مؤكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية في منعطف غير مسبوق سياسيا. وحين تكون واشنطن في منعطف تاريخي مماثل، فإن ذلك ينسحب على باقي العالم. لأنه واضح، أن الأمر أكبر من مجرد دورة جديدة لانتخابات رئاسية، بل هو تحول في الدور الأمريكي عالميا، أمام ذاتها وأمام باقي شعوب العالم. بالشكل، الذي تحقق منذ نهاية القرن 19، وأساسا مع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وصولا إلى صدور مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون الشهيرة، الأربعة عشر (1). لأنه حينها سجلت انعطافة في معنى وجود الولاياتالمتحدةالأمريكية كدولة، جعلتها تتجاوز واحدا من مبادئ آبائها المؤسسين، وهي عدم التدخل عسكريا خارج الحدود الأمريكية. وهي الإنعطافة التي دشنت عمليا، من حينها، لميلاد القوة السياسية والعسكرية والإقتصادية التي نعرفها اليوم لواشنطن، من حيث إنها دشنت خلال الحرب العالمية الأولى، وما تلاها من نتائج (بلورتها مبادئ الرئيس ويلسون)، وترسخت بشكل كوني خلال الحرب العالمية الثانية، وما بعدها سنة 1945، مع تنفيذ مخطط مارشال الهائل لإعادة بناء أروبا. وهو مخطط، بالمناسبة، لا يزال قائما إلى اليوم، يتجدد سنويا. هنا، علينا الإنتباه، أن أمريكا الجديدة تلك، قائدة العالم، إنما تمكنت من أن تصبح القوة الأكبر فوق الكرة الأرضية، إلى غاية أحداث 11 شتنبر 2001، بفضل تمكنها النهائي من قيادة المركزية الغربية بأذرعها الصناعية والعسكرية والعلمية والسياسية والأمنية والثقافية. وهو الأمر الذي تحقق لها منذ 1945/ 1948، بعد نقل هيئة الأمم إلى نيويورك، وكذا تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك العالمي فوق أراضيها، مباشرة بعد مؤتمر «بريتون وودز» المنعقد بين فاتح و22 يوليوز 1944، بنيوهامبشر الأمريكية، الذي جعل المرجعية العالمية لقياس العملات وتداولها هو الدولار الأمريكي. من حينها ولدت واشنطن كقوة عالمية مركزية، سحبت البساط، ليس من لندن، فقط، كقائدة سابقة للعالم الرأسمالي خلال القرن 19، بل إنها سحبت البساط من أروبا كلها، ونقلت ثقل القرار السياسي والإقتصادي والعسكري، من القارة الأروبية إلى القارة الأمريكية الشمالية. لقد انتقل الثقل العالمي، لصناعة مصائر البشرية، لأول مرة بعد 350 سنة من قيادة المركزية الأروبية للعالم، من شرق المحيط الأطلسي إلى غربه. والظاهر اليوم، مع هذه الإنتخابات الرئاسية الأمريكيةالجديدة، ليوم 8 نونبر 2016، أن هذه الإنعطافة التاريخية الكبرى، تعيش آخر لحظاتها. وأنها أمام تحول جديد، ستولد فيه واشنطن جديدة، مختلفة عن كل الذي كانته خلال القرن 20، منذ مبادئ ويلسون سنة 1918، حتى إسقاط نظام صدام حسين سنة 2003، وما تلاه من تفسخ في منظومة السياسة العالمية، في الجغرافيات التقليدية للصراع بين القوى العالمية، الذي كان فضاؤه هو الجغرافيات المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، شرقا وشمالا وجنوبا. ذلك، أن ثقل الصراع عالميا، قد انتقل من هذا الفضاء الإستراتيجي، وعمقه الأطلسي، الذي شكل الأساس الصلب لهوية ودور «الحلف الأطلنتي»، صوب فضاء جديد، هو آسيا والمحيط الهادئ. وهذا ليس مجرد انعطافة، في منظومة العلاقات الدولية ودورة الإقتصاد العالمي، بما يستتبعه ذلك من منظومة قيم جديدة، بل هو انقلاب تاريخي بكل ما للكلمة من معنى. إننا حين نجد، المرشح الجمهوري، دونالد ترامب يصرح بوضوح قائلا: «إن الهوية الأمريكية وليس العالمية، هي عقيدتنا الجديدة» كما نبه إلى ذلك بذكاء المحلل الأمريكي الشهير، ديفيد إغناتيوس، في مقالة له بجريدة «الواشنطن بوست»، منذ شهر، فإن الأمر يؤكد أن المرشح الجمهوري ليس بالبلاهة التي يعتقد البعض أنه يصدر عنها في خرجاته الإعلامية، ذات الإثارة العالية. بل، إنه يصدر عن معرفة وعن توجه جديد داخل المجتمع (وليس فقط النخبة) الأمريكي. عقيدة الهوية الأمريكيةالجديدة لنسجل بداية، أن من يعتقد أن الصراع الرئاسي في انتخابات يوم الثلاثاء القادم 8 نونبر 2016، محسوم لصالح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، هو واهم على طول الخط. فلاشئ حسم في بلاد أبراهام لينكولن، وفوز المرشح الجمهوري، ترامب، وارد بقوة، عكس ما يعتقد. والسبب كامن في طبيعة المجتمع الأمريكي نفسه، وأيضا في طبيعة اللعبة السياسية الخاصة بالأمريكيين، المتأسسة على منظومة قيم مختلفة عن باقي التجارب الديمقراطية الغربية. ولعل أهم عناوينها، أن الحملة الإنتخابية هناك، هي أطول حملة في كل الإنتخابات الرئاسية عبر العالم، وأنها أشبه بمسلسل تلفزيوني بمئات الحلقات. وأنها لا تعتمد منطق صراع البرامج والأفكار والتحاليل، بقدر ما تعتمد منطق الإثارة (SHOW)، المسنود على الحفر في القصص الخاصة للأفراد المرشحين ومساعديهم. لأنه علينا الإنتباه، أن زمن تلك الحملة الإنتخابية يمتد على أكثر من سنة كاملة، فيه متوالية لحبكة سياسية، أشبه بتوالي وتعقد وتصاعد أي حبكة سيناريو فيلم سينمائي طويل. وأن اللعب على نقطة ارتكاز اهتمام الفرد الأمريكي (الناخب)، يكون محصورا حول الصورة المثال التي يجب أن تكون للمرشح الرئاسي، وليس حول قيمة البرامج التي سينفذها (هل يكذب أم لا يكذب/ هل هو في صحة جيدة أم إنه عليل/ هل يحترم العائلة ولا يخون زوجته، أو زوجه.... إلخ) تأسيسا، على ذلك، بالمعنى السوسيولوجي لخصوصية الذهنية الأمريكية، المنبنية على منظومة هائلة لثقافة الصورة، وللعبة الإعلامية، ولمنطق الإشهار، فإن الصراع بين المرشحين للرئاسيات، يلعب في خانة القيم الشخصية الفردية، أكثر من خانة الأفكار والبرامج. ولأن المجتمع الأمريكي، عكس كل المجتمعات الغربية الأروبية، هو مجتمع محافظ، فإن له تصورا خاصا لمعنى العائلة ولدور المرأة، متأسس على تراكم تاريخي لدور الكنيسة في نظامها التربوي والتعليمي (وبالإستتباع في الإقتصاد). ما يجعل ممارسة السياسة والشأن العام، يكون متأسسا على منظومة قيم خاصة، فيها دور حاسم للدور الأخلاقي للفرد. علينا أن لا ننسى، فكرة معنى «السوبرمان» الأمريكي، التي ليست مجرد قوة فرد خارق منقذ من كل شرور العالم، بل هي أساسا صورة البطل المخلص للحبيبة والعائلة. هذا ترجمان، في مكان ما، لأثر التربية الكنسية بالمعنى الأمريكي، سواء في شقه البروتستانتي، الذي نجده قويا في كل التجربة المدينية الصناعية الليبرالية الأمريكية (التوجه الديمقراطي عموما)، أو في شقه الكاثوليكي الأنغليكاني المحافظ، الذي نجده قويا في كل قيم التجربة الإقتصادية الفلاحية الأمريكية (التوجه الجمهوري عموما). من هنا، معنى الصراع القيمي بين المرشحين للإنتخابات الأمريكية هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. ولعل ما قد يصدم الكثيرين، هنا، كمثال فقط، أنه، بعد ما تم تسريبه من تسجيل لدونالد ترامب يعكس موقفه من المرأة، بما تبعه من ما وصف ب «تحرشاته وفضائحه الجنسية»، فإن النسبة الأكبر ممن دعمه ودافع عنه من بين الشرائح المجتمعية الأمريكية، ذات التوجه الجمهوري، هن النساء. ولعل أكبر نقط ضعف المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، هو عدم نجاحها في استقطاب الناخبات الأمريكيات، في مقابل استقطابها الأكبر للناخبين الرجال. وهذا أمر، قد ينظر إليه، من خارج الثقافة الأمريكية، على أنه مثير، لكنه من داخل تلك المنظومة الثقافية الأمريكية فهو طبيعي وعاد. ذلك، أن التصور المجتمعي أمريكيا، للمرأة، هو تصور غارق في تقليدانية جد مثيرة ومحافظة. ينبني على تربية تشييئية لصورة المرأة، كموضوع للإغراء، ولكن أيضا متأسس على تصور خاص لدور المرأة ضمن العائلة، تقليداني، مختلف تماما عن التصور الأروبي. إن معنى الرجل الفحل (صورة الكوبوي)، جد فاعلة ومؤثرة في الذهنية العامة الأمريكية، أي عند الأفراد الذين هم من يذهب لصندوق الإقتراع للحسم في الإختيار في نهاية المطاف. وترامب في مكان، ينظر إليه كبطل، في هذا الباب، عند شرائح مؤثرة من الكتلة الناخبة هناك. الأسوار الجديدة لأمريكا إن المقصود مما سبق، هو أن الثقافة السلوكية للناخب الأمريكي مختلفة عن باقي الثقافة السلوكية للناخب الغربي. والسبب راجع إلى طبيعة قصة تشكل المجتمع الأمريكي نفسه، المتمثلة في أنه مجتمع تشكل بفضل الهجرة. وأنه ليس مجتمعا موحدا ثقافيا وهوياتيا، وليس له عمق تاريخي مثل الذي تبلور مثلا في الجدر الأروبي الغربي (الإغريقي الروماني)، أو في الجدر العربي الإسلامي، أو في الجدر الإفريقي الأسود، أو في الجدر البودي الآسيوي. بالتالي، فإن ما صنع الهوية الإجتماعية للمجتمع الأمريكي، سلوكيا، هو منطق السوق، وتحديد المصالح، والصراع (قوة ضغط اللوبيات) من أجل فرض موقع قدم ضمن منظومة تلك المصالح. فالهوية الموحدة للجميع هناك، هي المصلحة. إنه حين يخرج من بين النخبة السياسية الأمريكية، مرشح رئاسي يجعل من أساس حملته الإنتخابية، ليس فقط موضوعة الهجرة، بل أساسا فكرة بناء سور لحماية التراب الأمريكي والسوق الأمريكي والمجتمع الأمريكي من جحافل المهاجرين الجدد، فإنه ذلك يقدم العنوان الأكبر على حجم التحول الذي بلغته واشنطن في هوية وجودها الأصلية كلبد تأسس على الهجرات المتوالية منذ القرن 16. إذ، كما لو أن واشنطن أصبح هنا ضد نفسها، هي التي تأسست أصلا على خيار الهجرة وعلى الإنفتاح على العالم، بشعار الحرية. إذ، الظاهر، اجتماعيا، كما لو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد بدأت تنتج مضادها من داخلها، من خلال خيار «الإنغلاق». وحين يقول دونالد ترامب، بقاموسه اللغوي الخاص، بخرجاته المثيرة (التي هي عادية أمريكيا، بل إنها مستحبة ومطلوبة من شرائح واسعة هناك)، حين يقول : «إن الهوية الأمريكية وليس العالمية، هي عقيدتنا الجديدة»، ويعلن عاليا معارضته لاتفاقية الشراكة الإقتصادية عبر المحيط الهادئ، فإنه بذلك، إنما يؤكد أن التوجه الجديد، الذي بدأ يعلن عن ذاته أمريكيا (وهنا معنى الإنعطافة التي قصدتها في بداية هذه المقالة)، كامن في التخلي عن فاتورة قيادة العالم الحر. وأن التوجه الجديد، هو الدفاع عن «الهوية الأمريكية»، بمعناها الإنغلاقي الجديد. الهوية التي تعني هنا، حماية أمريكا من العالم بفاتورته الجديدة. لكن السؤال هنا، هو: ما الذي يخيف أمريكا من هذا العالم الجديد. عالم القرن 21؟ إن ما يخيفها، هو أن المركزية الغربية لقيادة العالم، التي تحققت على مدى 400 سنة، منذ الثورة البورجوازية في نهايات القرن 16 وبدايات القرن 17، والتي انتهت إلى أن تصبح واشنطن قائدتها الأوحد منذ 1945، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إن تلك المركزية قد انتهت عمليا، مع الصعود الجديد مع مطلع القرن 21، لقوى اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية جديدة، من خارج منظومة تلك المركزية الغربية. وأن عناوينها الأكبر كامنة في آسيا، وأساسا في الصين والهند، وبدرجة أقل في البرازيل. وهنا علينا الإنتباه، أنها جميعها، قوى صاعدة من الجنوب وليست من الشمال (وإفريقيا قادمة أيضا، وهنا أهمية دورنا كمغاربة ضمن هذا الأفق الإفريقي الآتي خلال 50 سنة القادمة). إن ما يثير أكثر، هنا، أن هذا التوجه في الرؤية الأمريكية، ليس محصورا في نموذج المرشح الجمهوري دونالد ترامب، بل إن له ملامح حتى في خطاب ورؤية المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، الذي نجد له أدلة واضحة في كتابها القيم والضخم «الخيارات الصعبة» الصادر سنة 2014. إذ تكفي قراءة أولية لذلك الكتاب لاكتشاف نوعية القلق الذي أصبح يحكم الرؤية الأمريكية، في ما يرتبط بدورها في مستقبل الأيام ضمن منظومة العلاقات الدولية الجديدة (خاصة التفاصيل المتضمنة فيه حول الرؤية الأمريكيةالجديدة من موقع الديمقراطيين إلى آسيا، والتي تضمنتها فصول الكتاب الأربعة الأولى). إن الفرق بين هيلاري وترامب، هنا، كامن في أن الديمقراطيين الأمريكيين، يعتبرون أن مستقبل واشنطن، يتحدد في تعزيز علاقاتها مع القوى الصاعدة الآسيوية الجديدة، وتحويل دفة الثقل الإستراتيجي لدولتهم من عمقها الكلاسيكي الأطلسي، صوب عمقها المأمول الجديد صوب المحيط الهادئ. وأنهم بذلك، يتخلون عن كل حسابات الشرق الأمريكي الأطلسية، في ما يشبه انفتاحا جديدا على الغرب الأمريكي بالمحيط الهادئ، مثلما حدث مع «غزو الغرب الأمريكي» في القرن 18 وأول القرن 19. بالتالي، فحين تقرأ فصول كتاب هيلاري كلينتون، تجد على أن الإستراتيجية الأمريكية تنبني على تعزيز موقعها الجيو ستراتيجي ببحر الصين، عبر تعزيز علاقاتها مع دول اتحاد «آسيان» (2). وأن تحول علاقاتها مع الفلبين والفيتنام وأندونيسياوماليزيا وبورما، إلى علاقات تعاون استراتيجي، لحمايتها من التغول الصيني الناهض، بالشكل الذي يهبها أوراقا حاسمة في ترتيب علاقاتها القادمة مع بكين. خاصة وأن السوق هناك هي سوق هائلة، تشمل ثلثي البشرية (ما يقارب 4 ملايير نسمة). وعلينا الإنتباه، أن هذه الإستراتيجية الجديدة للديمقراطيين الأمريكيين، قد شرع في تطبيقها، الرئيس المنتهية ولايته، باراك الحسين أوباما، بكل ما خلفه من قلق عند عدد من الأنظمة بالمشرق العربي، الذي جعل الأمر عند بعضها أشبه بالفطام، بينما الوحيدة التي أحسنت وتحسن استغلال ذلك حتى الآن هي إيران، أكثر حتى من تركيا. بينما الجمهوريون، يعتبرون أنه قد آن الأوان لاستعادة الإهتمام بالشأن الأمريكي داخليا، وأنه تكفي الفاتورة الهائلة للدور الأمريكي عالميا، لأنها في رؤيتهم لم تعد مربحة كما ظل يتحقق ذلك منذ مبادئ الرئيس ويلسون ومنذ تأسيس صندوق النقد الدولي سنة 1944. اليوم الرابح الأكبر من ذلك، هي بكين ودول الهند الصينية، ثم روسيا بوتين الجديدة. دون إغفال معطى سوسيولوجي آخر، هو عدم اندحار ثقافة سلوكية متأصلة عند الأسرة الأمريكية، التي شكلتها الهجرات الغربية الأروبية الأولى منذ القرن 17، المتمثلة في فكرة «نقاء النوع»، بكل ما أنتجته من فضاعات عنصرية. في السابق كانت تلك العنصرية ضد السود (ولا تزال كامنة بهذه الدرجة من القوة أو تلك)، واليوم هي جلية أكثر ضد الأمريكو لاتينيين المسيحيين وضد المسلمين وبدرجة أقل ضد الآسيويين. إذ تمة إحساس أن هناك خطرا يتهدد العنصر الأروبي الأشقر ذاك، أمام حجم الكثافة البشرية الجديدة للسود ولأصحاب الشعر الأسود واللون القمحي ولأصحاب اللون الأصفر الآسيوي، ضمن النسيج المجتمعي الأمريكي. وأنها شرائح أصبحت تصل إلى نواة صناعة القرار الأمريكي سياسيا واقتصاديا. من هنا ذلك التحدي، الذي كان، حول قبول انتخاب رئيس من أصول إفريقية أسود، مثل أوباما، والنقاش الذي أثير مؤخرا حول اختيار عضو من أصول أمريكو لاتينية ضمن المحكمة العليا الأمريكية. وإذا أضيف إلى ذلك، شكل الرؤية للمرأة ضمن تلك الثقافة السلوكية المحافظة لشرائح واسعة من المجتمع الأمريكي، ندرك حجم الرهان والتحدي الذي يشكله انتخاب سيدة، امرأة، رئيسة للولايات المتحدةالأمريكية. هذا يعني أن المعركة الإنتخابية هناك في واشنطن مختلفة تماما عن باقي العالم، بتوابل متأسسة على منطق الإثارة. لكنها في العمق، هي معركة بين خيارات تحولات استراتيجية جديدة، غير مسبوقة ضمن المنظومة الأمريكية. ما يجعل المرء لا يمكنه الجزم أبدا، بمن سيفوز بانتخابات 8 نونبر 2016. فلاشئ محسوم سلفا بشكل جدي، ومن يعتقد أن المرشحة الديمقراطية فائزة سلفا، مخطئ. خاصة وأن السر الإنتخابي الأمريكي كامن في طبيعة آلية التصويت الخاصة بالولايات، حيث الفوز يحسم بالنسبة العامة، وحيث عدد من الولايات الوازنة في وسط وغرب وشرق البلاد وجنوبها الغربي، هي التي تحسم نسبة الأصوات. والمعركة الشرسة خلال الأيام الأربع الأخيرة، قبل يوم الثلاثاء القادم، إنما تلعب في تلك الولايات بالضبط، التي بدأ المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، يستعيد فيها المكانة التقليدية للتصويت على الفيل الجمهوري (شعار الحزب الجمهوري)، على حساب الحمار الديمقراطي (شعار الحزب الديمقراطي). ولعل السؤال الذي اعتدنا عربيا ومغاربيا ومغربيا أن نطرحه، من باب القلق على مستقبل علاقاتنا مع واشنطن، هو: من هو الأحسن لنا عربيا ومغاربيا ومغربيا، هل السيد هيلاري أم السيد ترامب؟. جديا، الجواب يتطلب تحليلا مستقلا. لكن في جملة واحدة، فإنه مع ترامب سيتحرر القرار العربي أكثر، لأنه سيكون أمامه خيار وحيد هو الإعتماد على الذات وتنويع علاقاته الدولية بحرية أكبر. أما مع السيدة هيلاري، فإن القلق جدي أكثر، مغربيا وعربيا. لأن من يعتقد، هنا مثلا، أن المرشحة الديمقراطية صديقة للمغرب، فهو واهم على طول الخط. الأمر أكبر من إرادة شخصية، حتى ولو أصبحت صاحبتها هي سيدة المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض بواشنطن. هامش: 1 - مبادئ ويسلون 14، تلك الصادرة يوم 8 يناير 1918، بعد موافقة الكونغريس الأمريكي عليها، هي: تقوم العلاقات الدولية على مواثيق سلام عامة، وتكون المعاهدات الدولية علنية وغير سرية. . تأمين حرية الملاحة في البحار خارج المياه الإقليمية في السلم والحرب، إلا ما ينص عليه الاتفاق الدولي خلافا لذلك. إلغاء الحواجز الاقتصادية بقدر الإمكان وإيجاد مساواة بين الدول المتعاونة في المحافظة على السلام. تخفيض التسلح إلى الحد الذي يكفل الأمن الداخلي. وضع إدارة عادلة للمستعمرات تنفذ ما يحقق مصالح سكانها. الجلاء عن الأراضي الروسية كلها والتعاون مع أي حكومة روسية يختارها الشعب. الجلاء عن أراضي بلجيكا وتعميرها. الجلاء عن فرنسا ورد الألزاس واللورين وتعمير ما خرب منها بسبب الحرب. إعادة النظر في حدود إيطاليا بحيث تضم جميع الجنس الإيطالي. منح القوميات الخاضعة للإمبراطورية النمساوية حق تقرير مصيرها. الجلاء عن صربيا ورومانيا والجبل الأسود، وإعطاء صربيا منفذا إلى البحر وإقامة علاقات جديدة بين دول البلقان كافة مبنية على أسس قومية وتاريخية، وضمان حريتها السياسية والاقتصادية. ضمان سيادة الأجزاء التركية وإعطاء الشعوب الأخرى غير التركية التي تخضع لها حق تقرير المصير، وحرية المرور في المضائق لجميع السفن بضمان دولي. بعث الدول البولندية بحيث تضم جميع العنصر البولندي، وإعطائها منفذا إلى البحر، وضمان استقلالها السياسي والاقتصادي دوليا. إنشاء عصبة الأمم و تحرير حزب شيوعي مختار. 2 - هو رابطة اتحاد دول جنوب شرق آسيا، الذي تأسس سنة 1968، من خمس دول في البداية قبل أن يصبح اليوم يضم 10 دول بتلك المنطقة الإستراتيجية من العالم. وهي بتوالي سنوات انخراطها في ذلك الإتحاد: أندونيسيا/ ماليزيا/ الفلبين/ سنغافورة/ تايلاند/ بروناي/ الفيتنام/ اللاووس/ بورما/ كامبوديا.