ذكر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي برسم سنة 2012، أن نسبة تدفق الاستثمارات المباشرة الخارجية سجلت بعض الارتفاع في حين ظل التضخم متحكما فيه خلال السنة الماضية، وذلك على الرغم من السياق الاقتصادي الوطني والدولي الصعب. وأوضح التقرير الذي توصلت وكالة المغرب العربي للأنباء بنسخة منه، أن سنة 2012 تميزت في المجال الاقتصادي بتأثر النسيج الإنتاجي الوطني، بالانكماش الاقتصادي في العديد من بلدان منطقة الأورو، وباستمرار المستويات المرتفعة لأسعار المواد الطاقية، وبتساقطات مطرية ضعيفة في مختلف مناطق المغرب. وأشار على أن جميع هذه العوامل ساهمت في تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي خلال السنة الماضية، وفي انخفاض عدد مناصب الشغل المستحدثة، كما طال أثرها توازن الميزانيات والحسابات الخارجية، مما أدى إلى ارتفاع ديون الخزينة وتراجع احتياطي العملة. وعلى الرغم من هذا السياق الصعب - يوضح التقرير- ظل التضخم متحكما فيه، وعرفت نسبة تدفق الاستثمارات المباشرة الخارجية بعض الارتفاع، مما يدل على ثقة الفاعلين الخارجيين، حيث يتبين من خلال دراسة أنجزها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن المقاولات الوطنية لم ينل منها التشاؤم، رغم تأثرها بالمصادقة المتأخرة على القانون المالي وبتمديد آجال الأداء. وأضاف في هذا الصدد أن هذه المستويات بلغت حدا يصعب تحمله، الشيء الذي يتطلب المسارعة إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية الكفيلة بتقليص العجز وإعادة خلق هامش للفعل والمبادرة لصالح سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وذكر أن النظام الضريبي والولوج إلى التمويل وجودة خدمات الإدارة العمومية والقضايا المرتبطة بحماية الموارد الطبيعية واستعمالها أهم ما يشغل بال المقاولات الوطنية ، مؤكدا أن من شأن التفعيل الطوعي والدقيق لخطة العمل التي وضعتها اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال أن تبث قدرا أكبر من الثقة في النفوس وتشجع على الاستثمار. وفي مجال التنمية البشرية، يشير التقرير إلى الطفرة النوعية الجديدة بفضل المبادرة التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك، والمتمثلة في البدء في تعميم نظام المساعدة الطبية (راميد) لصالح الفئات الاجتماعية في وضعية فقر وهشاشة، مشيرا إلى أنه قد يكون من السابق لأوانه تقييم هذا البرنامج، لكن المجلس يوصي مع ذلك بأن تأخذ بعين الاعتبار منذ الآن أولى العبر المستخلصة من هذه التجربة. واعتبر المجلس أن التعليم يظل العائق الأساس أمام التنمية البشرية، وذلك بسبب ما يحدثه من آثار في مجال تقليص الفوارق وتعزيز التماسك الاجتماعي، موضحا أنه ومع استحضار الجهود التي تم بذلها في مجال التعميم، فإن التمدرس غير الكافي للأطفال والضعف في اكتساب المهارات، يكشفان عن ضخامة الطريق الذي يتعين قطعها، كما يدعون إلى المسارعة باتخاذ الإجراءات الضرورية، عن طريق التشاور والحوار، كما دعا إلى ذلك الخطاب الملكي بتاريخ 20 غشت 2012. ويرى تقرير المجلس، أنه إذا كان الحوار الاجتماعي ثلاثي الأطراف بين أرباب العمل والنقابات والحكومة قد توقف سنة 2012، فإن الحوار بين الشركاء الاجتماعيين قد شهد تقدما ملموسا، لاسيما في مجال الوساطة الاجتماعية من أجل الوقاية من النزاعات الجماعية وحلها في الوسط المهني، سعيا إلى خلق مناخ من الثقة وضمان استمرارية المقاولة، دون المساس بمصالح الأجراء. وأضاف أن عملية تحليل الوضعية الاجتماعية المنجزة انطلاقا من سلم معايير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تكشف عن وجود تصور إيجابي حول مظاهر التطور في مجال النهوض بالحريات العامة وحقوق الإنسان، وتبين في الوقت نفسه حجم انتظارات المواطنين في مجال سياسات محاربة الفقر والإقصاء، وتحسين الخدمات الصحية ومردودية التعليم العمومي. وفيما يخص الوضعية البيئية - يضيف المجلس- فقد اغتنى الإطار التشريعي بقانون- إطار متعلق بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، حيث أنه وسعيا إلى مواكبة الدينامية الجديدة الناتجة عن استحداث هذا النص القانوني، يرى المجلس ضرورة خلق الانسجام بين مكونات العدة التشريعية والقضائية القائمة، وتعبئة التمويلات العمومية والخاصة لضمان الانتقال البيئي. وأشار إلى أن سنة 2012 عرفت، أيضا، تقدما ملحوظا في مجال إنجاز برامج الطاقات المتجددة، فامتدادا لأوجه التطور هذه، يلفت المجلس الانتباه إلى ما تكتسيه عملية تطوير مشاريع الطاقة الريحية والشمسية ذات القدرة المتوسطة والصغيرة من أهمية، حيث أنها قد تشكل في المستقبل خزانا هاما للإنتاج المحلي للطاقة، كما يدعو إلى وضع التشريعات المنصوص عليها. وتفترض عملية تسريع النمو وتعزيز التماسك الاجتماعي، في السياق الحالي المتميز بحدة التنافس الدولي وتنامي الانتظارات الاجتماعية، أن تغلب مكونات المجتمع المختلفة منطق الحوار والتشاور فيما يخدم الصالح العام، وأن تسارع إلى تفعيل الأعمال المقررة. كما أوصى المجلس في هذا الصدد بأن تدرج العلاقات بين الشركاء الاجتماعيين في إطار عقود اجتماعية كبرى، كما دعا إلى ذلك جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة تنصيب المجلس ، وكذا بتنظيم مناظرة اجتماعية وطنية من أجل خلق الظروف المواتية للحوار وتبادل الآراء حول صياغة هذه العقود وبلورتها. واعتبر المجلس أن التحولات الدولية بقدر ما تفرض مجموعة من الإكراهات، فإنها قد تنطوي على العديد من الفرص، مما يتطلب الاعتماد على الاستراتيجيات القطاعية، مع ضمان خلق حكامة مثلى داخلها، قصد تحسين العرض القابل للتصدير واكتساب أسواق جديدة. ويجدر أيضا الاعتماد على الطلب العمومي وآليات التعويض الصناعي وتشجيع الأفضلية الوطنية، سعيا إلى دعم النسيج الإنتاجي، وخاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة. وللرفع من التنافسية العامة للاقتصاد، أوصى المجلس بجعل التجديد رافعة لتحسين الإنتاجية، مؤكدا على أولوية الرأسمال البشري، وعلى ضرورة الارتقاء بجودة التكوين في كل المستويات. كما دعا إلى إصلاح آليات ضبط الاقتصاد والتضامن، لاسيما الجوانب المتعلقة بالنظام الضريبي والحماية الاجتماعية وآليات دعم الأسعار، مبرزا في هذا الصدد، الحاجة الملحة إلى تفعيل إصلاح تشاوري لصندوق المقاصة لخلق الشروط المناسبة للانتقال نحو آليات بديلة. واعتبر المجلس أن من شأن اعتماد مقاربة ترابية تقوم على إشراك المواطنين تحسين النجاعة وضمان تقاطع السياسات العمومية وتكاملها، مؤكدا أنه يجدر في هذا الصدد منح الجهات حكامة مناسبة ومبسطة وشفافة، مع إعطاء الانطلاقة لمسلسل فعلي للاتمركز. ويرى المجلس أن كل هذه التغيرات لن تحدث أثرها الكامل المنشود إلا إذا صاحبها تغير في مستوى الثقافة، سعيا إلى إدماج الشباب والنساء في التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز مساهمة هاتين الفئتين في التنمية. فعلى العموم عموما تقتضي الانتظارات والتحديات الداخلية الحرص على فعلية الحقوق وتطبيق القانون، مع العمل على النهوض بالمواطنة المسؤولة وبقيم الانفتاح. وفي ما يتعلق بحصيلة أنشطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن سنة 2012 تميزت بعناية مولوية خاصة كان لها الفضل الكبير في تقوية حافز أعضاء المجلس على العطاء وكذا تجندهم مما استنهض هممهم وتوج بالمصادقة ونشر العشرات من الآراء حول مواضيع حساسة في مجال تنمية البلاد وكذا انطلاق أشغال وضع النموذج الجديد للتنمية الجهوية المندمجة بالأقاليم الجنوبية. وخلص التقرير إلى التأكيد أن جميع مكونات المجلس عاقدون العزم على المضي قدما لتعزيز مصداقية المجلس، والرفع بذلك من درجة إسهامها في إعداد نموذج تنموي مغربي مستدام، يوفق بين النجاعة الاقتصادية والتماسك الاجتماعي، وذلك طبقا للتوجيهات النيرة لصاحب لجلالة.