يذكر سكان مدينة "الأتارب" في ريف حلب الشمالي، مشهد ابنه قريتهم "سمر صالح" تستجديهم، بينما يجَرّها ملثمون من شعرها أمام مرأى والدتها ووسط ذهول الجميع وخوفهم. وضعوها يومها برفقة خطيبها "محمد العمر" في سيارة تتبع ل"داعش"، واقتادوهما إلى مصير مجهول تحت تهديد السلاح. كان العاشقان، محمد وسمر، يقومان حينها بتصوير ضحكات الأطفال في المدينة المهدّمة بقصف النظام، ولم يخطر ببالهما شبح الاعتقال أو الاختطاف، فقد خرجا أخيراً من مناطق سيطرة النظام بعد أن لاحقتهما وسجنتهما قوات الأمن السوري مراراً بسبب نشاطاتهما في الثورة السورية، يكاد جميع ثوّار مدينة "حلب" يعرفون "سمر" التي كانت من أوائل من عملوا بإغاثة اللاجئين والمصابين حينما كان حُكم ذلك القتل أو الاعتقال في أحسن الأحوال بعرف قوات النظام، ولا يغيب اسم "محمد العمر" كثائر سلمي وإعلامي منذ بداية الثورة. مرّ اليوم عامٌ بالتمام على اختطاف العاشقين، تقول والدة سمر إنّ الخبر الوحيد الذي أتاها عن ابنتها من أحدهم، أنهم يوم اختطفوها حلقوا لها شعرها كاملاً وضربوها، ويكتب والد سمر في صفحته على "فيسبوك" في ذكرى مرور عام على اختفاء ابنته، يسألها: "ماذا تفعلين يا حبيبتي الآن وهل تعذبين أو تضربين .. أو ..!!"، ثم يسترسل موجهاً حديثه ل"داعش": "أهذه هي خلافتكم ومعتقداتكم؟ هل سبق لخليفة من الخلفاء أن فعل ذلك؟ اختطف الحرائر من الفتيات وحرمهن من كل شيء ولو باتصالٍ واحد بأهاليهن!؟" أخت عند النظام.. وأخرى عند داعش لم تعرف "ميسا" شقيقة سمر بخبر اختطاف أختها إلا بعد شهور طويلة، ففي مفارقة تبدو مؤلمة حدّ الغرابة، كانت "ميسا" مغيّبة عن العالم في سجون النظام في الوقت الذي أودعت فيه سمر في سجون "داعش"، وما كانت لتعرف بالأمر حتى اليوم لولا أن النظام أطلق سراحها في مبادلةٍ مع الجيش الحر على الأسرى اللبنانيين الذين اختطفوا في "أعزاز". تظهر "ميسا" في صورة التقطتها "هيومن رايتس ووتش" تناشد العالم - بلافتة ترفعها - للتدخل من أجل إطلاق سراح أختها، فالعالم الذي استطاع إعادة البسمة لأهالي الصحافيين الإسبانيين - بعد أن أطلق سراحهما من سجون داعش - يستطيع إن أراد حقاً أن يعيد البسمة لذوي سمر، بحسب ما تقول اللافتة، وتستدرك ميسا ل"العربية.نت" مع ذكرى مرور عامٍ: "ربما لا يهتم خاطفوها بالمعاني الإنسانية ولا القانونية، ولا يعنيهم الاستجداء العاطفي، ولا يقنعهم أننا وبشرعِ الدين يحق لنا معرفة إن كانت سمر على قيد الحياة أم لا".
جنازاتٌ رمزية تختزل الألم بعيداً عن قصة محمد وسمر، كنتُ حاضراً قبل أربعة شهور أثناء جدالٍ محتدمٍ في أحد أزقة حي "بستان القصر" في حلب، أصرّت يومها والدة الناشط "أبو مريم"، أحد رموز الثورة في حلب وقائد مظاهرات الحي والذي اختطفه داعش منذ أكثر من عام، أن تقيم جنازة لولدها، مؤكدة أن داعش قد أعدمته - بتهمة العلمانية- بحسب ما أخبروها حينما ذهبت تستجديهم لإخراجه، وأصرّ معارضوها من الثوار أنّ "أبو مريم" لم يمت ولا يجوز إقامة جنازة من أجله، وحجتهم أن عناصر داعش لم يسبق لهم أن أفصحوا عن مصير مختطفٍ في سجونهم. لم يهدأ بال الأم حتى أقامت جنازة رمزية لولدها ونظمت مظاهرةً تحتفي باستشهاده، الأمر قضي بالنسبة لها، لم يعد بإمكانها بعد أن طرقت كل الأبواب بحثاً عن ولدها أن تحتمل انتظاره أكثر، أو أن تتخيل مشاهد التعذيب التي يتعرّض لها، يريحها أكثر أن تقتنع أنه مات. هناك اليوم مئات الثوار السلميين المختفين في سجون داعش، ومئات الجنازات الرمزية في قلوب أهلهم وذويهم على الأقل، وهناك أيضاً آمال وأحلام في انتظار سمر ومحمد وغيرهم من المختفين في سجون داعش.