عندما نستعرض المسار الذي عرفته التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، خصوصا في ما يتعلق بالتنمية القروية، نجده يتميز بمفارقة كبيرة، ذلك أن النشاط الفلاحي حظي باهتمام خاص في الاستثمارات العمومية وراهنت عليه الدولة بشكل كبير في حل إشكالية التنمية القروية؛ فمنذ 1965 وإلى غاية 1985، أي خلال عشرين سنة، شكلت الاستثمارات التي استفاد منها القطاع الفلاحي حوالي 30 في المائة/السنة.. يعزى الاهتمام بهذا النشا ط إلى مجموعة من العوامل، أهمها الرفع من مؤشرات التنمية، وخاصة بالوسط القروي. وقد شكلت جهة الغرب الشراردة بني حسن إحدى المناطق التي حظيت باهتمام خاص من طرف الدولة، وذلك منذ فجر الاستقلال. وقد ترجم هذا الاهتمام في العديد من المشاريع الفلاحية التي أنجزت بالمنطقة، استعرضنا بعضها عندما تناولنا المخططات القطاعية التي كان لسهل الغرب النصيب الأوفر منها، وخاصة ما يتعلق بالتجهيزات المائية الكبرى التي تحققت في إطار البرنامج الوطني للري. لكن مرور حوالي خمسة عقود على الشروع في تطبيق هذه السياسة يدفعنا إلى التساؤل حول نتائجه بالتركيز على جهة الغرب الشراردة بني حسن التي كانت مختبرا لتطبيق الاختيارات التي اعتمدتها هذه السياسة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي تشخيص واقع هذه الجهة، وبالتالي تتيح لنا تقييما موضوعيا لنتائجها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسياسة الفلاحية التي نهجتها السلطات العمومية خلال هذه المدة من التدخل العمومي. جهة فقيرة رغم ما تزخر به من مؤهلات يتوزع التراب الوطني على ستّ عشرة جهة، من بينها جهة الغرب الشراردة بني حسن. وتعتبر هذه الجهة الأكثر فقرا في بلادنا على الرغم مما تتوفر عليه من إمكانات اقتصادية واجتماعية مهمة، حيث تصل نسبة الفقر فيها إلى 20,5 في المائة مقابل 14,2 في المائة على الصعيد الوطني. الشيء الذي يعني أن خُمس سكان هذه الجهة يعيشون تحت عتبة الفقر التي تتراوح ما بين 1687 درهما/الشهر للأسرة في الوسط القروي و1745 درهما/الشهر للأسرة في الوسط الحضري، أي أن معدل مصاريف الفرد الواحد في الوسط القروي يقدر ب8,3 دراهم في اليوم مقابل 10,7 دراهم للفرد الواحد في المجال الحضري. وتأتي في المراتب الموالية خمس جهات معدل الفقر فيها يتجاوز المعدل الوطني، ويتعلق الأمر بكل من جهات مكناس تافيلالت (19,5 في المائة) ومراكش تانسيفت الحوز (19,2 في المائة) وسوس ماسة درعة (18,9 في المائة) والشرق (17,9 في المائة)، ثم عبدة دكالة (15,6 في المائة). إذا كان الفقر في المغرب ظاهرة قروية، إذ من بين كل خمسة مغاربة يعيش مغربي واحد في وضعية فقر، فإن هذا الواقع لا يختلف عنه في جهة الغرب الشراردة بني حسن، حيث تتسع رقعة الفقر، وأساسا في وسطها القروي. في هذه الجهة، ينتشر الفقر بمعدل يفوق 40 في المائة في عشر جماعات قروية، ويتعلق الأمر ب: - ست جماعات قروية تابعة لإقليمالقنيطرة هي: الحدادة (59,22 في المائة)، اولاد بنحمادي (45,0 في المائة)، بني مالك (44,39 في المائة)، سيدي علال التازي (42,30 في المائة)، أزغار (40,95 في المائة)، الشوافع (40,52 في المائة). تقع كل هذه الجماعات (باستثناء الجماعة القروية الحدادة) داخل المدار السقوي. - أما الجماعات القروية الأربع الأخرى، والتي تقع بإقليمسيدي قاسم، فهي: باب تيوكة (45,37 في المائة)، سيدي أحمد الشريف (45,06 في المائة)، سيدي اعمر الحاضي (44,00 في المائة)، انويرات (42,47 في المائة). ويتراوح معدل الفقر ما بين 30 في المائة و40 في المائة في 11 جماعة قروية، منها ست جماعات بإقليمسيدي قاسم وخمسة بإقليمالقنيطرة. وإذا كانت ظاهرة الفقر أكثر حدة في الوسط القروي، فإن المعدلات المسجلة بالمجال الحضري للجهة لا تقل أهمية، حيث تتجاوز المستوى الوطني الذي يقدر ب7,9 في المائة؛ ذلك أن نسبة الفقر في كل المراكز الحضرية، سواء تلك التي تقع بالمجال الترابي لإقليمالقنيطرة أو سيدي قاسم، لا تقل عن 9,9 في المائة مثلما هو الوضع في مدينة القنيطرة، كما تصل هذه النسبة إلى 25,70 في المائة بمركز للاميمونة بإقليمالقنيطرة وإلى 17,32 في المائة بالجماعة الحضرية دار الكداري بإقليمسيدي قاسم.
العالم القروي.. هشاشة اجتماعية حظي القطاع الفلاحي بالأولوية في البرامج الحكومية منذ حصول المغرب على الاستقلال، حيث انصب اهتمام الدولة بالخصوص على الفلاحة المسقية من خلال القيام بالتجهيزات المائية الكبرى وتجهيز عدد من الدوائر السقوية. ويعتبر سهل الغرب من أهم المناطق التي استفادت من المجهود الاستثماري الكبير الذي قامت به الدولة، وخاصة في إطار البرنامج الوطني للري. وقد كان من نتائج هذا الاختيار إهمال جزء كبير من العالم القروي. وتجلى ذلك في ضعف مؤشرات التنمية التي تبين أن هذا الوسط ما زال يعاني من العديد من مظاهر الإقصاء والتهميش. وتعتبر جهة الغرب الشراردة بني حسن نموذجا لهذه السياسة، كما يتجلى ذلك من خلال عدة مؤشرات، من أهمها: أ- التربية الوطنية.. التمدرس بالوسط القروي يشكو من عدة اختلالات: يعتبر مستوى التمدرس من المؤشرات الهامة التي تقاس بها التنمية، فكلما تحسن مستوى التعليم انعكس ذلك بشكل إيجابي على المجتمع؛ ذلك أن الشرط الحاسم لكسب رهانات التنمية ينحصر اليوم في توفير الكفاءة والمعرفة وحسن تدبير الموارد البشرية، وبالتالي المجالات التي تطغى فيها الأمية مقصية من التنمية. لهذا لا بد من توفير الإمكانات المادية والبشرية التي توفر المناخ المناسب لكسب رهانات التنمية، خصوصا من حيث التعلم وكسب المعرفة. - إمكانات مهمة غير مستغلة بالشكل المطلوب: تشتمل البنية التحتية للتعليم الابتدائي لجهة الغرب الشراردة على 943 وحدة مدرسية، توجد منها 800 وحدة بالعالم القروي، أي ما يمثل 85 في المائة. ويصل عدد التلاميذ إلى 231395 تلميذا، يمثل عدد تلاميذ الوسط القروي منهم نسبة 59 في المائة. يوزع هؤلاء التلاميذ على 7360 قسما، منها 4681 قسما بالوسط القروي، وهذا يعني أن معدل الاكتظاظ بالوسط القروي يقدر بحوالي 29 تلميذا في القسم مقابل 35,4 تلميذا بالوسط الحضري و31,4 تلميذا كمتوسط جهوي. إن ضعف معدل الاكتظاظ في الوسط القروي لا يعني أن البنيات التحتية للتعليم الأساسي تلبي حاجيات هذا الوسط، بل إن ذلك راجع إلى عدم إقبال كل أطفال هذا الوسط الذين هم في سن التمدرس على المدرسة. وتشير بعض الدراسات إلى أنه في سنة 1998 وصل عدد الأطفال غير الممدرسين في جهة الغرب الشراردة بني حسن والذين هم في سن التمدرس (8 - 13 سنة) إلى 148882 طفلا، أي ما يمثل نسبة 38 في المائة. ومعظم هؤلاء الأطفال من الوسط القروي الذي لا يتعدى معدل التمدرس فيه 39,4 في المائة، وتصل هذه النسبة وسط الفتيات إلى 41,5 في المائة مقابل 65,1 في المائة عند الذكور. وفي سنة 2005، وصل عدد الأطفال المسجلين في المدرسة إلى 293739 طفلا من بين 369955 طفلا هم في سن التمدرس؛ يعني هذا أن 76216 طفلا، أي 20,6 في المائة، كانوا في نفس السنة موجودين خارج المدرسة. لقد سجل بعض التحسن في نسبة التمدرس، ورغم ذلك فإن الظاهرة ما زالت تعرف انتشارا واسعا. لهذا فإن كل الفاعلين مطالبون بتسخير كل الإمكانيات المتاحة من أجل الرفع من مستوى التمدرس، وخاصة في ما يتعلق بالفتاة. كما يجب أن تنصب هذه المجهودات على الوسط القروي بالخصوص لما يعرفه من مستوى متدنٍّ في ما يخص تعميم التمدرس. ب- الصحة.. إمكانات لا تستجيب لحاجيات السكان: يعتبر قطاع الصحة من القطاعات الاجتماعية التي تحظى باهتمام خاص من طرف المواطنين لكونه يهم صحة الإنسان. وقد سجلت بلادنا في السنوات الأخيرة تحسنا ملموسا في عدد من المؤشرات المرتبطة بالجانب الصحي. ورغم ذلك، فإن ما تحقق لا يرقى إلى المستوى المطلوب في عدد من الجوانب الصحية (يتعلق الأمر، في كثير من الأحيان، بصحة الأم والطفل...)، وبسبب الفوارق الكبيرة في تقديم العلاجات الضرورية بسبب ضعف الإمكانات المتاحة، سواء على مستوى التجهيزات أو على مستوى الموارد البشرية. وتتميز جهة الغرب الشراردة بني حسن بكونها من المناطق التي تعرف تفاوتات صارخة في الاستفادة من الخدمات الطبية، خاصة وسطها القروي. - بنية تحتية مطبوعة بالتفاوت: تتوفر الجهة على127 وحدة صحية، منها خمس مستشفيات (مستشفيان إقليميان)، كما تضم الجهة أيضا عدة مراكز صحية، منها ما هو حضري ومنها ما هو قروي، وتمثل نسبة 74 في المائة من مجموع الوحدات الصحية التي تعمل في هذه الجهة؛ يضاف إلى هذا 28 مستوصفا قرويا. وعلى الرغم من أهمية هذه التجهيزات، فإن اعتماد المعايير في قياس خدمات هذه الوحدات يبين أن هذه الجهة ما زالت تعاني من نقص كبير في التجهيزات الحالية، فكثافة الوحدات الصحية ضعيفة والخدمات التي تقدمها لا ترقى إلى المعايير المعتمدة. يقدر المستوى الجهوي ب38520 قروي لكل مستوصف، بينما المعيار المعتمد يحدد هذا المعدل في 15.000 نسمة لكل مستوصف.. كما تعرف الجهة تفاوتا كبيرا ما بين إقليمسيدي قاسم، الذي يصل فيه هذا المعدل إلى مستوصف لكل 53774 نسمة، وإقليمالقنيطرة الذي يخصص فيه مستوصف لكل 31294 نسمة. هناك نقص حاد في المستوصفات القروية بما لا يقل عن 61 في المائة من حاجيات الجهة، مما لا يسمح بتوفير العلاجات الضرورية للسكان، ويساهم بالتالي في انتشار العديد من الأمراض. باحث في إعداد التراب والتنمية المحلية