يعتبر التقطيع الترابي اٍحدى الأدوات التي تلجأ اٍليها الدولة لتنظيم المجال، وقد عرف المغرب عدة مراجعات شملت الإدارة الترابية وكذا الجماعات المحلية ، كانت الدولة وما زالت تعلل هذه المراجعة، في الكثير من الأحيان، بدافع تقريب الإدارة من المواطنين، وأحيانا أخرى بدوافع اقتصادية واجتماعية ... وإستعدادا للإنتخابات التي ستعرفها بلادنا سنة 2009 ، أعدت وزارة الداخلية مشروعا للتقسيم الجماعي الغاية منه معالجة الإختلالات التي عرفها التقسيم الجماعي السابق، ومن أجل ذلك حددت مجموعة من المعايير، منها ما هو مجالي، وإقتصادي ، ومنها ما هو إجتماعي، وبيئي . ويعتبر إقليمالقنيطرة من الأقاليم التي تعرف فيه العديد من الجماعات المحلية تفاوتات مجالية وإقتصادية وإجتماعية، لهذا سنحاول من خلال هذه الدراسة معرفة إلى أي حد استطاع التقسيم الترابي للجماعات المحلية المرتقب معالجة الإختلالات التي يشكو منها تقطيع 1992 ؟ وإلى أي حد استطاع احترام المعايير المطلوبة في مشروع التقسيم ؟ أهداف ومعايير مشروع التقسيم الجماعي : يتوخى التقسيم الجماعي المنشود تحقيق عدة غايات حددتها وزارة الداخلية في مجموعة من النقاط نذكر منها : ملاءمة الإطار الترابي مع المعطيات الديموغرافية والمجالية والاجتماعية والاقتصادية. تثبيت الحدود الترابية للجماعات بشكل واضح. تجاوز العيوب التي شابت عمليات التقسيم الجماعي السابقة. تكثيف التهيئ الترابي للجماعات المحلية بالمرافق العمومية والتجهيزات الأساسية من أجل تقويم نقائص التقسيم الجماعي الحالي . ولتسهيل أجرأة عملية التقطيع، تم اعتماد محموعة من المعايير، حددتها وزارة الداخلية في أربعة : مجالية، واقتصادية، واجتماعية، وبيئية . ولا تسمح هذه الدراسة بمقاربة التقطيع الترابي بالإعتماد على تفصيل كل هذه المعايير لهذا سنقتصر على معالجة الموضوع من زاوية إجرائية، مثل السكان والمساحة والموارد الطبيعية والإقتصادية والبنيات التحتية ، آخذا بعين الإعتبار البعد البيئي الذي أصبح يشكل أحد رهانات التنمية المستدامة وهاجس كل الفاعلين . المعيار الديموغرافي :التقسيم لم يراع خلق توازن سكاني ما بين الجماعات : تنطلق الوزارة الوصية في مشروعها للتقطيع الترابي من مبدإ يرتكز على (ملاءمة التقطيع الجماعي مع المعطيات الديموغرافية ...) ،في هذا الإطار عرف التقسيم الجماعي بالمغرب عدة مراجعات آخرها كانت في سنة 1992 ، تمخض عنها ميلاد 1497 جماعة، مقابل 859 سنة 1984 (يتعلق الأمر هنا بالجماعات الحضرية والقروية )، وانتقل عدد القروية خلال نفس الفترة من 760 إلى 1298 جماعة ، أي إضافة 538 جماعة جديدة . وتضم جهة الغرب الشراردة بني حسن 73 جماعة تتوزع على 12 جماعة حضرية و61 جماعة قروية ، منها 33 جماعة بإقليمالقنيطرة، مقابل 40 بإقليمسيدي قاسم ، ويتساوى الإقليمان في عدد الجماعات الحضرية بست جماعات لكل منهما . ويقدر معدل سكان الجماعات القروية بإقليمالقنيطرة ب 20143 نسمة في كل جماعة قروية حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004 ، ولا يتعدى هذا المعدل 8711 نسمة على الصعيد الوطني . وتوجد بالإقليم 11 جماعة قروية ساكنتها أقل من المعدل الإقليمي ، بينما تعتبر جماعة وادي المخازن الوحيدة بإقليمالقنيطرة التي تقل ساكنتها عن المعدل الوطني بساكنة يقدر عددها ب 8384 نسمة (الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004)، كما توجد بالإقليم 18 جماعة قروية عدد سكانها لا يقل عن ضعف المعدل الوطني،وثلاث جماعات قروية قروية(بنمنصور=51856نسمة، عامر السفلية=41093نسمة ، بني مالك=43282 نسمة) ساكنتها تساوي ضعف المعدل الإقليمي . وتفوق بما لا يقل عن خمس مرات المعدل الوطني . من جهة أخرى ففي سيدي اسليمان نلاحظ أن مجموع سكان كل من الجماعة القروية أزغار(9972نسمة) والجماعة القروية اولاد بنحمادي(نسمة12100) يصل إلى 22072 نسمة ، (أي 70 في المائة من ساكنة الجماعة القروية دار بلعامري التي تقدر ب 31453 نسمة). وعلى الرغم من كون مشروع التقسيم يرمي إدخال دوار زهانة (عدد سكانه =4227نسمة) ، فإن عدد سكان جماعة دار بلعامري سيظل يضاعف ثلاث مرات سكان الجماعة القروية أزغارالتي تقع ما بين جماعتي دار بلعامري واولاد بنحمادي . هذه الوضعية تدفعنا إلى القول بأن المعيار الديموغرافي ليس بالعامل الأساسي في التقطيع الترابي للجماعات المحلية وأن قرار التقسيم لم يراع خلق توازن سكاني ما بين الجماعات . عامل المساحة لم يكن أساسيا في عملية التقطيع الجماعي: تعتبر المساحة من أبرز المعايير المعتمدة في التقسيم الترابي للجماعات المحلية، ففي سنة 1976 كان المعدل الوطني يقدر ب 829 كلم2 في كل جماعة ، وتراجع هذا المعدل مع التقسيم الجماعي لسنة 1992 إلى 482كلم2، حيث يقدر هذا المعدل بجهة الغرب الشراردة بني احسن ب144 كلم2 ، وب183 كلم2 بإقليمالقنيطرة . وبناء على هذه المعدلات نلاحظ أن جماعتين قرويتين مساحة كل واحدة منهما تساوي مرتين المعدل الجهوي والإقليمي، يتعلق الأمر بجماعة عامر السفلية(496كلم2)، وجكاعة القصيبية ( (358كلم2)، وتعتبر كل من الجماعتين القرويتين عامر السفلية وبنمنصور (300كلم2) موضوع مشروع التقسيم الجماعي المرتقب ، الذي يستثني الجماعة القروية القصيبية بالرغم من مساحتها الكبيرة، كما يضم إقليمالقنيطرة ثماني جماعات قروية تبلغ مساحة كل واحدة منها أقل عن 100كلم2 . من جهة أخرى يلاحظ أن المساحة الإجمالية لجماعتي الصفافعة وبومعيز تقدر ب 162 كلم2 (الصقاقعة=77كلم2 + بومعيز=85كلم2) . بينما تصل المساحة في الجماعة القروية القصيبية إلى 358كلم2، فالجماعتين معا : أي بومعيز والصفافعة لا تمثلان سوى 45 في المائة من مجموع تراب الجماعة القروية القصيبية، كما أن الجماعة القروية الصفافعة مساحتها لا تمثل سوى 21,5 في المائة من الجماعة القروية القصيبية التي لم تكن معنية بمشروع مراجعة التقطيع الجماعي الحالي . وهذا ما يعني أن عامل المساحة لم يكن أساسيا في عملية التقطيع الجماعي، وبالتالي فعدم تقسيم الجماعة القروية القصيبية يطرح أكثر من سؤال ؟ هل عدم إخضاع الجماعة القروية القصيبية للتقسيم الحالي يكمن في رغبة خلق جماعة قوية ومتوازنة لها الإمكانات اللازمة لكسب رهانات التنمية المحلية ؟ أم أن الأمر يتعلق بمعايير أخرى منها ما يرتبط بنفوذ بعض الشخصيات الوطنية الوازنة ، ومنها ما يرتبط بهواجس انتخابية ؟. المعايير الإقتصادية : تفاوت كبير في الإمكانات بين الجماعات المحلية: تستوجب التنمية الإقتصادية توفر الإمكانات اللازمة من موارد مالية وبشرية حتى يتسنى للجماعات المحلية كسب رهانات التنمية المحلية، لهذا فالتقسيم الجماعي مطالب بتوفير حد أدنى من الإمكانات البشرية والإقتصادية....التي تساعدها على تحقيق تنميتها، فإلى أي حد استطاع التقسيم الجماعي الأخذ بعين الإعتبار بهذه المقومات ؟. الموارد المالية : لا يخل التقطيع الجماعي من تأثير على المقومات المالية للجماعة، ذلك أن التقطيع قد يكون في صالح بعض الجماعات ويضر بجماعات أخرى، ففي كثير من الأحيان لا يراع التقطيع الإمكانات المالية التي تجعل من الجماعة فاعلا أساسيا في التنمية المحلية، ويترتب عن هذا تواجد جماعات غنية وأخرى فقيرة غير قادرة حتى على أداء أجور موظفيها وتلبية حاجياتها الضرورية في التسيير، وهذا ما يجعلها تعتمد بالدرجة الأولى على مساعدات الدولة في تدبير شِؤونها. عندما نرصد الإمكانات المالية للجماعات القروية بإقليمالقنيطرة نلاحظ أن هناك تفاوت كبير ما بين الجماعات، تتجلى مظاهر ذلك على أكثر من مستوى ،وسنتوقف عند بعض هذه المظاهر: تعتبر الجماعة القروية بومعيز بإقليمالقنيطرة أفقر جماعة قروية من حيث الموارد الذاتية، ذلك أن حصة الفرد الواحد من عائداتها الذاتية تقدر ب 7,44 درهما في السنة، في حين تعتبر الجماعة القروية الحدادة أغنى جماعات الإقليم ، إذ يصل هذا المعدل بها إلى 1037,57 درهم لكل فرد، إلا أنه في نفس الوقت فمعدل الفقر فيها يصل إلى 59,22 في المائة . فهذه الجماعة تعتبر أفقر جماعة في جهة الغرب الشراردة بني حسن، يصل عدد الجماعات القروية التي يتراوح فيها معدل حصة الفرد من الموارد الذاتية للجماعة ما بين 7 دراهم و14 درهما في السنة ب ست جماعات هي : بومعيز (7,44 د) ، الصفافعة (9.84 د)، بني مالك (9,91 د) ، لمساعدة (10,96 د)، سيدي بوبكر الحاج (11,00د) ، أزغار (13,25) . كما توجد تسع جماعات معدل حصة الفرد فيها تتراوح ما بين 26 درهما و 50 درهما في السنة، وهي:المكرن، قرية بنعودة ، سيدي محمد لحمر، سيدي علال التازي اولاد احسين ، سوق الثلثاء الغرب ، اولاد بنحمادي ، عرباوة ، البحارة اولاد عياد . ويقدر عدد الجماعات القروية التي يفوق فيها معدل حصة الفرد 100درهم في السنة عشر جماعات هي : بنمنصور، الشوافع، سيدي الطيبي، دار بلعامري، مولاي بوسلهام، لقصيبية،عامر السفلية، الحدادة . و يتجلى غياب التوازن في الإمكانات أيضا ، في كون مجموع ميزانية الجماعتين القرويتين أولاد بنحمادي (3068671.39 درهم) وأزغار (2519151.72 درهم )، وهما حماعتان متجاورتان يقدر ب 8.518.000 درهم ، بينما تصل ميزانية الجماعة القروية لقصيبية 15.879.900 درهم، أي أن ميزانية الجماعتين لا تمثل سوى حوالي 54 في المائة من ميزانية هذه الأخيرة . وإذا كان مشروع التقسيم يوصي ب(ضمان توفر مجال الجماعة على حد أدنى من التجهيزات والبنيات التحتية تضمن لها مداخيل مالية تمكنها من تحقيق تنميتها) فإن التقسيم المقترح بالنسبة للجماعة القروية عامر السفلية يوضح أن هناك تفاوت كبير بين الجماعتين عامر السفلية 1و2 ، فالأولى تتوفر على 450 هكتار من الغابة مقابل 5300 هكتار في الثانية . وتلعب الغابة دورا كبيرا في تمويل ميزانية الجماعة، حيث تعتبر الجماعة الثانية المستفيد الأكبر من التقسم الجماعي المرتقب . وهكذا يلاحظ أن الموارد المالية للجماعات المحلية متباينة لكون التقطيع لم يراع المساواة في توزيع الموارد المالية، وهذا ما يحد من دور الجماعات في كسب رهانات التنمية، على أساس هذه الاعتبارات ، وأمام تضخم المسؤوليات للجماعات المحلية، خاصة في الوسط القروي ، لابد من إعادة النظر في التقطيع الجماعي على أساس مراعاة الفوارق بين الجماعات الغنية والفقيرة ، والعمل على إدماجها في جماعة واحدة حتى يتسنى لهذه الجماعات تجاوز تفتيث الموارد المالية الضعيفة أصلا ، وفي نفس الوقت يتضح أن التقسيم الجماعي لم يحرص على احترام المعايير الإقتصادية خصوصا ما يتعلق بضمان مداخيل تساعد الجماعة على تحقيق تنميتها . استعمال المعايير البيئية يطرح سؤال كيفية توظيف هذه المعايير؟ نظرا لأهمية البعد البيئي في تحقيق تنمية مستدامة فقد كان من الضروري أن يشكل أحد أهم المعايير التي يجب الأخد بها في إعداد مشروع التقسيم الجماعي (...يجب أن يحضى البعد البيئي بمكانة خاصة نظرا لأهميته في تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة على صعيد مجموع الترابي الوطني ) (مذكرة وزارة الداخلية رقم 127 /2007). إن استحضار البعد البيئي في التقسيم الجماعي يقتضي تدبير واستعمال الموارد المحلية بشكل تراعى فيه شروط التنمية المستدامة والتكامل ما بين المجالات، لكن أهم سؤال يطرح عند استعمال المعايير البيئية هي كيفية توظيف هذه المعايير أثناء التقطيع الترابي للجماعات، فهناك الكثير من المشاكل البيئية التي تعرفها جهة الغرب الشراردة بني احسن، خاصة ما يتعلق ب: تلوث وادي سبو، ووادي بهت والذي تتسبب فيها عدة وحدات صناعية، كالمعامل السكرية التي تقع في تراب عدة جماعات تتوزع عبر كل من اقليمي القنيطرةوسيدي قاسم، وكذا معامل أخرى تقع في جهات أخرى . مشاكل النفايات، والمياه العادمة التي ترمي بها المراكز الحضرية والتي تتجاوز معالجتها امكانات وموارد الجماعات المحلية .... خلاصة : يستخلص من كل هذا أن المعايير التي اعتمدت في التقطيع الترابي للجماعات المحلية ترتبت عنها عدة اختلالات ما بين الجماعات من الجانب الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما يعني أن هذا التقسيم لم يكن بناء على دراسة معمقة تأخذ بعين الاعتبار تقسيم المجال ما بين الجماعات بشكل تراعى فيه خلق توازن في توزيع الثرواث ، خصوصا فيما يتعلق بالموارد المالية والمؤهلات الاقتصادية والاجتماعية التي تتوفر عليها هذه الجماعات . إن مسألة التقطيع الترابي ليست بالعملية السهلة فهي تتحكم فيها عدة إعتبارات تختلف بحسب الظروف، وتتعارض في كثير من الأحيان مع الواقع الإقتصادي والإجتماعي، ومعنى هذا أن هناك معايير أخرى ، كانت حاضرة في التقطيع الجماعي السابق، أو المرتقب، كما أن المشروع الحالي لم يستطع معالجة الإختلالات التي عرفها التقسيم الجماعي السابق والذي أدى إلى وجود جماعات غنية وأخرى فقيرة ، تشكو من خصاص كبيرفي العديد من التجهيزات والمرافق الإجتماعية التي يحتاجها السكان . ولا تتوفر على الموارد الكافية التي تتطلبها التنمية المحلية .وهذا ما يجعلها جماعات تعتمد في تسييرها على إمدادات الدولة ، ومن تم تبعيتها المطلقة لها .