شكل فوز دونالد ترامب لرئاسيات الأمريكية ،حدثا مهما بالنسبة لمرحلة جديدة في السياسية الأمريكية ، خطط لها مستقبلا، على الصعيد الداخلي والخارجي، ولأن هذه الإنتخابات عرفت تشويقا و بين الأمريكيين أنفسهم، خاصة عندما تم توظيف فئات المهاجرين بمختلف مشاربهم الدينية والعرقية في الخطاب السياسي وبرامج المتنافسين هيلاري وترامب ،و التي ترى نفسها في الخطاب الثاني مهددة مما يقوله ، فإنها من جهة، يعتبر هذا الخطاب عند البعض من هذه المكونات من الشعب الأمريكي غير مجدية ومن البديهيات، وتعكس التوجه العام للسياسية الأمريكية التي تنظر إلى مصالحها الإستراتيجية ، تحددها لوبيات الرأسمال لايهمها توظيف الوسائل للتشويق ، ولأن التمويل العربي لغريمته هيلاري كلينتون لم يفضي إلى النتيجة المنتظرة، فإن إعلام العرب من قنوات وصحافة ومحللين من المأجورين أصيبوا بالإحباط، إلى حد التباكي بصعود الرئيس المزعج دونالد ترامب ، هذا الصعود في نظرهم مفاجأة غير سارة بالنسبة إليهم، ربما عن جهلهم لمجموعة من المتغيرات التي شهدها العالم أيام معدودة،على مشارف نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما، لايتسع هذا المقال لذكرها، كما أن مجموعة من الإرهاصات الأولية، تؤكد أن دخول دونالد ترامب إلى رئاسيات أمريكا مخطط له من طرف خبراء أقوى دولة في العالم، ولعل إدراكنا لمعاني بعض الإشارات في الخطاب السياسي الأمريكي من خلال برنامج دونالد ترامب، يؤكد أن تسيير أمريكا يخضع لمنطق جيوستراتيجي ، يتأسس على النظرة الثاقبة من اجل توجيه أفضل لمستقبل أمريكا ، ومن هذه القرائن نذكر : أولا: أن ترشيح دونالد ترامب إلى رئاسية أمريكا، لا يمكن فصله عن واقع الوضع الداخلي التي يعيش فيه الشعب الأمريكي ، ومنه الوضع الإقليمي في العالم، ف دونالد ترامب ليس فقط دو ميول ليبرالية، بل أيضا كاتب معروف بأفكاره في الأوساط الأمريكية ، وعندما تم اختياره كمرشح الحزب الجمهوري ، لم يكن دلك صدفة ، بل لدواعي ، كانت تدخل في المخططات الأمريكية ، خاصة وأن خطابه السياسي ، موجه إلى رساميل دول الخليج داعمة للحزب لديمقراطيين في أمريكا مثل السعودية والدول العربية ، وحيث أن دونالد ترامب مند الوهلة الأولى دخل في هذا الصراع الثنائي مباشرة ،أولا محاولة منه لابتزاز العربية السعودية وقطر.. وثانيا ، كأرنب سباق يساعد على توفير التمويل لعائلة كلينتون المنافسة، والتي أدارت الحكم في أمريكا لمدة عشرون سنة ، وهي مدة كافية مل منها الشعب الأمريكي ، من جراء سياساتها المتبعة لحزبها ، ولم يتحقق من وعود برامجها الشئ الكثير، ومن جهة دونالد ترامب جعل من هيلاري كلينتون صديقة للعرب و عدوة البيض "الأصلين" في أمريكا. ..فيكفي لقراءة خطابات ترامب لتستنتج أن الرجل يريد إعادة المجد المفقود لأمريكا بدون المهاجريين. .. ثانيا: صعود دونالد ترامب إلى رئاسية أمريكا، يطرح أسئلة حول مستقبل العالم ، والوضع الداخلي لأمريكا. ..وفوزه اليوم الأربعاء ، منعطف مهما في تاريخ أمريكا، فلأول مرة نسمع خطاب التمييز بين الأمريكيين بداية على اساس الجنس بين المرشحان دونالد ترامب الذكر وهيلاري الأنثى وعلى عنصر الدين بين المسلمين والمسيحين ، وعلى أساس اللون بين السود والبيض، كما نسمع من خطابه ملامح فبركة صناعة الهوية الأمريكية، طبعا هذا الخطاب يستمد قوته من التاريخ ،فعائلة دونالد ترامب ليست دو أصول أمريكية ، فهي لم تكن سوى من مهاجري أغنياء أوربا الذين غادروا إلى أمريكا سعيا إلى الاغتناء الفاحش، واستقطبوا مهاجريها من السود والآسيويين لبناءها واعمارها. ..ولو على حساب الشعوب الأصلية " الهنود الحمر" التي عانت الأمرين من البيض و المسخرين لهم من المستوطنين لأراضيها. ..فمحاولة دونالد ترامب التركيز على الهوية الأمريكية، إنما هو مسعى يهدف من ورائه إلى التركيز على البناء الداخلي والتماسك الإجتماعي الأمريكي، مستفيدا من وضع أوربا اليوم يزعزع استقراره اليوم تنظيم الإرهاب الاسلاموي...إلى درجة أن أوربا اليوم مهددة ب التفكك بسبب غياب الهوية الأوربية وشعارتها المشهورة ،فاختلطت بعناصر دخيلة من العرب والإسلاميين، صعب عليها الاندماج في مجتمع تتعدد فيه الديانات ، والعوائد ...لهذا لانتعجب اليوم في صعود توجهات يمينية متطرفة، تدعو ا إلى رد الإعتبار للهوية الأوربية بدون المهاجرين العرب والمسلمين، كما حال فرنسا. ثالثا: فوز دونالد ترامب برئاسة أمريكا، لايمكن فصله أيضا، عن توجهات أقوى دولة في العالم، التي تجعل من صناعة العدو أساس استمرارها ، فبالنسبة إليها لابد من خلق عدو جديد ، كي لاتضمحل وتموت ، بعد دحض الزحف ألا خضر، أو الإرهاب الاسلاموي، فانتخابات أمريكا، ونتيجتها الغير المفاجئة ، إنما يوازها حملة حاسمة لطرد داعيش من الموصل في العراق، و في نفس الوقت استمرت روسيا في قصف حلب والسيطرة على المواقع الإستراتيجية إعلانا بنهاية معارضة بشار بما فيها المدعمة من طرف التحالف العربي..فالرهان الأمريكي وعلى ما اعتقد سيركز على خلق تحالف جديد مع العجم، وعلى رأسها إيران، ذات الاحتياط من النفط، بعد امتدادها الواسع في الشرق الأوسط والخليج . من جانب آخر يبقى دونالد ترامب رئيسا مخطط له لمواجهة الزحف الأحمر الصين ، القوة العظمى في آسيا ، التي لم يسبق أن شاركت جيوشها في قصف تنظيمات الإرهاب كالقاعدة، ولا داعيش، ولم يشهد لها يوما إنفاق على الحرب ضد الإرهاب ...فقوتها تكمن في انفتاحها على العالم بالتزامها بتوقيع اتفاقيات التبادل الحر ، التي أصبحت اليوم وسيلة للتغلغل الصيني في بقاع العالم بل اختراقه ،و يدرك المنافسون من الغرب ومنهم أمريكا أن الصين تشكل خطرا محدقا وغير مرغوب فيها، وهو ما يحتاج إلى إعادة النظر في الاتفاقيات التجارية، نظرا لتاتيرها على اقتصاديات الدول ونموها.. مجملا، فوز ترامب برئاسة أمريكا، ليس مفاجأة كما يتخيله العرب والمسلمين، بل هو مخطط له في ظل استنفاد مخطط مواجهة الزحف الأخضر، أو مايسمى الإرهاب الاسلاموي، و هذا الفوز إنما إشارة إلى مرحلة انتقالية جديدة ولمواجهة عدو جديد،ورسائل دونالد ترامب عبر برنامجه إلى الصين واضحة ومهمة ، باعتبارها قوة اقتصادية هائلة لم تخسر الشئ الكثير في مقاربات السياسية الأمريكية ،فواهم من يعتقد أن الشعب الأمريكي لايشارك مؤسسات الدولة في هذه الإستراتيجية، ويكفي أن الأمريكيون بفوز رئيس ترامب، يلتزمون بالتقليد الدستوري ، القائم على اختيار الرئيس الأمريكي لولاتين فقط من الحزب الفائز، حفاظا على القطبية الحزبية والتناوب السياسي ، وهو درس يمكن الاستنتاج منه على أن الوعي السياسي الأمريكي قائم على الديمقراطية ،كما أن إبقاء عائلة كلينتون على احتكار الترشيح بالنسبة للديمقراطيين، وبدون خلق نخبة بديلة يشكل خطة مدروسة لمنظري السياسية الأمريكية في إختيار رئيس جديد وبمخطط جديد أيضا، يختلف عن نظرية الفوضى البناءة التي أعدها بوش الإبن ونفدها أوباما. .. ففوز ترامب رهين بنظريةجديدة تطرح أسئلة حول مستقبل سياسية أمريكا في العالم.