بقلم: خالد عمر عبد الحليم شكِّل غياب إيران عن مؤتمر «جنيف 2» ضربة قوية للمؤتمر قد تقلل فرصه فى التوصل إلى أى نتائج من شأنها أن تنهى الحرب الأهلية القائمة منذ سنوات فى سوريا، فطهران وحليفها حزب الله يعدان الطرف الأهم على الأرض بجانب قوات الرئيس بشار الأسد حالياً، وأى محاولة للتوصل لاتفاق دون موافقة إيرانية واضحة لن يُكتب لها النجاح باعتراف المسؤولين الإيرانيين، وبعض الأطراف المشاركة فى المؤتمر، خاصة روسيا. ويراهن البعض فى الغرب على أن إيران ستتخلى عن الأسد فى ظل سعيها الأخير للتقارب مع الغرب بشأن برنامجها النووى، للخروج من أزمتها الاقتصادية، غير أن هذا الرهان يخلط بين ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية منذ الثورة الإسلامية 1979 وبين متغيراتها، ويعتبر التحالف مع سوريا من ثوابت تلك السياسة الإيرانية، التى لا يمكنها التخلى عنها، نظرا لأهمية سوريا الاستراتيجية فى الضغط على إسرائيل، وحفظ المصالح الإيرانية فى لبنان عبر حزب الله. فطهران تعلم أن الهدف الرئيسى لواشنطن ليس إيقاف البرنامج النووى فحسب، ولكن الإطاحة بالنظام الإيرانى ككل، ولذا فهى لن تتخلى عن سوريا، التى لا تشكل ورقة مهمة فحسب، لكنها الوسيلة المضمونة لإيصال الأسلحة لأهم حلفائها، وأذرعتها فى المنطقة «حزب الله»، ولن تتخلى عن الأدوات، التى تجعل استهدافها عسكرياً مكلفاً للغاية للولايات المتحدة وإسرائيل، لذا فإن إيران أرسلت العديد من رسائل الطمأنة للنظام السورى فور إبرامهما اتفاق «جنيف» حول برنامجها النووى من خلال الزيارات، التى قام بها المسؤولون الإيرانيونلدمشق، والتصريحات المتتالية حول استمرار الدعم الإيرانى لنظام الأسد، وإقرار دمشق وحزب الله بهذا الدور فى القتال بجانب النظام السورى، بينما تسعى طهران فى الوقت نفسه إلى استغلال تقاربها النووى مع الولاياتالمتحدة بتلميح الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، إلى إمكانية إعادة فتح السفارة الأمريكية فى طهران بعد إغلاقها منذ الثورة الإسلامية عام 1979. كما أن سوريا تأتى فى إطار الحلف الكبير المناهض للولايات المتحدة فى المنطقة، فطهران، المتحالفة مع روسيا والصين، مثلها مثل النظام السورى تسعى لخدمة مصالح حلفائها الدوليين بالإبقاء على نظام الأسد، ولهذا جاءت التأكيدات الروسية المتعاقبة بأن غياب طهران خطأ لا يغتفر سينهى على فرص نجاح المؤتمر. أما بالنسبة لحزب الله فهو يعى تماماً أنه لا يمكنه السماح بسقوط الأسد دون العمل على إقرار ترتيبات تسمح بوصول السلاح إليه بانتظام، خاصة أن القوى المعارضة للأسد أعلنت بصراحة عن عدائها الحزب، وغالبيتها تنسق مع خصوم الحزب الإقليميين، مثل السعودية والإمارات، وتحصل منهم على الدعم المادى والعسكرى والسياسى. ولهذا دخل الحزب إلى المعركة بكامل قوته وبمقاتليه حتى إن تقارير أشارت إلى قيامه بحملات تجنيد بين قواعده، بهدف إرسال المزيد من المقاتلين إلى الجبهة المصيرية للحزب فى سوريا، واستمر الحزب فى الحرب فى سوريا رغم الخسائر البشرية والمادية، التى تلحق به، وتعرض جبهته الداخلية الضيقة للاختراق، وهو ما يظهر من التفجيرات العديدة، التى وقعت فى الضاحية الجنوبية، المقر الرئيسى للحزب. ويبدو أن فرص نجاح «جنيف 2» تكاد تكون محدودة، ويبدو أن المؤتمر لا يتعدى كونه محاولة للضغط على النظام السورى، الذى ساهمت النجاحات الأخيرة، التى أحرزها على الأرض فى تقوية موقفه التفاوضى، فالمؤتمر لم يضم إيران كأهم لاعب إقليمى، ولم يسع لطمأنتها وتوفير بدائل عملية عن نظام الأسد، وهو ما سيجعله عبارة عن «اتهامات» متبادلة بين الأطراف المشاركة، وليس مفاوضات حقيقية لإنهاء الصراع.