لنبدأ بالسؤال: أهو أدب مغربي باللغة الاسبانية أم أدب اسباني مكتوب من طرف مغاربة؟ والسؤال ذاته ينسحب على الأدب المغربي باللغة الفرنسية والانجليزية، على اعتبار ان المغرب ملتقى اللغات وكليات آدابه يتخرج منها كل سنة أفواج من أقسام اللغات والآداب الأجنبية باللغات المشار إليها. حينما نتحدث عن الأدب المكتوب بلغة أجنبية مثل اللغة الاسبانية بالنسبة للحالة التي نحن بصددها الآن، فإن الذهن ينبغي ان ينصرف إلى شيئين اثنين 1 - اللغة الاسبانية وسيلة التعبير في هذا الادب. 2 - الكاتب الذي يكتب بتلك اللغة. اللغة: فإذا أخذنا لغة التعبير التي هي هنا اللغة الاسبانية، فإننا نرى فيها الوسيلة التي كونت مخيال وذائقة الكاتب او الشاعر، وهي الاداة التي اطرت وعيه الجمالي، ورؤيته للحياة والكون، وانشأت السليقة لديه بحيث لا يمر شيء واقعيا كان او متخيلا الا عبر جهاز اللغة، و اللغة كما هو معلوم حمالة اوجه من القيم وأشكال الوعي الثقافي المنغرزة في ثقافة تلك اللغة المكتوب بها الإبداع والأدب، مثل حالتنا هذه، التي هي الادب والابداع الاسبانيان المكتوب من طرف كتاب وشعراء مغاربة، من هنا نصل الى خلاصة مفادها ان الكاتب الذي يكتب ادبا باللغة الاجنبية التي تربى في احضانها، و رضع من لبنها سنوات ذوات العدد، خلال تكوين، وعيه الجمالي والمخيالي والتقافي، لا يمكن الا ان تكتبه تلك اللغة بحمولة قيمها وثقافتها الزاخرة، بدل ان يكتب هو بها، وهنا نصل الى الرأي القائل، اننا لا نكتب باللغة وانما ننكتب من خلال اللغة. وبعد، أليس من المعقول ان نعتبر ان الادب الذي يكتبه الكتاب والشعراء المغاربة باللغة الاسبانية هو ادب اسباني كتبه ويكتبه مغاربة، وبالمثل نقول الشيء ذاته عن ما يكتبه كتاب وشعراء مغاربة باللغة الفرنسية او الانجليزية، انه ادب فرنسي وانجليزي كتابة مغاربة وليس ادبا مغربيا، فالجنسية لا تكتب ادبا ولا تخلق فنا او تبدع جمالا، وانما اللغة التي نكتب بها وتنكتب الذات من خلالها، هي التي تبدع ادبا، وتخلق فنا وتسوي جمالا، ودع عنك في هذا الباب النظريات التي تفسر الخلق والابداع بارجاعها الى الجنس والعرق وما شابه، ويبقى ان الادب الاسباني المكتوب من طرف مغاربة، هو اثراء للادب الاسباني نفسه وتنويع قد يكون نوعيا ذا خصوصية في سنفونية ذلك الادب، مثل شأن الشعراء والكتاب المنحدرين من جنسيات وارومات فارسية ورومية.. خلال القرن الثاني والثالث الهجريين والذين كتبوا باللغة العربية، فأغنوا وأثروا الادب العربي القديم، فهل بعد الذي قلناه عن اللغة المكتوب بها، نعود الان ونقول: الشعر الفارسي العربي او الشعر الرومي العربي، استنادا الى أن الذين قالوا وكتبوا ذلك الشعر هم من ارومة فارسية ورومية؟! الكاتب حينما نصل الى هذه اللحظة المفصلية في تخلق ادب اسباني يكتبه مغاربة، نكون قد جسرنا الهوة الفاصلة بين اللغة الاسبانية المكتوب بها والكاتب الذي يكتب ذلك الادب، شريطة ان نضع في الاعتبار الفرق بين الكاتب الاستسبانيhispanisla والكاتب المبدع. إن مفهوم الاستسبانHispanismo هو مفهوم فضفاض، يتسع ليشمل كل من يستعمل اللغة الاسبانية، في اي مجال من مجالات النشاط الفكري والذهني، بل انه لينسحب على كل من يجيد الكلام والتواصل السلس باللغة الاسبانية، حتى وان لم يكن على جانب من التعلم والثقافة. وكم هم الذين يمكن ادراجهم في هذا المفهوم الواسع للاستسبان من الجيل الذي بدأ ينقرض الان، وكان قد ادرك حقبة الحماية الاسبانية لمنطقة شمال المغرب، وفي هذا السياق نورد تعريفا للاستسبان، للراحل، رودلفوخيل، مدير سابق للمركز الثقافي الاسباني بتطوان، يقول: «ان الاستسباني (المغربي) ليس هو ذلك الذي يقتصر اشتغاله فقط على اللسانيات الاسبانية، فقه اللغة، الادب، وعلى تعليم اللغة الاسبانية ذاتها، وعلى التاريخ، الحضارة والانتروبولوجية الثقافية، وانما الاستسباني، هو كذلك من يبدع كاتبا باللغة الاسبانية، ومن يستعملها كأداة رئيسية في عمله المهني مهما كان، ومن يستخدمها كوسيلة مفضلة لاكتساب المعارف، من يترجم، وحتى من هو غير متمكن من اللغة، ولكنه يشتغل في ماهو اسباني ايا كانت وجهة النظر(...) لقد طور الاستسبانيون المغاربة الاوائل عملهم في مجالات متعددة، مثل التاريخ، الفلسفة، القانون، الانتروبولوجية الثقافية، الادب، الترجمة السياسة من وجهة نظر متعددة، الشعر السرد..».المرجع literatura marroqui en langua caste Llanam Mohammad chakor-sergio Macias.p17 فاذا استثنينا الكاتب المبدع باللغة الاسبانية، من بين جميع انواع الكتاب وممارسي اشكال الانشطة الذهنية والفكرية الاخرى الواردة في هذا التعريف الفضفاض لمفهوم الاستسبان، سنجد ان الكاتب المبدع باللغة الاسبانية، هو الذي يستحق ان نطلق عليه كاتب أدب اسباني، وأن ما يبدعه هو أدب اسباني مكتوب من طرف واحد من الكتاب المغاربة الذين يبدعون باللغة الاسبانية، اما باقي الانشطة، وانواع الكتابات الاخرى الواردة في التعريف الفضفاض للاستسبان، فهي بقدر ما تبتعد عن الادب باعتباره ابداعا، بقدر ما تقترب من مجالاتها وأجناسها التي تحكمها قوانين خاصة بها. ومن هذا المنظور، وحرصا على بلورة مفهوم للادب الاسباني المكتوب من طرف شعراء وكتاب مغاربة، فإنه من اللازم ان نبقي على الكتابات باللغة الاسبانية شعرا ونثرا، التي يتحقق فيها الخلق والابداع، وجمال التخييل، والتمكن من اللغة واتقانها، ذلك انه بدون هذه المكونات لايستقيم ابداع، ولايكون أدب، ولا تتوفر نصوص فيها بذخ وجمال، وفيها خلق عوالم وتشكيلها وبناء فضاءات استنباتها يجري فيها التخييل مندلقا على الورق، أعني خلال النصوص، ومن وجهة النظر هذه، اعتقد ان مؤلفي كتاب «الادب المغربي باللغة الاسبانية» السيدين محمد شقور وسرخيوماثياس، قد جانبا الصواب حينما تبنيا مفهوما للاستسبان فضفاضا، جعلهما يدخلان في الكتاب كل نشاط ذهني وفكري باللغة الاسبانية قام به كتاب مغاربة، واعتباره أدبا اسبانيا مغربيا حتى ان لم يكن يمت الى مفهوم الادب بالمعنى المتعارف عليه، بل اكثر من هذا، في الكتاب اسماء شعراء لم يعرف عنهم أنهم كتبوا يوما ولو محاولات باللغة الاسبانية ورغم ذلك، هم حاضرون في الكتاب لا لشيء سوى أنهم يلمون باللغة الاسبانية، وهنا يطل مجددا مفهوم الاستسبان الواسع المعتمد كرؤية ومنطلق لتأليف الكتاب المشار إليه. وانا أعيد الآن قراءة هذا الكتاب الصادر سنة 1996 عن مطبوعات ما غاليا بمدريد، بعد ان كنت قد قرأت عقب توصلي به من الصحافي والمبدع باللغة الاسبانية محمد شقور مشكورا، تبين لي لو أنه يتم تشذيبه وتنقيحه، والاقتصار فيه فقط على الكتاب والشعراء المغاربة الذين مارسوا الكتابة الابداعية باللغة الاسبانية، ولهم اعمال مطبوعة في جنس الشعر والقصة وا لمسرح والرواية وعلى كل كتابة اعتدنا أن ندخلها في الابداع الادبي والخلق الفني، ومثل اعادة النظر هذه، اذا تمت، سيكون لها مردود، يظهر في محاولة بلورة مفهوم الادب الاسباني الذي كتبه ويكتبه المغاربة، بالاضافة الى ذلك، فإن هذه المسلكية، ستسمح بمعرفة الرؤى التي أطرت هذا الادب في مرحلة ما من مراحل المغرب الحديث إبان فترة الحماية الاسبانية، وخاصة بالنسبة للجيل الاول من هؤلاء الكتاب والشعراء، ولن يتم هذا الا بإعادة نشر نصوص هؤلاء الكتاب المغاربة باللغة الاسبانية وجعلها في متناول من يهتمون بهذا الابداع، سيما وان ذلك الجيل يعتبر المؤسس والرائد، واعتقد أن جزءا من هذه المسؤولية، حتى لا أقول من الدين التاريخي Deuda historica تتحملها الجهات والمراجع العليا في الدولة الاسبانية الموكول إليها رعاية اللغة والثقافة الاسبانيتين، خاصة اذا كان الامر يتعلق بالمحميات القديمة، وكما أن بعض هذه الجهات، خاصة بعض المراكز الثقافية الاسبانية بالمغرب، اطلقت الآن مشروع تمويل تجربة ترجمة اعمال أدبية لكتاب وشعراء اسبان الى العربية، فإنه، من باب الدين التاريخي العالق، على تلك الجهات ان تمول خريطة طريق لنشر واعادة نشر اعمال أدبية لكتاب مغاربة كتبوا باللغة الاسبانية، خاصة الرواد منهم، وقد يكون لرابطة الكتاب المغاربة باللغة الاسبانية دور في هذا المجال، نقول هذا، سيما وان مسألة حضور اللغة والثقافة الاسبانيتين بالمغرب وقع فيها انفصال وانقطاع.