إن مقال المؤرخة الاسبانية «مارياروسا دي مادارياغا» جاء مساهمة منها في الجدل الذي كان قد بدأه الناقد و المترجم إدريس الجبر وني في العامَ الماضي، عبر مشاركات في أنشطة مختلفة، خصوصا تلك التي ارتبطت بمعهد ثربانتس، هذا الأخير الذي كان شريكا ثقافيا حقيقيا للمؤسسة الآنفة الذكر. وكان إدريس الجبروني المصمودي قدِ اخترق جدارَ الصمت، منذ سنوات بصدد الكتابة الموصوفة» بالأدب المغربي المكتوب باللغة الإسبانية وعاد إلى طرق الموضوع مجدَّدا منذ شهر ونصف على صفحات الويب بالموقع» المغرب الرقمي http://www.marruescodigital.net الصادر بمدريد برعاية وزارة الثقافة الإسبانية، مثيرا زوبعة من الردود والانطباعات، شارك فيها ثلاثة وعشرون متدخِّلا، دون أن يُسجَّل أيُّ تدخُّل من قِبل الكُتَّاب المغاربة باللغة الإسبانية » «خدعة أو مكر الأدب المغربي المكتوب باللغة الإسبانية« كان إضافةً نوعية إلى الموقع المذكور، إذ سجَّل ارتفاعا سريعا في عدد زائريه والمنخرطين فيه، وتمَّ نقلُ المقالة إلى مواقع أخرى، وهو ما لفت الانتباه حقًّا إلى حدث أدبي يستدعي التنويه ويستحقُّ الاهتمام. (انظر مقال مزوار الإدريسي - * -) وفي مقال للناقد الإسباني خوصي كروث كابريريثو نشر بجريدة Granada La Opinion de (الرأي) الغرناطية بتاريخ 13 /3 /2008 حول موضوع الكتابة المغربية بالإسبانية حدد فيه ثلاثة اتجاهات نقدية حول هذا الموضوع : الأول: يمثله إدريس الجبر وني الذي ينفي وجود هذا النوع من الأدب، (وحتى بالفرنسية) لأنه ليس له جذور في هذه الأرض، وليس له تاريخ ولا تعريف ولا تقليد، كما أنه يرى بأنه أدب لا مستقبل له نظرا لطابعه لما بعد المرحلة الكوولونيالية وغياب القراء بهذه اللغة بالمغرب. يصفه بمكر الأدب و هو مكر خطير يقوم على مقدمات و براهن صالحة، تؤدي بنا إلى/ أو اعتماد استنتاجات ليست صحيحة و في بعض الحالات تنتج عن أخطاء أو عن جهل، و في حالات كثيرة أخرى يلجأ إليها عن قصد و بغايات التضليل و الالتباس و الخداع. الاتجاه الثاني: وتمثله المؤرخة ماريا روسادي مادارياغا، والذي تطرحه في هذا المقال المترجم، بحيث تشير فيه إلى سياسة الاستعمارين الفرنسي والاسباني بالمغرب. ففي الحالة الفرنسية نجد كتابا مرموقين لهم نصوص أدبية رفيعة المستوى وعددهم كثير، بينما في الحالة الإسبانية في الشمال، فإن الذين يكتبون باللغة الإسبانية عددهم قليل، ويكتبون بلغة رديئة. الاتجاه الثالث: وهو اتجاه رسمي ويمثله بعض من هؤلاء الكتاب الذين يعتبرون أن معايير الاتجاهين: الأول والثاني مبالغ فيهما، غير أن بعضهم يقر بوجود كتاب رديئي الانتاج أو الإبداع، وقلة منهم تحظى نصوصها بالجودة غير أن علا قتهم بالهيئات الرسمية الثقافية حجبتهم وأضرت بهم . (المترجم) بعد أربعة وأربعين سنة من الحماية الإسبانية، وأكثر من خمسين سنة من الاستقلال. يطرح الآن السؤال التالي: وهو المتعلق بوجود نخبة مغربية مثقفة ثقافة إسبانية بشمال المغرب، كما هو الشأن بالنسبة للفرانكفونيين المغاربة في منطقة الحماية الفرنسية. إن هذا الموضوع المهم أثار جدلا من خلال دراسة نشرها الباحث المغربي في الإسبانيات الأستاذ إدريس الجبر وني منذ شهور في الموقع الرقمي (marruecosdigital) وكان قد نشره من قبل (أبريل 1997م) في صحيفة (La Mañana) الإسبانية التي تصدر من الدارالبيضاء تحت عنوان دال «مكر الأدب المغربي المكتوب باللغة الإسبانية» وهو في الأساس نقد لكتاب (انطولوجية الأدب المغربي المكتوب باللغة الإسبانية) لمحمد شقور و سيرخيو ماثياس، الصدر سنة 1995م. ومن خلال هذا المقال يطرح الأستاذ إدريس الجبر وني أفكاره حول الموضوع. وهو على صواب عندما يقول: إنه لا يجب الخلط بين الاستسبان من جهة والإبداع الأدبي من جهة أخرى، بحيث لا يمكن أن يجمعا في سلة واحدة. هناك عدد كبير من والاستسبانيين يختصون في مجالات عديدة مثل: الدراسات التاريخية، وخصوصا في النقد الأدبي، وهم أساتذة في غالب الأحيان يعملون في شعب الدراسات الإسبانية بالجامعات المغربية، وقد أنجزوا أعمالا أكاديمية في اختصاصاتهم نالوا بها تقديرا كبيرا من طرف المهتمين. الاستسباني يجب أن تكون له دراية باللغة الإسبانية. لأنه يتعامل مع مادة مكتوبة بتلك اللغة، ولكنه ليس مطالبا أن يكتب بها دراساته التي ينجزها كما هو الشأن بالنسبة للاستسبانيين الفرنسيين والإنجليز والألمان الذي أنجزوا. دائما أعمالهم بلغاتهم، حتى وإن فعلوا ذلك أحيانا وكتبوا باللغة الإسبانية، ليس من الضروري أن يكون ذلك أقل جودة. بعد توضيح هذه النقطة، يبقى ما يتعلق بالأدب المغربي المكتوب باللغة الإسبانية ما يشبه الدقيق الذي وضع في غير كيسه. وفعلا ندخل هنا إلى ساحة الإبداع الأدبي الذي يختلف كثيرا عن السابق، ويتعلق هنا بالقدرة على التعبير عن الأحاسيس أو العواطف، ووصف الوضعيات أو الشخصيات، وحكي أعمال بلغة جميلة وأنيقة، كل هذا يستلزم امتلاك اللغة وإتقانها. إن الإنتاج الأدبي لكاتب مغربي يكتب باللغة الإسبانية لا يمكن أن نحكم عليه فيما يتعلق بجودته من خلال معايير نقدية مختلفة عن التي نطبقها على أعمال كاتب إسباني. إنه من غير المقبول إطلاقا أن نقيم عمل الأول (المغربي) بنفس معايير التسامح التي سنقيم بها عمل شاب انطلق في محاولاته الشعرية الأولى كتلميذ متفوق، نظم قصيدة بمناسبة نهاية السنة الدراسية بالتعليم الإعدادي أو الثانوي. هذا سيوقعنا في أبوية موروثة عن الاستعمار القديم. وكأننا نقول: إنه ليست أقل قيمة أن يكون هذا العمل لمغربي يستحق هذا التقدير. من المؤسف تبعا للمعايير التي عرضناها، لا نعتقد أنه يمكننا الحديث عن أدب مغربي خالص مكتوب باللغة الإسبانية . وكما يقول الأستاذ إدريس الجبر وني، وأتفق معه في هذا الرأي، ليمكن الحديث عن هذا الأدب يجب أن يتوفر لنا تراكم من النصوص الكافية، ليكون له مدلول، وليس في نيتي أن أنزع الاستحقاق والتقدير لأولئك الذين استطاعوا أن يحققوا بعض الجودة في كتاباتهم، والواقع أن الأغلبية ممن يطلق عليهم كتاب مغاربة باللغة الإسبانية يجدون أنفسهم مجبرين على تحمل نفقة نشر كتبهم التي عادة ما تنتهي ببيع قسط منها، والقسط الآخر يقومون بإهدائه لأصدقائهم. ولا يوجد مع استثناءات نادرة أي واحد منهم استطاع أن ينشر بإسبانيا، ولا حتى في دور نشر مشهورة، نأسف على قول هذه الحقيقة: لا يكفي التعبير بطلاقة أكيدة باللغة الإسبانية لكي يعتقد شخص ما أنه يمكن له الإبداع بها. هناك فرق بين اللغة المنطوقة (المتكلم بها) ولغة الكتابة. كثيرون ممن يتقنون التعبير باللغة الإسبانية بطلاقة، يستعملون لغة بسيطة، كما تقول العامة، ولكنهم يرتكبون أخطاء فظيعة في اللغة المكتوبة، ليس في البنية التركيبية وإنما في الأخطاء الإملائية. الأمر يتعلق هنا بلغة إسبانية اكتسبوها في الشارع وليس منذ المدرسة الابتدائية، هناك سبب ما لنطلب منهم بإلحاح، ما يطلب من أي إسباني شغوف بالكتابة: الصرامة والجودة في استعمال اللغة. وعكس المنطقة الشمالية، فإن المنطقة الجنوبية التي خضعت للحماية الفرنسية، تكونت بها نخبة فرانكفونية، والذين يشكلون جماعة من الكتاب المشهورين منهم الطاهر بنجلون الذين حققوا شهرة كبيرة. لا أتفق مع الأستاذ إدريس الجبر وني عندما يستشهد بالمفكر عبد الله العروي حول مسألة مغربية الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية، لأن اللغة ليست إلا وسيلة للتعبير، وأن يستعمل الطاهر بنجلون اللغة الفرنسية بدل العربية، فإن هذا لا ينقص من إدراكه للعالم المغربي ولا تنقصه الحساسية ليعكسه في أعماله، ويمكن البرهنة على أن الطاهر بنجلون هو نتاج للثقافة الاستعمارية الفرنسية، كما هو الشأن بالنسبة لسلمان رشدي للعالم البريطاني. باختصار: الاثنان معا وقعا تحت المثاقفة. غرباء عن ثقافة بلدانهم الأصلية. ولكن ماذا يمكن أن نقول عن كاتب مثل (خورخي سمبرون)؟ لا يمكننا في هذه الحالة الحديث عن مثاقفة ناتجة عن وضعية استعمارية، وإنما ببساطة عن تكوين بلغة ليست اللغة الأم كلغة الثقافة لأسباب وهي أن سمبرون عاش في المنفى مع أسرته في فرنسا بعد الحرب الأهلية الإسبانية (36-1939م) فاين يمكن وضع سمبرون . فبالإضافة أنه يكتب بالفرنسية كذلك يكتب بالإسبانية؟ أين يمكن أن نضع الجزائري رشيد بوجدرة (جائزة أحسن رواية باللغة الفرنسية سنة 1979م) والذي يكتب منذ سنة 1982م باللغة العربية؟ هل يمكننا أن نجرده من جزائريته عندما كان يكتب باللغة الفرنسية؟ ولكن إذا عدنا للحالة المغربية (في المغرب) فإن ظاهرة الإبداع عند النخبة الفرانكفونية يمكن أن نفسرها بالسياسة التي تهجتها فرنسا في منطقة حمايتها. كما قال لي الاستسباني المغربي يوسف أكمير الأستاذ بجامعة أكاد ير. إن السلطات الفرنسية في عهد الحماية انشغلت بتكوين نخبة مثقفة مغربية، ابتداء من تعليمهم اللغة الفرنسية في المرحلة الابتدائية ثم في التعليم الثانوي بثانوية ديكارت أو في ثانوية ليوطي، ليتمكنوا بعد ذلك من إتمام دراستهم بالجامعات الفرنسية في الفترة ما بين الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. إن أبناء العائلات البرجوازية الحضرية الين اكتسبوا تعليما نخبويا في المعاهد الفرنسية بالرباط وفاس والدارالبيضاء، توجهوا بعد ذلك إلى فرنسا والذين عادوا بعد الاستقلال وهم ذوو مستوى عالي من التكوين، بحيث أسندت لهم مناصب مهمة في المغرب. أما تعريب التعليم الذي جاء بعد عقدين فلم يحقق نجاحات، بمعنى أن المدارس الابتدائية والثانوية التي كانت لها سمعة كبيرة هي المؤسسات التي تبنت نظام التعليم الفرنسي. وهذا حدث يمكن أن نلاحظه اليوم في الطبقة الحاكمة في المغرب أغلبيتها فرانكفونية التكوين، ويجب أن نستحضر هنا إنه بالرغم من أن اللغة الرسمية هي العربية فإن الفرنسية تحتل المرتبة الثانية في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والإدارة، بما في ذلك المنطقة الشمالية، والتي بمجرد انهيار الحدود الوهمية بينها وبين الجنوب وانتهاء عهد الحماية، وتوحدت المصالح الإدارية المغربية كلها على الصعيد الوطني، فرضت اللغة الفرنسية نفسها كذلك في منطقة الشمال. يمكن القول عكس فرنسا، فإن اسبانيا نهجت سياسة لصالح الدراسة بالعربية، وإن أبناء الأعيان في مدينة تطوان الذين درسوا في اسبانيا، وخصوصا جامعة غرناطة عادة ما كانوا يدرسون في الشعب العلمية كالصيدلة والطب والعلوم التقنية. وبالنسبة للذين اختصوا في الآداب والعلوم الإنسانية اختاروا التوجه إلى القاهرة (مصر) تقليديا، لأن السياسة العربية لفرانكو كانت تدعم هذا الاتجاه. والنخبة المثقفة التطوانية في عهد الحماية كانت أساسا عربية التكوين، بالرغم من أنها كانت تعرف اللغة الإسبانية. وعندما جاء الاستقلال سنة 1956م نجد في المنطقة كمشه تتقن اللغة الإسبانية بشكل جيد. وعن السؤال الذي طرحناه : هل هناك أدب مغربي مكتوب باللغة الإسبانية، وإلى أي حد يوجد أدب مغربي باللغة الإسبانية في مرحلة ما بعد الاستقلال. فإن غونثالو فيرنا نديث بارييا يعتبر أن طرح إشكالية هذا الأدب لا يعني نفي وجود كتاب مغاربة يكتبون باللغة الإسبانية، وإنما يجب أن نعرف إن كان ظاهرة تحظى في الوسط الثقافي الإسباني أو المغربي. نلح على أن الأدب يعني الإبداع الأدبي. علاوة على ما دعمناه سابقا. فيرنا ندو بارييا يعتقد على أنه» لا يمكننا الجزم بوجود إنتاج أدبي حقيقي بعد المرحلة الاستعمارية الاسبانية.» وفي رأيي إن ما يعتقده بارييا هو ما أعتقده وهو أن الأدب الحقيقي المغربي المكتوب باللغة الإسبانية سيتطور في المستقبل، ولن يكون نتاج إرث مرحلة ما بعد الاستعمار، بل سيظهر أدب مغربي جديد وأصيل بين أبناء الجالية المغربية المهاجرة في إسبانيا، هم سيكونون في المستقبل الرابط الإنساني والثقافي أكثر قوة وغنى بين الضفتين, > المراجع: (*) باحثة ومؤرخة اسبانية، أنجزت أعمالا مهمة تتعلق بالمغرب، نذكر منها كتابها: «اسبانيا والريف» الصادر سنة 2000م وكتاب «مغاربة فرانكو» سنة 2006م. تهتم كثيرا بتاريخ العلاقات الإسبانية المغربية، وخصوصا الفترة المتعلقة بالحماية الإسبانية في شمال المغرب. *اللغة الاسبانية في وَسِيلَتيْ إعلامٍ مغربيتين بجريدة الشمال/طنجة/19/07/2007 * FERANDEZ PARRILLA, Gonzalo, «Marruecos-España: unas incipientes relaciones culturales», en Relaciones hispano-marrroquies: una vecindad en construcción, coordinadores ana I. planet y Fernando Ramos, Ediciones del Oriente y del mediterraneo, Guadarrama (Madrid), 2005, pp.381 -402. * JEBROUNI, Driss, «La falacia de la literatura marroquí en castellano«, La Mañana (diario en español de Casablanca), abril de 1997. Reeditado en Marruecos digital