يحبس الكثير من الاقتصاديين حول العالم أنفاسهم مع بدء الربع الثاني من سنة 2010، وذلك في مواجهة معطيات متباينة عن وضع الاقتصاد العالمي. ففي حين يخشى خبراء من انفجار متجدد للأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تتضح معالمها سنة 2007، لتعيش غالبية دول المعمور مرة أخرى على وقع كوارث اقتصادية جديدة، في حين يرى آخرون أنه إن كانت هناك مؤشرات على قرب عاصفة اقتصادية فإن الأمر سيمس بالأساس اقتصاديات دول انطلق منها زلزال ما سمي بأزمة الرهن العقاري التي صاحبت انهيار سوق العقارات الأمريكي وكانت الشرارة التي فجرت الأزمة المالية العالمية التي لا يزال العالم يعاني اثارها في ركود اقتصادي اعتبر الأسوأ منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي. في بداية شهر سبتمبر 2009 رجح الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي ألان غرينسبان حدوث أزمة مالية عالمية جديدة، وقال إنه لا مفر منها. وقال غرينسبان في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) «جميعها (الأزمات المالية) مختلفة لكنها نابعة من مصدر أساسي واحد». وتابع أنه لا يمكن أن تتماثل أزمتان إلا في الطبيعة البشرية، مشيرا إلى أن الأزمة الراهنة والأزمات التي سبقتها نتاج لجموح البشر الذين يتصورون أن فترات الازدهار تستمر بلا توقف. وأشار أيضا في هذا السياق إلى أن الاعتقاد بأن الأسواق ستواصل الارتفاع، يدفع بعض الناس إلى مضاربات فوق الحدود المعقولة، وهذا ما يفسر الأزمات التي حدثت بدءا من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وقال إنه حتى لو لم تحدث مشكلة الديون المعدومة الناجمة عن أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة لكانت حدثت أشياء أخرى تسبب أزمة مالية عاجلا أو آجلا. وأضاف غرينسبان أنه كان حريا بالمؤسسات المالية العالمية -على غرار صندوق النقد والبنك الدوليين- أن تتنبه للأزمة الحالية بينما كانت تلوح في الأفق. ولتفادي تكرار الأزمة الحالية، رأى ألان غرينسبان أن على المسئولين عن أسواق المال والحكومات التصدي للاحتيال وحمل البنوك على تعزيز رؤوس أموالها للتوقي من الصدمات المالية. غير أن المسئول الأمريكي السابق حذر من أن اتخاذ إجراءات صارمة لتنظيم الأسواق يمكن أن يضر كثيرا التجارة العالمية التي تضررت بشدة من الأزمة. نصائح ألان غرينسبان لا تتمتع بتأييد الكثير من الاقتصاديين الذين يرون أنه لم يتبع الخطوات الضرورية لمواجهة أزمة الرهن العقاري. وقد تعرض رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي السابق يوم الأربعاء 7 أبريل إلى وابل من الأسئلة التي لا تخلو من الانتقاد خلال جلسة استماع عقدتها لجنة التحقيق في الأزمة المالية التي شكلتها الحكومة الأمريكية. ووجه أعضاء اللجنة عدة مرات أسئلة لغرينسبان يستفسرون منه لماذا لم يفعل أكثر مما فعل لوقف تدفق قروض الرهن العقاري وفقاعة العقارات اللاحقة ؟ ولم يمنع استخدام المشتقات غير العادية التي أدت إلى توسع السوق ؟. انهيار البنوك يوم 17 أبريل 2010 أعلن في الولاياتالمتحدة عن انهيار ثمانية بنوك أمريكية جديدة. وأعلنت السلطات الفدرالية في واشنطن إغلاق البنوك الثمانية: ثلاثة منها في فلوريدا واثنان في كاليفورنيا وواحد في كل من ماساتشوستس وميشيغان وواشنطن، ليرتفع عدد البنوك المنهارة بالولاياتالمتحدة منذ مطلع سنة 2010 إلى 50 بنكا. ووضعت المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع يدها على البنوك الثلاثة المنهارة في فلوريدا وهي: ريفرسايد ناشيونال بنك في فورت بيرس وتصل أصوله إلى 3.4 مليارات دولار، وفيرست فيدرال بنك أوف نورث فلوريدا في بالتاكا وتبلغ أصوله 393.3 مليون دولار، وأميركان فيرست بنك في كليرمونت وتبلغ أصوله 90.5 مليون دولار. ووافقت مجموعة تي.دي بنك فايننشال التابعة لبنك تي.دي بكندا على امتلاك جميع ودائع البنوك الثلاثة ومعظم أصولها. كما استولت المؤسسة الاتحادية على إنوفاتيف بنك في أوكلاند بكاليفورنيا وتبلغ أصوله 269 مليون دولار، وتامابلي بنك في سان رافائيل بكاليفورنيا وتصل ودائعه إلى 629 مليون دولار، وسيتي بنك في لينوود بواشنطن ويصل حجم ودائعه إلى 1.1 مليار دولار، إضافة إلى بتلر بنك في لويل بماساشوستس وتبلغ ودائعه 268 مليون دولار، وليك سايد كوميونيتي بنك في ستيرلنغ هايتس بميشيغان بأصول تبلغ 53 مليون دولار. ووافق سنتر بنك في لوس أنجلوس على شراء ودائع وأصول إنوفاتيف بنك، كما وافق يونيون بنك في سان فرانسيسكو على شراء أصول وودائع تامابلي بنك. أما بنك ويدبي آيلند في كوبفيل بواشنطن فوافق على امتلاك ودائع سيتي بنك و704.1 ملايين دولار من أصوله. ووافق يونايتد بنك في بردج بورت في كونيكتكت على امتلاك أصول وودائع بتلر بنك. لكن المؤسسة الاتحادية لم تستطع إيجاد من يشتري ليك سايد كوميونتي بنك. ويتوقع أن يكلف انهيار ريفرسايد ناشيونال بنك المؤسسة الاتحادية 491.8 مليون دولار، في حين ستكلفها البنوك الأخرى أكثر من مليار دولار. يشار إلى أن عدد البنوك التي انهارت عام 2009 بلغ 140 وهو الأعلى منذ العام 1992، إضافة إلى 25 بنكا عام 2008 وثلاثة بنوك عام 2007. وكان واشنطن ميوتشيوال بنك في ولاية واشنطن أكبر مؤسسة مالية يتم إغلاقها في تاريخ الولاياتالمتحدة بسبب الأزمة. وتم إغلاق البنك في سبتمبر 2009 بعد خسائر جسيمة تكبدها بسبب قروض الرهن العقاري. وقالت المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع في نهاية سنة 2009 إنها لا تزال تتوقع انهيار 252 بنكا بسبب الأزمة. ثقافة منظمة وعميقة للخداع في الوقت الذي اعلن فيه عن افلاس ثمانية بنوك أمريكية، تلقت الأسواق الاقتصادية الأمريكية صدمة اخرى. فيوم الجمعة 16 أبريل وجهت لجنة الاوراق المالية والبورصات الامريكية اتهاما بالاحتيال لبنك الاستثمار غولدمان ساكس في هيكلة وتسويق اداة دين مرتبطة بالرهون العقارية عالية المخاطر. خطورة القضية يعود في أحد مقوماته إلى أن غلودمان ساكس يعتبر سابع أكبر مؤسسة استثمار عالمية بعد باركليز كابيتال وبي إن بي باريبا وسيتي غروب وكريدي أغريكول وكريدي سويس ودويتشه بنك. وذكرت لجنة الاوراق المالية والبورصات أن غولدمان ساكس قام بهيكلة وتسويق سندات دين مضمونة مرتبطة بأداء أوارق مالية مضمونة برهون التمويل العقاري عالية المخاطر والتي بلغت تكلفتها على المستثمرين أكثر من مليار دولار. وأضافت اللجنة أن غولدمان ساكس لم يبلغ المستثمرين «معلومات مهمة» بشأن سندات الدين المضمونة. وشمل هذا أن صندوق التحوط بولسون اند كو شارك في اختيار أي الاوراق المالية ستكون جزءا من المحفظة واتخذ مركزا بيع مقابل هذه السندات في رهان على أن قيمتها ستنخفض. وحسب شكوى لجنة الاوراق المالية والبورصات فان بولسون اند كو دفعت لغولدمان ساكس 15 مليون دولار لهيكلة سندات الدين المضمونة التي أغلقت في 26 من ابريل 2007. وقالت اللجنة أنه جرى تخفيض التصنيف الائتماني لتسعة وتسعين بالمائة من المحفظة بعد أكثر قليلا من تسعة أشهر. الاتهامات ولدت هزة مست غالبية الأسواق المالية الدولية. وقالت صحيفة فايننشال تايمز إن الأنباء أدت إلى خسارة في القيمة السوقية لأسهم البنك وصلت إلى أكثر من 12 مليار دولار، كما ألقت بظلالها على مستقبل البنك كنموذج في المجال الاستثماري كما هزت بنوكا أخرى. وتزامن إجراء الحكومة الأمريكية مع الخطوات التي سيقدم عليها الرئيس باراك أوباما والهادفة إلى الحصول على موافقة الكونغرس على إحداث تغييرات مالية يقول خصومه الجمهوريون أنها ستقضى على نظام اقتصاد السوق. وأبلغ أوباما الصحفيين «إن أباطرة وول ستريت لا يزالون يضاربون بتهور بأموال اقترضوها. إننا لا نستطيع تأخير عملية اتخاذ القرار أكثر من ذلك». وقالت صحيفة واشنطن بوست إن التهمة التي وجهت إلى غولدمان ساكس تعتبر الأولى في سلسلة تحقيقات تقوم بها السلطات في مرحلة الركود التي تسببت بها «ثقافة منظمة وعميقة للخداع تنفذها أكبر مؤسسات في وول ستريت». وأضافت الصحيفة أنه تم توجيه الاتهام إلى المؤسسة التي وصفت من قبل بأنها «الحبار الكبير مصاص الدماء الذي يلف وجه الإنسانية». وقالت إن لجنة الأوراق المالية والبورصات اتهمت غولدمان ساكس بالاحتيال «لبيع سندات للمستثمرين. كانت هذه السندات منتقاه ومقدر لها الانهيار، دون إبلاغ المستثمرين». وأوضحت واشنطن بوست أن صناديق المعاشات ومؤسسات أجنبية ومستثمرين من القطاع الخاص كانوا أول الخاسرين. وأفادت مصادر أمريكية أن عشرات المؤسسات في دول أوروبية وأفريقية وأسيوية خسرت أموالا طائلة في عمليات الاحتيال هذه وأن غالبية هذه المؤسسات أحاطت خسائرها بالسرية. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن محللين قولهم إن استخدام ذلك النوع من السندات وتسمى (أبيكوس 2007 آي سي 1) هي رمز للدور الذي قام به وول ستريت في دفع سوق العقارات إلى الطفرة ثم تحقيق الأرباح من انهياره. وأوضحت واشنطن بوست أن بيع سندات مع العلم المسبق باحتمال انهيارها هو في حد ذاته احتيال. لكن ذلك ما حدث في وول ستريت عندما سعت مؤسساته وراء الأرباح السريعة عندما مولت المحتالين من بنوك القروض العقارية التي حولت قروضها إلى سندات وباعتها للسوق مما خلق فقاعة العقارات التي خسر جراءها العالم تريليونات الدولارات. وقالت دانيت تافاكولي المختصة بشؤون المشتقات إن تحقيقات لجنة الأوراق المالية والبورصات تتركز حول أنشطة المؤسسات المالية التي تساند القروض العقارية المحتالة التي تخلق توريقا زائفا وتقوم ببيع السندات الناتجة عنه. وأضافت أن الضرر الأكبر نتج عن المخاطر الشديدة في استثمار سندات تنخفض قيمتها بسبب اعتمادها على سندات في الأصل زائفة. وأوضحت أن الضرر الذي تسببت فيه هذه العمليات كان كبيرا جدا ولذلك قررت لجنة الأوراق المالية رفع القضية. وذكرت تافاكولي إن هذه الدعوى المرفوعة ضد غولدمان ساكس العريق لن تكون نهاية القصة. يشار إلى أن غلودمان ساكس يعمل منذ تم تأسيسه عام 1869 في الاستثمار المصرفي والسندات والخدمات المصرفية وإدارة الاستثمار. تلاعب لصالح المصارف وتؤكد الدعوى القضائية المدنية التي رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، شكوك الكثير من الأمريكيين تجاه التحايل الاجرامي لبورصة «وول ستريت» ونظام الاقتصاد الحر المتوحش، وأنه ثمة تلاعب لصالح المصارف. ويكتسب الوقت حساسية خاصة بالنسبة إلى «وول ستريت»، حيث يناقش واضعو السياسات في واشنطن تعديل التنظيمات المالية داخل الولاياتالمتحدة، ويمكن أن تقوي هذه الأخبار من موقف الراغبين في كبح جماح المصارف. وقد عزز الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم السبت 17 أبريل من الضغوط من أجل إجراء إصلاح مالي، واتهم الجمهوريين بالقيام بهجمات «خادعة وماكرة» ضد مشروع القانون. وربما توجه الدعوى القضائية التي رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات ل»وول ستريت» ضربة في مقتل، حيث يمكن أن تدفع إلى المئات من الدعاوى القضائية من جانب المستثمرين ضد «غولدمان» وغيرها من الكيانات الضخمة داخل «وول ستريت»، ممن ابتكرت وباعت استثمارات مرتبطة بالرهون العقارية. ويوم السبت 17 أبريل، قال الكثير من المصارف الأوروبية التي خسرت أموالا الصفقة، إنها تجري مراجعة للأمر. وربما تسعى هذه المصارف إلى استعادة الأموال من «غولدمان» عبر القضاء. محاولات ادخال تعديلات على النظام الاقتصادي الأمريكي من طرف إدارة أوبام تواجه مقاومة شديدة من المؤسسات التي أثرت على حساب امتصاص ثروات الآخرين كما يقول انصار وقف الهيمنة لسياسة الرأسمالية المتوحشة. ويوجه قادة الحزب الجمهوري، الذين ظلوا يبحثون عن وسيلة للنيل من شعبية أوباما، سهام نقدهم إلى سياساته الاقتصادية ويتهمونه بتبني أفكار اشتراكية. ولعل ما يصعب من فرص تقبل حجتهم القائمة على أن أوباما ينفق الأموال بلا مبالاة، هو أن سياسات إدارة الحزب الجمهوري السابقة -التي استندت على خفض الضرائب والاستدانة لتمويل حربي العراق وأفغانستان وغيرهما- تظل هي السبب الرئيسي في ارتفاع حجم الديون. حرب داخلية أوساط الرأسمالية المتوحشة وخدامها من المحافظين الجدد ورغم تبني أوباما للكثير من أطروحاتهم فيما يخص السياسة الأمريكية في العراق وأفغانستان والصراع الفلسطيني الإسرائيلي نجحوا عبر أجهزتهم الضخمة لتوجيه الرأي العام إلى تأليب فئات كبيرة من الرأي العام الأمريكي على سياسات أوباما. وفي شهر أبريل 2010 أوضح استطلاع للرأي أجراه مركز غالوب أن الغالبية العظمي من الديمقراطيين بنسبة 84 في المائة تؤيد إعادة انتخاب اوباما لولاية رئاسية ثانية، بينما لا يؤيد ذلك من الجمهوريين سوي 10 في المائة مقابل 88 في المائة يرفضون إعادة انتخابه. كما أشارت النتائج إلي أن 12 في المائة من الديمقراطيين لا يوافقون علي إعادة انتخاب الرئيس، أما المستقلون فإن 40 في المائة منهم يوافقون علي إعادة انتخابه مقابل 54 في المائة لا يوافقون، وهو ما يعني أن اوباما لم يعد يحظي بتأييد هذا القطاع من الناخبين الذي لعب دورا حاسما في نجاحه. في الوقت نفسه اظهر استطلاع آخر أن 52 في المائة من الأمريكيين يعتقدون أن اوباما يتجه ببلادهم نحو النظام الاشتراكي، بينما رفض 38 في المائة فقط هذا الرأي. وأوضح استطلاع أجرته صحيفة نيويورك تايمز وشبكة سي.بي.إس التليفزيونية أن 52 في المائة من الأمريكيين يؤيدون وجود حكومة فيدرالية اصغر حجما وأقل تدخلا في شئون حياتهم وهو احد المطالب التقليدية للجمهوريين الذي يتهمون اوباما بتوسيع حجم ومسئوليات الإدارة الفيدرالية. يوم الخميس 22 أبريل لجأ أوباما إلى أسلوب الهجوم للدفاع عن توجهاته التي يقول مراقبون أنه تستهدف انقاذ ما يمكن من قوة بلاده التي يرى أن المحافظين الجدد يقودنها نحو الانتحار. فقد قال الرئيس الامريكي في خطاب القاه في نيويورك ان الولاياتالمتحدة ستواجه ازمة جديدة اذا لم تقم بعملية اصلاح مالي، ودعا وول ستريت الى دعم الاصلاح بدلا من التصدي له. وذكر اوباما «من الضروري ان نتعلم الدروس من هذه الازمة حتى لا نكون مضطرين الى تكرارها». واضاف «لا تخطئوا، هذا بالتحديد ما سيحصل اذا لم نستغل هذه الفرصة» لاصلاح نظام المصارف والمؤسسات المالية الاخرى الذي يدرسه مجلس الشيوخ. واعرب اوباما عن امله في اعطاء ضمانات للمستثمرين، مؤكدا لهم انه يؤمن بالرأسمالية «وبسلطة السوق». واضاف «اؤمن بقطاع مالي قوي يساعد الناس على جمع رؤوس اموال والحصول على قروض واستثمار مدخراتهم». الا انه استدرك بالقول «لكن نظاما حرا لا يعني ابدا الاذن بأخذ كل ما تستطيع ان تأخذه، ايا تكن الطريقة». واوضح اوباما ان «البعض في وول ستريت نسوا ان وراء كل دولار في البورصة او قيد الاستثمار ثمة عائلة تحاول شراء منزل ودفع رسوم التعليم وفتح تجارة او الادخار للتقاعد». وذكر بأنه «لما يحصل هنا عواقب حقيقية في كل انحاء بلادنا»، مشيرا الى الازمة المالية في 2008 الناجمة عن التصرفات الرعناء للشركات المالية ثم امتدت الى الاقتصاد الحقيقي وبالكاد بدأت الولاياتالمتحدة في التعافي منها لكن البطالة الرسمية تقترب بشكل خطر من عتبة عشرة في المائة». لكن اوباما اعرب ايضا عن اقتناعه بأن من مصلحة وول ستريت التعاون معه ومع الكونغرس لادخال مزيد من التنظيمات في القطاع، بدلا من التصدي للاصلاح من خلال تنشيط شبكاته لدى النواب. وقد ندد البيت الابيض بهذه الاستراتيجية قبل اسبوع. وخاطب الرئيس الامريكي رؤساء كبرى المؤسسات المالية بالقول «انا هنا اليوم لأني ادعوكم للانضمام الينا بدلا من محاربتنا». ازمة للبعض المحللون الذين يتوقعون تمركز الأزمة الإقتصادية التي تلوح مؤشراتها في الأفق على الولاياتالمتحدة وبعض الأطراف الأخرى المرتبطة بها بشكل وثيق، يتوقعون أن تنجح باقي دول العالم وخاصة في آسيا وأجزاء واسعة من أفريقيا في تحقيق نمو اقتصادى إن لم يكن في حجم المأمول فهو سيكون على أي حال ايجابيا وسينجي الطبقات الفقيرة والمتوسطة في هذه الدول من تبعات أزمة إقتصادية خانقة. يوم الأربعاء 21 أبريل 2010 ذكر صندوق النقد الدولي ان اقتصادات دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا تتعافى بوتيرة جيدة وبمعدل نمو متوقع يبلغ 4.5 في المائة في 2010 وانه ينبغي أن تظل اجراءات التحفيز المالي قائمة لتعزيز التعافي. غير أن الصندوق قال في توقعاته للاقتصاد العالمي ان وتيرة الانتعاش في الاقتصادات المتقدمة وتأثير أزمة ديون دبي يفرضان مخاطر رئيسية وان هناك عدم تيقن ملموس بشأن التوقعات. وقال الصندوق «ستواصل برامج الاستثمار الحكومية لاسيما في البنية التحتية دعم الطلب المحلي في المدى القريب في كثير من اقتصادات الشرق الاوسط وشمال افريقيا»، «ينبغي أن تظل تلك الاجراءات قائمة للمساعدة في تعزيز الانتعاش. غير أن مستويات الدين المرتفعة تحد من نطاق التحفيز المالي في بعض الاقتصادات المستوردة للنفط». وأضاف الصندوق أنه ينبغي الاستمرار في استخدام السياسة النقدية للمساعدة في دعم النمو في دول لا تربط عملاتها مثل مصر اذا كان ذلك مجديا نظرا لتراجع الضغوط التضخمية. وقال «بالنسبة للدول الاخرى في المنطقة التي تربط عملاتها بالدولار مثل السعودية والامارات العربية المتحدة فان السياسة النقدية تتوافق مع السياسة الامريكية وهي تحفيزية بشكل مناسب». خفض العملات اوليفييه بلانشار كبير الخبراء الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي وجه ما يمكن أن يقدر مستقبلا على أنه تناغم مستتر مع مطالب الدول الرأسمالية الكبرى في الغرب مع صبغة من الانتقاد، حيث قال ان الدول الغنية المثقلة بالديون في حاجة الى خفض قيمة عملاتها لدعم الصادرات لأن خفض الدين الحكومي من المرجح أن يؤدي الى تباطؤ النمو المحلي. وعكست تصريحات بلانشار تحولا هادئا فيما يتعلق بمسألة اعادة التوازن للنمو العالمي. وحذر صندوق النقد الدولي لسنوات من أن الاحتياطيات الضخمة في الدول التي تحقق فائضا مثل الصين والديون المتراكمة الهائلة في الولاياتالمتحدة ودول أخرى تشكل تهديدا للاستقرار الاقتصادي العالمي. ويتركز معظم الاهتمام على اجبار الصين على رفع قيمة عملتها اليوان للمساعدة على خفض العجز التجاري الأمريكي وبدعوى تحفيز الطلب المحلي. وأكد بلانشار أن على الدول الغنية أيضا أن تقوم بمبادرة كبيرة وتسمح لعملاتها بالتراجع بينما تصارع أعباء ديون سيادية ضخمة. وذكر بلانشار «في الاقتصادات المتقدمة هناك حاجة للتماسك المالي لكن من المرجح أن يكون له تأثير عكسي على الطلب والنمو. ولموازنة هذا التأثير ومواصلة النمو ربما تحتاج الاقتصادات المتقدمة جميعها لخفض قيم عملاتها بهدف زيادة صافي الصادرات». في نفس الوقت ذكر صندوق النقد الدولي في توقعاته المعدلة ان الاقتصاد العالمي تعافى من الركود بشكل أسرع مما كان متوقعا مع قيادة الاقتصادات الصاعدة التعافي. في محاولة لصد الاتهامات بخدمة مصالح الدول الغربية الرأسمالية في المقام الأول وتكييف التقارير مع ما يلبي جاجة مخططاتها، حذر صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء 20 أبريل من ان الازمة الاقتصادية يمكن ان تدخل «مرحلة جديدة» مع ارتفاع الدين العام. وفي تقرير يصدر كل عامين حول الاستقرار الاقتصادي، قال الصندوق ان التحدي الاخير الذي يواجه النظام المالي العالمي المضطرب يأتي في الوقت الذي بدأت فيه البنوك في تثبيت اقدامها مرة اخرى مع بدء الانتعاش الاقتصادي العالمي. وجاء في التقرير ان «المخاطر على استقرار النظام المالي العالمي بدأت تخف مع تحسن الاقتصاد العالمي، إلا أن المخاوف حول مخاطر الديون العامة للدول يمكن أن تقوض الاستقرار الذي تحقق وتطيل فترة انهيار الائتمان». وقال الصندوق انه «بدون استعادة الوضع المالي والموازنات العامة لعافيتها تماما، فان تفاقم الديون العامة يمكن ان يؤثر على الانظمة المصرفية وغيرها من الانظمة المالية». وفي تقريره حول «الاستقرار المالي العالمي» خفض صندوق النقد الدولي من تقديراته لانخفاض قيم اصول البنوك منذ بداية الازمة في عام 2010 الى 3.2 ترليون دولار مقارنة مع 8.2 ترليون دولار في اكتوبر. وتزايدت الديون العامة بشكل كبير بسبب الازمة الاقتصادية، فقد تعين على العديد من الحكومات انقاذ البنوك المتضررة، كما توجب عليها دفع المزيد من اعانات البطالة وتمويل برامج التحفيز الاقتصادي. آسيا لا تنسى ولا تغتفر كتب المحلل الاقتصادي بيتر يانسن يوم 22 أبريل من العاصمة التايلاندية بانكوك: «ربما يتمتع صندوق النقد الدولي بشعبية متزايدة بفضل دوره في الإنقاذ المالي لدول شرق أوروبا وربما في اليونان لكن بالنسبة لآسيا فالمؤسسة الدولية مازالت منبوذة. كان صندوق النقد الدولي لاعبا رئيسيا في التعامل مع الأزمة المالية الآسيوية التي انطلقت من تايلاند في يوليو 1997. وسرعان ما انتشر الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في تايلاند إلى باقي دول جنوب شرق آسيا لتدخل المنطقة في ركود عميق وتتلاشى الاحتياطيات النقدية الأجنبية وتنهار العملات المحلية وتنطلق موجة إفلاس قوية مع تباطؤ وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. في ذلك الوقت دخل صندوق النقد على خطة إدارة الأزمة وفرض على الدول الآسيوية شروط صارمة لكي تحصل على مساعدات مالية تواجه بها أزمتها وبخاصة إندونيسيا والفلبين وكوريا الجنوبية وتايلاند. وحكم الصندوق على مئات المشاريع الصناعية الطموحة والتي عارض من قبل قيامها، بالاعدام ليفتح المجال لمنتجات الشركات الغربية. وعلى عكس الطريقة التي تعامل بها مع الأزمة المالية الأخيرة التي انطلقت من الولاياتالمتحدة فإن صندوق النقد الدولي أجبر الدول الآسيوية على تجرع الدواء المر خلال أزمة 1997 إلى 1998. وتضمنت شروط صندوق النقد الدولي على الدول الآسيوية في ذلك الوقت فرض سياسة مالية صارمة وما سمي إصلاحات هيكلية واسعة والتزام الدول بسداد الديون المستحقة عليها وأغلبها لدائنين أجانب مقابل الحصول على قروض الإنقاذ من الصندوق. وعندما اشتدت حدة الركود وتزايدت أعداد الفقراء في الدول الآسيوية بسبب شروط الصندوق اعترف الأخير بأنه قدم نصائح خطأ لتلك الدول. واستمر المذاق المر الذي أجبرت الدول على تناوله في فم شعوبها حتى الآن. يقول شالونغبهوب سوسانغ كارن وزير مالية تايلاند السابق وكبير خبراء الاقتصاد حاليا في معهد أبحاث التنمية التايلندي «اعتقد أنه لو تبنت حكومة تايلاند برنامجا جديدل لصندوق النقد الدولي ستعم الفوضى الشارع». وخلال الأزمة الآسيوية كانت حكومات تلك الدول تريد إنقاذ بنوكها وشركاتها الكبرى لكن صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدائنة رفضت تدخل الحكومات لإنقاذ تلك المؤسسات بدعوى أن الأمر ينطوي على «مخاطرة أخلاقية». ويقول شالونغبهوب «ولكن إذا نظرنا إلى ما حدث في الأزمة الراهنة سنجد أن مخاطرة أخلاقية كبيرة جاء بسبب خطط إنقاذ كل هذه المؤسسات المالية لذلك غير صندوق النقد الدولي شروط الإقراض التي قال إنه يجب الالتزام به». ويحاول صندوق النقد الدولي إعادة الحياة إلى وجوده في آسيا من خلال صندوق جديد عرف باسم «صندوق مبادرة شيانغ ماي للتعددية» الذي يهدف إلى الحصول على مساهمات مالية بقيمة 120 مليار دولار من دول تضم الصين واليابان وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا للمساهمة في تمويل خطط إنقاذ الدول الأعضاء في الصندوق. وإذا لجأت أي من دول منطقة آسيا إلى الصندوق للاستفادة من المبادرة فإنها قد تقدم فرصة للمؤسسة الدولية من أجل تحسين صورته أمام الشعوب الآسيوية. تجنب السقوط في الفخاخ دول عديدة منها العربية والآسيوية خسرت مئات مليارات الدولارات من خلال استثماراتها في الولاياتالمتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى. والأن مع سنة 2010 تعلم العديد من المستثمرين الدرس. حيث أفادت العديد من المؤسسات المالية الدولية إن الأزمة دفعت المستثمرين إلى أسواق الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل والصين والهند والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي تقرير لصندوق النقد الدولي حول وضع الاقتصاد العالمي، أوضح أن الأزمة غيرت المفاهيم تجاه المخاطر والعائدات في الأسواق المتقدمة قياسا بالأسواق الناشئة، فقد كشفت ضعف الوضع المالي للحكومات في أمريكا الشمالية ودول بأوروبا كانت تعتبر آمنة، مما دفع إلى ترشيد شديد في الإنفاق وإثارة الأسئلة حول مستقبل العملة الأوروبية الموحدة. يشار إلى أن الدول المعروفة بمجموعة البيغس (البرتغال وإيطاليا وإيرلندا واليونان وإسبانيا) شهدت ارتفاعا كبيرا في ديونها العامة، مما أثار قلق المستثمرين إزاء احتمال عدم قدرة الحكومات على تسديد ديونها. وقال تقرير الصندوق إن الأثر الذي تركته أزمة اليونان على الثقة ظهر حاليا في الخيارات التي يفضلها المستثمرون من أصغر مستثمر إلى الصناديق الكبرى. وكشف أن المستثمرين وصناديق التحوط بدؤوا يتجهون بصورة أكبر إلى محافظ في الأسواق الناشئة على المدى القصير. ولذلك يمكن رؤية تدفق لرأس المال إلى آسيا -ما عدا اليابان- وإلى أمريكا اللاتينية بسبب توفر فرص النمو الاقتصادي القوي وارتفاع أسعار الأصول، في مقابل انخفاض أسعار الفائدة في الدول الصناعية. واشار التقرير إلى أن أحد مؤشرات الأسواق الناشئة أظهر عائدات على الاستثمار وصلت إلى 15 في المائة سنويا في خمس سنوات حتى العام 2009. وبالمقارنة فإن مؤشرا موازيا للاستثمار بالولاياتالمتحدة أعطى عائدات وصلت إلى أقل من 1 في المائة فقط.