النص الكامل لعرض وزير الاقتصاد والمالية قال وزير الاقتصاد والمالية نزار بركة إن مشروع قانون المالية لسنة 2012 «يأتي متزامنا ومتفاعلا في إعداده وتقديمه مع ظرفية وطنية وإقليمية ودولية تطبعها العديد من التحولات السياسية، وكذا التطورات الاقتصادية المطردة على وقع الأزمة العالمية». وأوضح بركة، أول أمس الخميس في معرض تقديمه لعرض يتضمن الخطوط الرئيسية لمشروع قانون المالية خلال جلسة عمومية لمجلسي البرلمان في إطار دورة استثنائية، أن المملكة «شهدت في الفترة الأخيرة دينامية جديدة على مستوى الإصلاحات المؤسساتية والسياسية في تجاوب مع انتظارات المواطنين، بحيث شكل الخطاب الملكي التاريخي ليوم تاسع مارس 2011، دفعة قوية في اتجاه استكمال البناء الديمقراطي وترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وإرساء تعاقد مجتمعي جديد للمستقبل من خلال إقرار دستور جديد يترجم طموحات الشعب المغربي بمختلف مكوناته وفئاته إلى المواطنة الكاملة والحياة الكريمة والتنمية الشاملة والارتقاء الاجتماعي». كما قال الوزير إنه «في ظل هذه الظرفية الاستثنائية، حيث تتقاطع الانتظارات والرهانات والتحديات، حرصت الحكومة منذ تعيينها.. على إعطاء الأولوية مباشرة لمشروع قانون المالية لسنة 2012، حيث تمت المصادقة على توجهاته العامة من قبل المجلس الوزاري، وتكاثفت جهود مختلف القطاعات الوزارية من أجل الإسراع بعرضه على أنظار المؤسسة التشريعية، ومناقشة مضامينه في إطار التفاعل والتعاون والحوار الجاد والمثمر، الذي يقتضيه هذا القانون باعتباره أحد المكونات الأساسية للسياسة العامة للبلاد ومدخلا لتفعيل التدابير والإجراءات الواردة في البرنامج الحكومي». وفيما يلي النص الكامل لعرض الوزير : بسم الله الرحمن الرحيم السيدان رئيسا غرفتي البرلمان؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدة والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة البرلمانيون المحترمون؛ يشرفني أن أتقدم أمام مجلسيكم الموقرين بعرض يتضمن الخطوط الرئيسية لمشروع قانون المالية لسنة 2012 باعتباره لبنة أولى في تنفيذ التزامات البرنامج الحكومي الذي يضعُ له كهدف أسمى تنزيلُ مقتضيات الدستور الجديد تنزيلا ديمقراطيا. ويأتي مشروع قانون المالية لسنة 2012، كما تعلمون، متزامنا ومتفاعلا في إعداده وتقديمه مع ظرفية وطنية وإقليمية ودولية تطبعها العديد من التحولات السياسية، وكذا التطورات الاقتصادية المطردة على وقع الأزمة العالمية. على الصعيد الوطني، شهدت بلادنا في الفترة الأخيرة دينامية جديدة على مستوى الإصلاحات المؤسساتية والسياسية في تجاوب مع انتظارات المواطنات والمواطنين، بحيث شكل الخطاب الملكي التاريخي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره يوم تاسع (9) مارس 2011، دفعة قوية في اتجاه استكمال البناء الديمقراطي وترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وإرساء تعاقد مجتمعي جديد للمستقبل من خلال إقرار دستور فاتح يوليوز الذي يترجم طموحات الشعب المغربي بمختلف مكوناته وفئاته إلى المواطنة الكاملة والحياة الكريمة والتنمية الشاملة والارتقاء الاجتماعي. وعلى هذا النهج، والتزاما بروح ومنطوق الدستور الجديد، تم إجراء الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها يوم 25 نونبر الماضي التي تميزت بنسبة مشاركة مرتفعة، وبنتائج أجمع الملاحظون والمراقبون الوطنيون والدوليون على شفافيتها ونزاهتها وتجسيدها لإرادة المواطنات والمواطنين، مُكرسةً بذلك خصوصية النموذج المغربي في مباشرة التحول والتغيير في إطار ثوابت الأمة والاستقرار والمصلحة العليا للبلاد. في ظل هذه الظرفية الاستثنائية حيث تتقاطعُ الانتظارات والرهانات والتحديات، حرصت الحكومة منذ تعيينها من طرف جلالة الملك نصره الله ونيلها لثقة مجلس النواب، على إعطاء الأولوية مباشرة لمشروع قانون المالية لسنة 2012 بحيث تمت المصادقة على توجهاته العامة من قبل المجلس الوزاري برئاسة جلالة الملك، وتكاثفت جهود مختلف القطاعات الوزارية من أجل الإسراع بعرضه على أنظار المؤسسة التشريعية، ومناقشة مضامينه في إطار التفاعل والتعاون والحوار الجاد والمثمر، الذي يقتضيه هذا القانون باعتباره أحد المكونات الأساسية للسياسة العامة لبلادنا ومدخلا لتفعيل التدابير والإجراءات الواردة في البرنامج الحكومي. وفي هذا الصدد، فإن العرض الذي نتشرف بتقديمه أمامكم يتوزع إلى ثلاثة محاور أساسية: أولا: بسط الإطار المرجعي والسياق الدولي والوطني المعتمدَيْن في إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2012، وكذا الوقوف على مرتكزات هذا المشروع في ضوء توجهات البرنامج الحكومي؛ ثانيا: تقديم أهم مضامين وتدابير مشروع قانون المالية في أبعادها المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية؛ ثالثا وأخيرا: عرض تفصيلي حول محتوى مشروع ميزانية 2012، سيتولى تقديمه زميلي السيد إدريس الأزمي الإدريسي الوزير المنتدب لدى وزير المالية المكلف بالميزانية. السيدان رئيسا غرفتي البرلمان؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدة والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة البرلمانيون المحترمون؛ يستند مشروع قانون المالية لسنة 2012 إلى أولويات وأهداف البرنامج الحكومي كما هي مُحدَّدَة أساسا في تثمين الهوية الوطنية وتلاحم مكوناتها المتنوعة، وترسيخ دولة القانون والحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز أسس نمو اقتصادي قوي ومستدام، وضمان الولوج العادل إلى الخدمات الاجتماعية وتكافؤ الفرص والتضامن بين الأفراد والفئات والأجيال والجهات. وفي هذا الصدد، فإن هذا المشروع ينتظمُه نموذج اقتصادي واضح المعالم والمرامي ينبني على تعزيز النمو الداخلي وتشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل، وتأهيل العنصر البشري، وتطوير آليات التضامن والحماية الاجتماعية، وإرساء تنمية مندمجة متوازنة ومستدامة ذات بعد ترابي. أما في ما يخص السياق العام لإعداد هذا المشروع، فقد تميز باستمرار الأزمة الاقتصادية الدولية وآثارها على اقتصادنا الوطني رغم أسس مناعته. وهذا فضلا عن اضطراب الموسم الفلاحي جراء تأخر التساقطات المطرية. وهكذا، فقد تمت مراجعة توقعات النمو العالمي برسم سنة 2012 من 4% إلى 3,3%، فيما يتوقع أن يكون تراجع نمو منطقة الإتحاد الأوربي، أهم شريك اقتصادي لبلادنا، أكثر حدة، لينتقل من 1,1% إلى -0,5%. كما ينتظر أن تعرف التوقعات المرتبطة بوتيرة نمو المبادلات التجارية العالمية برسم نفس السنة، تراجعا ملحوظا لتنتقل من 5,8% إلى 3,9%. وعلاوة على استمرار عدم الاستقرار المالي والاقتصادي على الصعيد الدولي، سيبقى الاقتصاد العالمي محاطا بمخاطر تضخمية ارتباطا بارتفاع أسعار المواد الطاقية والأولية وتزايد تقلبات أسعار الفائدة والصرف. أما على الصعيد الوطني، فقد سجل الاقتصاد الوطني دينامية إيجابية بحيث يرتقب أن يعرف معدل النمو سنة 2011 نسبة في حدود 4.8% نتيجة - بالخصوص - لانتعاش الناتج الداخلي غير الفلاحي الذي سجل نموا ب 4,9%. هذا، بالموازاة مع تحسن ظروف تمويل الاقتصاد الوطني إذ ارتفع معدل التدفق السنوي للقروض البنكية الممنوحة للاقتصاد الوطني إلى 65 مليار درهم مع استقرار أسعار الفائدة والتحكم في معدل التضخم في حدود 0,9%. في المقابل، أثرت تقلبات الظرفية الدولية سلبا على التوازنات الخارجية، حيث ساهم ارتفاع واردات الطاقة والحبوب بحوالي 70% في تفاقم العجز التجاري الذي بلغ 185,5 مليار درهم، وذلك رغم ارتفاع الصادرات بنسبة 14,3 %. من جانب آخر، عرفت وتيرة نمو تحويلات مغاربة العالم انخفاضا من 8,3% سنة 2010 إلى 7,6% سنة 2011، ومداخيل الأسفار من 6,8% إلى 4%، الشيء الذي أثر سلبا على الحساب الجاري الذي سجل عجزا قد يتجاوز سجل 6,5% من الناتج الداخلي الخام مقابل 4,5% سنة 2010. وقد ساهمت هذه العناصر مجتمعة في تراجع احتياطات الصرف إلى 167 مليار درهم مقابل 188 مليار درهم سنة 2010 ونسبة تغطية الواردات من السلع والخدمات إلى 5,2 أشهر. من جهة أخرى، تقلصت الهوامش المتاحة لتدخل الدولة حيث بلغ عجز الميزانية 6,1% من الناتج الداخلي الخام عند نهاية سنة 2011 مقابل 3,5% كنسبة متوقعة برسم قانون المالية لنفس السنة، وكنتيجة مباشرة لذلك ارتفع معدل المديونية ليبلغ 52,9% مقابل 50,3% سنة 2010. وعلى الرغم من هذه التحديات والصعوبات المرتبطة بآثار الظرفية الدولية وارتفاع العجز، يلاحظ أن الاقتصاد الوطني ظل يحافظ على مقومات المناعة الكفيلة بمواجهة الأزمة الدولية بشكل عام والتقليص من آثارها السلبية على القطاعات الأكثر ارتباطا بتقلبات الظرفية الخارجية واستثمار الفرص المتاحة، كما تؤكد ذلك مختلف التقارير الدولية، وخاصة من لدن وكالات التصنيف الائتماني التي حافظت لبلادنا على تصنيفها في «درجة الاستثمار» في وقت تراجعت فيه درجات العديد من البلدان، خاصة منها بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. السيدان رئيسا غرفتي البرلمان؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدة والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة البرلمانيون المحترمون؛ يرتسي مشروع قانون المالية لسنة 2012 على ثلاثة مرتكزات كبرى نابعة من أولويات البرنامج الحكومي، وتتمثل أساسا في: أولا: تعزيز دولة القانون، وتدعيم مبادئ وآليات الحكامة الجيدة؛ ثانيا: تعزيز أسس نمو قوي ومستدام في إطار مواجهة تداعيات الأزمة العالمية واستعادة التوازنات الماكرو- اقتصادية؛ ثالثا: ضمان ولوج عادل للمواطنين للخدمات الأساسية وترسيخ مبادئ التضامن وتكافؤ الفرص. إننا نسعى إلى أن يشكل مشروع قانون المالية لسنة 2012 سندا لترسيخ مسار البناء الديمقراطي وتفعيل الإصلاحات الأساسية والمؤسساتية العميقة التي انخرطت فيها بلادنا، إذ يضع ضمن أولوياته المساهمة الواعية في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد باعتماد مقاربة تشاركية وديمقراطية، وفي مقدمتها تفعيل القوانين التنظيمية باعتبارها المحك الحقيقي لما يفتحه من آفاق ديمقراطية واعدة وإرساء الجهوية المتقدمة من خلال وضع الإطار القانوني للجهة كمُنطَلق لإصلاح وتجديد هياكل الدولة. كما يأتي ضمن أولوياته كذلك ترسيخ نهج الحكامة الجيدة عبر عدة واجهات، في مقدمتها مواصلة جهود تحديث تدبير المالية العمومية بإصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية، سعيا إلى تحسين أداء التدبير العمومي، وتعميق شفافية المالية العمومية، وكذا تقوية دور البرلمان في مجال مراقبة المالية العمومية. كما سيمكن هذا الإصلاح من إدماج مقاربة النوع الاجتماعي ضمن السياسات العمومية. كما ستتم، في نفس السياق، مباشرة الإصلاحات التشريعية الرامية إلى مراجعة مدونة الصفقات وتعميمها على إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، وتوطيد دور المفتشية العامة للمالية وتحديث المنظومة المؤطرة لتدخلاتها وإصلاح القانون المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة. وبالموازاة مع ذلك سيتم تطوير مقاربة مندمجة لتدبير السياسات التنموية تعتمد البرامج التعاقدية القطاعية المندمجة، وتكرس مبادئ النجاعة والفعالية والتنسيق، مع تبوئ الشراكة بين القطاعين العام والخاص مكانة متقدمة في تدبير إنجاز المشاريع بمختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية. كما ستوجه الحكومة كامل عنايتها إلى تحديث الإدارة والارتقاء بالأداء والخدمات المقدمة للمواطنين إلى مستوى أعلى من النجاعة والفعالية والمردودية، من خلال مواصلة تبسيط المساطر وتيسير الولوج إلى الخدمات العمومية وتطوير خدمات الإدارة الإلكترونية وإصدار القانون المتعلق بالحصول على المعلومة تطبيقا للمادة 27 من الدستور. وفي نفس السياق، تضع الحكومة ضمن أولوياتها برسم سنة 2012 ، تحسين مناخ الأعمال من خلال تقوية ورش الإدارة الإلكترونية. كما ستعمل على توطيد ركائز عدالة مستقلة وفعالة ومحاربة مختلف أشكال الفساد، والرشوة، والريع الاقتصادي والاحتكار والعمل على ضمان تكافؤ الفرص وحرية المبادرة الخاصة والشفافية والمنافسة الشريفة. السيدان رئيسا غرفتي البرلمان؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدة والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة البرلمانيون المحترمون؛ ينبني مشروع قانون المالية لسنة 2012، في مرتكزه الثاني، على تعزيز أسس نمو قوي ومستدام في إطار مواجهة تحديات الأزمة العالمية واستعادة التوازنات الماكرو اقتصادية. وفي هذا الصدد، ستعمل الحكومة على دعم الاستثمار المنتج والضامن لفرص الشغل من خلال: أولا: تكثيف الاستثمار العمومي بناء على رؤية تُوازن بين تأهيل التراب الوطني من خلال البنى التحتية، ومواصلة تطوير القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والقدرة على التشغيل والتصدير، وبناء الدعامات الإستراتيجية للأمن الطاقي والغذائي. وهكذا، سيعرف الاستثمار العمومي ارتفاعا بقيمة 21 مليار درهم ليبلغ 188,3 مليار درهم. وسيمكن هذا المجهود من مواصلة إنجاز وتحديث البنى التحتية وخاصة توسيع الشبكة الوطنية للطرق السيارة، ومواصلة إنجاز برنامج الطرق السريعة، وتوسيع الشبكة السككية، وأشغال توسعة وتأهيل الموانئ، وكذا تهيئة وتوسعة المطارات، وبناء السدود، وإنجاز المركبات الطاقية الشمسية والريحية، والمشاريع الكبرى للتنمية الحضرية والمشاريع الإنتاجية خاصة في مجال الفوسفاط ومشتقاته. كما سينصب المجهود الاستثماري للدولة على تفعيل الإستراتيجيات القطاعية بهدف تنويع وتحديث البنيات الإنتاجية وإحداث مناصب الشغل وتعزيز قدراتنا التصديرية والتنافسية، وذلك مع ملاءمتها مع التطورات الدولية وتسريع وتيرة إنجازها، وضمان توفير شروط الفعالية والنجاعة والتقائية السياسات العمومية. ثانيا: تأمين مسارات تكوينية للكفاءات تواكب حاجيات الإستراتيجيات القطاعية من خلال إعداد إستراتيجية مندمجة لتنمية التكوين المهني عبر دعم التكوين في مجال صناعة الطائرات والمكونات الإلكترونية والخدمات عن بعد والصناعة التقليدية والفلاحة، وتنويع التكوينات الممهننة بالمؤسسات الجامعية، فضلا عن دعم المؤهلات والمهارات الذاتية للطلبة عبر تمكينهم من اللغات والتواصل وتقنيات المعلوميات والتكنولوجيات الحديثة وتطوير البحث العلمي أساسا عبر تجميع وحدات البحث في أقطاب منسجمة، وتحيين الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتكنولوجي، دعما لإدماج اقتصاد المعرفة في مسارات التنمية وتقوية تنافسية النسيج الإنتاجي الوطني. ثالثا: تعزيز جاذبية وتنافسية الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمارات الخاصة الوطنية والدولية من خلال إحداث أقطاب تنموية صناعية وفلاحية وخدماتية مندمجة، وتشجيع المناطق الحرة للتصدير، وتنزيل إصلاحات نوعية تهم القطاع المالي بمكوناته الثلاث: سوق الرساميل والقطاع البنكي وقطاع التأمينات، وتعزيز تنافسية وإشعاع القطب المالي للدار البيضاء، وإعطاء الانطلاقة لجيل جديد من الإصلاحات الضريبية والجمركية، ومواكبة المقاولات الصغيرة والمتوسطة من خلال دعم الابتكار وتمويل البحث والتطوير في مجال التكنولوجيات المتقدمة وتشجيع المجمعات الصناعية القطاعية وتشجيع نقل التكنولوجيا وتسهيل الولوج إلى الأسواق الوطنية والدولية والصفقات العمومية وتطوير آليات التمويل والضمان لتشمل المقاولات الصغيرة جدا. وفي إطار حرصها على ضمان حكامة تنموية متناسقة، ستعمل الحكومة على استعادة التوازنات الماكرواقتصادية والمالية في ظل إكراهات الظرفية الدولية والوطنية، واعتماد آليات من أجل ضمان مسار سليم للمالية العمومية يمكن من حصر عجز للميزانية في حدود %3 من الناتج الداخلي الخام في أفق 2016. و في هذا الصدد، يتضمن مشروع قانون المالية لسنة 2012 مجموعة من الإجراءات ستمكن من حصر عجز الميزانية في معدل %5 من الناتج الداخلي الخام بهدف تعزيز استقلالية القرار الاقتصادي، و ذلك عبر اعتماد سياسة إرادية لترشيد النفقات العمومية تتمثل في تخفيض 50% من النفقات المتعلقة بالفندقة والإيواء والاستقبال وتنظيم الاحتفالات الرسمية، وعقلنة إنجاز الدراسات، وحصر نفقات التسيير الأخرى في حدود الحاجيات الملحة للإدارات. كما سيتم تعزيز آليات المراقبة الجبائية والتخفيض التدريجي من الإعفاءات الضريبية باستثناء تلك التي تستهدف إنعاش و تشجيع الاستثمار المنتج و تحقيق العدالة الاجتماعية. ومن منطلق أهمية التوازنات الاجتماعية في ضمان كرامة المواطن واستقرار المجتمع وتماسكه، يولي مشروع قانون المالية لسنة 2012 أهمية كبرى لتطوير وتفعيل البرامج الاجتماعية بما يضمن الولوج العادل إلى الخدمات الأساسية خصوصا التعليم والصحة والسكن ويكرس مبادئ التضامن وتكافؤ الفرص. ودعماً للقدرة الشرائية للمواطنين، سيتم العمل على تنفيذ اتفاق 26 أبريل 2011 في إطار الحوار الاجتماعي التي رصد لها غلاف مالي فاق 13,2 مليار درهم، مُوازاةً مع التحكم في نسبة التضخم في حدود 2%. كما ستتم مواصلة دعم أسعار المواد الأساسية عبر تخصيص 32 مليار درهم. هذا، بالإضافة إلى مواصلة الإصلاح التدريجي لنظام المقاصة أخذا بعين الاعتبار تأثيراته الاجتماعية والموازناتية، بالموازاة مع تفعيل آليات الاستهداف المباشر للفئات المعوزة. السيدان رئيسا غرفتي البرلمان؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدة والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة البرلمانيون المحترمون؛ وبقدر حرص الحكومة على الاستجابة للمتطلبات المالية لمختلف القطاعات، فإنها تحرص في الآن ذاته على نهج سياسة تضامنية تمكن من التوزيع العادل للمجهود الوطني في هذا المجال، الشيء الذي تجسده عدد من الآليات والإجراءات المقترحة التي يأتي على رأسها إحداث صندوق دعم التماسك الاجتماعي باعتمادات تقدر ب 2 مليار درهم. وسيتم تخصيص هذا الصندوق لاستهداف الفئات الضعيفة عبر المساهمة في تمويل العمليات المتعلقة بنظام المساعدة الطبية الذي أعطى جلالة الملك أيده الله، قبل يومين، انطلاقة عملية تعميمه على مختلف ربوع المملكة في أفق أن يشمل حوالي 8.5 مليون مواطنة ومواطن من الشرائح المعوزة. كما سيقدم هذا الصندوق الدعم النقدي المباشر لفائدة تمدرس أبناء الأسر الفقيرة ولمحاربة الهدر المدرسي. ولأول مرة، في إطار هذا الصندوق، سيتم استهداف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. وسيتم تمويل هذا الصندوق من خلال مساهمة تضامنية برسم سنة 2012 من لدن الشركات التي يساوي أو يفوق مبلغ ربحها الصافي مائتي (200) مليون درهم، بنسبة 1.5% ، إضافة إلى الرفع من الرسم الداخلي على استهلاك التبغ ب 1,6%. وفي مجال التضامن الاجتماعي دائما، وفي إطار البدء في تفعيل آليات استرجاع الدعم الذي تستفيد منه الفئات الميسورة، يقترح مشروع قانون المالية إعادة النظر في رسم أول تسجيل للسيارات عند الاقتناء مع الحرص على وضع سلم يراعي قيمة السيارة وقوتها الجبائية. وعلى نفس الأساس ستتم مراجعة أسعار الضريبة السنوية على السيارات بما يمكن من توزيع عادل لهذا المجهود، على أن تستثنى من هذا الإجراء العربات المعدة للنقل العمومي. من جانب آخر، ونظرا للأولوية القصوى التي يحظى بها التشغيل وإدماج حاملي الشهادات في البرنامج الحكومي، يقترح مشروع القانون المالي لسنة 2012 خلق 26.204 منصب مالي وفق ما تمليه الحاجيات الملحة لضمان السير العادي للإدارة والرفع من فاعليتها، ستخصص 45% منها لقطاعات التعليم والصحة والعدل. كما سيتم رصد مبلغ 1 مليار درهم لفائدة صندوق دعم تشغيل الشباب قصد تفعيل الآليات الجديدة الهادفة إلى إدماج الشباب في سوق الشغل مع ضمان استمراريتهم في العمل واستفادتهم من الحماية الاجتماعية. السيدان رئيسا غرفتي البرلمان؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدة والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة البرلمانيون المحترمون؛ وانطلاقا من التزام الحكومة في برنامجها باعتماد المقاربة المجالية في برمجة الميزانية وانسجاما مع التوجيهات الملكية بهذا الخصوص، يرتكز البعد المجالي لمشروع قانون المالية لسنة 2012، على منظور يوازن بين تأهيل العالم القروي والمناطق الجبلية وضمان انخراط كافة الجهات في التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمتضامنة والمستدامة. ففيما يخص تأهيل العالم القروي والمناطق الجبلية، ستتركز مجهودات الحكومة على توفير التجهيزات والخدمات الأساسية وكذا تحسين ظروف عيش هذه الساكنة من خلال تخصيص ما يناهز 20 مليار درهم. كما سيتم الحرص على إنجاز برامج محاربة الفقر بالوسط القروي في إطار المرحلة الثانية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2011-2015) والتي ستستفيد منها 701 جماعة قروية، إضافة إلى البرنامج الخاص بتأهيل المجال الترابي، الذي يهم حوالي مليون شخص من القاطنين ب 3.300 دوارا تابعين ل 22 إقليما. ويروم هذا البرنامج إلى تحسين ظروف عيش سكان بعض المناطق الجبلية أو التي تعاني من العزلة، وتقليص الفوارق في مجال الولوج إلى البنيات الأساسية والتجهيزات وخدمات القرب. وستعمل الحكومة على دعم هذه المبادرة من خلال تخصيص غلاف مالي يقدر ب 2,3 مليار درهم. هذا، بالإضافة إلى توسيع مجال تدخل «صندوق التنمية القروية» ليشمل العمليات الخاصة بتنمية المناطق الجبلية مع تعزيز إمكانياته المالية لتبلغ 1 مليار درهم. وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية بخصوص مواجهة الانعكاسات السلبية لتأخر التساقطات المطرية، أعدت الحكومة برنامجا استعجاليا لدعم القطاع الفلاحي والوقاية من تدهور الوضع ميدانيا من خلال رصد اعتمادات مالية تقدر ب1,53 مليار درهم ستخصص بالأساس لحماية الماشية بالمناطق المتضررة والحفاظ عليها. كما ستواصل الحكومة التعبئة والتتبع الميداني والتفاعل الفوري مع تطورات الوضع، وتقديم الدعم اللازم للفلاحين المتضررين وللعالم القروي عامة. السيدان رئيسا غرفتي البرلمان؛ السيد رئيس الحكومة؛ السيدة والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة البرلمانيون المحترمون؛ يمثل إرساء الجهوية المتقدمة أولوية بالنسبة للحكومة انطلاقا من إيمانها بضرورة تحقيق نمو متوازن ومنسجم لمجموع التراب الوطني. وعلى هذا الأساس، ستعمل الحكومة على اتخاذ المبادرات التالية: - إصدار القانون التنظيمي للجهات واعتماد تقطيع جهوي يوفر مؤهلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لكل جهة؛ - إحداث «صندوق التأهيل الاجتماعي للجهات» و»صندوق التضامن بين الجهات» المنصوص عليهما في الدستور من أجل ضمان تنمية مجالية متوازية؛ - إعادة صياغة مشروع اللاتمركز الإداري في علاقته مع الجهوية المتقدمة؛ - إصلاح نظام الجبايات المحلية بهدف تطوير مداخيل الجماعات الترابية؛ - تكريس البعد الجهوي للميزانية في إطار إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية بشكل يضمن التوطين المجالي للبرامج والإستراتيجيات القطاعية. وكمدخل لهذه الإصلاحات، ولتفعيل دور الجهات في مجال التنمية وتأهيلها لتدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، حرصت الحكومة في إطار هذا المشروع على اعتماد المقاربة المجالية في برمجة الاستثمارات العمومية، على أساس أن تتم مأسسة هذه المقاربة مع إصلاح القانون التنظيمي للمالية الذي نحن بصدد تحضيره. تلكم إذن هي أهم الخطوط الرئيسية والتوجهات الكبرى التي يتضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2012 الذي نريد له أن يكون خطوة أولى في تنفيذ البرنامج الحكومي، وتفعيل التزاماته وتدابيره النابعة من انتظارات وتطلعات المواطنات والمواطنين إلى الشغل والكرامة والارتقاء الاجتماعي والولوج المنصف والعادل إلى الخدمات وفرص النجاح، وغيرها من حقوق ومستلزمات المواطنة الكاملة التي ينص عليها دستور فاتح يوليوز. إنه مشروع إرادي وطموح باختياراته وإجراءاته الاقتصادية والاجتماعية في مواجهة آثار الأزمة العالمية والتفاعل مع تقلبات الظرفية؛ مشروع يحرص على تقوية الاستثمار العمومي وتسريع وتيرة الأوراش الكبرى ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل الحفاظ على الشغل وخلق فرص شغل جديدة؛ مشروع يواصل حماية القدرة الشرائية، ويقترح إرساء آليات جديدة في التضامن والتماسك الاجتماعي واستهداف المعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة. وسنبقى معا رهن إشارة السيدات والسادة البرلمانيين لتقديم المزيد من المعطيات والتوضيحات التي يحتاجونها من أجل دراسة ومناقشة مضامين هذا المشروع الذي نراهن عليه جميعا أغلبية ومعارضة. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته