من المعلوم الشائع عند الناس هنا بإسبانيا عدم اهتمام الإسبان عموما بتعلم اللغات الأجنبية، فإذا خرجت عن الدوائر التي تشكل فيها اللغة الأجنبية "المعلوم ضرورة"، فأنت إن أعوزتك الإسبانية لا تجد من يسعفك بالفهم عنك، وعادة ما يدهمك مخاطبك بالعبارة الشهيرة "لتتعلم الإسبانية" ولو كانت معك لغات العالم كله. هذا الإنطباع السائد عن العوز اللغوي الإسباني ألبسه مركز الأبحاث الإجتماعية اليوم أرقامه المناسبة. فحسب دراسة أجراها المركز أعلن عنها أمس، فإن 63 بالمائة من الإسبان لايتحدث و لا يكتب و لا يقرأ بلغة مغايرة للإسبانية. وأشارت الدراسة إلى أن المفزع في الأمر ليس تضخم نسبة الجاهلين بلغة ثانية في إسبانيا بل هو حجم العزوف المعلن عن تعلم اللغات. حيث أظهرت الدراسة أن 26،5 بالمائة أعلنوا عدم رغبتهم في تعلم لغة ثانية، و فقط 8 بالمائة أجابوا بأنهم بصدد تعلم لغة أخرى. وفي تفسيرهم لانعدام الرغبة هذه أكد 74 بالمائة من المستجوبين بأنهم في حياتهم الخاصة و العملية أبدا لم يشعروا بأنهم في موقف ضعف لعدم إتقانهم لغة أخرى سوى الإسبانية. ولكن المفارقة هي أن تسعة من كل عشرة من الأشخاص المستجوبين يعتبر أن تعلم لغة ثانية مهما، حيث اعتبر50,3 بالمائة أن تعلمها جد مهم فيما أجاب 40,8 بأن تعلمها مهما فقط. و من ضمن 8 بالمائة الذين أجابوا بأنهم يتعلمون لغة ثانية حاليا، أجاب 45,1 بأنهم يتعلمونها لإعتبارات الدراسة و العمل، فيما أجاب 33,5 بالمائة بأنهم يفعلون ذلك حبا في تعلم اللغات. والغريب أن هذه المعطيات تسجل في بلد يعتبر من الوجهات السياحية الأولى في العالم، وتعتبر فيه السياحة أحد المحركات القوية للإقتصاد، حيث تشكل عائداتها نسبة ضخمة من الدخل القومي الإجمالي. و الظاهرة ربما تعكس إحدى المخلفات الإجتماعية و الثقافية للفترة الفرنكية الإنغلاقية، عندما تم طرد إسبانيا من المحافل الدولية و عاشت على وقع العزلة لعقود قبل ان تعاود الإنفتاح التدريجي منذ ستينيات القرن الماضي، وهو ما يجعلها اليوم في بندول يتراوح بين الإنفتاح و الإنغلاق.