أضحى "التقرير الوطني حول أهداف الألفية من أجل التنمية"مرجعا دوليا ونموذجا في متابعة مؤشرات التنمية البشرية.والتقرير يكتسي أهمية خاصة، بالنظر إلى أنه سيطعم تصريح الأمين العام الأممي الذي سيلقيه في قمة رؤساء الدول المنتظر عقدها في شتنبر المقبل، بغرض تقييم حصيلة وآفاق تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ويعد تقرير 2009، الذي تم إعداده بتعاون مع المصالح الوزارية المعنية وبتشاور مع وكالات الأممالمتحدة المعتمدة في المغرب وجمعيات المجتمع المدني وممثلي الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والجامعية، آلية تقييمية لحصيلة وآفاق تحقيق أهداف الألفية للتنمية في المملكة قبل حلول 2015 بست سنوات. والتقرير يحتوي على تطور المؤشرات في مجال تقليص الفقر وتعميم التعليم الابتدائي والنهوض بالمساواة بين الجنسين واستقلالية النساء، والحد من وفيات الأطفال دون سن الخامسة وتحسين الصحة الإنجابية ومكافحة مرض فقدان المناعة المكتسبة والملاريا وأمراض أخرى، والتنمية المستدامة والشراكة العالمية من أجل التنمية. و أثر الأزمة العالمية والتغيرات المناخية على مسار تحقيق أهداف الألفية للتنمية بالمغرب، فضلا عن الصعوبات والتحديات التي يواجهها تحقيق كل هدف، وكذا الاستراتيجية المعتمدة من أجل تسريع وتيرة تحقيق هذه الأهداف. ويتضمن التقرير كلمة تقديمية للمندوب السامي للتخطيط السيد أحمد الحليمي علمي أبرز فيها أن المغرب قادر، حسب التقييم بطريقة الإسقاطات المعتمدة من طرف برنامج الأممالمتحدة للتنمية، على تحقيق أهداف الألفية للتنمية في أفق 2015، كما أن مقاربة المندوبية المعتمدة على النماذج الاقتصادية ترجح تقييما أكثر شمولية لقدرة السياسات العمومية على تحقيق هذه النتيجة. وأضاف أن غنى التقرير والاهتمام الذي حظي به لدى مكونات الرأي العام، يرجع إلى طبيعة التحليل الشمولي الذي تم اعتماده في إعداد وعرض التقرير. كما يعتمد التقرير مقاربة تقوم على أساس نموذج توازن حسابي عام دينامي من خلال إجراء محاكاة لقياس مدى أثر البرامج القطاعية الحكومية للتنمية على أهداف الألفية، حيث يشير إلى أن استمرار السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومة في مجال الضرائب والمالية والتجارة والاستثمار، سيمكن المغرب من تسجيل تطور مهم في مختلف المجالات. وأضاف أنه فضلا عن تعميم التعليم الابتدائي، فإن معدل التزود بالماء الصالح للشرب سيصل إلى 8ر94 بالمائة في أفق 2015، ومعدل الولوج إلى شبكة التطهير إلى 96 بالمائة، غير أن مؤشرات وفيات الأطفال والأمهات، وبالرغم من تحسنها، ستبقى دون المستوى المتوخى، إذ سيمر من 2ر32 وفاة في ألف ولادة في 2008 -2009 إلى 5ر29 عوض 3ر25 كقيمة مستهدفة. كما أن الموقع الإلكتروني الجديد للمندوبية الذي يهتم بمواضيع التنمية البشرية وأهداف الألفية من أجل التنمية (المفاهيم وقياس المؤشرات والتتبع والتقييم) والإشكاليات الكبرى للتنمية البشرية عموما، وطرق قياسها بصفة خاصة، موفرا كذلك أكبر قدر من التفاصيل حول الجوانب الأكثر دلالة لسياسة وممارسات ومنجزات المغرب في هذه الميادين. وسيعرض الموقع خلاصات اللقاءات العلمية والمناقشات التي تنظمها أو تساهم فيها المندوبية داخل المغرب أو خارجه، كما سيشكل أداة للتواصل حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب في علاقتها بأهداف الألفية للتنمية ومختلف مكونات التنمية البشرية بشكل عام، بما فيها الورش الكبير للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فضلا عن تقديم معطيات إحصائية ودراسات حول النمو والتنمية البشرية بالمملكة. وتضمن التقرير الوطني حول أهداف الألفية من أجل التنمية المنجز من طرف أطر وموظفي المندوبية السامية للتخطيط، الإنجازات التي عرفتها القطاعات الاجتماعية، خاصة التعليم والصحة، حتى يكون المغرب في الموعد عام 2015. نظراً لأهمية مواد هذا التقرير، ندرج منه ما يكشف عن تناقضات الدولة بين القول والفعل، وما يؤكد ما نقوله باستمرار من سن لسياسة الترقاع بدل سياسة وطنية لا طبقية لا انتقائية تساهم في الحرية والتنمية والاستقرار. وإذ نوصي ليس فقط علماء السياسة والاجتماع والتاريخ بدراسة التقرير برمته، ولكن كذلك كل مواطن حتى يتأكد من حقائق علمية شهد عليها أطر المندوبية السامية للتخطيط الذين يقومون بأعمال جد إيجابية لكنها مع الأسف، غير ملزِمة للدولة ومؤسساتها والمجالس المحلية المنتخبة. تضاعف متوسط معدل التزايد السنوي لنفقات الاستهلاك لكل فرد، بالسعر الثابت، ثلاث مرات تقريباً خلال الفترة ما بين 2001 و 2007 مقارنة بنظيره خلال الفترة ما بين 1985 و 2001، وذلك بسبب ارتفاع الدخل الإجمالي لكل فرد بنسبة 4,3% سنوياً على الخصوص. وقد استفادت من هذا التحسن، الطبقات الميسورة والمتواضعة أكثر من الطبقات المتوسطة. وانتقل معدل تزايد النفقات لكل فرد من 1,1% ما بين 1985 و 2001 إلى 3,2% ما بين 2001 و 2007 بالنسبة للطبقات المتواضعة، ومن 0,9% إلى 4,3% بالنسبة للطبقات الميسورة ومن 1,1% إلى 2,9% بالنسبة للطبقات المتوسطة (2). وقد عمل هذا التطور على استقرار الفوارق الاجتماعية. وعن قياس التوزيع الاجتماعي لنفقات الاستهلاك بواسطة مؤشر (GINI)، فقد استقر ما بين 2001 (GINI = 0,4063) و 2007 (0,4072) (3) بعد اتجاه نحو الارتفاع ما بين 1990 و 2001 (البيان 7). ويرجع استقرار الفوارق الاجتماعية خلال سنوات 2000 إلى عوامل عدة نذكر منها الاستهداف الجغرافي للموارد العمومية المخصصة لمكافحة الفقر، بما في ذلك تلك الخاصة بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وارتفاع مستوى المعيشة ليس فقط لدى الساكنة الأشد فقراً، ولكن لدى الساكنة القروية بشكل عام. وبالفعل، فقد عرف معدل الفقر النسبي تقلصاً ما بين 2004 و 2007 بنسبة 41,6% في الجماعات القروية المستهدفة من قبل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مقابل 27,8% في باقي الجماعات القروية. وبنفس الكيفية، فقد حصلت الساكنة الفقيرة لأول مرة فيما بين 2001 و 2007 منذ 1985 ، على نفس الاستفادة النسبية من النمو التي حصل عليها الأغنياء (غير الفقراء) (4) وبموازاة ذلك، فقد تقلصت نسبة متوسط النفقات للفرد بالوسط الحضري إلى متوسطها بالوسط القروي لأول مرة منذ 1970 من 2 سنة 2001 إلى 1,8 مرة سنة 2007. ومع ذلك، فرغم استقرار الفوارق ما بين 2001 و 2007، فإن 10% من السكان الأكثر يسراً استحوذت في سنة 2007 على 33% من استهلاك الأسر، ونفقة لكل فرد تبلغ 12 مرة نظيرتها لدى 10% من الأشد فقراً. وهكذا تبين من الأبحاث التي تقوم بها المندوبية السامية للتخطيط أن تقلص الفوارق الاجتماعية والمجالية لا يعود فقط الى الاستهداف الجغرافي للموارد العمومية، ولكن مرجعه أيضاً إلى الارتقاء والحركية الاجتماعية المتصاعدة والممركزة بالخصوص في الفئات السفلى والمتوسطة من المداخيل . في هذا المجال، يجب رفع تحديين أساسيين: يتمثل التحدي الأول في تحصين المكتسبات في مجال محاربة الفقر والجوع. وقد حقق المغرب سنة 2007، أي 8 سنوات قبل أفق 2015، النسب المستهدفة للهدف 1 والخاصة بالفقر والجوع. بحيث تم تقليص كل أشكال الفقر بأكثر من النصف ما بين 1990 و 2008: تقلص الفقر البالغ 1 دولار أمريكي (تعادل القوة الشرائية) بنسبة 84,0%، والفقر الغذائي بنسبة 80,4%، والفقر المطلق بنسبة 71,2%، والفقر البالغ 2 دولار أمريكي (تعادل القوة الشرائية) بنسبة 73,4%، والفقر النسبي بنسبة 58,1%. أما التحدي الثاني، فيتعلق بمواجهة تصلب تقليص الفوارق الاجتماعية التي عرفت استقراراً خلال سنوات 2000، بعدما عرفت ارتفاعاً خلال التسعينات. وينبغي التذكير بأن الفقر في المغرب يتأثر بالإنصاف في توزيع المداخيل بصفة أكثر من النمو الاقتصادي (6)، مما يجعل القضاء على الأشكال المتبقية من الفقر رهيناً بالإنصاف الاجتماعي والمجالي. في هذا الصدد، وفي إطار الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على وتيرة العمل لمكافحة ظاهرة الفقر، قامت وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن بدعم تقني من برنامج الأممالمتحدة للتنمية وبتشاور مع مجموع الشركاء، بإعداد إطار استراتيجي وطني للتقليص من الفقر، يندرج كلياً ضمن فلسفة ومنظور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ويسعى بشكل شامل إلى إنجاح هذه المبادرة. ويتعلق الأمر بإطار منهجي يطمح إلى إنشاء فضاء جامع وعملي من أجل تنسيق وتآزر أكبر ما بين تدخلات مختلف الفاعلين المنخرطين في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومصالح الدولة، والجماعات المحلية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص وهيئات التعاون الدولي. ويسعى هذا الإطار إلى خلق ترابط متين ما بين المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يستدعي الأخذ بعين الاعتبار، بالنسبة لكل مستوى من هذه المستويات الثلاثة، الأسباب والعوامل التي يتولد عنها الفقر والإقصاء الاجتماعي.