بين الكنز والكينزياء، لكن وصية جون مينارد كينز عام 1973 : " أن فترة الازدهار وليس الركود هي الوقت المناسب للتقشف "، تعود إلى الخليفة عمر حين قال : " اخشوشنوا فإن الحضارة لا تدوم "، والآن، لا يمكن - في نظر الكثير من المراقبين – التعافي من حالة الركود اليوم سوى بإعمال النصيحة السابقة لإحداث توازن جديد بين الميزانية العامة وعدم خفض الإنفاق الحكومي، إلا بقياسات ذكية لا تؤثر على السير العام للمؤسسات، كما لا تمول الإستراتيجية التي تأتي بها حكومة العدالة والتنمية. اليوم، لا يمكن تمويل برامج إصلاحات جديدة يقوده الإسلاميون، لذلك يفضل الجميع إبقاء الإنفاق والإيقاع السابق عبر قيادة نزار البركة لوزارة المالية، ولن تكون هذه القيادة مختلفة عن مزوار إلا في قليل من الوجوه. في نهاية 2010 وبداية 2011 ركز واضعوا السياسة آنئذ على ضرورة التركيز على عجز الميزانية لا توفير الوظائف، ثم اتجهت الحكومة السابقة إلى توظيف الدكاترة قبل أن تتراجع على بعض من وعدها، لتخوفها من قيادة المعطلين لتظاهرات 20 فبراير. السياسة سبقت كل الحسابات الاقتصادية في 2011، كما قدمت الدول الغربية مثالا سيئا عندما ركزت على الميزانية، فور تعافي الاقتصاد، عوض أن تركز على صناعة الوظائف، ومن المهم أن ترفع الحكومة درجة التعافي، وترفع معه الوظائف. من خلال اعتمادهم على النهج المناهض لكينز انتهى الأمر بالغرب إلى إثبات صواب الكينزيين، وهو ما يجب أن ندركه في المغرب، حيث يركز الجميع على توازنات ماكرو اقتصادية إحصائية، تعتمد على قراءة الميزانية من خلال ترتيبات مسبقة، وليس من خلال إكراهات تجيب عليها الدولة. سياسة الحوافز التي قدمها النظام المالي للأغنياء لم تنجح في خلق فرص الاستثمار، ولا فرص التشغيل، ولا فرص التصدير. إنها المجالات التي فشلت في 2011، ولا يمكن تكرار حزمة أخرى من الحوافز، خصوصا وأن هذه التجربة فشلت محليا، وقرر الجميع فشلها في أمريكا أيضا. أوباما عندما اتجه إلى هذه السياسة ( الحوافز ) لإنتاج فرص عمل، لم ينجح الديمقراطيون، والسبب في اعتقادي ناتج عن توقع التعافي الاقتصادي، وإعادة الاستثمار فتقرر خفض الضرائب بطريقة غير فعالة. نفس المطلب تحمله المقاولات المغربية، دون أن نعرف لماذا أحجم الرأسمال المغربي عن المزيد من الاستثمار. الواجب أن يكون خفض الضرائب على ضوء حجم الاستثمارات ورقم الضمان الاجتماعي، لأن حجم الاستثمار يجب أن يكون متناسبا مع معالجة الأزمة وأن يكون خفض الضرائب على قدر مجازفة الاستثمار. الاستثمار إن لم يجازف لمعالجة الأزمة المالية أو لصناعة فرص العمل يكون ناقصا في عمله، ولا يجب أن يطلب – على هذا الأساس – أي حوافز مالية، ضريبية أو غيرها، ببساطة لأن الأهداف لم تتحقق. حكومة عباس الفاسي من خلال مزوار لم تتبع الاختبار الجاد، بل عبرت عن ارتباك شديد، وهي تعزيز الميزانية الاجتماعية دون ربطه بتعزيز الوضع الاقتصادي الذي لم يكن متماسكا، لم يحدث الانهيار لأن الدولة لم تقم بتخفيض " قسري " لإنفاقها. كان الدرس اليوناني ماثلا، حيث نرى أن فرض إجراءات تقشفية شديدة إلى جانب الأزمة قد يدفع الاقتصاد إلى السكتة، ولا تعالج القروض السريعة سوى عدم الوصول إلى الانهيار. التراجع الاقتصادي المغربي وصل حد الأزمة، تماما كما هو موقف الدولة. والحل قد يدفعنا إلى القول بنفس ما قاله الجمهوريون في الكونغرس، إنفاق أقل وديون أقل ونمو اقتصادي. فد تذهب الحكومة الجديدة بهذا الاتجاه، لأن مواصلة السياسة السابقة بحكامة أكبر، قد يجعل الإنفاق الحكومي في مكانه، للحفاظ على ثقة المستهلك ورجل الأعمال، وهو هاجس تاريخي وثابت من ثوابت سياسات الحسن الثاني إلى الآن، لكننا لا نعي جيدا ما معنى التقشف التوسعي ؟ هل نستدعي الحسن الثاني الذي قبل بعد فشل سياساته المالية " التاتشيرية " الاستعانة بالبنك الدولي ؟ وبعد ذلك قرر أن تكون التوازنات المالية ثابتا سياسيا قبل أن يحولها محمد السادس في دستور الفاتح من يوليوز إلى ثابت دستوري. فشل " الإنفاق التوسعي "، ونجاح الإنفاق البنيوي المرتبط بالاستثمار في البنية التحتية، وفشل " التقشف التوسعي " في مقابل التقشف الناتج عن حكامة عامة للمال العام، خلاصة محورية في أي قراءة اقتصادية ناجحة. الوعي بما وقع لإيرلندة واليونان وإيطاليا ... يفضي إلى نتائج ذكية في مواجهة أزمة المملكة المغربية التي يجب أن تدخل : أ- في خفض الإنفاق على المشهد السياسي، رغم أن حزب العدالة والتنمية نتيجة سياسة الإنفاق الحكومية السابقة، رغم دعوة البعض إلى عدم المساس بهذا الأمر مطلقا، لأنه يحمي الحيوية الاجتماعية في جزء كبير منها، كما يحمي التعددية والبديل المعارض. روما تؤكد نجاعة الخفض والقراءة الأمريكية ترفض، ومن المهم أن نستجلي الرؤية، إما بعدم خفض الإنفاق السياسي على أساس إنتاج الأحزاب لإستراتيجيات، وتكون صناديق أفكار لإبداع الحلول، أو نقوم بخفض هذا الإنفاق وإعادة توجيهه إلى المجتمع المدني. ب- تجاوز مظاهر " التقشف السلبي " الذي أعلنته حكومة عباس الفاسي، دون أن يكون له اثر، وزادت هذه الإجراءات من تعميق الأزمة، لأن الجماعات الترابية لم تدخل في التقشف، وكذلك باقي مؤسسات الدولة. المغرب اختار التقشف، ولم تكن هناك سياسات توضح أن التقشف اضطرار. وحاليا، إما أن تعلن الرباط عن حوافز جديدة إلى جانب سياسة صارمة في الصرف، أو أن يختار البلد اتجاها لا يؤمن أصلا، أنه في أزمة، كما أن المغرب لا يزال لديه خيار أن يخرج من هوس عجز الميزانية وأن يقترض أكثر. مرة أخرى، لا يمكن أن نقبل بديون إضافية، ونحن ندخل 2012، وتكرار أزمة اليونان قريبة من المشهد، الارتفاع الخيالي في قروض السيولة واحتمال توقف بنك المغرب عن شراء السندات، وهذين الشرطين موضوعيين لإعلان المغرب في حالة أزمة شديدة وبداية الدرس اليوناني في سبورة المغاربة. هل نتستر على الأزمة، أم نظللها، أم نكذب وكفى ؟! انحباس في الأمطار، وخفض محتمل للتصنيف الائتماني ( ناقص ب – ب – ب ) قد يقرر شبح الانهيار. لذلك على السياسة الاقتصادية الجديدة لحكومة حزب العدالة والتنمية أن تجيب عن إشكالات المغرب الحقيقية، فتمرير قانون مالي ل 2012 ليس مشكلة بحد ذاته، ببساطة لأنه سيجيب بلغة " عامة " عن مشاكل عامة. طرح الإخفاقات السابقة أمام أعين الجميع تذكير بأننا في أزمة ونريد الخروج من طريق مسدود. لا بد أن يستمر بنك المغرب في شراء السندات المحصنة من التضخم، والعمل على زيادة الثقة بإجراءات واضحة وقوية، لأن من المهم أن يحافظ الجميع على استقرار البلد. خلاصة القول أن عام 2011 كان عام اهتمام الحكومة بالإنفاق الاجتماعي، واهتمام النخبة السياسية بعجز الميزانية، لم يذهب الجميع باتجاه المشكلة، وهي البطالة الناتجة عن سياسات حكومية متعاقبة. الآن يجب محاربة الوجه الأول من البطالة، تمهيدا لمواجهتها من جوانب أخرى وأن نحارب سياسة الحوافز كجزء من اقتصاد الريع، وأن نتجه جميعا إلى تقنين كل العملية الاقتصادية التي يتحرك فيها غير المهيكل باسم القطاع المهيكل أكثر من اقتصاد الريع نفسه. أزمة اليونان قد تتكرر مع استمرار السياسات السابقة. عن أسبوعية ما وراء الحدث