استغرب مسؤولون مغربيون التصريحات الصادرة عن مسؤولين خليجيين حول وجود "عقبات" أبرزها الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة لدى المغرب والأردن والتي تعيق عمليّة انضمامهما الى مجلس التعاون. إلا انّ موقف المغرب الرسمي من الموضوع عبّر عنه وزير الخارجية الطيب الفاشي تعقيبًا على الدعوة في العاشر من أيار (مايو) 2011 بالقول إنّ الرباط تتمسّك بخيارها الإستراتيجي في الاندماج الكامل داخل الاتحاد المغاربي. ويشبه الباحث السياسي المغربي الحسن صابر الدعوة الخليجية للانضمام ب"الضربة السياسية الاستباقية"، ويرى أنّها "خالفت المتعارف عليه دبلوماسيّا والذي يقضي بالتشاور المعمّق بين الأطراف، وهو ما يفسر الترحيب الدبلوماسي المغربي المقرون بالتأكيد على الخيارات الجيو-استراتيجية للمغرب الكامنة في استمرار الرهان على البعد المغاربي كأولوية وهو البعد المتصل وجوبا بالشراكة الأورومتوسطية. وكان مدير إدارة مجلس التعاون الخليجي في وزارة الخارجية الكويتية السفير حمود الروضان أكّد أنّ الاختلاف في وجهات النظر بين الدول الأعضاء بالمجلس حول ضم الأردن والمغرب "ليس جوهريا"، لافتًا إلى أنّه "لا يجوز الانضمام الفوضوي للمغرب والأردن إلى مجلس التعاون الخليجي ومؤيدًا الانضمام التدريجي عبر شراكة لمدة عامين، وبعدها ينظر بتلك الشراكة في القمة الخليجية ليتم الانضمام التدريجي إلى المجلس في المستقبل". وأشار الروضان إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي وافقت على الدعم المالي للأردن والمغرب، مؤكدا أنه ليس شرطا أن يكون الدعم مباشرا، وإنما قد يكون عبر صناديق للتنمية تقوم بمشاريع ضخمة في هاتين الدولتين لمساعدتهما في حل أزمتهما الاقتصادية. ويرجع الباحث صابر توقيت الدعوة الخليجيّة إلى المستجدات على الساحة العربيّة، حيث أدّى الربيع العربي إلى جعل مصير بعض الدول وبينها مصر - وهي دولة مؤسسة في جامعة الدول العربيّة - مجهولاً. واقترنت التطورات على الساحة العربيّة مع تصاعد التهديدات الإيرانيّة، الأمر الذي أعطى زخمًا لدعوة الانضمام الخليجيّة في مواجهة مشروع "الهلال الشيعي" الذي يخدم تطلعات إيران الاستراتيجية. ويضيف صابر "إيرن تطمح إلى لعب دور "الشرطي" في منطقة تملك ثروات في مجال الطاقة، وسيولة ماديّة بالإضافة إلى موقع جغرافي يطل على المنافذ الحيوية بين عالمين أحدهما رأسمالي عجوز ويتخبط في الأزمات لكنه يحافظ على ناصية البحث العلمي والقوة العسكرية المدمرة، والآخر عالم ناهض يشكّل حوالى ثلثي عدد البشريّة ويتحول تدريجيا إلى مركز ثقل الإنتاج والتجارة والاستهلاك العالمي". ويقول صابر إنّ "من مصلحة المغرب أن يتملك موطئ قدم لتيارات تبادلية تجارية وبشرية ومالية مبنية على مصالح متبادلة بما فيها الأمنية والعسكرية لكن من دون دفع أثمان سياسية باهظة ترتبط بآفاق تطوره الديمقراطي وهويته المتعددة وحرصه الانفتاحي". ويتّفق تاج الدين الحسيني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط وخبير بأكاديمية المملكة المغربية، مع صابر في تفسيره دعوة المغرب والأردن للانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي، لافتًا إلى أنّ الدعوة جاءت في سياق التطورات التي عرفتها المنطقة العربية بعد الربيع العربي، ورغبة بلدان الخليج في تأسيس نوع من التضامن مع الملكيات الموجودة في المنطقة العربية. ويلفت الحسيني إلى أنّ المغرب أكّد منذ البداية على خياره الإستراتيجي والمتمثل في المغرب العربي بحكم الجوار الجغرافي. ويرحب الحسيني في فتح المجال لشراكة موسعة مع بلدان الخليج لافتًا إلى ضرورة "انفتاح المغرب على عمليات الاستثمار التي تقوم بها عدة صناديق سيادية في منطقة الخليج وافتتاح برامج استثمارية مهمة خاصة مع كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت". ويشير الحسيني إلى أنّ عدد سكان بلدان الخليج بالإضافة إلى المغرب والأردن يعادل عدد سكان إيران، ناهيك عن توفر المغرب والأردن على خبرة مهمة في الميدان العسكري وكفاءات متفوقة في ميادين التكنولوجيا، بالتالي فإن انضمام المغرب والأردن يشكل نوعًا من الدعم لمواجهة أي اعتداء محتمل من طرف إيران. يضيف الحسيني إنّ دول الخليج رأت في دعوة الانضمام فرصة لتشكيل اتحاد اندماجي ملكي، موضحًا أن "تطور الأحداث بالمنطقة بالإضافة إلى تدهور علاقة اليونان بالاتحاد الأوروبي دفع ببلدان الخليج الى إعادة النظر في الخطوة. أمّا محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض في مراكش، فيرى أنّ المعيار الأساسي الذي يحدد تجمّع الدول في إطار اتحادات مصغرة أم موسّعة هو المصلحة المتبادلة بين هذه الدول. ويضيف " تشكيل اتحاد جديد أو الانضمام إلى اتحاد موجود يرتبط بقرار عقلاني وموضوعي بمعزل عن الاعتبارات الشكلية أو الإعلانات البروتوكولية التي لا يترتّب عليها أيّ التزام سياسيّ كما لا تكفل تحقيق مصالح متكافئة للجميع". ويضع الغالي دعوة الخليج في إطار "إعلان النوايا"، فيما تعكس المواقف غير المتناغمة للدول الأعضاء في مجلس التعاون إزاء موضوع الانضمام غياب تصور واضح ومشترك في ما بينها. ويشرح الغالي إنّه بالتزامن مع التحول الايجابي في الموقف القطري من مسألة انضمام المغرب، صدر تفسير آخر عن مسؤولين خليجيين اعتبروا انضمام المغرب عبئا اقتصاديا على دول الخليج. ويضيف "جاء ذلك بغياب أية نظرة تكاملية واندماجية بخصوص إمكانات المغرب البشرية والمادية لناحية الثروة التي يمتلكها والمتمثلة في الإمكانات الطبيعية والجيوسياسية". ويلفت الغالي إلى أنّ عدد المستهلكين في المغرب "يبلغ حوالى 36 مليون أي ما يعادل تقريبا عدد سكان دول مجلس التعاون". يضيف إنّ العدد يؤشر إلى أن المقاولات التجارية في دول الاتحاد ستستفيد من سوق استهلاكية مهمة، كما أن المقاولات الخليجية في مجال البنى التحتية ورؤوس أموالها ستستفيد من فرص الاستثمار التي يوفرها الاقتصاد المغربي الصاعد في منطقة شمال إفريقيا، مما يعني كذلك أن المغرب يمكن أن يشكل بوابة اقتصادية إلى هذه الدول وكذلك بوابة على إفريقيا؛ بالإضافة إلى موقع المغرب الجيوسياسي الذي يمكن أن يشكل بوابة سياسية واقتصادية بامتياز. ويرى الغالي أنّ دول الاتحاد الأوروبي وكذلك المملكة المغربية يمكن أن تشكل صمام أمان سياسي بحكم ما تتمتع به من استقرار سياسي. ولا يخالف الكاتب والمحلل السياسي عادل بن حمزة هذا الرأي، ويشير ل "إيلاف" إلى أن رهان المغرب يرتكز أساسًا على التعاون الاقتصادي وكذلك تدعيم الخليج بالخبرات والكفاءات المهنية المغربية. يضيف بنحمزة "تصطدم الشراكة بين بلدان مجلس التعاون الخليجي والمغرب بعائقين أساسيين: الجغرافيا والتباين في البنى الاقتصادية"، موضحًا أنّ الاقتصاد الخليجي "يرتكز أساسا على ريع الطاقة والنفط والغاز والمراكز المالية على غرار مركزي دبي المالي ومركز الدوحة المالي، والتي ولدتها الطفرة المالية جرّاء الرهان على الطاقة". ويلفت إلى أنّ ثمة اختلاف في البنى السياسيّة بين المغرب وبلدان الخليج، حيث يسود تخوف محلي من ذوبان المغرب ضمن بنية خليجية ذات تركيبة اجتماعية معقدة ومختلفة". ويدعو بن حمزة إلى تأهيل الاقتصاد المغربي والاقتصاد الأردني من أجل مواكبة الديناميكية الموجودة في الاقتصاد الخليجي في حين إن الاقتصاد المغربي يبقى اقتصادا متنوعا ومختلفا يقوم على الزراعة والصناعة الغذائية والسياحة والخدمات. ويخلص بن حمزة إلى أنّ "الأفق المتواضع للعلاقات المغربية – الخليجية يتمثل في دعم بلدان الخليج إلى المغرب على الصعيدين المادي ولناحية الاستثمارات مقابل وضع الكفاءات المغربية في خدمة بلدان الخليج. هشام ناصر