طبْقًا لمقتضيات المادّة العاشرة من القانون التنظيمي المتعلِّق بإحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يتضمّن التقرير السنوي للمجلس برسم سنة 2013 تحليلا للوضعية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لبلادنا، مع عرْض لأنشطة ومنجزات المجلس خلال السنة نفسها. هذا، وإنّ أهمّ ما ميَّز أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال سنة 2013 إعدادُ التقرير المتعلق بالنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة، الذي رُفع إلى النظر السامي لجلالة الملك محمد السادس، وذلك وفق مقاربة تشاركيّة مع القوى الحيّة في هذه الأقاليم، واستجابة لانتظارات ساكنتها. وإنَّه لشرف عظيم حظيَ به أعضاء المجلس لإعداد هذا التقرير حول هذا النموذج التنموي الجديد الذي رسمتْ جلالة الملك معالمَه الكبرى، وكان، في الخطاب الملكي السامي بمناسبة تخليد الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء، في 6 نونبر 2013، مناسبة للإعلان عن مضامينه ورافعاته الأساسية، حيث أكد جلالة الملك أنه: «حرصا منا على ضمان شروط النجاح لهذا النموذج الطموح، القائم على الإبداع وروح التشارك، فإنه سيتم تزويده بآليات ناجعة للحكامة المسؤولة، فضلا عن كونه يندرج في إطار الجهوية المتقدمة، التي تخول اختصاصات واسعة للمجالس المنتخبة. ويظل هدفنا الأسمى، جعل أقاليمنا الجنوبية فضاء للتنمية المندمجة، والعيش الكريم لأبنائها، وتعزيز بعدها الجيو-استراتيجي، كقُطب جهوي للربْط والمبادلات بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء.» الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية أنجز المجلس تحليلا للتطورات الأساسية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهو تحليل يعبّر عن لقدْ أنجز المجلسُ تحليلا للتطوّرات الأساسية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهو تحليل يُعبّر عن وجْهة نظر المجتمع المدنيّ المنظَّم والغنيّ بتعدّد الحساسيات والتجارب السوسيو- مهنية لأعضاء المجلس. واستناداً إلى هذا التحليل، يقترح المجلس مجموعةً من التوْصيات في إطار مُقاربة مندمجة وتشاركيّة ومستدامة، مع الترْكيز على بعض نقاط اليقظة. الوضعية الاقتصادية فعلى الصعيد الاقتصادي، تنعم بلادنا، في سياق جهويّ ودوليّ تطبعُه عدّة توترات سياسية واجتماعية، فضلا عن الاستقرار السياسي، بقاعدة من الإصلاحات الكبرى، وكذا بمشروع مجتمعيّ يرتضيه المواطنون، ويحْظى بدعم مجموع القوى الحيّة في بلادنا. في هذا الإطار، واصل الاقتصاد الوطني، خلال سنة 2013، المُضيَّ في نفس وتيرة النمو المسجَّلة في العشرية الأخيرة. حيث ارتفعت نسبة النمو في سنة 2013 لتصل إلى 4،4 بالمائة، مقابل 2،7 بالمائة سنة 2012، وذلك أساساً بفضل ارتفاع القيمة الفلاحية المُضافة لتبلغ نسبة 19 بالمائة (بعد أنْ انخفضت سنة 2012 بنسبة 9 بالمائة)، عزّزته سنة جيدة من التساقطات المطرية. وفي المقابل، شهد الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي تراجُعا ملْحوظا سنة 2013، إذ بلغ معدل نموه 2 بالمائة، عوض 4،3 بالمائة سنة 2012. وهي إحدى أضعف النسب المسجلة منذ سنة 2000. ومردُّ هذا التراجع إلى انخفاض ملحوظٍ في أداء محرِّكات النموّ الأساسية في بلادنا، وذلك بسبب الأزمة التي تعرفها أهم البلدان الشريكة للمغرب، وخاصة في منطقة الأورو، إضافة إلى تباطؤ الطلب الداخلي، الذي يرتبط أساسا بنوْعٍ منَ الانتظارية في أوساط الفاعلين الاقتصاديين في مجال الاستثمار، الناجم عن عدم وضوحِ الرؤية فيما يخص أجنْدة الإصلاحات الهيكليَّة وتشديد شروط التمويل. وقد تأثرت الصّناعات التحويلية بشكل خاص سلبا بهذه الوضعية. ومع ذلك، فبفضل الاستراتيجيات القطاعية المعتمَدة، برزت قطاعات جديدة واعدة تعبّر عن انطلاق دينامية تحول وتنويع هيكليَّيْن في الاقتصاد الوطني. وفيما يتعلق بالتوازنات الماكرو اقتصادية، تميزت سنة 2013 بانطلاق عملية تقويم الحسابات العمومية والحسابات الخارجية، وبانتعاش واضح للاستثمارات الخارجية المباشرة، الأمر الذي يكرّس ثقةَ المستثمرين الأجانب في مرتكزات بلادنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ذلك أنه قد تم تقليص ملموس لعجز الميزانية من 7،3 بالمائة سنة 2012، إلى 5،4 بالمائة سنة 2013، بينما ظل اختلال ميزان الأداءات هاما، رغم تراجعه بنسبة 18 بالمائة سنة 2013 مقارنة مع سنة 2012. وفي الحقيقة، فبفضْل تطبيق نظام المُقايسة الجزئيّ لأسعار المحروقات على نظيرتها في الأسواق العالمية، انخفضت تحملات صندوق المقاصة بدرجة ملموسة، مما أدى إلى التخفيف من عجز الميزانية. مع ذلك، وبما أنّ عجز الميزانية ما يزال مرتفعا، فإنه من المناسب مواصلة تقليص النفقات العمومية، مع تحسين نجاعتها، وتعبئةٌ أفضل للمداخيل، وخاصة عبر الإصلاح الجبائي، وإدراجُ عملية تخفيض الدعم في إطار إصلاح شمولي كفيل بتعزيز الحماية الاجتماعية، وتقوية التماسك الاجتماعي، والمحافظة على القدرة الشرائية للفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة. الوضعية الاجتماعية بُغية الارتقاء إلى مستوى أعلى من النموّ الاقتصادي، يوصي المجلس بالنهوض بأداء الاقتصاد الوطني وتنافسيته، وتعزيز جاذبية بلادنا. ومن أجل تقوية دوْر الدولة في مواكبة وتعزيز هذه الجاذبيّة، يدعو المجلسُ إلى مواصلة جهود تقويم وضعية المالية العمومية، وخاصّة عبر الاستفادة من التوْصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية حول الإصلاح الضريبي. ومن الضروريّ أيضا العمل على خلق تكامل بين توجُّهات السياسة الضريبية ومختلف محاور السياسات العمومية المتعلقة بالتضامن ودعم الفئات الهشّة، وبالحماية الاجتماعية. وبهدف الرّفع من جاذبية بلادنا، لاستقطاب كبار المستثمرين الأجانب، يجْدُرُ تعميم الممارسات الناجحة في مجال تدبير المشاريع الكبرى وأسلوب حكامتها. ومن المناسب كذلك، على غرار المخطّط الشمسي، إدخال بنود تحدد وتفرض مستويات معيَّنة للمقاصَّة الصناعية ونقل التكْنولوجيات في المشاريع الاستثمارية الكبرى. وفيما يخصّ الاستراتيجيات القطاعية، من الضروريّ العمل على تسريع تفعيلها، مع خلق التجانس بينها، في إطار مقاربة مندمجة وتشاركيّة ومُستدامة، تشجّع على البحث والتنمية والابتكار. علاوةً على ذلك، وخاصّة فيما يتعلق بالشقّ الصناعيّ، فإنّ المخطط الجديد للتسريع الاقتصادي يبلور رؤْية جديدة تستهدفُ بالخصوص المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتأتي استكمالا للميثاق الوطني للإقلاع الاقتصادي الذي مكَّن من تحديد الفُرُوع الصناعية الواعدة، وأعطى نتائج ملموسة، وخاصة في قطاعات صناعة السيارات وصناعة الطائرات وترْحيل الخدمات. ولا شكّ أن هذه الدفعة الجديدة ستعزّز نَجَاعة السياسة الصناعية الوطنية، ولكنْ من المناسب الحرص، مع ذلك، أثناء تنفيذها، على ضمان تجانسها مع باقي الاستراتيجيات القطاعية. على الرّغم منْ أنّ المؤشرات الاقتصادية تعرف، بصفة عامّة، تطوُّراً متنامياً، فإنّ مُحتوى التشغيل في معدّل النموّ المحقّق واصل منْحاه التنازليّ سنة 2013، بحيث لمْ يحدث أيُّ تأثير على نسبة البطالة التي استقرتّ في حدود المستوى المسجل سنة 2012، ذلك أنّ عدد مناصب الشغل المحدثة سنة 2013 انْحصر في 114.000 منصب. ويبرز هنا خاصة قطاع البناء والأشغال العمومية الذي فقد 50.000 منصب شغل سنة 2013، امتدادا لنفس المنْحى التنازليّ الذي عرفته سنة 2012، بينما كان وراء خلْق 55.000 منصب شغل سنويا في المتوّسط ما بين 2007 و2011. فضْلاً عن ذلك، فإنّ نسبة البطالة، في صُفوف الشباب الذين تتراوح أعمارُهمْ ما بين 15 و24 سنة، قد بلغتْ 36 بالمائة، مع تسْجيل نسبة 18،2 بالمائة في صُفُوف الحاصلين منهم على شهادات. وبلغتْ في صفوف النساء نسبة 9،6 بالمائة. وفيما يتعلق بنوْعيّة مناصب الشغل، فإنّ البطالة الجزئية تهمّ مليون نشيط، وما يربو عن 20 بالمائة من النشيطين العاملين يمارسُون عملاً غيرَ مؤدّى عنه. وهو الأمْر الذي يصْدُقُ على حوالي ثلاثة أرْباع النساء النشيطات المشغَّلات، في إطار أعمال مساعدة الأسْرة في الأنشطة الفلاحيّة. إضافة إلى ذلك، فإنّ الأُجَرَاء الذين لا يستفيدون من عقود عمل يمثّلون نسبة 64 بالمائة من النشيطين المشغَّلين. تظلّ قضية التشْغيل، وخاصّة مع تفشّي البطالة في صُفوف الشباب، ومُشاركة المرأة، واحدةً منْ أبرز التحدّيات أمام تحقيق التّماسك الاجْتماعي، كما تثير بعض التساؤلات حوْل السّياسات العمومية في مجالِ إغناء مُحتوى التشغيل في النموّ، وتوفير فُرَص الشغل بالنسبة للشباب والنساء على وجْه الخُصُوص. وبالموازاةِ مع ذلك، فإنّ المسارَ الذي اتخذه الحوارُ الاجتماعيُّ سنة 2013 لمْ يساهم في بروز توافقٍ حول الإصْلاحات الهيكليةِ الكبرى وانتعاشِ النمو الاقتصادي. وفي هذا الصدد، من الضروريّ استئنافُ الحوار الاجتماعي ثُلاثي الأطراف الذي لمْ يعرف سنة 2013 أيّ تطور يُذكَر، وذلك بتفعيل «اللجْنة الوطنية للحوار الاجتماعي» و»اللجنة العليا للتشاور حول القضايا الاستراتيجية»، اللتيْن تمّ الإعلان عن إنشائهما. وتشكّل الاتفاقيات-الإطار التي وقّعها الاتحاد العامّ لمقاولات المغرب سنة 2012 مع بعض النقابات، حول الوساطة الاجتماعية في مجال نزاعاتِ الشغل، خطوةً في الاتجاه الصحيح، يبقى من الضروريّ تفعيلها. إضافةً إلى ذلك، يوصي المجلسُ الاقتصاديّ والاجتماعيّ والبيئيّ بمأْسسة الحوار الاجتماعي والرّفع من فعّاليته، من أجل إبْرام تعاقدات اجتماعية كبرى، التي منْ شأنِها المساعدة على إقرار السِّلْم الاجتماعي القائم على احْترام القانون في مجال الشّغل والحماية الاجتماعية. ومن المناسب أيضا تفعيل آليات للتفاوُض الجماعيّ. لقدْ تجلّتْ آثار السياسات العموميّة للتأهيلِ الاجتماعي، سنة 2013، في تنامي ولوج المواطنين إلى بعْض الخدمات الاجتماعية الأساسية، وخاصة ما تعلق منها بالتربية والتغطية الصحية الأساسية. وإذا كانت بلادنا قدْ عرفت تطوّرات ملموسة من حيْث تعميمُ التمدرسِ، فما زالتْ هناك بعض النقائص، سواء في مستوى الهدْر المدرسيّ وعلى صعيد الكفايات المكتسبة من قِبَل التلاميذ، أو التفاوتات الاجْتماعية والجهوية وتلك المرتبطة بالنوْع. وفي هذا الصددِ، فإنّ إصلاح منظومة التربية والتكوين، الذي وضَعَه جلالة الملك «في صدارة الأسْبقيات الوطنية»، في الخطابِ الملكيّ السامي، في 20 غشت 2012، بمناسبة تخليد الذكرى الخمْسين لثورة الملك والشعب، من شأنه جعل المنْظومة التربوية في بلادنا، كما أكّد جلالة الملك ذلك، لا «تضْمن فقط حقّ الوُلُوج العادل والمنْصف٬ القائم على المساواة٬ إلى المدرسة والجامعة لجميع أبنائنا. وإنما يتعين أن تخوّلهم أيضا الحقّ في الاستفادة من تعليم موْفور الجدوى والجاذبية٬ وملائم للحياة التي تنتظرهم». ويجب أنْ يحظى هذا الإصلاح بتوافقٍ واسعٍ، مما يستدعي اعتمادَ مقاربة تشاركيّة مع كلّ الأطراف، في إطار مقاربة أفقيّة ناجعة. كما يتطلَّب هذا الإصلاحُ توفيرَ المواردِ البشرية والمالية الضّرورية، مع قَبول كلّ الأطراف المعنية بمبدأ التقييم ووجوب المحاسبة. فضلا عن ذلك، تجدر الإشارة إلى عدم كفاية العرْض في مستوى التعليم العمومي الأوّلي الذي من شأنه تمكينَ أبنائنا، وخاصّة المنحدرين منهمْ من شرائحَ اجتماعيةٍ مُعْوزة، من العناصر الأساسيّة للانْطلاق في مسار تعلّمهم، وذلك في إطارِ محاربة ظاهرة الهدْر المدْرسيّ. وبالموازاةِ مع ذلك، يجدُر في هذا الصددِ تطويرُ مسالك تعليمية للتكوين بالتّناوب الذي يجمع بين النظرية والممارسة، وتثمينها تثمينا أفضل، عبْر إحداث جُسُورٍ واصلةٍ بيْن مؤسّسات التكوين المهني والتعليم الجامعيّ والمدارس العليا على سبيل المثال. وإضافةً إلى الرّفع من قدرات التلاميذ والطلبة، يجبُ أنْ يسْعى إصلاح منظومة التربية والتكوين أيضا إلى تحسين كفاياتهم السّلوكية، مما يرفع من فُرَص حصولهم على منصب شغل، ويساعدُ على تكوين مواطنينَ منفتحين على بيئتهم ومُحيطهم، تحرّكهم روح المبادرة والرّغبة في الابتكار والإبداع. في مجالِ الصّحة والحماية الاجتماعية، بلغت نسبةُ الساكنة المغربية المستفيدة من التغطية الصّحية الأساسية 50 بالمائة، في متمّ سنة 2013، خاصة بفضل التعْميم الجاري لنظام المساعدة الطبية (راميد) الذي يمكِّن 6،3 مليون شخص من الوُلُوج مجانا إلى مجموع الخدمات التي تقدّمها شبكة مؤسّسات العلاجاتِ الصحيةِ العمومية. ومن باب الأهمّية دعمُ الخُطُوات التي تمّ تحقيقُها حتى اليوم، عبر إدْماج الساكنة التي لا تستفيد من التغْطية، تدريجيّا، في الأنظمة القائمة، وخاصّة الصنّاع الحرفيين وأصْحاب المهن الحرّة والطلبة، من أجل تعزيز التّضامنِ، وتفادي الانْفصال بين الأنظمة، الذي يظلّ سببا للاختلالات المالية. ويبْدو من الضّروريّ مُراجعة نظامِ حكامة التّغطية الصحية، بما يتيح توضيح مهامّ مختلف المتدخّلين. فضلا عن ذلك، ففي سِياقِ يتميّز بتحوُّلات اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وبيئيةٍ عميقةٍ، تتطلب انتظاراتُ المواطنين وتطلُّعهم إلى خدمات صحّية جيّدة، سنَّ سياسة صحيّة جديدة تستهدف: I. ضمانَ ولوج منصف للعلاجات عبر الحد من التفاوتات بين الجهات، والرفع من قدرة المواطنين على الوُلُوج إلى الأدوية. II. إدماجَ البعد الصّحّي في السياسات العمومية المرتبطة بالقطاعات الأخرى، عبر تضمينها المحدِّدات المُؤثِّرة في الصحة (التربية، الولوج إلى الماءِ الشّروب، البيئة، النقل...). III. إشراكَ القطاعين الخاص والتَّعاضدي وتأطيرَ تطوُّرهما، من أجل تحسين العروض الصحية واستغلالِها الاستغلال الأمثل. وبخصوص تغْطية التّقاعد، فمن المناسب توفير شروط تعميم التقاعد، علْمًا أنها لا تغطّي اليوم إلا 33 بالمائة من السّاكنة النشيطة، وذلك بهدف إقرارِ تضامنٍ أمثل، وإنصافٍ أكبر، وحركيّةٍ متزايدةٍ في العمل. وفي هذا الصددِ، يكتسي إصلاحُ أنظمة التقاعد طابَعاً استعجاليّا وفْق مقاربة شاملة ومُندمجة. فيما يخصّ الوُلُوج إلى السكن، فقد تحقق تقدّم ملموس في هذا المجال، حيث إنّ النّقص في تغطية الحاجيات يقدر بنحو 640.000 وحْدة سكنية سنة 2013، مقابل 1،2 مليون وحدة سكنية قبل عشر سنوات. وَمَعَ ذلك، فقدْ تميّزت سنة 2013 بإطلاقِ أوراش بناء 234.000 وحْدة سَكنية فقط، بانخفاض بنسبة 28 بالمائة مقارنة مع 2012. وعلى مستوى السّكن الاجتماعي، لوحظ تراجع بنسبة 70 بالمائة، حيث لم تنطلق أوراشُ بناء سوى 39.053 وحدة سكنية سنة 2013، مقابل 131.878 سنة 2012، مع تراجع في عدد طلباتِ تراخيص البناء التي قدَّمها سنة 2013 المُنْعشون العقاريّون. ومن شأنِ هذا التراجعِ أنْ يدفعَ السّلطات العمومية إلى التساؤل حول مُلاءمة النموذج المُعتَمَد لتطوير قطاع السكن، وبالتالي ضرورة إصلاحه. إلى جانب ذلك، ما زالتْ هناك بعض الإشكاليّات المُرْتبطة بالسّكن غير اللاّئق والمَسَاكن الآيِلَةِ للسّقوط. إضافة إلى أنّ برامج السّكن الاجتماعيّ، التي ساهمت إلى حدّ كبيرٍ في تقليص النقص في مجال السكن، لمْ تعد تؤدّي هذا الدورَ بنفس الفعالية والنجاعة، بسبب ضَعْف التجْهيزات الأساسية والرّبْط بمراكز النشاط الاقتصادي في المدن، مما يحدّ من جاذبية هذه البرامج. تتطلّبُ محاربة التّفاوُتات المرتبطة بالنوع، وخاصة في مجال المشاركة الاقتصادية واستفادة النساء من الخدمات الصحية، جُهُودا إضافيةً. وتُلاحَظ هذه التفاوتاتُ، على الخصوص، في سوق الشغل، حيث لمْ تستفدْ وضعية النساء كثيراً من التطوّرات الهامة التي عرفتها بلادنا، خاصّة فيما يتعلق بمعدّل نشاط النساء الذي لا يتعدّى 25 بالمائة. ويشكّلُ الاقتصادُ الاجتماعيُّ والتضامنيّ رافعةً بالغةَ الأهمية لإدْماج النساء والشباب، وإنْ كان هذا المجال يعرف تفاوُتاتٍ كبيرةً بين الجهات، مع تمركُزِه بشكل ملحوظ في القطاعات الفلاحية. ويتعيّن تعزيزُ المُبادرات في هذا الميدان، من حيث التكوينُ وتقويةُ قُدُرات الفاعلين. ومن أجْلِ تحسين وضعية المرْأة، من اللاّزم، موازاة مع هذا، تنزيل «الهيْئة العليا للمُناصفة ومحاربة كلّ أشكال التّمييز» المنْصوص عليها في الدّستور. ومن المناسب أيضا تسريعُ وتيرةِ اعتماد قانونٍ-إطارٍ يحدّد بوضوحٍ أشكالَ التمييز ضدّ المرأة، ويمكِّن من التَّصدّي لكلّ مَساس بحقوقها. فضلا عن ذلك، عرفتْ وضْعية الأطفال تحسّنا ملحوظاً، وخُصوصا ما تعلق بالمؤشرات الخاصة بالوَفَيات، وبالوُلوُج إلى الخدمات الأساسية، ومحاربة تشْغيل الأطفال. ومع ذلك، يتعيّن تعزيزُ الأعمال الهادفة إلى الإدْماج الاجتماعيّ للأطفال وحمايتهم، عبر مُضاعفة الجهود في مجال مُحاربة كلّ أشكال استغلالهم، وضمان الاحترامِ الكامل لحقوقهم. ومن جانبٍ آخر، يُوصي المجلس باعتماد استراتيجية وطنيّة شاملة ومنْدمجة لصالحِ إدماج الأشخاص في وضْعية إعاقة، قائمة أساساً على مقاربة حقوقية. ولهذا الغرضِ، من الضروريّ التّعجيل بإصلاحِ الإطارِ التشريعي، وخلْق آليّة ناجعة للتنْسيق المؤسَّساتي، وتفعيل البنْد المتعلّق بفئة «الأشْخاص ذوي الاحتياجات الخاصة» في إطار صنْدوق التماسكِ الاجتماعي، هذا البنْد الذي لم يُفعَّل منذ التنْصيصِ عليه سنة 2012. ويوصي المجْلس كذلك بتسْهيل وُلُوج الأشْخاص في وضْعية إعاقة إلى الترْبية والصّحة والتغطية الاجتماعية، وإقرار تمييزٍ إيجابيٍّ لصالحهم، وخلق تحفيزات لتوْفير فرص الشغل لهم. لقدْ حظيتْ حِماية حُقُوق المُهاجرين بعناية خاصّة منْ طَرَف جلالة الملك الذي أعْلن، في شهر شتنبر 2013، إرْساءَ سياسة جديدة للهجرة قائمة على خطّة عمل مُلائمة تسعى إلى تسْوية وضعية العمّال الأجانب واللاجئين السياسيّين. وفي هذا السياقِ، من الضّروريّ وضْع آليّة للتتبّع واليَقَظة بخُصوص التطْبيق الفعليّ للآليات المقرَّرة، وذلك بُغية التأكّد من تجْسيد هذا الجيل الجديد من الحقوق الأساسية للمُهاجرين في بلادنا.
الوضعية البيئية
على الصعيدِ البيئيّ، تندرج الوضْعية الحالية للموارد المائية بالمغرب في سياق عام مطبوع بوجود طلب ما ينفك يتزايد بسرعة على موْرد مهدّد بالتدهور والتلوّث والإرْهاق المائي أيضا. انطلاقا من هذه المُلاحظة، يوصي المجلس بتعميم برامج النّجاعة المائية، من أجل عقْلنة استعمال المواد المائية وتثمينها، عبر تسْريع تفعيل البرنامجِ الوطنيِّ للاقتصادِ في الماء للسقي، وإعدادِ برنامجٍ وطنيٍّ للاقتصاد في الماءِ الشروب والماء الصناعيّ. في مُستوى آخر، عرفتْ سنة 2013 ارتفاعاً في إنتاج الكهرباء الناتجِ عن الطاقات المتجددة، لتنتقل نسبةُ إسهامه في هذا المجال إلى 16،2 بالمائة. وذلك على الخصوص بفضْل الارْتفاع الملموس لإسْهام الطاقة المائية والرّيحية اللتين سجّلتا على التوالي ارتفاعا بنسبة 64،7 بالمائة و86،3 بالمائة بالقياس إلى السنة الماضية. وفي خضّم هذه الدينامية، تفضّل جلالة الملك، في شهر يوليوز 2013، بإعطاءِ الانطلاقِ لأشْغال إنجاز محطة شمسية بقوة إنتاج تصلُ إلى 160 ميغاواتْ في إطارٍ مخطّط شمسيٍّ مغربيٍّ يهدف، إضافة إلى إقامة طاقاتِ الإنتاجِ الكهربائي، إلى تسهيل ظهور مسالك صناعيّة شمْسيّة مندمجة في بلادنا. غير أنّه، وبغْية تشجيعِ إنْجاز مشاريع الإنتاجِ الكهربائيّ ذي القوّة الصغيرة والمتوسّطة، يتعيّن تسريع إصدار مراسيم تطبيق تحدّد مواصفاتِ إحداثِ وإنتاجِ وشراءِ الكهرباء، بناءً على قانون الطاقات المتجدّدة. وبالموازاةِ مع ذلك، فقدْ مكّن اعتمادُ البرنامج الوطني للنفايات المنزلية، على وجْه الخصوص، من الرّفع من نسبة جمْع النفايات في الوسط الحضري إلى 85 بالمائة، مقابل 62 بالمائة سنة 2008، على الرّغم من أنها لا تتجاوز في الوَسَط القرويّ نسبة 10 بالمائة. غير أنّ المجلس يعتبر بأنّ هدف مُعالجة وتثمين النفايات، المحدّد في إطار البرنامج الوطني للنفايات المنزلية في 20 بالمائة، يظلّ صعب التحقُّق، بالنّظَرِ إلى وتيرة العمل الحالية. لذلك يحْسُنُ تغيير المقاربة المُعتمدة حاليا في تدبير النفايات الصّلْبة، القائمة على الجمْع والطمْر، وتعويضها بمقاربة جديدة تقوم على الفرْز الانتقائيِّ والمعالجةِ وتثمين النفايات، الأمْر الذي سيترتّبُ عليْه خلْق فرصِ اقتصادٍ دائريّ تنتج عنْه القيمة وفرص الشغل. وفيما يتعلق بالمياه الحضرية العادمة، فإنّ البرنامج الوطني للتطهير وتصفية المياه العادمة، PNA، قد مكّن، في متمّ 2013، من تزويد 81 جماعة، بثلاثة وسبعين محطة لتصفية المياه العادمة، لتصل بذلك نسبة التصفية إلى 28 بالمائة، مقابل 8 بالمائة سنة 2006. يتعيّن، إذن، مُواصلةُ البرنامج الوطنيّ للتطْهير وتصفية المياه العادمة وتسريعُ وتيرتِهِ، مع اعتماد استراتيجية ترومُ القضاءَ على التلوث الصناعيِّ الذي سيمكّن من ضمان اشتغال أفضل لأعمال التطهير المُنجزَة في هذا الإطار. وعلى الصعيد المؤسساتيّ، فقد عرف المسار التشريعي للقانون-الإطار بمثابة الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة تقدّما ملحوظا في 2013، بما يمكّن من اعتماد هذا القانون المُهيْكِل في مستهلّ سنة 2014. في هذا السياق، يتعيّنُ أنْ تحدّد الاستراتيجية الوطنية، التي اكتملت مرحلتها «التشخيصيّة، سنة 2013، المبادئَ العامة للتفعيل، وأنْ تضعَ آليةَ التقويم والتتبّع، وكذا تدابير المُواكبة الملائمة لتفعيلها، وبخاصّة من خلال (I) الفصْل ما بين النموّ والضغْط على الموارد (II) إنشاء مسالك خضراء (III) التثْمين المُستدام والمسؤول للموارد، و(IV) محاربة الاحترار المناخيّ. يتعلق الأمْر، إذن، بالتشجيع على ظهور مسالك مغربيّة فعّالة ومندمجة في قطاعات الاقتصاد الأخضر عبْر تثْمين مسؤول ومستدام للموارد، وكذا على مستوى حماية البيئة. كما ينبغي، في إطار هذه الاستراتيجيةِ الجديدةِ، إيجادُ فرصٍ قطاعية جديدة، وتشجيعُها، وبخاصّة في مجالات تحْلية مياه البحر وتطهير وإعادة استعمال المياه العادمة، وتثمين وإعادة استعمال النفايات المنزليّة والصناعيّة، والفعالية الطاقية والطاقة الشمسية والرّيحيّة ذات القوة الصغيرة والمتوسّطة. وبالموازاةِ مع هذا، لا بدّ من استثمارِ إمكانات تعبئةِ التمْويلات الدّوْلية الهادفة إلى تعزيز مشاريع مدمجة ومستدامة. تشكّل المقاربة التي تركّز على المجالاتِ التُّرابية وتقليصِ الفوارق المَجاليّة، عنْصُراً حاسماً بالنسبة للتماسُك الاجتماعيّ وللدينامية الاقتصادية. وفي هذا الصدد، من الضروريّ تسريع وتيرة تفعيل المُقتضيات الدستورية في مجال الجهوية المتقدّمة، علْما بأنّ تماسك السياسة الترابيّة وفعاليتها رهينانِ بالنقل الفعليّ لسلطة القرار وللموارد إلى الجهات، ومواكبتها عبْر لا تمركز متقدّم. في هذا الإطار، سيكون من المفيد تفعيل التوْصيات التي يتضمّنها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية. كما يتعيّن القيام بتحديدٍ واضحٍ، وبتفعيلِ آلياتِ وأساليب التضامن بين الجهات. المحور الموضوعاتي: «المدن: مقاربات من أجل تنمية مستدامة من خلال رؤية متكاملة وحكامة جيدة» نظراً للتزايد العمرانيّ المتسارع في بلادنا، ونموّ المدن المغربية التي تعاني من عددٍ من الاختلالات المؤثّرة بكيفية مباشرة على جاذبيتها، وعلى نوْعيّة عيْش الساكنة، فإنّ التقريرَ السنويَّ يتضمّن هذه السنة محْوراً موضوعاتيّا يقترح مقاربات جديدة «من أجل تحقيق تنْمية مستدامة قائمة على رؤية منْدمجة وحكامة ناجعة» للمدن المغربية. ومن بيْن النتائج التي توصلتْ إليها هذه الدراسة، كوْن المدنِ المغربيّة تعرف تحوّلاتٍ اجتماعية واقتصادية ومجالية وبيئية متسارعة، وبالتالي بات تدبيرها يعرف تعقيدا متزايدا. وفضْلاً عن ذلك، فإنّ الساكنة الحضرية، التي تتزايد أعدادها سنة عن سنة، لها متطلّبات متزايدة ترتبطُ بالحركيّة داخل المدن، وبالسّكن أو بالمرافق العمومية. وفي هذا الصدد، فإنّ المجهودات التي تبذلها السلطات العمومية، وخصوصاً السلطات المحلّية والمنتخبين الجماعيين، غالبا ما تُعتبر غيْر كافية. وفي هذا الشأن، يبْدو من الضروريّ مُواجهة المتطلّبات المتعدّدة التي يفرضُها النموّ العمرانيّ المتزايد، والذي تنتج عنه مختلف مظاهر الإقصاء والتوترات الاجتماعيّة، وكذا إيجاد حلول للاختلالات المتصلة بنَمَطٍ عمرانيٍّ غيْر مُعقْلَن، وبتدبير غير مستدامٍ للمصالح الحضرية، وبتشابُك كبير للرّهانات الحضرية. يتعيّن على الدوْلة، في المقام الأول، إعداد رؤية جديدة للتنمية الحضرية ولصيغ العمل بالنسبة لمُختلف فئات المدن. ومن الضروريّ، في مرحلة ثانية، تعزيز قدرات الجماعات المحلية، بتمكينها من الوسائل المؤسساتية والمادية اللازمة لتدبير المدن، من خلال توفير الخبرة، ووضع آليات التنسيق. وبالموازاة مع ذلك، يوصي المجلس بإعادة النظر في تصاميم وثائق العمران الحضري من أجل الأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي، وتوفير وسائل وشروط تنفيذها. كما يتعيّن إيلاءُ أهمية خاصّة لأماكن عيْش المواطنين والمواطنات في ضواحي التجمّعات السكنية الكبرى، بالموازاة مع إطلاق نقاش عموميّ حول المدينة وآفاقها. وأخيرًا، يتعلق الأمْر بالعمل على المدينة باعتبارها محرّكا للنموّ الاقتصاديّ والتقدّم الاجتماعي المستدام، بالاستناد إلى تجارب ناجحة في المشاريع الكبرى، وبخلق روحٍ تنافسيّة بين المُدُن. أنشطة المجلس لقدْ عرفت أنشطة المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ والبيئيّ، سنة 2013، إعطاءَ دفعة جديدة للعلاقات المؤسّساتية مع الحكومة والبرْلمان بغُرفتيْه. وهكذا، فقد أعدّ المجلس، في إطار الإحالات المؤسّساتيّة، تقاريرَ وآراءَ تتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبتعميم والمساواة في الوُلُوج إلى العلاجات الصحيّة الأساسية، وكذا حول القوانين المتعلقة بالتعويض عن حوادث الشغل، ونظام الضمان الاجتماعي، ومشْروع القانون المتعلّق بشروط التشغيل والشغل الخاصة بالعمال المنزليّين. وفي إطار الإحالات الذاتية، عالجَ المجلس، في تقاريره، موضوعاتٍ هامّةً تتمثل في «أماكن العيْش والفعل الثقافي»، و»تدبير وتنمية الكفاءات البشرية: رافعة لنجاح الجهوية المتقدّمة»، و»تقييم فعْلية حقوق الإنسان الأساسية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في الأقاليم الجنوبية»، و"التكوين مدى الحياة»، و"النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية»، و"المعطيات المفتوحة»، إضافة إلى إعدادهِ لتقرير عن الظرفيّة الاقتصاديّة والاجتماعية والبيئية، والتقرير السنويّ. وهكذا، فإنّ كلَّ تقرير أو رأي صادر عن المجلس إنّما هو تعبير عن وجهة نظر المجتمع المدنيّ المنظَّم والغنيّ بتنوّع الحساسيات والتجارب السوسيو-مهنيّة لأعضاء المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ والبيئيّ. إنّ المجلس، على هدْي التوْجيهات السديدة لجلالة الملك، ليؤكّد إرادته في تعزيز مساهمته في تحسين فعّالية السياسات العمومية، ودعم الممارسات الجيدة في مجال الديمقراطية التشاركية، وتشجيع التقارب بين وجْهات النظر فيما يتعلّق بالإصلاحات الكبرى التي تنخرط فيها بلادنا.