المغاربة الذين تجاوزوا سنّ 15 عاما، أي العتبة التي يفترض أن جميع المواطنين يقضونها داخل المدرسة مستفيدين من إلزامية التعليم؛ لم يقضوا سوى 5 سنوات ونصف سنة من التعليم، أي لم يكملوا حتى ست سنوات الخاصة بالتعليم الابتدائي. معطى صادم يبرز رغم توالي السياسات العمومية الرامية إلى تعميم التعليم وبرامج الدعم والإلزامية التي يفرضها كل من الدستور والقانون على الدولة بشأن تمدرس الأطفال إلى غاية سن 15 عاما، والذي يعني ضرورة الاستفادة من 12 سنة من الدراسة ابتداء من سن 4 سنوات، منها 9 سنوات في الابتدائي والإعدادي، و3 سنوات من التعليم الأولي، فالفصل 32 من الدستور يقول إن "التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة". حقيقة أخرى يكشفها تقرير جديد كشفه المجلس الأعلى للتعليم، بناء على نتائج الإحصاء العام الأخير لسكان المغرب، والذي جرى عام 2014. معطى يجعل المغرب في الرتبة 136 عالميا، من أصل 175 بلدا يشمله التصنيف، علما أن ثلاثة أرباع دول العالم تجاوزت معدل 6 سنوات تعليم لكل مواطن فوق عمر 15 سنة، بل إن الدول المتقدمة، خاصة منها الاسكندنافية، يتجاوز معدل سنوات التمدرس فيها 12 سنة. التقييم كشف وجود 225 جماعة محلية، تعاني من عجز كبير في مجال التعليم، و453 جماعة تعاني من العجز، و451 جماعة فيها عجز خفيف، مقابل 409 جماعات فقط، لا تعاني من أي عجز. الفئتان الأولى والثانية، أي 678 جماعة، يقل فيها معدل سنوات التمدرس في صفوف السكان عن 3 سنوات، وهي تضم 19% من مجموع سكان المغرب. التقرير الجديد كشف، أيضا، أن الفوارق الاجتماعية بالمغرب عميقة وتشمل مجالات حيوية مثل التربية التي يفترض فيها تحقيق الإدماج والرقي الاجتماعيين. التقرير الجديد الذي أصدرته الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التابعة للمجلس الأعلى للتعليم؛ كشف بالأرقام والإحصائيات كيف أن مغاربة بعض الأقاليم والجماعات يعيشون في مستويات مماثلة لأكثر الدول تقدما ورقيا مثل الدول الاسكندينافية، بينما يعيش آخرون في أوضاع اجتماعية بدائية. المعطيات الجديدة تكمّل تلك التي كشفها تقرير كل من بنك المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للجواب عن سؤال: "أين الثروة"؟ الذي طرحه الملك في أحد خطبه السابقة. التقرير النهائي قال إن إحدى أكبر نقاط الضعف التي سجّلها التقرير في القسم البشري من الرأسمال اللامادي للمغرب، هو ضعف المستوى التعليمي للساكنة المغربية، حيث لا يتجاوز معدل سنوات الدراسة لدى المغاربة البالغين أكثر من 25 سنة، 4.4 سنة لكل مغربي، مقابل قرابة 12 سنة من الدراسة في رصيد كل مواطن كوري جنوبي، وعشر سنوات لكل مواطن أردني، وأكثر من 7.5 سنة لكل مواطن جزائري أو تركي. هذا التقرير قال إن حوالي 400 ألف تلميذ مغربي يغادرون المدرسة سنويا، فيما يكرّر قرابة 760 ألف تلميذ آخر السنة، أي ضعف المعدل العالمي من حيث التكرار. فيما كشفت دراسة جديدة نشرتها منظمة ال"يونيسيف" منتصف شهر ماي الحالي، أن جلّ أطفال المغرب الذين يعيشون في العالم القروي، يعانون الحرمان في واحد من المجالات الأساسية، أي أكثر من 92% من الأطفال. وكشفت الدراسة أن الحرمان من التعليم هو أحد العوامل الرئيسيّة وراء عدم المساواة والفقر بالنسبة إلى الأطفال، وأن "الأطفال الذين يعيشون في بيت يرأسه فرد غير متعلّم من أفراد العائلة، هو عرضة لخطر مضاعف من العيش في حالة الفقر". كما أبانت الدراسة عن تفاوتات كبيرة بين المجالين الحضري والقروي، حيث يعاني أطفالنا بالمجال القروي من حرمان كبير في أبعاده ونسبته وشدته. التقرير الذي قدمته الهيئة، أمس، بمقر المجلس بالرباط، توقف عند حالة الجماعة المحلية الأكثر تقدما في مستوى التعليم بالمغرب، وهي جماعة "أكدال الرياض" بالرباط، ليقول إنها تعرف مستوى "يشبه مستوى التربية في بعض البلدان المتقدمة كإسلندا وجورجيا واستونيا". المعطيات الرقمية التي تعبر عن مستوى التربية في هذه الجماعة، تقول إن متوسط سنوات الدراسة لدى سكانها يفوق 12 سنة كما هو الحال في الدول الاسكندنافية، بينما يعتبر المعدل الوطني للسنوات التي يقضيها المغرب في الدراسة هو 5,64 سنة. مؤشر قياس معدل سنوات الدراسة ينخفض في العشرات من الجماعات خاصة منها القروية، ليصل في جماعة "أولاد سي منصور" شمال المغرب، إلى 0,48 سنة لكل فرد، أي أقل من نصف سنة قضاها كل فرد في الدراسة. سبع جماعات محلية من أصل 1538 جماعة موجودة في المغرب، تنفرد بمستوى جد عال لمؤشر معدل سنوات الدراسة، حيث يتجاوز فيها عتبة العشر سنوات (9.8 سنة). هذه الجماعات تتركز، أساسا، في جهة العاصمة الرباط، حيث تضم هذه الأخيرة أربع جماعات هي كل من حسان والسويسي وأكدال الرياض، إلى جانب جماعة الهرهورة التابعة لعمالة الصخيراتتمارة. فيما تضم الدارالبيضاء اثنتين من هذه الجماعات المتميزة في مستوى التعليم، وهي كل من الصخور السوداء والمعاريف، بينما تقع الجماعة السابعة في مدينة فاس، وهي جماعة أكدال. أما الجماعات التي تضم الساكنة الأقل حظا في التعليم، فتقع في هوامش بعض المدن الكبرى، وأحصى التقرير 225 جماعة محلية يقل فيها متوسط سنوات الدراسة عن 2,3 سنة لكل فرد. هذه الجماعات تضم زهاء 6% من سكان المغرب، وهو ما قالت رئيسة الهيئة الوطنية للتقييم، رحمة بورقية، إنه يجعل عملية رفع مستوى التعليم فيها سهلا بالنظر إلى قلة السكان المعنيين. رئيسة الهيئة الوطنية للتقييم، رحمة بورقية، قالت أثناء تقديمها نتائج الخريطة الجديدة حول التعليم، إن الرؤية الاستراتيجية التي وضعها المجلس الأعلى تعتبر بمثابة خريطة طريق للإصلاح في أفق 2030 "وهي تتخذ من الإنصاف وتكافؤ الفرص مبدأين لهذا الإصلاح، لهذا كان لا بد من تحديد بعض المؤشرات حول تطور الإنصاف". وأوضحت بورقية أن الهيئة اكتفت بتتبع مؤشرين لقياس الفوارق، "لكنها ستتابع الموضوع بتقييمات أخرى لاحقا في إطار مشروع أعم وأوسع". وذكّرت بورقية بكون الرؤية التي وضعها المجلس قدمت توصية بالتمييز الإيجابي لصالح العالم القروي، "ومجمل الجماعات التي تسجل ضعفا تنتمي إلى العالم القروي".