كما كان متوقعا، أثار رحيل رئيس المفوضية الإسلامية بإسبانيا، رياج ططري بكري، إلى دار البقاء الاثنين 6 أبريل 2020، على إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد، مخاوف السلطات الإسبانية التي تخشى من انتقال قيادة المفوضية إلى شخصيات مقربة من السلطات المغربية، وعلى رأسها ممثل المفوضية بكتالونيا محمد الغيدوني، أو شخصيات أخرى مقربة من دول الخليج. وكان رياج ططري بكري، وهو أبرز شخصية إسلامية في إسبانيا منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، يحضى بمكانة خاصة لدى السلطات الإسبانية التي كانت تعتبره رجل دولة وشخصية معتدلة حافظت على استقلالية المفوضية الإسلامية، وهي أعلى هيئة تمثيلية للمسلمين، وحالت دون سيطرة جهات محسوبة على دول أجنبية على تسيير الشأن الديني في إسبانيا. وتبرز رسائل التعزية التى توصلت بها المفوضية الإسلامية بعد وفاة رئيسها سواء من الملك فيليبي السادس أو رئاسة الحكومة الإسبانية أو وزارة العدل مكانة الرجل والاهتمام الذي توليه السلطات العليا في البلاد لهذه المؤسسة الحساسة بالنسبة إليها، رغم ضعف تأثيرها في أوساط المسلمين الذين تجاوز عددهم المليوني شخص، ينحدر نصفهم من المغرب. واعتبر العاهل الإسباني الملك فيلبي السادس، في رسالة تعزية وجهها بالمناسبة إلى مسلمي إسبانيا، أنه بوفاة رياج ططري “فقد بلدنا مواطنًا ملتزمًا ساهم وأضاف الكثير لصالح الحوار والعيش المشترك”، مبرزا أنه لن ينسى “أبدًا الاحترام والولاء اللذين كان يكنهما” الراحل لملك إسبانيا على مدى عقود. وأوردت وسائل إعلام محلية أن أجهزة الاستخبارات الإسبانية تتابع عن كتب وبقلق كل التحركات التي تجري حاليا على الساحة لتعيين/انتخاب رئيس جديد للمفوضية الإسلامية إما عن طريق الإجماع بين الأعضاء ال25 الذين يشكلون اللجنة الدائمة للمفوضية الإسلامية، وهو أمر صعب المنال في ظل الصراع بين الإخوة الأعداء خاصة بين فيدرالية الهيئات الدينية الإسلامية [الفيري] التي يرأسها منير بنجلون الأندلسي المحسوب على جماعة العدل والإحسان المغربية واتحاد الجمعيات الإسلامية [أوسيدي] الذي كان يرأسه ططري، أو عن طريق الاقتراع وهنا ستكون الغلبة لأتباع “أوسيدي”. محمد الغيدوني، “حصان طروادة” داخل المفوضية؟ وتتجه الأنظار إلى مسؤولين داخل المفوضية الإسلامية وهم العربي علال متعيش نائب رئيس المفوضية الإسلامية ورجلها القوي في ثغر سبتة، المتنازع بشأن السيادة عليه بين المغرب وإسبانيا، ومحمد أجانا الوافي الذي يشغل منصب سكرتير المفوضية واليد اليمنى للراحل رياج ططري في منطقة مدريد ومحمد الغيدوني، رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية في منطقة كتالونيا والذي يعتبره العديد من المراقبين بمثابة “حصان طروادة” للسلطات المغربية داخل المفوضية وعادل النجار، رجل التوافقات. ويعتبر محمد أجانا شخصية معتدلة لكنه يفتقد للكاريزما اللازمة لتسيير مؤسسة معقدة من حجم المفوضية الإسلامية وكذا للقدرة على إدارة الصراعات الأزلية بين مكونات الساحة الإسلامية في إسبانيا، خاصة في ظل تفريخ العشرات من الفيدراليات والهيئات الدينية واتحادات المساجد التي تجني أموالا طائلة من دول أجنبية لتمثيل مصالح تلك الدول في الحقل الديني داخل إسبانيا. أما محمد الغيدوني، الذي كان إلى وقت قريب ينتمي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي وإلى جماعة الإصلاح والتوحيد، ورغم سعيه الحثيث لتصدر المشهد الإعلامي والظهور بمظهر “الخليفة المنتظر” فيعتبره العديد من المراقبين بمثابة “حصان طروادة” للسلطات المغربية داخل المفوضية الإسلامية. القيادي في جماعة الدعوة و التبليغ العربي متعيش والتوجس المغربي كما يطرح إسم العربي علال متعيش، رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية بسبتة وهو قيادي في جماعة الدعوة والتبليع وكانت السلطات المغربية تتهمه لسنوات ب”ريادة مشروع فك ارتباط مغاربة سبتة ببلدهم الأم وخاصة ما تعلق بالشأن الديني”، حيث كان الرجل يشدد في تصريحاته للصحافة على أن “اتحاد الجمعيات الإسلامية إسباني الهوية و بأنه مستقل تماما عن كل الأطراف الخارجية” في إشارة إلى المغرب الذي يعتبر سكان ثغري سبتة ومليلية “مغاربة تحت الإحتلال الإسباني” كما أن سلطات الرباط كانت تتهمه بمحاربة تواجد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في مدينة سبتة حيث صرح مرارا أن ذانت الوزارة “تحكم في المغرب و ليس في سبتة (حوار إلفارو دي سيوتا 1 نونبر 2009) و بأنه سيسعى لتكوين الأئمة بالسعودية و مصر لقطع الطريق على أئمة المغرب”. عادل النجار الإمام الفلسطيني الاوفر حظا ويعتبر الإسباني من أصل فلسطيني عادل النجار، إمام مسجد بطليوس [بداخوص] عاصمة منطقة إكستريمادورا، بالأندلس الغربية، ورئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية بذات المنطقة، الشخصية الأوفر حظا لخلافة رياج ططري على رأس المفوضية الإسلامية. ويعتقد العديد من المراقبين الذين اسطلعت “شبكة أندلس الإخبارية” آرائهم بشأن الخلافة على رأس المفوضية الإسلامية أن الإمام عادل النجار يعتبر الرجل الأوفر حظا لما يحضى به من استقلالية عن أي جهة خارجية وكذا نظرا للاحترام التي يحضى به داخل المفوضية الإسلامية وبين الجمعيات العاملة في الحقل الديني. ومن المنتظر أن ينطلق السباق الرسمي نحو الظفر برئاسة المفوضية الإسلامية مباشرة بعد انتهاء إجراءات الحجر الصحي التي فرضتها السلطات الإسبانية للحد من انتشار فيروس كورونا، لكن سباق الكواليس انطلق منذ الإعلان عن وفاة الرئيس الذي تربع على عرش الجمعيات الدينية لمدة أربعة عقود. *سعيد إدى حسن، رئيس مؤسسة أندلس ميديا للإعلام