اختارت الدورة التاسعة لمهرجان الأندلسيات الأطلسية بالصويرة، الذي اختتم منتصف ليلة أول أمس السبت، الاحتفاء بالموسيقى الراقية المعروفة بفن المطروز، وهو تراث مغاربي يهودي، تألقت في أدائه العديد من الأصوات الغنائية من المغرب والجزائر وتونس. شكل المهرجان، الذي نظمته جمعية الصويرة موغادور، بشراكة مع مؤسسة الثقافات الثلاث، موعدا متميزا لاستحضار التراث الموسيقي المغاربي اليهودي، ووقفة لرد الاعتبار لرجالاته ورموزه من مسلمين ويهود، كما شكل مناسبة للعديد من الفنانين المغاربة ونظرائهم من الجزائر وإسبانيا للغناء والانتشاء بالموسيقى التاريخية في أجواء حميمية وراقية. تميز حفل الافتتاح الرسمي للمهرجان، مساء الخميس الماضي، بفضاء دار الصويري، بكلمات أكدت خلالها كل من المديرة الفنية للمهرجان، فرانسواز أطلان، والمديرة العامة لمؤسسة الثقافات الثلاث، ألبيرا سانت خيرونس هيريرا، أن المهرجان يعتبر حدثا فنيا وثقافيا رائدا، يروم إبراز الموروث الثقافي العربي-الأندلسي-الإسلامي-اليهودي، وتظاهرة رائدة لإشاعة قيم المحبة والتعايش والتسامح والحوار بين المنتمين لمختلف الأديان السماوية. كما أبرزت أن دورة هذه السنة اختارت الاحتفاء بالنساء المغاربيات والمتوسطيات، وتكريم عطائهن الفني وحفاظهن على التراث وإيصاله لجيل الشباب. وتميز الحفل بسهرة فنية أحيى جزءها الأول جوق إخلاص من تطوان، برئاسة الفنانة وفاء العسري، بأغان من ريبرتوار الفنان الراحل عبد الصادق شقارة، تكريما لهذا المبدع المتميز، كما استمتع الحاضرون بشذرات من طرب الآلة، أداها عبد الفتاح بنيس، الذي يسير على خطى أستاذه الراحل عبد الكريم الرايس. وفي اليوم الموالي، عرفت دار الصويري تنظيم سهرة فنية تعد من أقوى لحظات المهرجان، أحيتها الفنانة الجزائرية بهيجة رحال، رفقة الفرقة الموسيقية لأمين دبي، إلى جانب الفنانتين فرانسواز أطلان، ذات الأصول المغاربية اليهودية والمتخصصة في العلوم الموسيقية، والفنانة المغربية بهاء الروندا، ذات الاسم الوازن في سماء التراث الأندلسي الموسيقي، في أداء مشترك لأغان شهيرة من التراث الأندلسي، تفاعل معها الحاضرون. وشكلت السهرة فرصة استمتع فيها الجمهور العريض، الذي غص به فضاء دار الصويري، بلقاء موسيقي ثنائي، جمع بين "دويو" الإشبيلي و"الطرب" التطواني، رفقة جوق شقارة، برئاسة جلال شقارة وشباب فلامنكو، في لقاء فريد ومميز بأصالة الأندلس. وكان لعشاق الطرب الفلسطيني الأصيل موعد مع خمسة فنانين شباب من أكاديمية القدس للموسيقى في بيت حنينا، شرق محافظة القدس، بقيادة ماهر خليل ديبا، الذي أتحف الجمهور بصوته الشجي والدافئ بأغان حميمية، وقصائد مؤثرة من التراث الفلسطيني، من توقيع الشاعر الراحل محمود درويش، وبأدائه الرائع والمتقن لمجموعة من الأغاني لفنانين مغاربة مرموقين، نالت الإعجاب والاستحسان. وتعتبر هذه المشاركة ثاني لقاء لفناني الأكاديمية مع عشاق مهرجان الأندلسيات الأطلسية بالصويرة بعد مشاركة السنة الماضية، وهي ثاني مشاركة تتاح للأكاديمية خارج القدس والأراضي المحتلة. وتعمل الأكاديمية، التي تأسست سنة 2008، من خلال مشاركتها في التظاهرات الثقافية والفنية بفلسطين وخارجها على نشر ثقافة التعايش والسلام بين الشعوب، عبر الموسيقى وفق توجيهات رئيس الأكاديمية الفلسطيني محمود الرفاعي، الذي يكن محبة خاصة وعميقة لوطنه الثاني المغرب. كما التقى جمهور الأندلسيات الأطلسية مع الفنان أحمد فقير في أمسية تكريمية للفنانين الراحلين سامي المغربي، والشيخ مويزو، وزهرة الفاسية، أدى خلالها مقطوعات من الطرب الغرناطي الوجدي، حلقت بخيال الحاضرين في عوالم من الكلمة الموزونة واللحن الجميل والأداء الراقي. واختتم المهرجان في يومه الثالث بتنظيم سهرات متفرقة بدار الصويري مع جوق نساء فاس، برئاسة إكرام الإدريسي، في أداء لمقامات الآلة والملحون الشعبي، تكريما لسليم الهلالي، ومع الراقصة فاليريا صورا، التي رقصت على نغمات الفلامينكو الإسباني، في تجانس وتناغم مع العازفين والمطربين. وفي لحظة تعايش وحميمية فنية، قدم جوق جلال شقارة وشباب الفلامينكو مقامات مطروز الأندلسيات المتعددة، كما ألهب الفنان محمد بنعمر الزياني حماس ومشاعر الحاضرين بأدائه الراقي للمطروز اليهودي العربي في أسلوبه "الشكوري". يذكر أن مجموعات فنية محلية ساهمت بدورها في إثراء برنامج المهرجان، ويتعلق الأمر بمجموعة زايدة كينيا، وجمعية الأنوار المحمدية، التي أحيت تكريم المنشد عبد المجيد الصويري، وجمعية الملحون بالصويرة، وقنطرة الفنون بموغادور، ومدرسة نساء الزاوية الدرقاوية بالصويرة في فن الملحون والسماع. وعلى هامش فعاليات الدورة، احتضنت دار الصويري ندوتين حول "سبل الارتقاء بدور الثقافة في التقريب بين الشعوب وتحقيق التنمية"، بمشاركة مفكرين ومهتمين من المغرب والخارج، كما نظم معرض تشكيلي ببرج باب مراكش الأثري، تحت عنوان "عودة أبي الحاكي" تكريما لروح الأديب والناقد الفني إدمون عمران المالح، دفين مدينة الصويرة، من خلال مجموعة من اللوحات الفنية والصور الفوتوغرافية، التي أنجزها ثلاثة فنانين مغاربة، كانت تجمعهم بالراحل علاقات أخوة وصداقة. وعرف المهرجان حضور أندري أزولاي، مستشار جلالة الملك، الرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موغادور، وعبد الوهاب الجابري، عامل إقليمالصويرة، وسيرج بيرديكو، رئيس الطائفة اليهودية بالمغرب، وسفراء كل من صربيا والصين ورومانيا والجزائر، ووزراء مغاربة سابقون، ورجال ونساء الفكر والثقافة والأعمال من داخل وخارج المغرب.