوكة, في تماه مستوحى من غدير الفن الأندلسي متعدد المشارب. أصول الفنانة المتعددة كان لها حضور بيِّن في أدائها الفني المتميز, فقد جمعت المقاطع التي تمتح من ريبرتوار المطروز المغربي اليهودي الإسباني في تناسق كبير بين, لتنسج خيطا وثيقا لا تنفصل أوتاره. وقد استضافت فرانسواز المطرب عبد الرحيم عبد المومن, أحد الأصوات الشابة والمتميزة في عالم الموسيقى الأندلسية بالمغرب, ليؤدي الفنانان دويتو غنائيا توحدت فقراته, لتذكر بالأصول المشتركة للطرب الأندلسي. وتعد الفنانة فرانسواز أطلان أحد الأصوات القوية التي تميزت في أداء أغاني التراث العربي اليهودي الأندلسي, وتتم استضافتها في عدد من المنصات الموسيقية العالمية خاصة في كارنيجي هول بنيويورك, والمهرجان الدولي لمكسيكو ومهرجان الموسيقى الروحية بفاس. فبفضل ثقافتها المزدوجة وقوة صوتها وأسلوبها المميز في الأداء, استطاعت الفنانة المتخصصة في دراسة العلوم الموسيقية, أن تمتح من أصولها المغاربية اليهودية من تراث صوتي موسيقي متوسطي, وتمكنت من الحصول على عدد من الجوائز ذات الصيت العالمي بعدد من العواصم. يذكر أن برنامج مهرجان الأندلسيات الأطلسية يستضيف هذه الدورة عددا من الفنانين الذين برعوا في أداء ريبرتوار الكلمات المنسوجة والأشعار المحبوكة, التي تزين فن المطروز العربي اليهودي الإسباني. يذكر أن المنتدى يندرج في إطار برنامج مهرجان الأندلسيات الأطلسية, الذي تنظمه جمعية الصويرة موكادور بتعاون مع مؤسسة الثقافات الثلاث بإشبيلية, ويستضيف ثلة من المفكرين والمثقفين وشخصيات سياسية.