ما إن شرعت اللجنة التحضيرية في مناقشة التغييرات الممكنة على قوانين الحزب، وكذلك، لجنة الأنظمة والمساطر في المجلس الوطني، حتى تأجج الجدل مجددا داخل حزب العدالة والتنمية، حول الحاجة إلى التمديد للأمين العام ورئيس الحكومة السابق، عبدالإله بنكيران، لولاية ثالثة على رأس الحزب. في هذا الصدد شحذ المؤيدون كل حججهم على "الفايسبوك"، وفي بعض وسائل الإعلام من أجل إقناع قيادة الحزب والقواعد بهذا الخيار، الذي يراه بعضهم ضرورة قصوى. مسار "الولاية الثالثة" المتتبع لمسار حزب العدالة والتنمية منذ إعفاء أمينه العام عبدالإله بنكيران من رئاسة الحكومة، يوم 15 مارس 2017، يعتقد أن فكرة الولاية الثالثة جاءت ردًّا على قرار الإعفاء الملكي، بعد 6 أشهر من "البلوكاج" الذي يوصف ب"المخدوم"، ويتذكر الكثيرون ذلك التصريح المثير للقيادي والبرلماني السابق في الحزب، عبدالعزيز أفتاتي بأن "أحسن ردّ على انقلاب الدولة العميقة، هو التمديد لبنكيران لولاية ثالثة"، لكن الوقائع تشير إلى أن الفكرة وُلدت قبل ذلك، وفي سياقين اثنين: السياق الأول، أثناء النقاش حول المؤتمر الاستثنائي للحزب في ربيع سنة 2016، والذي تم فيه التمديد للهيئات المسيرة في الحزب سنة واحدة، بما فيها الأمانة العامة وعلى رأسها بنكيران، كان المبرر الرئيس وراء فكرة التمديد هو الحاجة إلى المطابقة بين فترة تولي رئاسة الحكومة ومدة تولي رئاسة الحزب، وبالتالي لا مانع من تعديل قاعدة الولايتين استثناء ولمرة واحدة، وهي فكرة اقترحها أول مرة عبدالعزيز أفتاتي، دون أن تحظى بتأييد لافت وسط الحزب. أما السياق الثاني، الذي عادت فيه بعض قيادات الحزب إلى فكرة الولاية الثالثة بحماس أكثر، فكان خلال أشهر "البلوكاج"، الذي حال بين بنكيران وبين تشكيل حكومته. فردا على تصريحات وتحليلات صدرت في بعض وسائل الإعلام، ربطت بين استمرار "البلوكاج" وشخصية بنكيران، وقالت إنه لا مانع من استمرار "البلوكاج" إلى ما بعد المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية، أي حتى يغادر بنكيران رئاسة الحزب، ردت بعض قيادات هذا الأخير على ذلك بالدعوة إلى ولاية ثالثة لبنكيران كتحد، وكانت تلك المرة الثانية في مسار هذه الفكرة. أما المبررات التي أوردها البعض للدفاع عن فكرة الولاية الثالثة، فقد كانت تجد أساسها في مكاسب الحزب مع بنكيران، حتى قال بعضهم إنه "لا يمكن تغيير حصان رابح"، خاصة وأن حزب العدالة والتنمية حقق مع رئاسة بنكيران ما لم يكن يخطر على بال، إذ استطاع الوصول إلى رئاسة الحكومة سنة 2011 ثم 2016، وتصدر ثلاث محطات انتخابية حاسمة (2011-2015-2016)، والأهم هو تحوله من "حزب إسلامي" يعّبر عن طائفة، إلى حزب سياسي يعبّر عن تيار ديمقراطي عريض. كانت الدعوة إلى ولاية ثالثة قبل قرار الإعفاء كما لو أنها "تحية" و"جزاء"، مقابل كل ما قدّمه بنكيران للحزب. كانت الأرضية مهيأة إذن لكي تجذب فكرة الولاية الثالثة عددا أكبر من القواعد والقيادات داخل الحزب، حتى ولو لم يكن هناك قرار بالإعفاء الملكي من رئاسة الحكومة، أما وقد حصل الإعفاء، ولحقته وقائع وأحداث هزّت الحزب، فقد باتت "الولاية الثالثة" قضية رئيسة في النقاش داخل حزب العدالة والتنمية، وتكاد تفرق الحزب إلى صفّين، رغم حرص الغالبية منه على نقل قناعاتهم إلى خارج مؤسسات الحزب، علما أن القضية أصبحت موضوع رأي عام كذلك.
قضية رأي عام رغم حرص غالبية القيادات في الحزب على عدم الحديث علانية عن موقفهم من الولاية الثالثة لبنكيران، باستثناء عدد قليل مثل عبدالعزيز أفتاتي وأمينة ماء العينين وحسن حمورو، فإن "الفايسبوك" شكل الحاضنة الواسعة للنقاش حول هذه المسألة، التي تخوض فيها قواعد الحزب بجرأة أكبر من القيادة، كما يخوض فيها العاطفون على الحزب من خارجه. من داخل الحزب، هناك محطات أساسية يمكن الانطلاق منها لفهم التوجهات والمواقف داخله من الولاية الثالثة؛ تتعلق المحطة الأولى بالدورة الاستثنائية للمجلس الوطني للحزب التي انعقدت يوم 15 يوليوز 2017، وطرحت فيها بإلحاح قضية تعديل النظام الأساسي للحزب، إذ من بين 64 مداخلة في النقاش تطرق 31 منهم إلى أولوية تعديل النظام الأساسي للحزب في أفق المؤتمر الثامن المقبل، وطالب 21 صراحة بالتمديد لبنكيران لولاية ثالثة، في حين عبّر 10 أعضاء فقط، عن تحفظهم من الدعوة إلى تعديل النظام الأساسي، 2 منهم اعترضوا صراحة على التمديد لبنكيران، علما أن أعضاء الأمانة العامة قد التزموا الصمت في تلك الدورة. أما المحطة الثانية التي يمكن الانطلاق منها لقياس هذا التوجه داخل قيادة الحزب تجاه الموقف من التمديد لبنكيران ولاية ثالثة، تتمثل في اليوم الدراسي حول المسألة التنظيمية يوم الأحد الماضي، وبحسب معطيات حصلت عليها "أخبار اليوم"، فإن التوجه الغالب داخل القيادات (الكتاب الجهويون، الكتاب الإقليميون، أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر،..) كان مع تعديل النظام الأساسي للحزب، وخاصة المادة 16 المتعلقة بقاعدة الولايتين في تولي المسؤوليات. أما من خارج الحزب، فقد أصبح التمديد لبنكيران قضية رأي عام، له مؤيدون وسط العاطفين على العدالة والتنمية، وربما قاعدته الانتخابية، كما له معارضون كذلك، ولعل القصص والمواقف التي ينقلها أعضاء الحزب أنفسهم من وسط المجتمع وينشرونها على الفايسبوك أقوى دليل على ذلك، منها تلك التي خاطب فيها رجل كبير السن في نواحي مدينة سطات بعض مناضلي الحزب في حملة الانتخابات الجزئية الأخيرة بقوله: "انتوما ما درتوا الخير حتى في بنكيران، عاد ديروه في المغاربة". لكن مهما كانت مواقف قيادات الحزب من الولاية الثالثة وحتى مواقف الرأي العام، فإن الحسم سيكون للمؤتمرين خلال المؤتمر المقرر يومي 9 و10 دجنبر المقبل، وغالبيتهم تتشكل من قواعد الحزب في شتى الجهات والأقاليم بعدد يصل إلى 1500 عضو منتخب، ما يعني أن النقاش سيرتكز من الآن فصاعدا، حول هذه القاعدة الحاسمة، من خلال الإدلاء بالحجج والمبررات المقنعة التي سيدافع بها المؤيدون عن بنكيران أكثر من أي شيء آخر.
الحجج والمبررات "نحتاج إلى بنكيران لمواجهة الدولة العميقة"، بهذه العبارة الواضحة يبرر عبدالعزيز أفتاتي، قيادي وبرلماني سابق في الحزب، مواقفه بخصوص تأييد ودعم ولاية ثالثة لبنكيران، "هذا هو الهدف الأصلي، لأن الدولة العميقة قامت بانقلاب على نتائج انتخابات 7 أكتوبر. إعفاء بنكيران كان إزاحة سلطوية ضد الدستور، والرد الطبيعي عليهم هو إعادة انتخابه لولاية ثالثة". ويعتبر قيادي بارز في الأمانة العامة، كذلك، أن "مواجهة السلطوية"، هو أحد أقوى المبررات التي تستدعي استمرار بنكيران على رأس الحزب لولاية ثالثة، على اعتبار أن السلطوية هي من "سعت في إفساد العلاقة بين الدولة والمجتمع، ولازالت تسعى في ذلك". ويجسد بنكيران، أيضا، وفق المؤيدين له في تولي ولاية ثالثة، وفي رأي القيادي في الأمانة العامة للحزب "الخط السياسي للحزب، المتمثل في السعي إلى التوافق مع الملكية على أساس الإصلاح"، أو بعبارة أفتاتي فإن "الحاجة إلى بنكيران تبررها حاجة المغاربة إلى شخصية سياسية وطنية مؤهلة لبناء حزب سياسي وطني إصلاحي كبير، يجمع كل الحساسيات الفكرية والإيديولوجية التي نتقاسم معها القناعة، بالحاجة إلى مناهضة الفساد والاستبداد". ويجد المؤيدون في العلاقة التي نسجها الحزب مع قوى يسارية وليبرالية ديمقراطية، مبررا ماديا للدفع في هذا الاتجاه، كما أن نصرة تلك القوى للحزب والدفاع عنه في مواجهة ما يسمى ب"القوى السلطوية"، خلال لحظات حاسمة، تشجع على المضي في الاتجاه نفسه، ويظهر ذلك في حجم رد الفعل الرافض للانتقادات التي وجهها محمد يتيم، عضو الأمانة العامة ووزير الشغل، للثلاثي عبدالصمد بلكبير وحسن طارق ولطيفة البوحسيني، بمناسبة مشاركة بعضهم في الملتقى الوطني لشبيبة الحزب بفاس. "لقد استطاع بنكيران أن ينقل العدالة والتنمية من حزب يعبر عن طائفة، إلى حزب يعبّر عن تيار ديمقراطي إصلاحي عريض"، يقول القيادي نفسه. أما الحجة الثالثة، التي تبرر استمرار بنكيران لولاية ثالثة، فهي حجم المكاسب التي حققها لحزب العدالة والتنمية منذ ترؤسه أول مرة سنة 2008، ويفسر ذلك ب"قدراته التواصلية"، ولأنه يمارس السياسة "كرجل مصلح، بخطاب واضح وبسيط وصادق"، الأمر الذي ساعده في "خوض المعارك والنجاح فيها، سواء داخل الحزب، الذي حافظ عليه قويا ومتماسكا، أو خارج الحزب الذي جعل منه حزب جميع المغاربة". الحجة الرابعة، التي تبرر استمرار بنكيران هي "تعاليه عن الجراحات، والآلام"، يقول القيادي في الأمانة العامة "تصور لو أنه فعل مثلما فعل عبدالرحمان اليوسفي سنة 2003، بأن حزم حقائبه ورحل إلى باريس أو إسطنبول، كيف سيكون حزب العدالة والتنمية اليوم، ربما انقسم وتشرذم، لكن بنكيران تسامى عن جراحاته، وبعد فترة تأمل، عاد من جديد ليواجه السلطوية، وأعتقد أنه ليس هناك عاقل يفرط في موارد قوته، وبنكيران مورد قوة رئيسي في الحزب". وأخيرا، يعتبر المؤيدون، ومنهم حسن حمورو، عضو المجلس الوطني للحزب، أن "الواجب الأخلاقي والسياسي يقتضي دعم بنكيران ضد الطريقة المهينة التي أعفي بها من رئاسة الحكومة، بعدما رفض هو إهانة الحزب والناخبين، واختار مغادرة الحكومة على أن يقبل بأغلبية ممنوحة، لم يخترها الناخبون يوم 7 أكتوبر 2016″، ولأنه ظل "ثابتا على مواقفه إلى اليوم، فلا يحضر اجتماعات الأغلبية، ولم يوقع ميثاقها، ولم يباركها أبدا حتى اليوم".