لم يواجه الملك محمد السادس عاهل المغرب مثل غيره من الحكام العرب تحديا في الشوارع أوائل العام الماضي وسارع الى إصلاح الدستور المغربي وأجرى انتخابات وسمح لحزب إسلامي بقيادة الحكومة واحتوى رد فعله الاحتقان الشعبي وقوبل بالإشادة من الغرب وبدا أنه وضع المغرب على طريق اكثر ديمقراطية ولكن رغم مرور 20 شهرا على هذا لم يتضح بعد مقدار السلطة التي انتقلت من يد العاهل المغربي. ومازالت صحيفة لو ماتان المغربية وهي صحيفة حكومية يومية تخصص الصفحات الست الأولى لأنشطة الملك ومستشاريه قبل التطرق الى ذكر الحكومة المنتخبة ومازال مكتب رئيس الوزراء الاسلامي عبد الاله بن كيران موجودا في مجمع القصر الملكي بالرباط. وقال وزير الاتصال مصطفى الخلفي لرويترز "المغرب استثناء في المنطقة." وأضاف "نجحنا في الوصول الى طريق ثالث بين الثورة ونظام الحكم القديم الا وهو الإصلاح في إطار من الاستقرار والوحدة." وفي إطار الدستور الجديد يحتفظ الملك محمد السادس الذي تتعزز شرعيته بمصوغاته الاسلامية "كأمير للمؤمنين" بسيطرته على الجيش والمؤسسات الأمنية والشؤون الدينية بينما يسن البرلمان القوانين وتدير الحكومة شؤون البلاد. وقال دبلوماسي غربي عن الإصلاحات "بدأت الحياة تدب في المؤسسات الرئيسية المنصوص عليها في الدستور. نطاق الجدل يتغير. الشعب يشعر بأنه جزء من العملية." ولكن بعد 20 عاما من الإصلاحات المتقطعة التي بدأت في عهد والده الراحل الملك الحسن الثاني لا يعتقد كل المغاربة بأن القصر خفف من سيطرته كثيرا. وقال المؤرخ المغربي معاطي منجب "النظام الملكي يتمتع بغريزة قوية لحب البقاء... التكتيك الرسمي هو فرق تسد وجرى هذا بشكل ممنهج لنحو 400 عام." وأضاف انه بعد الانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي العام الماضي اكتسبت الحكومة التي تولى حزب العدالة والتنمية رئاستها في يناير كانون الثاني قدرا من النفوذ الحقيقي. ولكن في أغسطس آب شعر الملك ومستشاروه بالجرأة الكافية لاستعادة بعض من "صلاحياتهم التقليدية غير الدستورية." وربما يجازف حزب العدالة والتنمية بمصداقيته وسط قاعدته الإسلامية بتوليه الحكم ليجد أن السلطة الحقيقية ليست في يده وهو ما حدث مع الحزب الاشتراكي المعارض في التسعينات. وقال الاقتصادي نجيب الكسبي "لم يمر عليهم عام في الحكم بعد لكن ما أعلنوه ليس مشجعا." وأضاف "علقوا مع النظام. التاريخ يعيد نفسه." ورد الخلفي وهو ايضا المتحدث باسم الحكومة قائلا إن من الطبيعي أن تخسر الأحزاب التي تتولى الحكم قدرا من شعبيتها وإن حزب العدالة والتنمية كان يدعم النظام الملكي حتى حين كان في صفوف المعارضة. وأضاف "نحن نؤمن بالدور التاريخي المهم للنظام الملكي في الدفاع عن الوحدة والاستقرار وقيادة الإصلاحات الضرورية." وربما يكون احتمال اندلاع انتفاضة وشيكة قد انحسر لكن التوترات الاجتماعية والاقتصادية متأججة في دولة تعاني تفاوتا كبيرا في الدخول الى جانب ما وصفه الخلفي بعقود من الفساد. وعدد مشاكل المغرب الأخرى مثل البطالة والفقر والصحة والأمية وهي كلها أمور تحتاج الى الاستثمارات والحكم الرشيد. وعانى الاقتصاد المغربي الذي يعتمد على واردات الوقود والقمح من الكساد في اوروبا الذي أضر بقطاع السياحة وتحويلات المغاربة الذين يعملون بالخارج وكثير منهم في اسبانيا. ويحتل المغرب المرتبة 130 من جملة 187 دولة على مؤشر الأممالمتحدة للتنمية البشرية وتبلغ نسبة الأمية بين البالغين 56 في المئة من عدد سكانه البالغ 32 مليون نسمة. ويستنزف الدعم على الغذاء والوقود نحو 54 مليار درهم (ستة مليارات دولار) في العام او ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويرى كثيرون أن الدعم يمثل إهدارا ويفيد ميسوري الحال أكثر من المعوزين لكن إلغاءه قضية سياسية ساخنة ويمكن أن يواجه رفضا شعبيا واسع النطاق بين الفقراء المتشككين في الوعود بصرف مبالغ نقدية تعويضا عن الدعم وأفراد الطبقة المتوسطة الذين سيدفعون مزيدا من الاموال الى جانب الشركات التي كونت ثرواتها من وراء السكر ودقيق القمح والطاقة التي تحصل عليها بأسعار بخسة. وتقول مارينا اوتواي من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن القصر قد يكون سعيدا بالسماح للحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية بان تحاول تطبيق سياسة رفع الدعم تدريجيا. وكتبت تقول "اذا نجمت مشاكل عن التغيير فإن غضب المستهلكين ولومهم سيوجه الى الحكومة في حين يمكن للقصر أن يتخلص من مشكلة قديمة تنطوي على مجازفة بالنسبة له." وتتفجر اضطرابات من حين لآخر أغلبها بسبب مشاكل اقتصادية في المغرب. حتى القضاة الذين لا يعرف عنهم ممارسة أنشطة احتجاجية نظموا اعتصاما الشهر الماضي امام المحكمة العليا حيث طالب نحو الف باستقلال القضاء. ومازالت حركة 20 فبراير ويغلب عليها العلمانيون والتي كانت المحرك لمظاهرات 2011 موجودة لكن السلطات اقل تسامحا مع احتجاجاتها منذ استفتاء أقر الإصلاحات الدستورية. ولجأ الكثير من النشطاء الشبان الى الانترنت. ومازال اتجاهان بالتيار الإسلامي خارج التيار السياسي السائد لأسباب تخصهما. ويناقش السلفيون ولهم جاذبية متزايدة على المشارف المحرومة للمدن الكبرى ما اذا كان عليهم التخلي عن اعتقادهم بفصل الدين عن السياسة وأن يسيروا على نهج نظرائهم المصريين الذين شكلوا حزبا سياسيا بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك وحققوا نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية. وحركة العدل والاحسان جماعة قوية دعمت احتجاجات الشبان العام الماضي لكنها انسحبت فيما بعد لقلقها من مؤيديها العلمانيين. وكان زعيمها الشيخ عبد السلام ياسين دائما شوكة في جنب الأسرة الحاكمة ويرفض الاعتراف بأن الملك أمير المؤمنين مطالبا بإعادة ما "سرقه" والده على حد قوله وهو يفضل إنشاء جمهورية. وقال دبلوماسي غربي عن جماعة العدل والاحسان "يتسمون بالتنظيم الجيد كما أن لهم هيكلا جيدا. يستطيعون حشد عشرات الالاف." وأضاف "اذا تفاقمت الازمة الاقتصادية والتحديات الاجتماعية هل سيتدخلون؟" وقام الملك بجولة في الدول الخليجية الشهر الماضي لجمع مساعدات واستثمارات من حكام تقلقهم تداعيات انتفاضات العام الماضي لدرجة انهم دعوا المغرب والاردن وهما مملكتان للانضمام الى عضوية مجلس التعاون الخليجي. والملك محمد السادس هو اكبر مستثمري القطاع الخاص في الاقتصاد المغربي الذي يبلغ حجمه 95 مليار دولار ويساهم في كثير من قطاعات الاقتصاد بدءا بالاتصالات وانتهاء بالمعادن النفيسة والقطاع المصرفي والأسمنت. ويقول الاقتصادي الكسبي إن هذه التركيبة من النفوذ السياسي والمصالح تقوض هدف المغرب المعلن من إنشاء ساحة اقتصادية تتسم بالتنافسية والشفافية. وأضاف "هذا النظام الملكي الذي يحكم يمارس التجارة ايضا ويجني كل مكسب ممكن. تعارض مصالح وإساءة لاستخدام السلطة ومحسوبية. هذا هو ما نراه كل يوم."