فرنسا-المغرب.. كيف يتداخل البعد السياسي بالثقافي والاقتصادي ضمن نسيج من المصالح والامتيازات المشتركة؟    حقوق الإنسان: الأمين العام للأمم المتحدة يبرز تميز تعاون المغرب وتفاعله مع الآليات الأممية    الجيش الملكي يستنكر تحكيم مباراة الرجاء ويدعو لتحقيق فوري    الصيد في المحميات بين أبرز المخالفات المضبوطة خلال موسم القنص حتى 20 أكتوبر    أخنوش يؤكد زيادة حصة الجماعات من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة    البرلمان يؤجل مناقشة قانون الإضراب        "لوبوان": هل أساءت المحكمة الأوروبية استخدام القانون بإبطال اتفاق الصيد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب؟    "أوكسفام": المغرب يحرز تحسنا في "مؤشر الالتزام بتقليل عدم المساواة" بفضل زيادة الإنفاق العمومي في أعقاب زلزال الحوز    المؤسسات والمقاولات العمومية: رسوم شبه ضريبية متوقعة تناهز 6 مليار درهم برسم 2024    الأول بإفريقيا والشرق الأوسط.. تدشين مركز ابتكار ل"نوكيا" بالمغرب    إسرائيل تشن غارات على مدينة صور بجنوب لبنان ووزيرة خارجية ألمانيا تصل بيروت    إيران: إعدام أربعة أشخاص بسبب بيع مشروبات كحولية مغشوشة    جنود إسرائيليون يطلبون إنهاء الحرب    السيد غوتيريش يشيد باحترام المغرب لوقف إطلاق النار وبالتعاون النموذجي للقوات المسلحة الملكية مع المينورسو    أبطال أوروبا.. حكيمي ينقذ "PSG" من الهزيمة وفينيسيوس يقود الريال لريمونتادا تاريخية    لجنة الخارجية بمجلس الشيوخ الإسباني تدعو إلى الضغط على المغرب لإعادة فتح الجمارك في مليلية    "ّلجنة حماية الصحفيين": فرحة بوعشرين والريسوني والراضي لم تدم طويلا ويواجهون عبء الإدانات بعد إطلاق سراحهم    الدورة الثامنة لتحدي القراءة العربي تتوج ممثلي ‬فلسطين والسعودية وسوريا    منظمة الصحة العالمية تعلن تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة    ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية بسبب التوترات العالمية    كيوسك الأربعاء | المغرب يرصد أزيد من 200 مليار سنتيم لتطوير الجانب الرياضي    طنجة.. تفاصيل اعتقال شخص بتهمة النصب وانتحال صفة مسؤول أمني وتزوير وثائق رسمية    19 يوما من إبادة شمال غزة.. إسرائيل تواصل القتل والحصار والتطهير    آلاف الفنانين والكتاب يبدون في عريضة قلقهم من الذكاء الاصطناعي    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمغرب    اَلْحُبُّ الْمَمْنُوعُ!    حكّام الجزائر، يتامى "الاستفتاء"... يغمغمون    المغرب الثقافي .. حب واحتراق    تحديات عالمية ورهانات مستقبلية    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    تغييب الأمازيغية عن تسمية شوارع العروي تجلب انتقادات للمجلس الجماعي    توقيف 3 أشخاص متورطين في قضية إلحاق خسائر مادية بممتلكات خاصة وحيازة السلاح الأبيض    كمال كمال ينقل قصصا إنسانية بين الحدود المغربية والجزائرية في "وحده الحب"    قمة الجولة السابعة بين الجيش والرجاء تنتهي بالتعادل        تعادل الرجاء والجيش بالدوري الاحترافي    رئيس الفيفا يشكر المغرب على استضافة النسخ الخمس المقبلة من كأس العالم للسيدات لأقل من 17 عاما    خلال 3 سنوات ونصف رفعت مديونية الخزينة من 885 إلى 1053 مليار دهم    توقعات احوال الطقس : انخفاض درجة الحرارة بمنطقة الريف    لمجرد يروج لأغنيته الجديدة "صفقة"        منتخب الشاطئية ينهزم أمام مصر (2-3)    المستوطنون يقتحمون الأقصى في رابع أيام "ما يسمى عيد العرش"    النصر للشعب الفلسطيني وكل المدعمين له ..    تقسيم دي‮‬ ميستورا‮ ‬وزوبعة‮ ‬صحراوية‮    رحيمي الأعلى تنقيطا في قمة الهلال والعين        شبهات حول برنامج "صباحيات 2M" وإدارة القناة مطالبة بفتح تحقيق    إعادة تأهيل مرضى القلب: استعادة السيطرة على الصحة بعد حادث قلبي    المكسرات صديقة المصابين بداء السكري من النوع الثاني    الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات.. الذكاء المنطقي الرياضي/ تتويج المغرب بالذهبية/ تكوين عباقرة (ج2) (فيديو)    وهي جنازة رجل ...    رحيل الفنان حميد بنوح    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراكش تتحول إلى عاصمة للتفكير في أزمات العالم
نشر في اليوم 24 يوم 09 - 11 - 2017

المغرب في قلب عالم يموج بالتحولات والتهديدات المتصاعدة إقليميا ودوليا، وهو على غرار باقي دول العالم، مطالب بالتفكير في تموقعه وجوابه الخاص عن هذه التحديات.
مؤتمر السياسة الدولية الذي انعقد أيام الجمعة والسبت والأحد الماضية بمدينة مراكش، شهد جلسات مكثفة ومتواصلة، لتشخيص العالم الجديد الذي يتشكّل حاليا، والأخطار التي يشكلها على الدول والمجتمعات، ويستشرف محاولات للجواب عن هذه التحولات. ثلاثة أيام كاملة من النقاشات والمداولات، خلاصتها أن البشرية تعيش فترة انتقال لعالم ما قبل انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما بعدها، وأن العالم العربي يعيش مرحلة تفكيك وإعادة تشكل شاملة.
المؤتمر الذي اختار مراكش لعقد دورته العاشرة، منح وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمان آل ثاني، منصة حصرية للحديث عن الأزمة الخليجية الدائرة حاليا بين بلاده وجيرانها الخليجيين، كما شكّل فرصة نادرة لخروج أصوات لا تسمع كثيرا لمسؤولين ومشاركين في القرار الرسمي للدولة المغربية.
الوزير المنتدب السابق في وزارة الخارجية، والمكلف حاليا بمهمة في الديوان الملكي، يوسف العمراني، كان أحد أبرز الأصوات المغربية التي شاركت في جلسات هذا اللقاء، مقدما لمحة عن القراءة المغربية للتطورات والتفاعلات الإقليمية والدولية.
العمراني: أربع دول فاشلة في الجوار
العمراني قال في جلسة خصصت لموضوع التطورات في منطقة الشرق الأوسط، إن أول ما ينبغي تسجيله، هو أنه لم يعد اليوم بالإمكان الفصل بين الشرق الأوسط والمغرب العربي ومنطقة الساحل، "لأننا نواجه التحديات نفسها والمخاطر نفسها، كما لا يمكننا تجاهل أوربا كفاعل أساسي في المنطقة، عبر سياستها الخاصة بالجوار".
العمراني شدد على ضرورة الإقرار على "أن الوضعية في المنطقة باتت اليوم فوضوية، وأصبحت لدينا تحديات مركبة وانقسامات وتفكيك للعالم العربي، هذا واقع. وإذا أضفنا إلى ذلك الانقسام الحاصل في مجلس الأمن الدولي، والتي تجعله غير قادر على حل الصراعات الحالية في المنطقة، فإننا أمام ضرورة البحث عن وسائل جديدة".
العمراني الذي يعتبر أحد أكبر العارفين بالملفات الدبلوماسية والقضايا الدولية المرتبطة بالمصالح المغربية، قال إن كلا من العراق وسوريا وليبيا واليمن، تحولت اليوم إلى دول فاشلة (failed state)، "ولم تعد هناك دولة مركزية فعلية يمكنها فرض الحلول وتحقيق التنمية وتطوير الديمقراطية أو اقتراح حلول للإشكالات الهوياتية، والتي تعتبر أكبر الإشكالات التي تواجهها الدول، من قبيل الصراع السني الشيعي".
وخلص العمراني إلى أن منطقة الشرق الأوسط هي اليوم من المناطق القليلة في العالم التي تفتقد إلى نظام إقليمي فعال في حل الأزمات، حيث عجزت الجامعة العربية في القيام بشيء ملموس في حل الصراعات القائمة، "كما بقي دور المنظمات الإقليمية محدودا، مثل مجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي الذي بات في موقع استحالة حل الإشكالات الحاصلة".
الوزير المغربي السابق قال إنه وفي الحالة الليبية، ورغم اتفاق الصخيرات، "لم نتمكن حتى الآن من تطوير أي حل. وحتى في القضية الفلسطينية، ورغم التقارب الذي حصل بين فتح وحماس، إلا أننا ما زلنا نفتقد للقيادة ونفتقد للرؤية ونفتقد للالتزام، ليس من جانب اللاعبين المحليين، بل حتى من جانب اللاعبين الدوليين. وأعتقد أننا لا يمكن أن ننهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ما دمنا نفتقد لهذه العناصر الثلاثة، أي الرؤية والقيادة والالتزام vision commitment and leadreship.
والعلو: المتوسط خسر إشعاعه
الوزير الإسباني السابق في الخارجية، أنخيل ميغيل موراتينوس، الذي تولى إدارة الجلسة، قال إن دول المشرق العربي نظرت إلى المغرب في بعض الفترات باعتباره منطقة هامشية على غرار منطقة المغرب العربي، "لكن اليوم، يمكن للمغرب أن يتحدث بصوت مرتفع عما حققه في علاقته بالتزاماته العربية وقضية الشرق الأوسط ونموذجه الخاص في التعاطي مع القضايا".
فيما اعتبر وزير الاقتصاد والمالية السابق، والاتحادي فتح الله والعلو، أن العالم يعيش حاليا مرحلة انسداد شبه شامل. وأوضح والعلو أن المنطقة المتوسطية افتقدت إشعاعها السابق، كما تعيش أوربا تداعيات عشر سنوات من الأزمة، وما ترتب عنها من تداعيات اقتصادية وصعود للشعبوية وأزمات مرتبطة بالهجرة… "بل إن أوربا أدارت ظهرها لجوارها المباشر في الضفة الجنوبية".
وضع عاد والعلو ليقول إنه يتضمن نقاط ضوء وبوادر أمل رغم كل ذلك، تتجسد في بوادر إحياء فكرة الوحدة الأوربية، وبروز محدودية المد اليميني والشعبوي في أوربا، وفشل بعض المشاريع الانفصالية، من قبيل المشروع الكطالاني في إسبانيا. "ورغم أن الجميع يتحدث عن العودة القوية لروسيا، إلا أن هذه الأخيرة تعاني من هوة بين محاولات العودة الجيواستراتيجية ومحدودية نموذجها الاقتصادي الداخلي؛ في المقابل، يشهد العالم صعودا قويا ومستمرا لآسيا، وخاصة للصين كقوة عالمية أولى".
والعلو شدد على أن الصين اليوم لم تعد مجرد ورشة للصناعة العالمية، "بل أصحبت مختبرا للاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي العالمي. ما يهمني في هذا الأمر هو تأثير الصعود الصيني على إفريقيا".
التوظيف العمومي يقتل النمو
جهاد أزور، المدير المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، قال بدوره إن المنطقة العربية في مفترق طرق تاريخي، "لكن هناك تباين كبير بين الدول غير البترولية التي تسجل معدل نمو في مستوى أربعة في المائة، بينما الدول البترولية لا تأمل تحقيق حتى واحد في المائة". التحولات التي تعرفها المنطقة حاليا، ستكون لها، حسب المسؤول نفسه، نتائج سياسية وليست اقتصادية فقط. "فكل من الدول المصدرة للبترول وتلك التي تستورده، تحتاج إلى نمو أكثر، علما أن دول المنطقة أبانت عن مرونة كبيرة، بالنظر إلى الصدمات المتتالية التي عرفتها من الأزمة المالية العالمية، والربيع العربي وانخفاض أسعار البترول".
جهاد أزور أضاف أن هناك مخاطر جديدة تحذق بالمنطقة، "مع التوتر الدبلوماسي في الخليج، وعودة التوتر بين أمريكا وإيران". وعن المنافذ الممكنة لتجاوز شبح الفوضى الشاملة في المنطقة، قال المسؤول بصندوق النقد الدولي، إن المدخل الأول هو الاشتغال على التعليم والتكنولوجيا، "أي المرور من تعليم تربوي كلاسيكي نحو تعليم يمتد على طول المسيرة المهنية، والاشتغال أكثر على الكفاءات والمعارف، والتكنولوجيا يمكنها فعل الكثير في هذا المجال".
وكشف جهاد أزور عن دراسة حديثة أنجزها الصندوق، "أبانت أن التشغيل في القطاع العمومي يقتل النمو، لأنه يؤدي إلى انخفاض المردودية العامة للعمل بالنظر إلى الأجور المنخفضة فيه".
باحث بمكتب الدراسات البريطاني Covington and Burling LLP، قال إن العالم يمر حاليا بمرحلة غموض كبير. ستايوارت ايزنشتات أوضح أن المملكة العربية السعودية دخلت في تحضيرات لمرحلة ما بعد البترول، وراحت تنفتح على الاستثمار الخاص، "والأمر نفسه ينطبق على الإمارات العربية المتحدة، كما أن مملكة الأردن تدفع في اتجاه جعل منطقة الخليج تساهم أكثر في حل المشكلة السورية، كما أن المغرب يتقدم أكثر في جبهة الحرب على الإرهاب والتطرف…".
المتحدث الذي شارك في الجلسة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، أوضح أن هناك ثلاثة مؤشرات سلبية أساسية، "أولها ظهور قوى غير دولتية تهدد الاستقرار في المنطقة، ثم عدم الاستقرار السياسي الناتج عن استفتاء كردستان، والذي يهدد بتفكيك دولة العراق وكامل المنطقة، ثم الحرب المدنية السورية التي لم تفض إلى إي شيء، بل إن قوات نظام بشار الأسد عززت موقعها".
الروس يسلحون تركيا والسعودية
ستيوارت ايزنشتات قال إن مصر مازالت تواجه "التأثير السلبي لسياسات الإخوان المسلمين في مجال السياحة والصناعة، وتركيا بدورها تعرف صعوبات يواجهها أردوغان، سواء مع حلف الشمال الأطلسي أو روسيا، والمغرب بدوره يخوض مواجهة ضد الأصولية، حيث يلعب الملك دورا كبيرا كحاجز ضدها".
وحرص المتحدث على التنبيه إلى أن "الروس أصبحوا يبيعون أسلحة لتركيا، وهو ما لم يكن يمكن تصوره قبل خمس سنوات، كما بدؤوا في بيع أسلحة للسعودية، لكن لأمريكا أولويتين أساسيتين، أولهما القضاء على داعش ودعم القوى المعتدلة في اليمن، والثانية هي تجنب صعود الجيش الإيراني ومحاولة مراجعة الاتفاق النووي مع طهران".
هذا الحديث عن الأولويات الأمريكية، يحيل على واحدة من أهم خلاصات المؤتمر الذي احتضنته مراكش على مدى ثلاثة أيام، والمتعلّقة بعالم ما بعد صعود ترامب إلى حكم الولايات المتحدة الأمريكية.
المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي المقيم بمدينة مراكش، ستراوس كان، قال إنه لا يريد أن يكون قاسيا، حين سئل عن رأيه في الرئيس الأمريكي الحالي. الخبير الفرنسي المنحدر من الحزب الاشتراكي، قال إن ترامب يمثل ظاهرة خطيرة جدا، لكونه رجل غير قابل للتوقع. "أنا لا أقول إن رئيس ديمقراطية كبيرة لابد أن يكون سياسيا محترفا، بل يمكن أن يأتي من المجتمع المدني أو عالم الأعمال، لكن هناك قواعد لإدارة بلد، ما وهو لا يحترم هذه القواعد وأعتقد أن ذلك سينتهي بشكل سيء".
وفيما اعتبر الدبلوماسي الياباني يوكيو أوكاموطو أن ترامب هو رئيس مثالي بالنسبة لدولة مثل اليابان، لكونه يجعل الأمن على رأس أولوياته، وهو ما يتطابق مع انشغالات اليابان الأساسية؛ قال الخبير القادم من كوريا الجنوبية، ريو جين روي، إنه و"رغم كل ما يفعله ترامب، إلا انه مازال يتمتع بالشعبية في أمريكا، ولا تصدقوا الاستطلاعات التي تقول إنه فقدها، نعم هناك أشخاص كثيرون ينتقدونه لكنهم يحملونه في قلوبهم". وأوضح المتحدث الكوري أن أكبر تحد يواجهه ترامب، هو الانتخابات التشريعية التي ستُجرى في منتصف ولايته، "لكن مع النتائج الاقتصادية الإيجابية التي حققها، أعتقد أنه سيحصل على أغلبية أكبر. لا أعتقد أن الأزمة الحالية المرتبطة بالتدخل الروسي ستصل إلى مستوى الإقالة (impeachment)".
خبير روسي: ترامب زعيم ثورة
متحدث آخر قادم من روسيا، هو الأستاذ المتخصص في الدبلوماسية ألكسندر بانوف، قال إن ترامب هو في الحقيقة قائد ثورة شبابية ومسنودة من الطبقة المتوسطة في أمريكا، "وعلى الأقل أصبح للولايات المتحدة الأمريكية ثورتها الخاصة". وأضاف المتحدث الروسي أن ترامب يمثل طبقة متوسطة أمريكية أتبعتها سياسات البيروقراطية الأمريكية (the establishement)، "وإلا لماذا تم انتخابه؟ الجواب هو أن ملايين الأمريكيين تعبوا من رؤية أسرتين، أسرة كلينتون وأسرة بوش تحكمان الولايات المتحدة الأمريكية". وخلص بانوف إلى أن الصين هي التي تبدو حاليا كخصم حقيقي صاعد في مواجهة الولايات المتحدة، في ظل نظام عالمي يحاول حاليا إزاحة أمريكا من القيادة.
من جانبه، وزير الخارجية الفرنسية السابق، أوبير فيدرن، قال إن فوز دونالد ترامب لم يفهم بعد بشكل جيد من طرف اليسار ومكونات الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية. "هؤلاء لم يفهموا أن الطبقة المتوسطة الأمريكية أصبحت متحفظة جدا تجاه العولمة والتركيز أكثر على الأقليات والنساء كما فعل الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة".
الدبلوماسي الفرنسي المجرّب، قسّم العالم إلى عدة فئات من حيث قراءة صعود ترامب. "فهناك الفرحون مثل نتانياهو، والذين يستفيدون بشكل غير مباشر مثل الصين التي تقوم برسملة أخطاء ترامب، ثم هناك من يرتابون مثل المكسيك وكندا والفلسطينيين، ثم هناك الذين يقلقون وهم الدول المحمية من طرف أمريكا، مثل اليابان وأستراليا وكوريا والأوربيين. كل الباقين مثل روسيا يحاولون التأقلم بتكتيكات مختلفة، حيث يسعى ماكرون مثلا إلى ربط علاقة شخصية مع ترامب، بينما أعلنت ميركل أنه لم يعد بالإمكان التعويل على واشنطن ويجب الاعتماد على الذات".
فيدرين استبعد بدوره فرضية إقالة ترامب، أو ما يعرف أمريكيا بال" impeachment"، كما لم يستبعد فرضية انتخاب ترامب لولاية ثانية في غياب منافس حقيقي. "لا أعتقد أن ترامب سيكون مجرد قوس، وأننا سنعود إلى نموذج الرئيس العقلاني كما كان في السابق، هناك شيء بدأ مع أوباما يتمثل في ابتعاد أمريكا عن دورها التقليدي، لكن أوباما كان ذكيا وجذابا، في حين أن ترامب مبتذل (vulgaire)".
عودة القوميات العربية..
فرنسي آخر شارك في جلسات المؤتمر، هو المتخصص في الشؤون الدولية داخل جريدة "لوفيغارو" رونو جيرار. هذا الأخير قال إن الربيع العربي الذي يعتبره بمثابة ثورات شعبية تسندها الثورة الرقمية، تحول إلى مواجهة بين الإسلاميين وخصومهم، "وما وقع في النهاية هو عدم انتصار هذه الإيديولوجيا أو تلك، "الذي انتصر هو عودة الحس الوطني والقومي".
الخبير الفرنسي أوضح أن الانقسام الشيعي السني يظل مهما في فهم المنطقة، "لكنني أعتقد أنه لم يعد المفتاح الرئيس مقارنة مع الحس الوطني الذي أصبح مهيمنا لفهم هذا الشرق الأوسط الحالي".
وقدّم رونو جيرار مثال الأزمة الحالية بين دول الخليج، والتي تصاعدت رغم أنها دول سنية، "ثم هذا التحالف الجديد الذي يولد أمامنا بين تركيا السنية وايران الشيعية، لأن الأولوية بالنسبة إليهما هي وحدتهما الترابية وانسجامهما الوطني، حيث يعتبران أن الحركة الكردية تهددهما في ذلك".
عودة الوازع الوطني يجسّده المتحدث الفرنسي أيضا في التحرك القوي للجيش العراقي في الفترة الأخيرة، حيث استعاد المناطق النفطية بكركوك من السيطرة الكردية، "بل حتى اليمين الإسرائيلي لم يعد يتحدث حصريا عن الدين، ويركز على التهديدات الأمنية المحدقة بإسرائيل. وحتى فلسطين سارعت إلى إنهاء وضع غزة التي تحولت إلى دويلة داخلها".
السؤال الذي ينبغي أن يطرح الآن حسب رونو جيرار، هو "من هي القوى التي ستسيطر على الوضع في المنطقة؟"، ثم يعيد ليجيب أنها روسيا فلاديمير بوتين التي استطاعت جمع الثوار السوريين مع النظام، "وبوتين الذي يستقبل في أسبوع واحد ملك السعودية ثم يستقبل من طرف آخر مرشد الثورة الإيراني، ولن أفاجأ إذا حدثت مصالحة بين السعودية وإيران، لأن روسيا هي التي ستكون وراءها، بينما لم يكن هذا ممكنا في السابق إلا عبر أمريكا".
ودعا المتحدث الفرنسي الغرب إلى الكف عن التفكير بالتمني (wishful thinking) في دبلوماسيته، وأن يصبح أكثر واقعية وينظر إلى المدى البعيد وبتبصر، ويأخذ التوازنات الكبرى بعين الاعتبار. فيما ردّ عليه وزير الخارجية الإسباني السابق، أنخيل موراتينوس، بالقول إنه يتمنى فقط عودة الدبلوماسية إلى تدبير صراعات العالم.
درس مغربي
الوزير المغربي السابق والمكلف حاليا بمهمة في الديوان الملكي، يوسف العمراني، قال إن المنطقة العربية قبل عشرين سنة من الآن، كانت تعرف صراعا وحيدا يتطلب حلا، وهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، "بينما اليوم هناك صراعات متعددة، إلى جانب فاعلين جدد في المنطقة، هي التنظيمات الإرهابية".
وأوضح العمراني أن العالم العربي اليوم مطالب بالتأقلم مع السياق الجديد، "ولم يعد بإمكانه الاعتماد على القيم المشتركة واللغة الموحدة، بل عليه أن يبحث عن تطور اقتصادي وخلق فرص الشغل، بينما لا يحقق العالم العربي اليوم سوى معدل نمو في حدود 2 في المائة". وشدّد يوسف العمراني على أن الأمن والعمل العسكري مهم في مواجهة التنظيمات الإرهابية، "لكن السؤال هو كيف يمكن الانتصار على داعش في الواجهة الإيديولوجية؟ الجواب الأمني على الظاهرة الإرهابية هو جواب ناقص، كما لا يمكن لأية دولة ولا أية حكومة مواجهة هذا التهديد لوحدها، بل علينا أن نعمل معا في إطار رؤية مشتركة، وهذا يتحقق أولا بحل النزاعات القائمة، وعلينا أن نقوم بأدوارنا الخاصة بدل تحميل المسؤولية للفاعلين الدوليين، وذلك عبر الحكامة الجيدة والديمقراطية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.